وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة الملك - تفسير الآيتان 1 - 2 ، لماذا قدم الموت على الحياة ؟
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
أيها الأخوة الكرام:
الآية الأولى والثانية من سورة الملك وهي قوله تعالى:

﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)﴾

 كلمة تبارك ؛ يعني تناما خيره، عظم خيره، والله سبحانه وتعالى هو الخير المطلق، خلق الخلق ليسعده.

 

﴿ إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ﴾

 

( سورة هود: 119 )

 والملك بيده.

 

﴿ وإليه يرجع الأمر ﴾

 

( سورة هود: 123 )

﴿ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير ﴾

( سورة آل عمران: 26 )

كل شيء يملك فهو ملك، وهو بيد الله، كل شيء يملك هو ملك، والملك بيد الله، والله سبحانه وتعالى خيره عميم، وخيره عظيم، وهو على كل شيء قدير، بشكل مطلق.
 أنا أعرف رجل يعمل مدرس في إحدى الثانويات، أصيب بمرض خبيث في إحدى رئتيه، والذين عالجوه هم أصدقائي، عالجوه وتأكدوا أن هذا الورم بلغ الدرجة الخامسة، وأخذت خزعات إلى بريطانيا، وجاء الجواب مرض خبيث بالدرجة الخامسة، وكان على شفى الموت، وكان هناك احتمال أن تجرى له عملية في أمريكا تكلف ثمن بيته بالضبط، وله أولاد أيتام، كل هذا الكلام قطعي الأطباء جميعاً، التصوير الشعاعي، التحليل المخبري، تحليل النسج كله يؤكد المرض الخبيث في الدرجة الخامسة، ثم تراجع هذا المرض تلقائياً، والقصة مضى عليها أكثر من 18 سنة، وهو حي يرزق ويتمتع بأعلى درجة من الصحة.

﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)﴾

 شيء على الله مستحيل ما في، يخلق من الضعف قوة، من الفقر غناً، من المرض صحة.

 

﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ﴾

 هذه اللام لام التعليل، يعني علة وجودنا على سطح الأرض علة وجودنا في الدنيا الابتلاء، وفي آية أخرى:

 

 

﴿وإن كنا لمبتلين ﴾

 

( سورة المؤمنين: 30 )

﴿ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ﴾

( سورة العنكبوت: 2 ـ 3 )

 أنت في هذه الدنيا خلقت من أجل أن تبتلى ؛ أي أن تمتحن فإما أن تستقيم وإما أن تنحرف، إما أن تصدق وإما أن تكذب، إما أن تنصح وإما أن تغش، إما أن تعطي وإما أن تمنع، إما أن ترحم وإما أن تقسو، إما أن تعدل وإما أن تظلم، إما أن تحسن وإما أن تسيء.

 

﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ ﴾

 ذكرت مرة أن الأقوياء في العالم كله ملكوا الرقاب بقوتهم والأنبياء ملكوا القلوب بكمالهم، وشتان بين أن تملك القلوب، وأن تملك الرقاب، وكل واحد منا إما تابع لنبي، أو تابع لقوي، ولو كان شرطي، هذا تابع لقوي، والمؤمن تابع لنبي، فالمؤمن يملك القلوب بكماله، وأي إنسان يملك شيء من القوة يملك الرقاب بقوته.
فالناس رجلان برٌ تقي، كريم على الله، وفاجر شقي، هين على الله.

 

 

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ﴾

 أما في بالآية شيء قد لا يصدق، هو ليمتحننا، طيب النتائج ؟ نجاح أو رسوب، أيام يجرى امتحان من ينجح، ومن يرسب، أما إذا قلت أنا أجري هذا الامتحان فقط لأرتب الناجحين وفق التسلسل، معنى الأصل أن تنجح، قدم لك كل شيء من أجل أن تنجح، فالنجاح مفروغ منه، بقي الامتحان من أجل ماذا ؟ من أجل تسلسل الناجحين، انظر الآية:

 

 

﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾

 نتائج الامتحان لأن الله سخر لك الكون، أعطاك العقل أعطاك الفطرة سخر لك الأشياء، أنزل على نبيه الكتاب، أفعاله تدل عليه، كلامه يدل عليه، خلقه يدل عليه، ويربيك يوما بيوم، وساعة بساعة.

 

 

﴿ كل يوم هو في شأن ﴾

 

( سورة الرحمن: 29 )

 فالهدى قطعي، الهدى حتمي، الهدى مفروغ منه، أما نحن نجري هذا الامتحان لا لنعرف الناجح من الراسب، لا، لنعرف ترتيب الناجحين فقط، فالذي يرسب معنى ذلك هذا خالف العقل، وخالف الفطرة، وخالف المتوقع، وخالف المألوف، وكان شاذاً شذوذ كبيراً لأنه رسب، الامتحان لترتيب الناجحين، أنت أحياناً لو عندك ناجحين تجري امتحان شفهي لإعطائهم علامات تسلسل.
فربنا عز وجل يقول:

 

﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾

فلماذا قدم الموت على الحياة ؟ تقديم رتبي، الإنسان حينما يحيى أمامه آلاف الطرق، قد يكون متعلم، وقد يكون غير متعلم.
 واحد دخل دير، ليخدم هذا الدير، رئيس هذا الدير سأله أتقرأ وتكتب قال له لا، طرده، فلما طرده هام على وجهه، مشى في شارع مديد لم يجد بائع دخان في هذا الشارع، فصار يبيع الدخان في هذا الشارع، نمت أمواله إلى أن صار أحد أكبر أغنياء لندن، ذهب إلى بنك ليوقع، قال له أنا لا أوقع، قال له عجيب لو أنك تقرأ وتكتب ماذا كنت ؟ قال له كنت خادم بالكنيسة.
 بالحياة ممكن ما تتعلم وتكون مليونير، في خيار العلم، خيار التجارة ، خيار الصناعة، خيار الوظيفة، طبيب، مهندس، معلم صاحب مهنة عادية، عندك ألف خيار، معقب معاملات مثلاً، مهندس ديكور، كم مهنة في بالأرض، وكم حالة ؟ والله جعل الناس درجات أما عند الموت، فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار، الخيار صعب جداً، الخيار في الدنيا واسع جداً، أما عند الموت إما من أهل الجنة وهذا هو الفوز العظيم، وإما من أهل النار وهذا هو الخسران المبين، يعني أكبر خسارة أن يخسر الإنسان نفسه.

 

 

﴿ قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ﴾

 

( سورة الزمر: 15 )

 إذاً ربنا عز وجل قدم الموت على الحياة، لأنه أخطر الإنسان حينما يولد آلاف الطرق مفتوحة أمامه، وقد يكون تفاوت ضئيل بين الناس، يعني مثلاً كل الناس يستنشقوا الهواء واحد، فقراء أغنياء، متفوقين، أطباء، أميين، الهواء واحد، وكل كأس الماء بارد مبذول للناس كلهم من دون براد، الفيجة باردة طيب صحن فول طعمه واحد للجميع، كأس شاي للجميع، الزواج موحد تقريباً فالتفاوت بسيط جداً في الدنيا، لكن في مظاهر، الأغنياء عندهم مظاهر فخمة، أما إذا واحد فقير.
سأل الملك وزيره من المالك ؟ قال له: أنت، قال له: لا الملك رجل لا نعرفه ولا يعرفنا، له بيت يؤويه، وزوجة ترضيه ودخل يكفيه هذا ملك.
أما عند الموت ما في تفاوت بسيط.

 

﴿ تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون، ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون، قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين، ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون، قال اخسئوا فيها ولا تكلموني﴾

 

( سورة المؤمنين: من 104 ـ إلى 107 )

 أما أهل الجنة:

 

﴿ إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون، هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون ﴾

 

( سورة يس: 55 )

 فالتفاوت كبير جداً، لذلك الموت أخطر حدث في حياة الإنسان من هو العاقل ؟ من هو الذكي ؟ من هو الفالح ؟ من هو الموفق ؟ من هو المتفوق ؟ هو الذي يعد لهذه الساعة عدتها، هو الذي يعد لهذه الساعة حتى يضحك وحده ومن حوله يبكي، حينما تولد كل من حولك يضحك، إلا أنت تبكي، عند الموت المؤمن وحده يضحك وحده وكل من حوله يبكي، فمن أجل أن تصل إلى هذه الساعة التي لا ريب فيها يجب أن تعد العدة للتوبة، بالطاعة، بالأمر بالمعروف بالنهي عن المنكر، أن تقيم الإسلام في بيتك، في عملك، أن تحرر دخلك من الحرام أن تضبط لسانك، عينك، سمعك، جوارحك، يدك، رجلك هذا ثمن الجنة.

 

﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)﴾

 عزيز ؛ يعني لا ينال جانبه، غفور ؛ كل ما سبق يغفر بكلمة واحدة فالإنسان مادام قلبه ينبض هو في بحبوحة، ما دام في عمره بقية بإمكانه أن يتوب أن يستغفر، أن يصحح، أن يعتذر، أن يؤدي ما عليه، أن يطلب المسامحة، ما دام حي يرزق هناك ألف حل وحل أما حينما يأتي ملك الموت ختم العمل وانقلب الإنسان إما إلى جنة قال المؤمن حينما يأتيه ملك الموت يرى مقامه في الجنة فيقول لم أرى شراً قط، كل متاعب الدنيا ينساها، والكافر حينما يرى مكانه في النار يصيح صيحة لو سمعها أهل الأرض لصعقوا، يقول لم أرى خيراً قط.

 

 

﴿ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ﴾

 

( سورة الكهف: 103 )

 إذاً هذه الآية دقيقة جداً، الموت قدم على الحياة، والامتحان المفروض بالإنسان أن ينجح، والامتحان لمعرفة تسلسله بالنجاح فقط لا لمعرفة ناجح أو راسب، لأنه الكون يدل عليه، وكلامه يدل عليه وأفعاله تدل عليه، أعطاك عقل، وأعطاك فطرة، أعطاك كل شيء.

 

 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمن ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم..

تحميل النص

إخفاء الصور