وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة التغابن - تفسير الآيات 7 - 9 ، يوم التغابن
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
أيها الأخوة الكرام:
الآية السابعة من سورة التغابن وهي قوله تعالى:

﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)﴾

أخوانا الكرام:
 عامة المسلمين يؤمنون بالله واليوم الآخر، إيماناً ضبابياً لو أنهم آمنوا باليوم الآخر إيماناً حقيقياً، لا يمكن للإنسان أن يعصي الله أبداً، لأنه الحساب عسير، والخسارة كبيرة، والعقاب أليم، والعقاب مديد، فهذا الإيمان الضبابي، هذا التسليم الساذج، هذا لا يقدم ولا يؤخر.

﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا﴾

 أنت حينما تؤمن بالله واليوم الآخر، تستخدم ميزان خاصاً قبل أن تؤمن باليوم الآخر، قد تجد كسب المال الكثير بطريق غير مشروع، قد تجده ذكاء وشطارة، وتفوق، أما حينما تؤمن بأن الله سيحاسبك عن كل درهم اكتسبت، من أين اكتسبت وكيف أنفقت تستخدم مقياس الحساب، عندئذ تركل بقدمك ألوف الملايين وتقبل بمبلغ بسيط حلال، فلن يستقيم سلوكك إلا إذا آمنت باليوم الآخر، إن أردت أعمق من ذلك كل ما يقال عن الوازع الداخلي، والضمير، هذا كله كلام فارغ، حينما تخاف من الله تستقيم على أمره، حينما تؤمن أن الله ستقف أمامه ليسألك عن كل شيء، عن صلتك، وعن قطيعتك عن عطائك، وعن حرمانك، عن ابتسامتك، وعن عبوسك، عن زواجك، وعن طلاقك، أي شيء فعلته تسأل عنه وله حساب عسير.

 

﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا﴾

 ما في إنسان يعصي الله عز وجل إلا ومتوهم ما في آخرى هذه الدنيا هي كل شيء، وإذا أقر بلسانه فعمله لا يؤكد هذا الإقرار إنسان يأخذ ما ليس له ويعلم علم اليقين أن في الآخرة عذاباً أليماً إلى أبد الآبدين، ولن يتفلت من عذاب الله مستحيل، أو يكون مجنون إنسان بعقله وموقن أن الحساب عسير، ويأخذ ما ليس له، يرتكب المعاصي والأثام هذا تفكيره معطل.
فلذلك:

 

 

﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)﴾

 تصور إنسان يرى عمله عملاً، عملاً، بتفصيلاته، بدقائقه ببواعثه بمؤداه، بكل ملابساته.

 

 

﴿ اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ﴾

 

( سورة الإسراء: 14 )

﴿ مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ﴾

( سورة الكهف: 49 )

 لذلك هذا الأعرابي الذي سأل النبي عليه الصلاة والسلام أن يعظه دون أن يطيل، قال عليه الصلاة والسلام تلا عليه قوله تعالى:

 

﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ﴾

 

( سورة الزلزلة: 7 )

 ما كان من هذا الأعرابي تأمل، قال: كفيت، تكفيني هذه الآية إلى الموت، نحن 600 صفحة، مجود، ومرتل، ومفسر وكتب تفسير، وأشرطة، وأشرطة مرئية، ومكتبة ضخمة، وخطب ودروس، ومواعظ، ومع ذلك اغتصاب المال على قدم وساق، إما بطريق صريح، أو بطريق الاحتيال، والغش، والكذب، والتزوير وكأن الله لن يحاسب أحداً، وكأن الحياة الدنيا هي كل شيء وكأن الموت كلام فارغ.
لذلك:

 

﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ﴾

 مثل واضح جداً، إنسان يعمل في مصلحة، فلما تأتيه آله للتصليح قد يطلب سعر معين، يفتحها يجد أنها غير معطلة، قبل أن يؤمن باليوم الآخر يأخذ المبلغ نفسه خمسة آلاف، فلما آمن باليوم الآخر أخذ خمس وعشرين ليرة، عوض الخمسة آلاف، لأنه عرف في حساب، تأخذ منه هذا المبلغ لقاء ماذا، الآلة غير معطلة، فيها فصل بسيط.

 

 

﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾

 اخترت هذه الآية لعلاقتها باسم السورة، سورة التغابن التغابن ؛ أنه في هذا اليوم يشعر الإنسان أنه مغبون جداً حينما أقبل على الدنيا ونسي الآخرة.
مغبون جداً حينما تعلق بالسفاسف وترك الأشياء الصحيحة.
مغبون جداً حينما تعلق بالخسيس وترك النفيس.
مغبون جداً حينما جعل الدنيا هي كل همه، ومبلغ علمه.
 كلمة مغبون ؛ كلمة عميقة جداً، يعني أنت في الدنيا، إن اشتريت قطعة ثياب وتوهمت أنها من صنع دولة عظيمة في النسيج الصوف، ثم اكتشفت أنها خيط صناعي، وخيط مستعمل سابقاً وقيمتها لا تساوي عشر الثمن، يعني من أجل ثياب تتألم أشد الألم دفعت مبلغ كبير، وأخذت شياً خسيساً، هذا التغابن، هذا الغبن الفاحش.
بعت بيت بمليونين وحقه خمس ملايين، يعني ما انتبهت اشتريت شيء بسعر غالي جداً، هذا الشيء مستعمل طلع، مجدد، هذا الغبن.
 فأنت بالدنيا لا تحتمل الغبن، أما إذا اكتشف الإنسان أنه ضيع دنياه في القيل والقال، وتوافه الأعمال، ونسي الآخرة، ذات الأمد المستمر، هنا يأتي الشعور بالغبن، قال هذا اليوم اسمه يوم القيامة واسمه الحاقة، واسمه الواقعة، واسمه الطامة، ومن أسمائه يوم التغابن، لا تعرف الغبن إلا يوم القيامة.

 

 

﴿ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ﴾

 

( سورة الكهف: 103 )

 والله آلاف القصص، وأنا لا أتكلم من فراغ، والله آلاف القصص، بعقله، وإدراكه، وذكائه، يغتصب ما ليس له، يغش في البيع والشراء، يعني ممكن تبيع بيت شمالي وتقول له قبلي، ممكن الدلال بصلي العشاء باتجاه الشمال حتى يوهم الشاري أنه قبلي، بدي صلي العشاء عندكم سجادة صلاة، ووضعها باتجاه الشمال، وقبلي بقول له، ممكن تبيع بضاعة منته مفعولها، ممكن دواء انتهى مفعوله وتحك مكان التاريخ وتبيعه، والله الذي يفعل ذلك اليوم الآخر ما آمن به إطلاقاً، ممكن توهم إنسان بدك عملية وهو ما بدو عملية القصص لا تعد ولا تحصى، بكل الحقول، بالتجارة، بالصناعة بالطب، بالهندسة، بالعمار، بالتدريس، بالعلم، بالمحاماة، في كل المجالات، الكذب على قدم وساق، وابتزاز المال على قدم وساق والغش على قدم وساق، والإيهام على قدم وساق، والاحتيال على قدم وساق، هؤلاء الذين يصلون في المساجد.
لن تغلب أمتي من أثني عشرة ألف من قلة
أثني عشرة ألف من قلة، لن يغلبوا في الأرض، أما مليار ومائتين مليون مغلوبين لأنهم فهموا الإسلام طقوساً تؤدى، صلوات تؤدى، ما فهموا الإسلام سلوكاً يمارس، ما فهموا الإسلام قيماً ترعى فهموه عبادات جوفاء تؤدى.
لذلك:

 

﴿ فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ﴾

 

( سورة الكهف: 105 )

 يعني أنا أقول لكم هذه الكلمة هان أمر الله عليهم فهانوا على الله، هانت على الله كرامتهم، وهانت على الله عزتهم، وهانت على الله سلامتهم، لأنهم يأكلون أموال بعضهم بعضاً، ما في خوف من الله، حتى في الحقل الديني، حتى في أعمال الخير تجد أيدي غير نظيفة.
فيا أيها الأخوة الكرام:
آن لنا أن نصحوا، آن لنا أن نفهم هذا الدين على حقيقته كما أنزله الله عز وجل، هذا التجديد أن تزيل من الدين ما علق به من أوهام، من خرافات، من ممارسات غير صحيحة، الدين ليس صلاةً وصياماً، وحجاً، وزكاةً إنه استقامة، إنه طهر، إنه عفاف، إنه صدق.
 يا جعفر تحدث عن هذا الدين، النجاشي سأل سيدنا جعفر، قال له كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الرحم ونسيء الجوار، هذه الجاهلية، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته وصدقه، وعفافه، ونسبه، فدعانا إلى الله لنعبده ونوحده، ونخلع ما كانوا يعبدوا آباؤنا من الحجارة والأوثان وأمرنا؛ ـ اسمع تعريف الإسلام من سيدنا جعفر ـ بصدق الحديث وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن محارم والدماء.
هذا الإسلام بناء أخلاقي، دعائمه العبادات، بني الإسلام على خمس ودعائمه العبادات، لو ألغينا البناء بقيت هذه الدعائم لا قيمة لها وحدها، هي دعائم بناء، وين البناء ؟
 فكل واحد منا سفير الإسلام، كل واحد منا يمثل الإسلام، وكل واحد منا إذا طبق فيما يملك كفاه الله مالا يملك، تملك بيتك وعملك كل واحد منا يطبق الإسلام في بيته وعمله، هل يستر جئ مخلوق في الأرض أن يمنعك أن تصلي في البيت، أن تربي أولادك، أن تحجب زوجتك، أن تكون صادقاً في عملك.
يعني آن الأوان أن نصحوا من غفلتنا، يعني أيمكن أن نكون في مؤخرة الأمم ؟ مو معقول، لأن المشكلة أنه الإيمان في يوم الآخر غير صحيح عندنا مهزوز، كل إنسان يعصي الله معنى ذلك يتوهم أنه ما في حساب، والحساب موجود وقائم.

 

﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾

 الحقيقة الإنسان يحترق قلبه كيف ضيع هذه الدنيا بالسفاسف بالترهات، بالقيل والقال، كيف أمضى هذه السهرات وراء التلفاز للساعة الواحدة كل يوم كل يوم، هذه القصص ما ختمتها، كيف الإنسان يبيح لأهله أن يفعلوا ما يشاءون بلا منهج يضبطهم، هذا الذي نعول عليه أن نطبق الدين في بيوتنا، وفي أعمالنا وانتهى الأمر.

 

 

﴿ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾

 

 

 تقول البنت لرب العزة يوم القيامة يا رب لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي، يعني هؤلاء الفتيات في الطريق اللواتي ترتدين ثياباً تصف كل شيء في أجسامهن، ما لهم آباء هؤلاء ؟ أخوة ذكور ما لهم ؟ ما فيه نخوة ؟ ما فيه شرف ما فيه ذوق ؟ ما فيه خوف من الله ؟ فتيات المسلمين في الطرقات يكشفن عن كل شيء منع الله أن يكشف.
سألوا مرة مفتي البوسنة، سمع المقابلة صديق لي في الإنكليزية، قال أخوانا بالشرق لا تعتبون على الله من أجلنا، نحن لسنا مسلمين، نأكل لحم الخنزير، ونشرب الخمر، الآن أصبحنا مسلمين، بعد هذه المحنة أصبحنا مسلمين.
لا تسمي المسلمين وتحسبهم على الإسلام، المسلم مطبق، فإن لم يطبق لا ينبغي أن يحسب على الإسلام هذا يجب أن يستبعد.
موطن الثقل في هذه الآية:

﴿ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾

 

 الغبن الصحيح المخيف يوم القيامة، حينما يشعر الإنسان أنه فقد كل شيء ولم يحصل على شيء.

﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)﴾

 الباب مفتوح، الصلحة بلمحة، التوبة بلحظة، ما دام القلب ينبض كل شيء يحل، تقول يا رب لقد تبت، يقول لك عبدي لقد قبلت يجب أن تنعقد التوبة عند كل مسلم كي يلقى الله عز وجل وهو راضي عنه، والموت حق يا أخون عما نسمع بجلطات بالخمسة والعشرين حضرت تعزية من أسبوع شاب في مقتبل العمر توفي بجلطة بالخمسة والعشرين، والموت قريب.
فيا أيها الأخوة الكرام:
كلمة يوم التغابن الغبن الحقيقي نشعر به لا سمح الله ولا قدر عند الموت.

 

﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100( ﴾

 

( سورة المؤمنين: 99 )

 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمن ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم...

 

تحميل النص

إخفاء الصور