وضع داكن
28-03-2024
Logo
الفقه الحضاري - الندوة : 14 - خلق الإنسان ضعيفاً وهلوعاً 1 خلق الإنسان ضعيفاً ليفتقر في ضعفه إلى الله .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الأستاذ عدنان:

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييكم عبر القناة الفضائية السورية في هذا اللقاء الجديد من برنامج الفقه الحضاري في الإسلام، ويسرنا أن نلتقي اليوم مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، الأستاذ في كلية التربية في جامعة دمشق أهلاً ومرحباً بكم .

 

الأستاذ عدنان:

 الإنسان في حياته بطبيعته ينظر إلى ما حوله يريد أن يجعل أشياء كثيرة تحت حوزته، وأن يبتعد عن أشياء كثيرة يمكن أن تكون خطراً عليه، وهذا أمر طبيعي في حياة الإنسان، وعندما يعتمد الإنسان على قواه الذاتية فقط يجد أنه في معزل عن أماني نفسه، لذلك يخاف من بعض الأشياء التي هي بجانبه، ويرغب في الأشياء التي هي أمامه، وقد لا يحصل على الأمن مما يخاف، ولا يحصل على ما يرغب به ليكون في حوزته، لذلك عندما يكون الإنسان قبل أن يتعرف إلى خالقه، وإلى أنه هو القوي، ومن ذا الذي يغلب الله ؟

 

 

﴿ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ﴾

 يكون الإنسان على صفات متعددة، منها أن يكون عجولاً، إذ إنه يركض وراء ما يفيده في هذه الحياة، منها ما يكون من خلاله ضعيفاً، لأنه يخاف من أشياء كثيرة لا يقدر عليها، منها، ومنها، أشياء عديدة يمكن من هذا اللقاء أن نتطرق إلى الإنسان قبل أن يتعرف إلى الله تعالى، كيف تكون نفسيته، كيف يكون في الحيلة، كيف، كيف، أشياء كثيرة يمكن أن نتحدث عنها ؟

 

 

الأستاذ راتب:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 أستاذ عدنان، جزاك الله خيراً، هذا الموضوع دقيق وحساس، بمعنى أن الإنسان عرف نفسه عرف ربه، فالإنسان في القرآن الكريم وردت له صفات كثيرة، بل إن بعض العلماء يقولون: حيثما وردت كلمة الإنسان معرفة بأل فتعني الإنسان قبل أن يعرف الله، ونحن في هذا العصر نتجه بشكل صارخ لمعرفة دقائق الجسد، وهذا شيء طيب، ولكن هناك تقصير في معرفة دقائق النفس، وإذا أردنا أن نتعرف إلى دقائق النفس فمن هي الجهة التي ينبغي أن نصغي إليها ؟ هي الجهة الصانعة، إن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الإنسان، وهو خبير به، وقد قال الله عز وجل:

 

 

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

 

( سورة فاطر )

 وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضله الله على خلقه، فنحن في القرآن الكريم أمام آيات كثيرة، والحقيقة هذه الآيات تتحدث عن الإنسان قبل أن يعرف الله تقترب من سبعين آية، ولكن في هذا اللقاء الطيب إن شاء الله سوف نقف عن بعض الآيات المتعلقة بنقاط ضعف في أصل خلق الإنسان، ولكن هذه النقاط الضعيف هي لصالحه .
 أريد أن أوضح هذا بمثل: آلة غالية جداً عظيمة النفع، دقيقة في تركيبها، يضع المصنع فيها وصلة ضعيفة كهربائية، تسمى باللغة الدارجة ( الفيوز )، هذه الوصلة هي نقطة ضعف في الآلة، لكن لو التيار إذا اقترب نصون الآلة من العطب والعطل، كما أن هذه الآلة غالية جداً نخشى عليها من العطب نضع لها وصلة ضعيفة، فإذا جاء التيار عالياً جداً ذابت هذه الوصلة، وانقطع التيار، و بقيت الآلة سليمة .
كذلك الإنسان في أصل خلقه نقاط ضعف، قطعاً هي لصالحه، فالله عز وجل يقول:

 

﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً (28)﴾

 

 

( سورة الإنسان )

 بمعنى أن الله سبحانه وتعالى خلقه ضعيفاً ليفتقر في ضعفه إلى الله، فيسعد بافتقراه ، ولو خلقه قوياً لاستغنى بقوته، فشقي باستغنائه .
نحن عندنا تجربه، في السيرة النبوية أصحاب النبي عليهم رضوان الله في بدر افتقروا إلى الله، وقد قال الله عز وجل:

 

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)﴾

 

( سورة آل عمران )

 أذلة بمعنى مفتقرين إلى الله، أما في حنين فكانوا كثرة، وكانوا أقوياء، فقالوا، لعله قول في أنفسهم ! لن نغلب من قلة، فقال تعالى:

 

﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾

 

 

( سورة التوبة )

 كأن في حياتنا درسين بليغين، درس بدر، ودرس حنين، في بدر افتقر الصحابة إلى الله، فنصرهم الله عز وجل، أما في حنين فاعتدوا بعددهم الكثير، فتخلى الله عنهم، معنى ذلك أن الإنسان بين التخلي والتولي، فإما أن تقول: أنا، يعتد الإنسان بعلمه، أو بنسبه، أو بماله، أو بقوته، أو بخبراته المتراكمة، وكلما جلس في مجلس يقول: أنا وأنا، أساساً قال قارون:

 

﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾

 

 

( سورة القصص الآية: 78 )

 وقال فرعون:

 

﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾

 

 

( الزخرف الآية: 51 )

 قال قوم بلقيس:

 

﴿ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾

 

 

( سورة النمل الآية: 33 )

 وقد قال علماء التوحيد: أربع كلمات مهلكات، أنا، ونحن، ولي، وعندي، فحينما يعتد إنسان بخبراته الصحيحة المتراكمة، بنسبه، بقوته، بمن حوله، بماله، يتخلى الله عنه، النقطة الدقيقة جداً أن الله عز وجل خلق الإنسان، وكلٌّ يسير وفق أسباب، ولكن الإنسان الجاهل يتوهم أن السبب هو الذي يخلق النتيجة، بينما الموحد يرى أن خلق النتيجة تحتاج إلى مشيئة الله عز وجل، أنا آخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم أتوكل على وكأنها ليست بشيء، من السهولة بمكان أن تأخذ بالأسباب وأن تعتمد عليها، وأن تؤلّهها، وأن تستغني عن الله، كشأن بلاد الغرب، ومن السهل جداً كما هي حال المسلمين، ألا تأخذ بها إطلاقاً، وأن نتوكل على الله توكلاً لا يرضاه عنا، توكل الجاهل، بالعكس هناك من يسميه التواكل، فسهل جداً ألا نأخذ بالأسباب، وندعي أننا نتوكل على الله، وأن نأخذ بها، وأن نعتمد عليها وأن نؤلّهها، وأن ننسى الله عز وجل، وأن ننسى الله عز وجل، كلا الطريقين خاطئ، البطولة أن تأخذ بالأسباب، وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله، وكأنها ليست بشيء .
عندنا مثل منتزع من حياة الإخوة الكرام المشاهدين، عندك سفر طويل، يجب أن تراجع مركبتك مراجعة تامة، هذه المراجعة أخذٌ بالأسباب، لكن لا يكفي أن تراجع المركبة، وأن تضمن السلامة، لا بد من أن تسأل الله السلامة والحفظ .
 فهذه نقطة دقيقة، كأن الإنسان يمشي في طريق، عن يمينه وادٍ سحيق، وعن يساره وادٍ سحيق، فإذا أخذ بالأسباب، واعتمد عليها وقع في وادي الشرك، وإذا لم يأخذ بها وقع في وادي المعصية، الكمال أن تأخذ بالأسباب، وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على، وكأنها ليست بشيء، الله عز وجل حينما قال:

 

﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾

 أي خلقه ضعيفاً ليفتقر في ضعفه إلى الله، فيسعد بافتقاره، ولو خلقه قوياً لاستغنى بقوته عن الله فشقي باستغنائه ، والحقيقة أن الإنسان حينما يفتقر إلى الله، تأتيه خبرة خالق الأكوان، يأتيه حفظ خالق الأكوان، يأتيه علم خالق الأكوان، تأتيه الحكمة، يأتيه الدعم، الإنسان كائن ضعيف أقام صلة مع خالق الكون، فكل ما عند الله من خير، من قوة، من تأييد، من توفيق، من حفظ تأتي هذا الإنسان، فأنا ألخص هذا الكلام بكلمتين، إن قلت: أنا، تخلى الله عنك، وإن قلت: الله، تولاك، فأنت بين التخلي والتولي، في التخلي في حنين، في التولي في بدر، معنا أصحاب رسول الله، وهم نخبة الخلق:

 

 

(( إن الله اختارني واختار لي أصحابي ))

 

[ أخرجه الطبراني عن عمير بن سعادة ]

ومع ذلك هذا الذي وقع في الشرك الخفي لا بد من أن يؤدّبه الله عز وجل، كائناً من كان، لذلك المؤمن يحصل المال، ولا يعتمد عليه، يحصل علماً راقياً، ولا يعتمد عليه ، يحصل مكانة رفيعة، ولا يعتمد عليها، لكنه يعتمد على الله .
 أبلغ درس في هذه المناسبة أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما هاجر أخذ بالأسباب كلها، هيأ رجلاً يأتيه بالأخبار، هيأ رجلاً يمحو الآثار، هيأ من يأتيه بالزاد، اختار خبيراً غلّب فيه الخبرة على الولاء، سار باتجاه معاكس لهجرته، اختبأ في غار ثور، أخذ بالأسباب كلها، وكأنها كل شيء، فلما وصلوا إليه لم يضطرب، هو متوكل على الله، قال أبو بكر: يا رسول الله لقد رأونا، قال:

(( ما ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثالِثُهُما ))

[ رواه البخاري ومسلم ]

 لو أن النبي عليه الصلاة والسلام أخذ بالسباب، واعتمد عليها، ثم وصلوا إليه لانهارت معنوياته، أما هو فأخذ بالأسباب تعبداً لله عز وجل، وقد يسأل سائل: إنه لما هاجر سيدنا عمر متحدياً المشركين، النبي عليه الصلاة والسلام هو الأحكم والأشجع، سيدنا عمر ليس مشرِّعاً، سيدنا عمر يمثل نفسه، فهو اتخذ هذا الموقف الشخصي، لكن النبي عليه الصلاة والسلام مشرّع، لو أنه هاجر كما هاجر عمر لعد اقتحامُ الأخطار واجباً، ولعد أخذ الحيطة حراماً، لهلكت أمته من بعده، النبي عليه الصلاة والسلام مشرع .
فالنقطة الأولى: أن الإنسان خلق ضعيف، ولا سمح الله ولا قدر، لو أن إنسان اطلع على تقرير طبي، عنده مشكلة كبيرة، تنهار معنوياته، خلق ضعيفاً، كيف يربيه الله عز وجل ؟

 

الأستاذ عدنان:

 سيدي، أنت أشرت أصلاً في بدء هذا اللقاء أن كلمة إنسان عندما تأتي معرّفة بأل قال العلماء: إنها تشير إلى ضعف الإنسان، إلى طبيعة الإنسان، وهنا يمكن أن نقول: يسمي علماء اللغة هذا الألف واللام أل التعريف العهدية، هذا عهدنا بالإنسان، وعهدنا بالإنسان الاستمرار في صفته و شخصيته، وهو عليه، والضعف الذي تحدثت عنه ما هو إلا ضمن هذا العهد الذي نعرفه بالإنسان .

 

 

الأستاذ راتب:

 هناك نقطة دقيقة أستاذ عدنان، جزاك الله خيراً، الإنسان حينما لا يأخذ بالأسباب هو لا يبالي بهذا النظام الدقيق في الكون، وكأن الخضوع لهذا النظام نوع من عبادة لله عز وجل وإذا خُرِق هذا نظام للأنبياء لحكمة بالغة، كي يكون هذا الخرق شاهداً على أنهم أنبياء الله ورسله، هذا لا يخرق لمؤمن، فهذا الذي لا يأخذ بالأسباب هو يستهين بالنظام الإلهي، بالنظام الكوني، فبطولة الإنسان أن يتأدب مع هذا النظام . الإخوة
 لكن هنا نقطة دقيقة جداً أتمنى أن تكون واضحة عند الإخوة المشاهدين، لو أن إنسانا يركب طائرة، وقد كفر بقانون السقوط، ولم يعبأ به، واستهزأ به، وحقره، ونزل من دون مظلة، ينزل ميتاً، استهزاء الإنسان بقانون السقوط، وعدم احترامه، وعدم المبالاة به وطعنه، لا يلغي مفعوله .
فأنا حينما أعتقد أن هناك أنظمة دقيقة جداً نافذة فيّ شئت أم أبيت، أحببت أم كرهت، قبلت أم لم أقبل، ينبغي أن أتأدب مع هذا النظام الدقيق، حتى في كل شؤون الحياة .

 

 

الأستاذ عدنان:

 يا سيدي، أيضاً في هذه الناحية من الغريب، والإنسان يعلم هذا أن الذي وضع نواميس الكون هو الله تعالى، وأيضاً الله تعالى هو الذي أنزل القرآن الكريم، فلماذا يعمل الإنسان، أي إنسان إلى الرضوخ أمام نواميس الكون، لأنه لا يستطيع أن يخترقها أو يتحداها، ويعلم من طرف آخر أن القرآن الكريم من عند الله تعالى، ومع هذا يبتعد عنه في كثير من الأحيان، الإنسان عندما يكون عاقلاً يتعامل مع نواميس الكون وهي موجودة، فيا ليته كان عاقلاً أيضاً في الجانب الآخر، لكن الله تعالى أمهله ولا إهمال، أن يا أيها الإنسان خذ ما تشاء لتكون في النهاية محصلاً على الجنة، إنما خذ ما تشاء ليكون أمرك في النهاية حسب ما عملت . هناك

 

 

الأستاذ راتب:

 أستاذ عدنان، جزاك الله خيراً، هناك ملمح رائع جداً في بعض الأحاديث الشريفة يقول عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( إِنَّ اللَّهَ تَعالى يَلُومُ على العَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بالكَيْسِ، فإذَا غَلَبَكَ أمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ ))

 

[ رواه أبو داود، عن عوف بن مالك رضي اللّه عنه ]

 العجز أن تستسلم، ألا تعمل، أن تقول: هذا نصيبي في الحياة، هذا حظي، هذا قضاء وقدر، لا:

(( إِنَّ اللَّهَ تَعالى يَلُومُ على العَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بالكَيْسِ ـ أي التدبير ـ فإذَا غَلَبَكَ أمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ ))

 أنا متى أقول:

 

(( حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ ))

 ؟ حينما أبذل قصار جهدي لدرء هذا الخطر فلا أستطيع، عندئذٍ أقول:

 

 

(( فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ ))

  أما إنسان فأمامه آلاف الخيارات، وبإمكانه أن يتحرك، وأن يدرس، وأن يسأل وأن يتابع، وأن يحصل خبرة، وأن يأخذ بالأسباب، ويقعد ويكسل ؟ هذا شيء صفة دميمة جداً، لذلك هذا يقودنا إلى إنني كنت أصنف الفقراء ثلاثة، أو أنواع الفقر ثلاثة، فقر الكسل، هناك فقر الكسل، وهناك فقر القدر، وهناك فقر الإنفاق، فقر الكسل الإنسان لا يأخذ بالأسباب، ومن لم يأخذ بالأسباب فقد عصا، أما فقر القدر فإنسان معه عاهة، هذه عاهة تحول بينه وبين كسب الرزق، فكسب القدر صاحبه معذور، لكن فقر الكسل صاحبه مذموم، بينما فقر الإنفاق صاحبه محمود .

 

 

الأستاذ عدنان:

 قبل أن نتابع هذه الناحية دكتور، هل يمكن لمتسائل أن يقول: فقر الكسل، هل يتعارض هذا مع كون الله تعالى كتب لكل إنسان رزقه ؟

 

 

الأستاذ راتب:

 الحقيقة أن الرزق يزيد وينقص، وهذا موضوع دقيق جداً يزيد بالاستقامة .

 

 

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ﴾

 

( سورة الجن )

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾

 

( سورة الأعراف الآية: 96 )

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً (12)﴾

( سورة نوح )

 فالاستغفار يزيد الرزق، والإيمان والاستقامة يزيد في الرزق، ثم إن صلة الرحم تزيد في الرزق، ثم إن الصلاة تزيد في الرزق .

 

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)﴾

 

 

( سورة طه )

 ثم إن الأمانة تزيد في الرزق، الأمانة غنى، هناك آيات وأحاديث عديدة تصل إلى عشرة بنود، كيف أن الرزق يزيد وينقص، بل إن الله سبحانه وتعالى جعل الرزق والصحة أحد عنصرين من أجل تربيتنا، فقد يؤدب الله إنساناً برزق، وقد يكافئه برزق، هذا شيء وردت فيه آيات كثيرة وأحاديث، الرزق يزيد وينقص، ولكن يزيد بالإتقان .
 النبي عليه الصلاة والسلام دفن أحد أصحابه، فالذي حفر القبر ترك فرجة، فقال عليه الصلاة والسلام:

 

(( إن هذه لا تؤذي الميت، ولكنها تؤذي الحي ))

 

[ورد في الأثر ]

 و

 

(( إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ))

 

[ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن عائشة ]

 فالإتقان له علاقة بالرزق، والاستغفار له علاقة بالرزق، وصلة الرحم لها علاقة بالرزق، وإقامة الصلاة في البيت، البيت ليس قبراً، البيت مكان يذكر الله فيه، له علاقة بالرزق، والإيمان له علاقة بالرزق،

 

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾

 والاستقامة لها علاقة بالرزق، فإذا أقام أهل الكتاب كتابهم لجاءهم الرزق من فوقهم ومن تحت أرجلهم .

 

 

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾

 

 

( سورة المائدة الآية: 66 )

 ولو أن المسلمين أقاموا القرآن لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، هناك أشياء ثابتة جداً في الحياة، شروق الشمس ثابت، غروبه ثابت، الله عز وجل خلق ملايين الأشياء، كي نستريح، كي نطمئن، كي تستقر الحياة، كي ينتظم الكون، كي نعرف القوانين، لكن حرك أشياء عديدة، منها الرزق والصحة، فلعل الله سبحانه وتعالى يؤدب عباده بصحتهم إذا، انحرفوا بدليل أن عز وجل حينما يقول:

 

﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)﴾

 

 

( سورة الشعراء )

 فالإنسان أحياناً يخالف المبادئ العامة، أو يكون بكما يقال بلغة العصر (أخطاء عامة )، المعلبات مثلاً، الجو ملوث، هناك أخطاء في هذا العصر، هذه تسبب بعض الأمراض، الإنسان أحياناً يغير خلق الله، يخترع أغذية كلها كيماوية، يغلب على الطب أن الأغذية كلها كيماوية، فإما أن يكون هناك خطأ في العصر، أو خطأ فردي، لكن الإنسان مصمم تصميمًا رائعًا، مصمم ألا يمرض في الأساس .

 

الأستاذ عدنان:

 في بعض الأحيان دكتور إن كان الإنسان مصمماً من أجل ألا يمرض، هناك في جسم الإنسان أشياء، أولاً: خلْقُ الإنسان كان في أحسن تقويم، لكن في جسم الإنسان ما لو شُلّ فيه شيء بسيط جداً لقضي على حياته، فما موضوع أن يكون الإنسان قد خلق في أحسن تقويم، مع أن في جسمه أشياء عديدة سريعة العطب .

 

 

الأستاذ راتب:

 يا سيدي، عندك في غرفة الضيوف طاولة من أجل أنك إذا جاءك ضيف، وقدمت له ضيافة، فنجان قهوة، أو كأس شاي يوضع على هذه الطاولة، هذا الطاولة لو وقف عليها اثنان تتحمل، هي مصممة لفنجان قهوة، أو لكأس شاي، أو لكأس ماء فقط، لكن تتحمل 400 كيلو، إذاً ماذا نقول في هذه الطاولة ؟ فيها احتياط كبير جداً، فكان من الممكن أن يكون لكل عضو من أعضائنا، ولكل جهاز من أجهزتنا احتياطي كبير جداً، إذاً ليس هناك مرض، ولكن شاءت حكمة الله أن نكون سريعي العطب، لأن الله يؤدبنا عن طريق صحتنا ، كان من الممكن للإنسان ألا يمرض أبداً، إذا كانت هذه الطاولة نستخدمها عشرات السنين بل خمسين سنة، وهي سليمة، لأن احتياطها 200 ضعف، إذا وقف إنسان فوقها، أو وقف إنسانين وزنهما مثلاً150 كيلو، الفجان وزنه 200 غرام فرضاً، ففيها احتياط كبير، كان من الممكن بكل شيء بالإنسان احتياط غير معقول إذاً ما في مرض، ولكن المرض أحد الوسائل الفعالة في تربية الإنسان، الإنسان حينما يمرض يقترب من الله، الإنسان حينما يمرض تفتح له نافذة إلى السماء، الإنسان حينما يمرض يشعر بضعفه، الإنسان حينما يشعر بضعفه يلتجئ إلى ربه، يعني كيف يكون لهذا الإنسان أن يلتجئ إلى الله وهو قوي، الإنسان قبل أن يعرف الله .

 

 

﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)﴾

 

 

( سورة العلق )

 إذا استغنى عن الله عز وجل يطغى، وكلّ شيء بيد الله عز وجل، الإنسان يدعو الله في الطائرة أحياناً، أو في الباخرة، لكن بيته المبني من إسمنت مسلح، هذا قد يهتز في ثوانٍ، ويصبح:

 

﴿ قَاعاً صَفْصَفاً (106)﴾

 

 

( سورة طه )

 فالضمان أن تكون مع الله، والإنسان حينما يكون مستقيماً على أمر الله يشعر أن الله سبحانه وتعالى يحفظه .
هناك نقطة دقيقة جداً، عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

 

(( بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، بْنَ جَبَلٍ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ ))

 أسلوب الحوار أسلوب رائع من أساليب النبي في الدعوة، الآن دققوا أيها الإخوة المشاهدون، الآن قال له ـ

 

 

(( يَا مُعَاذُ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، بْنَ جَبَلٍ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ ))

 

[متفق عليه]

سبحانك يا رب ما أكرمك، أنشأت لنا حقاً عليك .
 أنت حينما تتعرف إلى الله تستقيم على أمره، أنشأ الله لك حقاً عليه، الذات الكاملة، الإله المطلق أنشأ لك حقاً عليه، بل هؤلاء الذين قالوا:

﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾

 

( سورة المائدة الآية: 18 )

 الله عز وجل ما قَبِل دعواهم، ولو قَبِل دعواهم لما عذبهم، الدليل:

 

﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾

 

 

( سورة المائدة الآية: 18 )

 الآن لو أن المسلمين قالوا نحن أمة محمد، الجواب:

 

﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾

 لذلك لما تقرأقوله تعالى:

 

 

﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾

 

 

( سورة آل عمران الآية: 110 )

 فهناك أسئلة كبيرة تنشأ حينما تقرأ هذه الآية، حلت القضية بالمقولة التالية، أمة محمد أمتان، أمة الاستجابة، وأمة التبليغ،

 

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

 إذا استجبتم لله عز وجل:

 

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾

 

 

( سورة الأنفال الآية: 24 )

 هذه أمة الاستجابة هي خير أمة أخرجت للناس، والدليل أن هذه الخيرية لها علة

 

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

 

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 110 )

 أما إن لم نستجب فنحن أمة التبليغ،

 

﴿ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾

  ما لكم ولا ميزة، هذا كلام فيه عدل، وفيه حث على طاعة الله عز وجل، فالإنسان حينما يدل بمكانته عند الله من دون عمل، من دون استقامة، من دون التزام، هذا كلام فارغ لا يؤخذ به .
هذا الذي طلب قميص النبي  قبل أن يموت، وفي بعض الروايات أن النبي ألبسه بنفسه قميصه، فلما مات، قال: الآن استقر في جهنم حجر كان يهوي به سبعين خريفاً، الذي لبس قميص النبي ، والرواية تقول: إن النبي ألبسه بنفسه كان منافقاً، فيقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا ))

[متفق عليه عن أم سلمة]

 نرجو الله تعالى أن نكون من عباده الذين علموا ضعفهم، وعلموا أنهم قد خلقهم الله، وفيهم كما ذكرت نقطة ضعف دائماً تذكرهم بالله تعالى، إن وقعوا بالضعف وآثاره ذكروا الله تعالى، والتجؤوا إلى القوي، ومن ذا الذي يغلب الله،

 

﴿ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ﴾

 

الأستاذ راتب:

كلمة أخيرة صغيرة، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
 في ختام هذا اللقاء كل الشكر لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، الأستاذ في كلية التربية في جامعة دمشق، وكل الشكر أيضاً للإخوة المشاهدين، وموعدنا معكم بإذن الله في مثل هذا الوقت من الأسبوع القادم .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور