وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 5 - سورة الحشر - تفسير الآية 20 ، المؤمن والفاسق لايستويان
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين :
أيها الأخوة الكرام :
الآية العشرون والتي بعدها من سورة الحشر وهي قوله تعالى :

﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾

 من يقول يستويان ؟ لا أحد، أما الذي يسلك طريق النار لسان حاله يقول يستويان، لا أحد يقول بلسانه يستويان.

 

﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)﴾

 هذا لسان القال، أما لسان الحال، الذي لا يعمل للجنة ويسلك طريق النار، عنده الجنة والنار سيان، لأنه لا يعمل للجنة ولا يتقي النار، كأنه سوى بينهما، لو بحثنا عن آيات كريمة، تنفي المشابهة.

 

 

﴿ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ﴾

 

( سورة السجدة : 18 )

 يعني إنسان صادق، آمين، رحيم، منصف، متواضع محسن، مستقيم طليق اللسان، يده سخية بالعطاء، أب مثالي، ابن بار، هذا الإنسان المؤمن كإنسان فاسق، يضرب أباه، ويسهر حتى ساعة متأخرة في النوادي الليلية، ويرتكب الموبقات، ويشرب الخمر أيعقل هذا ؟!

 

﴿ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ﴾

 

( سورة السجدة : 18 )

﴿ أفنجعل المسلمين كالمجرمين ﴾

( سورة القلم : 35 )

 إنسان يبني مجده على أنقاض الناس، يبني غناه على فقرهم يبني راحته على متاعبهم، كيف ينام الليل ؟
شيء ثالث :

 

﴿ أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين ﴾

 

( سورة طه : 61 )

﴿ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ﴾

( سورة الجاثية، 21 )

أيها الأخوة :
 أنا أركز على فكرة خطيرة جداً، أن يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أن يستوي المؤمن والفاسق، أن يستوي المسلم والمجرم، أن يستوي من وعد وعداً حسناً، ومن كان من المحضرين هذا لا يتناقض مع عدالة الله فحسب، بل يتناقض مع وجود الله.
أنت أمام خيار صعب، إما أن تؤمن بالعبثية، أنهم أقوياء ضعفاء، أغنياء، وفقراء، أصحاء، ومرضى، جميلوا الصورة ودميموا المظهر، يأتي الموت ينهي كل شيء، وخلص.
أنت إذا كنت بمسرحية ولا تفعلها، فرضاً، وجرى فصل من فصول المسرحية، وفي واحد ظالم والثاني مظلوم، وألقي الستار هل تقوم من المسرحية ؟ طيب ما انتهى ؟ لا، ما انتهت المسرحية لابد من أن تسوى الحسابات.
 هناك دليل عقلي على الدار الآخرة، الله خلق أقوياء وضعفاء، أغنياء، وفقراء، أصحاء، ومرضى، أصحاب شأن كبير وأصحاب تفاهة، طيب هل يعقل أن تنتهي الحياة هكذا ؟ هذا هتلر الذي خلف 55 مليون قتيل، يعني بعد ما مات انتهى كل شيء ؟ طغاة العالم يلي سببوا مآسي لا تنتهي، آثارها حتى اليوم في هيروشيما باليابان، هؤلاء فعلوا ما فعلوا، وانتهى كل شيء !! ليس هناك بعد الموت شيء ؟ هذا معناه أنك مؤمن بالعبثية، والله عز وجل قال :

﴿ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ﴾

( سورة المؤمنين : 115 )

 بلا حساب، تصور جامعة، أبنية فخمة، مدرجات قاعات تدريس، حدائق، مكتبة ضخمة، مدينة جامعية، هل يعقل أن يبقى العام الدراسي بلا امتحان، يستوي الكسول مع المجتهد، طالب ما نام الليل طوال العام، وطالب ما درس كلمة، وفي نهاية العام يعطى الطالبان علامة واحدة شكلية !! هل يقبلها الإنسان ؟

 

﴿أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ﴾

 

( سورة العنكبوت : 2 )

 حينما لا تتقي الله، ولا تسلك طريق الجنة، وحينما تزل القدم إلى طريق النار، معنى ذلك أنه عندك تستوي الجنة والنار، لو أنهما لا تستويان لبحثت عن طريق الجنة، واتقيت طريق النار.

﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)﴾

أيها الأخوة الكرام :
 من هو العاقل ؟ التي تأتي مقاييسه وفق مقاييس القرآن الكريم الآن مجتمع المادة من هو الفائز ؟ الغني، بصلي ما بصلي، شارب خمر، ما دام غني محترم جداً، بالعالم المادي من هو المحترم جداً ؟ القوي، إذا كان له مكانة كبيرة في المجتمع، وله منصب حساس، محترم جداً، طيب، هذا مقياس الأرض الذي عنده أراضي يلي عنده فيلات، مزارع، بساتين، عنده شركات ضخمة، هذا في مقياس الأرض، طيب، في مقياس الله عز وجل.

﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)﴾

 رب أشعث أغبر ذي طمرين، مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره، أهلاً بما خبرني جبريل بقدومه، قال : أو مثلي ‍‍‍‍‍‍؟ قال نعم يا أخي، خاملٌ في الأرض علم في السماء.
هي البطولة أن ترتقي في مدارج القرب من الله، ولا تعبأ في مقاييس البشر.
أحد التابعين الأجلاء

(( سعيد بن المسيب ))

 فمرةً قال سيب الله من سيبني المُسيب

(( سعيد بن المسيب ))

 كان قاضي كبير، وخطب ابنت

(( الوليد بن عبد الملك ))

 الذي بنى مسجد الأمية الكبير، فرفض عنده تلميذ فقير جداً غاب عن درسه مرةً فسأل عنه، فلما قدم عليه قال له : يا سيدي لقد ماتت زوجتي، قال له : هل لك في زوجة؟ قال له : والله أتمنى، قال له : سأعطيك ابنتي، كاد يختل توازنه، رجل كبير الشأن، عظيم العلم، له مكانه كبيرة، قال له : يا سيدي لا أملك شيئاً، قال له : كم تملك، قال له : درهماً، قال له : زوجتك على درهمين القصة ليست هنا، هذا ذهب إلى بيته هذا الشاب التي ماتت زوجته، من أين يأتي بحاجات الزوجة الجديدة ؟ فجلس، وكان صائماً يأكل، طرق الباب، قال من الطارق ؟ قال : سعيد، قال : والله تصورت أربعين سعيد، وما كنت أتخيل أن شيخي سعيد بن المسيب هو طارق الباب، طرق الباب، نعم يا سيدي، قال له هذه زوجتك كرهت أن تبيت الليلة وحدك، فإذا هي عالمةٌ، فقيهةٌ، حافظةٌ لكتاب الله، على أي مقياس زوجها ؟ على مقياس أهل الدنيا ؟ لما على مقياس أهل الآخرة
 قال : زوج ابنتك للمؤمن، إن أحبها أكرمها، وإن لم يحبها لم يظلمها يخاف الله عز وجل.

﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)﴾

 في شيء دقيق بالموضوع : موضوع لسان الحال، زرت طبيب وصف لك وصفة، أثنيت على علمه، شكرته بحرارة، ولم تشتري الوصفة، لأنك لست قانعاً بهذه الوصفة، فثنائك عليه واحترامك له، ومصافحتك، لها قيمة ؟ أنت كذبته بلسان حالك، لا بلسان قالك.
فالإنسان حينما لا يسعى إلى الجنة، وبابها مفتوح، طريقها طاعة الله طريقها طلب العلم، طريقها إنفاق العلم، طريقها إنفاق المال، حينما لا تسعى إلى الجنة، ولا تتقي النار معنى ذلك أنك لا تعبئ لا بالجنة ولا بالنار، معنى ذلك أنهما يستويان عندك، يستويان وربنا عز وجل يقول :

 

﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)﴾

فالمشكلة أن تبحث عن الفوز لا في مقياس البشر، بل بمقياس رب البشر أن تبحث عن الفوز، لا عند الناس، بل عند الله.
من هنا قال عليه الصلاة والسلام : ابتغوا الرفعة عند الله.
 بالمناسبة : لا تصاحب من لا يرى لك من الفضل مثلما ترى له أنت إنسان مؤمن، كل مكتسبات بإيمانك، واستقامتك، ومعرفة بالله عز وجل، لو صاحبت إنسان مادي، لا يعبئ بعلمك، بل يقيمك بمالك فتعاني منه ما تعاني، فالنبي الكريم ورد عنه : لا تصاحب من لا يرى لك من الفضل مثل ما ترى له.
ومن سعادة المرء، أن يكون الذين حوله على شاكلته، يعني أعظم إكرام للإنسان يكون محاط بأناس مؤمنين، يفهمون عليه يقدرون إيمانه، يعرفون القيم الأخلاقية.
يعني نحن في آخر الزمان، يصبح المعروف منكراً، إذا إنسان أتيح له أن يمارس شهوة من طريق غير مشروع ورفضها هو عند الناس مجنون، أما هو عند العقلاء عاقل، أما عند البله أبله.
 إذاً : يجب أن نبحث عن مقياس الله عز وجل، الله بحب الصادق، يحب الآمين، يحب المنصف، المقسط، يحب المحسن والله الذي لا إله إلا هو، قد تجد إنسان، في أدنى درجة اجتماعية لكن يحب الله ورسوله، ويخشى الله، هذا قلامة ظفره أغلى عند الله من ألف من العصاة، من مليون من العصاة، فنحن بطولتنا أن تكون ذا مكانة عند الله.

 

 

﴿ إن المتقين في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر﴾

 

( سورة القمر : 54 ـ 55 )

 والله عز وجل لا يحتاج إلى يمين تحلف له، ولا إلى إيصال توريه إياه، ولا إلى شهادة، يعلم السر وأخفى، علاقة معه سهله جداً أخلص قلبك، طهرت منظر الخلق سنين، أفلا طهرت منظري ساعة قلبك منظر ربك.

 

﴿ يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم ﴾

 

( سورة الشعراء : 88 ـ 89 )

رأس مالك في الجنة قلبك السليم، الذي لا ينطوي لا على غلٍ ولا على حسدٍ، ولا على حقدٍ، ولا على بغض، ولا على مكراً، هذا رأس مال المؤمن، قلب سليم.
سيدنا عمر يقول تعاهد قلبك.

 

 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمن ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم..

إخفاء الصور