وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطب الإذاعية - الخطبة : 69 - الامتحان - بعض الحقائق العلمية في تحصيل المعرفة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الخطبة الأولى:
 الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
 يا رب علمنا من علمك المخزون، واحفظنا بسر اسمك المصون، وحققنا بحقائق أهل القرب، واسلك بنا مسالك أهل الحب، وأغننا بتدبيرك عن تدبيرنا، وأخرجنا من ذل معصيتك، إلى عز طاعتك، وطهرنا من الشك والشرك، اللهم بك نستنصر فانصرنا، وعليك نتوكل فلا تكلنا، وإياك نسأل فلا تخيبنا، ومن فضلك نرغب فلا تحرمنا، ولجنابك ننتسب فلا تبعدنا، وببابك نقف فلا تطردنا.
 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فحاشا يا رب أن نفتقر في غناك، و أن نضل في هداك، و أن نذل في عزك، و أن نضام في سلطانك .
 وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، خير نبيٍ اجتباه، وللعالمين أرسله، أدى الأمانة و بلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حق الجهاد، وهدى العباد إلى سبيل الرشاد .
 اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
 موضوع الخطبة اليوم الامتحان، فبه يكرم المرء أو يهان ؛ الامتحان الأكبر ( في الخطبة الأولى )، والامتحان الأصغر ( في الخطبة الثانية ) .
 تعيش البيوت في هذا الشهر أزمةً الامتحانات التي تطرق الأبواب كل عام... وما إن يقترب هذا الموسم حتَّى ترى كثيراً من البيوت قد أعلنت عن حالة التأهب القصوى، والاستعداد الكامل، لدخول معمعة الامتحان التي يكرم المرء فيها أو يهان ! وهذا جهدٌ مشكور، وعملٌ مأجور، إذا صلُحت النيَّة، وخلُص المقصِد لله ربِّ العالمين.
 ولكننا لو تأملنا هذا الاهتمام، من أجل هذا الامتحان، ثمَّ نظرها إلى ضعف الاستعداد، وقلَّة الاهتمام، وشدَّة الغفلة، عن ذلك الامتحان الرهيب، الذي خلقنا الله تعالى من أجله، وأنشأنا له، لرأيت العجب العجاب.
 قال تعالى:

﴿ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ﴾

 وقال تعالى:

﴿ ولنبلونَّكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ﴾

 والفرق واسع، والبون شاسع، بين امتحان الدنيا، وامتحان الآخرة..
 وإليكم أوجهاً من ذلك التباين، والاختلاف بين الامتحانين...

 

 فمن حيث المـوضـوع

 امتحان الدنيا في جزءٍ من كتاب، وفي ورقاتٍ معدوداتٍ، في مجالٍ من مجالات الحياة، وضربٍ من ضروب العلم ؛ أمَّا امتحان الآخرة ففي كتابٍ لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلاَّ أحصاها، قد حوى الأقوال، وأحصى الأفعال، وأحاط بالحركات والسَّكنات، وألمَّ بالخطرات، والزلاَّت !
 قال تعالى:

﴿ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاَّ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحدا ﴾

 فالصغائر مسجلة به، كما أنَّ الكبائر مدوَّنة في هذا الكتاب، قال تعالى:

 

﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ﴾

 فالعباد يقولون ويعملون، والكُتَّاب من الملائكة يكتبون، ويوم القيامة يُخرجُون ما كانوا يحصون و يستنسخون.
 قال تعالى:

 

﴿ هذا كتابنا ينطق عليكم بالحقِّ، إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ﴾

 فتُنشر الفضائح، وتَظهر القبائح، ويبدو ما كان مخبوءاً من ذنوبٍ وعصيان، تحت ركام الغفلة والنسيان !، قال تعالى:

 

﴿ يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كلِّ شيء شهيد﴾

 

 ومن حيث الأسـئـلة

 امتحان الدنيا أسئلته محدودة في بعض مفردات الكتاب، فلا يمكن للمعلِّم أن يسأل الطالب عن كلِّ دقيق وجليل من محتويات المنهج، وربما تدركه الشفقة فيختار له من أسهل الأسئلة وأيسرها، ولعلَّه يراجع مع الطالب الإجابة قبيل الامتحان بأيام مساعدةً له وتيسيراً عليـه .
 أما امتحان الآخرة فالأسئلة حاويةٌ لجوانب الحياة، شاملة لدقائق العمر..
 أسئلة عن المعتقدات..
 و أسئلة عن الأقوال..
 و أسئلة عن الأفعال..
 و أسئلة عن الأموال..
 و أسئلة عن النيَّات..
 و أسئلة عن العبادات..
 و أسئلة عن الأوقات..
 و أسئلة عن الأمانات..
 سؤال خطير ؛ جِدُّ خطير، عن كلِّ كبير وصغير، وعظيم وحقير !
 قال تعالى:

﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين، عما كانوا يعملون﴾

 إنه موقف السؤال والحساب بين يدي ملك الملوك، وعلام الغيوب !
 قال تعالى

﴿ وقفوهم إنَّهم مسئولون ﴾

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( لا تزُولُ قدَما ابن آدم مِن عند ربِّه حتَّى يُسألَ عن خمس: عن عُمرِه فيما أفناه، وعن شَبابِه فيما أبلاه، وعن مالِه من أين اكتسَبَه، وفيم أنفَقَه، وعن علمه ماذا عمل به ))

 قال أيضاً:

(( ألا كُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مسؤُولٌ عن رعيَّتهِ، فالإمامُ راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والرَّجلُ راعٍ على أهلٍ بيتِه وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والمرأةُ راعيةٌ على أهلِ بيتِ زوجِها وولده وهي مسؤولةٌ عنهُم، والعبدُ راعٍ على مالِ سيِّده وهو مسؤولٌ عنهُ، ألا فكُلُّكُم راع، وكلكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه ))

 وقال أيضاً:

(( إنَّ الله تعالى سائلٌ كلّ راعٍ عمَّا استرعاه: أحفِظَ ذلِك أم ضَيَّع ؟ حتَّى يسأل الرَّجل عن أهلِ بيتِه ))

ولو أنَّا إذا مِتنا تركنا..... لكان الموتُ غاية كلَّ حيٍّ
ولكنَّا إذا متنا بعثنا..... ونُسأل بعده عن كلِّ شيءٍ

 ومن حيث المـكـان

 امتحان الدنيا في جوٍّ مهيأ، ومكانٍ معدٍّ، فالكراسي مريحة، والأنوار ساطعة، والأمن والأمان متوافران في مكان الامتحان.
 أما امتحان الآخرة ففي جوٍّ رهيب، وموقفٍ عصيب، ومكانِ عجيب..
 قال تعالى:

﴿ يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار ﴾

 أهوالٌ عظيمة، وكرباتٌ جسيمة، وأحوالٌ مفجعةٌ، ومناظر مدهشةٌ، ترتعد منها الفرائص، وتقشعرُّ منها الجلود، وتنخلع لهولها القلوب، وتشيب منها مفارق الولدان !
 قال تعالى:

﴿ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ﴾

 يوم يجمع الله الأولين والآخرين، فإذا هم بالساهرة، حفاةً بلا نعال، عراةً بلا أردية، غُرْلاً، أي من دون ختان.
 قال تعالى:

﴿ كما بدأنا أوَّل خلقٍ نعيده، وعداً علينا إنا كنا فاعلين﴾

 عن عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( تُحشَرُونَ حُفاةً عُراةً غُرلاً "، فقلتُ: يا رسولَ الله الرِّجالُ والنِّساءُ ينظُرُ بعضُهُم إلى بعضٍ ؟ فقال: " الأمرُ أشدُّ مِن أن يُهِمَّهُم ذلك))

 القبور تبعثرت، والأفلاك تفجَّرت، والنجوم تكدَّرت، والسماء تفطَّرت، والجبال سيِّرت، والبحار سعِّرت، والشمس كوِّرت، والجحيم بُرِّزت، والوحوش جُمعت، وعلى أرض المحشر حشرت...
 قال تعالى:

﴿ يوم ترونها، تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكنَّ عذاب الله شديد﴾

 القلوب واجفة، والأبصار خاشعة، والأعناق خاضعة، والأمم جاثية على الرُّكب تخشى العطب، لِما ترى وتسمع، من مهلكات وخطوب، فالميزان منصوب، والصراط مضروب، والشهود تشهد، والجوارح تفضح، والصحائف تنشر !
 وإلى الله يومئذِ المستقر ! فأين المفر ؟!
 قال تعالى:

﴿ يوم تجد كلُّ نفسٍ ما عملت من خير محضراً، وما عملت من سوء، تودُّ لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً، ويحذِّركم الله نفسه، والله رؤوفٌ بالعباد ﴾

 ومن حيث الزمـان

 امتحان الدنيا إن طال زمانه، وامتدَّ أوانه، فهو في ساعةٍ من نهار، وربما أكثر بقليل
أما امتحان الآخرة فهو في

﴿ يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ﴾

 وعندما يعيش المجرمون ذلك اليوم الطويل، بما فيه من خطبٍ جليل، يقسمون الأيمان المغلظة، ما لبثوا في الدنيا إلاَّ قليلاً ولا عاشوا فيها إلاَّ يسيراً.
 قال تعالى:

﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يؤفكون ﴾

 فيفزعون نادمين، وعلى أعمارهم متحسِّرين: إنما هو زمنٌ يسير ! وعمرٌ قصير! ثُمَّ كان حساب عسير وإلى الله المصير !
 قال تعالى:

﴿ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ، قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ، قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾

 والعاقل الحصيف، يعلم علم اليقين أنَّما هي بضع سنين، أو أقلُّ من ذلك أو أكثر، ثمَّ يقبر، ثمَّ ينشر، ثمَّ يحشر، فإذا به واقفٌ بين يدي ربّه في يوم العرض الأكبر!
 فيستعدَّ لما أمامه، من أهوال يوم القيامة، فيغنم أيامه ولياليه، فيما يقرِّبه من خالقه ومربيه.. بالمبادرة إلى الطاعات، والأعمال الصالحات، والمسابقة في الخيرات، قبل أن تأتيه المنيَّة، ويصاح في قافلة الهلكى: الرحيل ! الرحيل !
 قال تعالى:

﴿ كأنَّهم يوم يرونها لم يلبثوا إلاَّ عشيَّة أو ضحاها ﴾

 ومن حيث المـراقب

 المراقب في الدنيا مخلوقٌ مثلك، محدود القدرات، معدود الإمكانات، ينسى ويغفل، ويسهو ويتنازل، وليس بالإمكان أن يحيط بقاعة الامتحان !
 أمَّا الرقيب على امتحان الآخرة ـ وله المثل الأعلى ـ فهو الذي لا يضلُّ ولا ينسى، قد أحاط بكلِّ شيءٍ علماً، لا تخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرَّة، ولا يغيب عن بصره شيءٌ من الأشياءٍ في الأرض ولا في السَّماء.
 قال تعالى:

﴿ الله لا إله إلاَّ هو الحيُّ القيًّوم لا تأخذه سنةٌ ولا نوم﴾

 عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قامَ فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسِ كلماتٍ فقال:

(( إنَّ الله عزَّ وجلَّ لا ينامُ، ولا ينبغي له أن ينامَ،... يُرفَعُ إليهِ عَملُ الليلِ قبلَ عَملِ النَّهار وعملُ النَّهارِ قبلَ عملِ الليل ))

 فأين تغيب عن سمعه وبصره ؟! وهو السَّميع البصير !
 وأين تهرب عن علمه ونظره ؟! وهو العليم الخبير !
 وأيُّ حجابٍ يواريك منه ويحجبك عنه ؟!

 

 ومن حيث النجاح

 النجاح في امتحان الدنيا مؤدَّاه أن يرتقي العبد في مراتبها ويعتلي في درجاتها..
 وأيُّ درجة هذه ؟! وأيُّ مرتبة تلك ؟! والدنيا بما فيها من نعيم ولذَّة، منذ خلقها الله تعالى، وإلى أن يرثها، وهو خير الوارثين، نعيمها لا يساوي في نعيم الآخرة، إلاَّ كقطرة أخذت من بحرٍ لُجيٍّ.
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( والله ‍ما الدنيا في الآخرة إلاَّ مثلُ ما يجعَلُ أحدُكُم أصبَعهُ هذه ـ وأشار بالسَّبَّابة ـ في اليَمِّ، فلينظر بم ترجعُ ))

 وقال صلى الله عليه وسلم:

(( ولموضِعُ قدَمٍ مِنَ الجنَّةِ، خيرٌ مِن الدُّنيا وما فيها، ولو أنَّ امرأَةً مِن نساءِ أهلِ الجنَّةِ اطَّلعت إلى الأرضِ لأضاءَت ما بين المشرق والمغرب ))

 أمَّا نجاح الآخرة فهو الزحزحة عن النَّار، والدخول إلى الجنَّة، فضلاً من الله ومِنَّة !
 قال تعالى:

﴿ فمن زحزح عن النَّار، وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلاَّ متاع الغرور ﴾

 وتأمَّل فرحة المؤمن العارمة، وسعادته الغامرة، عندما يثقل بالصالحات ميزانُه، وتثبت على الصراط أقدامُه، فيأمن يوم الفزع الأكبر جنانُه، ويُلقَّى حجَّته وبيانَه، فيرفع كتابه فوق رأسه، وينشره بين الخلائق، ويستعلي بصوته، وينادي على رؤوس الأشهاد، في فرحٍ وسرور، وبهجة وحبور:

﴿هاؤم اقرؤوا كتابيه، إني ظننت أني ملاقٍ حسابيه، فهو في عيشة راضية، في جنَّة عالية، قطوفها دانية، كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية ﴾

 وكما أنَّ النجاح يتفاوت في الدنيا ما بين مقبولٍ، وجيد، وجيد جداً، وممتاز، ثم تأتي مراتب الشرف، وأوسمة التفوُّق... درجاتٌ بعضها فوق بعض...
 كذلك يوم القيامة، فدخول الجنَّة لا يكون إلاَّ بفضل الله ومنته، ثُمَّ يكون التفاوت في الدرجات، والتمايز بين أهلها في النعيم والخيرات، على حسب أعمالهم الصالحة في الدنيا، فكلَّما زادت حسناتهم زادت درجاتهم.. وكلما كثرت طاعاتهم ارتقوا في منازلهم، وعظمت كرامتهم..  قال تعالى:

﴿ ولكلٍ درجات مما عملوا ﴾

 عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:

(( في الجنَّةِ مئةُ دَرجةٍ ما بينَ كلِّ درجتين كما بينَ السَّماء والأرض ))

 فجدَّ، واجتهد، ولا يسبقنَّك إلى الجنَّة ـ مِمَّن عرفت ـ أحد !

 

 ومن حيث الرسوب

 الإخفاق في امتحان الدنيا هيِّنٌ سهلٌ، فهو خسارةٌ لدرجة، أو لمرحلة، أو لمرتبة من الدنيا، لا تساوي عند الله جناح بعوضة.
 عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحُليفَةِ، فإذا هو بشاة ميتة، فقال:

(( أتُرونَ هذهِ هيِّنَةً على صاحبِها ؟ فوالذي نفسي بيده ! للدنيا أهوَنُ على الله، مِن هذِهِ على صاحِبها، ولو كانتِ الدُّنيا تَزِنُ عِند الله جَناحَ بعُوضَةٍ، ما سقى كافراً مِنها قطرة أبداً ))

 وحسب الدنيا حقارةً ودناءة أن الله تعالى جعلها دار بلاءٍ وامتحان، وموطن غفلةٍ ونسيان، وموقع خطيئة وعصيان، ولو كانت نعمة لساقها بين يدي رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم الذي كان عيشه منها كفافاً.
 أمَّا الرسوب في امتحان الآخرة، فخسارة الأبد، وحسرةُ السَّرمد، وألم لا ينفد، وندم لا ينقطع، وعذاب لا ينتهي، وعقاب لا ينقضي.
 يوم يُكبُّ المجرم على وجهه في نارٍ تلظَّى، لا يصلاها إلاَّ الأشقى، فيخسر نفسه وأهله وماله.
 قال تعالى:

﴿ قل إنَّ الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين ﴾

 وأيُّ خسارةٍ أكبر من أن يرى العبد غيره يساق ـ في سعادة ومسرَّة ـ إلى جنَّةٍ عرضها السموات والأرض، لينعم بما تلذُّ به العين، وما تشتهيه النَّفس، ويطرب له السمع، ويسعد به القلب، ثُمَّ يقاد هو ـ في ذِلَّةٍ وصغار، ومهانةٍ وانكسار ـ إلى نارٍ وقودها النَّاس والحجارة، حيثُ العقاب والعذاب، والبلاء والشَّقاء، والنَّكال والأغلال، مما لا يخطر على البال، ولا يوصف بحالٍ من الأحوال !
 قال تعالى:

﴿ وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذلِّ ينظرون من طرفٍ خفيٍّ ﴾

 والخسار الأكبر، والحرمان الأعظم، أن يحرم العبد من لذَّة النظر إلى وجه الله الكريم
 قال تعالى:

﴿ كلاَّ إنَّهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون ﴾

 وكما يرجع الطالب الخائب باللوم لنفسه، والتقريع والتوبيخ لها، والندم على تفريطها، ينقلب الحال بأهل الرسوب في الآخرة إلى الأماني العقيمة، ويركنون إلى الأحلام السقيمة، ويتمنون أن يعودوا ليجدُّوا ويجتهدوا...
 قال الله تعالى عنهم:

﴿ يوم تقلَّب وجوههم في النَّار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرَّسولا ﴾

 ومن حيث فرص للتعويض

 امتحان الدنيا أسوأ ما فيه الرسوب، وغالباً يكون لدى الراسب فرصةٌ أخرى، وكرَّةٌ ثانية، حتَّى يتمَّ له النجاح، أو تغيير مجال الدراسة والبحث، ولعلَّ في ذلك خيراً كثيراً لا يدركه، وفضلاً عظيماً لا يعلمه...
 فكم من بابٍ أغلق في وجه صاحبه، وكان الخير في إغلاقه، ولو أنَّه ولج فيه لوقع في البلايا والمحن، والرزايا والفتن.
 قال تعالى:

﴿ وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌّ لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون ﴾

 أمَّا امتحان الآخرة فلا فرصة ثانية ولا كرَّة آتية..
 وإنما هي رحلة عمل تنتهي لحظاتها، وتنقضي أوقاتها، ثمَّ تحين ساعة الانتقال إلى الكبير المتعال !
 قال تعالى:

﴿ ثمَّ ردُّوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين﴾

 وعند ذلك ينادي المفرِّط المخلِّط في كمد ونكد

﴿ ربِّ ارجعون ﴾

 لِمَ أيُّها الغافل ؟!

﴿ لعلي أعمل صالحاً فيما تركت ﴾

 فهل يجاب له سؤله ويحقق له أمله ؟!

 

﴿ كلاَّ. إنَّها كلمةٌ هو قائلها ومن ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون ﴾

 وعندما يخفقون في الاختبار، ويدخلون النَّار، يُعذَّبون بها، ويصلون سعيرها، ويحرَّقون بحرارتها..
ينادُون

 

﴿ وهم يصطرخون فيها، ربنا أخرجنا نعمل غير الذي كنَّا نعمل ﴾

 فيأتيهم التقريع والتوبيخ، الذي يزيد في حسراتهم، ويضاعف من لوعاتهم:

 

﴿ أولم نعمرِّكم ما يتذكر فيه من تذكر، وجاءكم النذير﴾

 والجزاء في يوم الجزاء:

 

﴿ فذوقوا فما للظالمين من نصير ﴾

 رحلة العمر انتهت، وفرصة الزرع انقضت، وقد حان أوان الحصاد !
 فوا بشرى للزارعين بما حصدوا..!
 ووا أسفاه على الخاملين يوم جدَّ المشمِّرون وهم رقدوا..!
 وفاز بالغنائم طُلاَّبها، وبالمعالي أربابها !
 أمَّا أولئك البطَّالون فقد حيل بينهم وبين ما يشتهون، فإنَّ الله الذي يعلم ما كان، وما يكون، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، يعلم أنَّهم لو ردوا إلى الدنيا، وفسح لهم في الأجل، لعادوا لما نُهوا عنه من المعاصي والموبقات والخمول والكسل !
 قال تعالى:

﴿ ولو ردُّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنَّهم لكاذبون ﴾

 فيا لهذا الإنسان ؛ ما أشدَّ ظُلمه لنفسه ! وما أعظم جهله بعاقبة أمره !

 

﴿ إنَّه كان ظلوماً جهولاً ﴾

 

 والخـاتمـة

 وبعد... نعتقد جازمين، أنَّه لم يبق لنا بعد هذا البيان، إلاَّ أن نستشعر أننا في امتحانٍ رهيب، في كلِّ ما نأتي ونذر، وفيما نحبُّ ونكره، ونعتقد وننوي، ونرى ونسمع، ونعطي ونمنع، ونأكل ونشرب، ونسكن ونركب، ونقول ونعمل، وذلك على مدى الدَّهر، وبطول العمر.
 واليوم عملٌ ولا حساب، وغداً حسابٌ ولا عمل !

 فلنُرِ اللهَ منَّا خيراً، نُسرُّ به يوم نُعرض عليه، ونقف بين يديه، حيث تُعطى الجوائز لكلِّ فائز، ويزج كلِّ خاسر إلى نار السَّموم،

﴿يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾

 وفي هذا بلاغٌ لقوم عابدين !

 

النفس تبكي على الدنيا وقد علمت...... أنَّ السَّلامة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها...... إلاَّ التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه...... وإن بناها بشرٍّ خاب بانيها

 

والحمد لله رب العالمين

***

الخطبة الثانية:
 الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صل، وسلم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين .

  أيها الإخوة الأحباب حضوراً ومستمعين:

 إن التعلم والتعليم قوام هذا الدين، ولا بقاء لجوهره، ولا ازدهار لمستقبله إلا بهما. والناس أحد رجلين: متعلم يطلب النجاة، وعالم يطلب المزيد.. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((العالم والمتعلم شريكان في الخير، ولا خير في سائر الناس ))

[ انظر إرواء الغليل للألباني 2/141 ط المكتب الإسلامي]

 وتعلُّم العلوم المادية، يحقق عمارَة الأرض، عن طريق استخراج ثرواتها، واستثمار طاقاتها، وتذليل الصعوبات، وتوفير الحاجات، تحقيقاً لقوله تعالى:

 

﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾

 

[سورة هود]

 وتعلم العلوم المادية، والتفوق فيها قوة، يجب أن تكون في أيدي المسلمين، ليجابهوا أعداءهم، أعداء الحق والخير والسلام، تحقيقاً لقوله تعالى:

 

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾

 

[سورة الأنفال 60]

 لأن قوة هذا العصر في العلم، بل إن الحرب الحديثة ليست حرباً بين ساعدين وسيفين، بل هي حرب بين عقلين.
 وبالتحرر من الجهل والوهم، واعتماد النظرة العلمية، واتباع الطريقة الموضوعية، نستطيع أن نسقط كل الدعاوى الباطلة المزيفة، التي يطرحها أعداؤنا، أعداء الدين للنيل من إمكاناتنا وطموحاتنا، فباعتماد النظرة العلمية تصح رؤيتنا، وبإيماننا بالله واستقامتنا على أمره نستمد منه قوتنا، قال تعالى:

 

﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾

 

[سورة آل عمران]

 أيها الإخوة والأخوات حضوراً ومستمعين... اسمحوا لي لمرة واحدة في العام، وبمناسبة قدوم الامتحان، أن أخص طلابنا الأعزاء وطالباتنا العزيزات بهذه الخطبة الثانية على خلاف ما ألفه رواد المساجد، ومستمعو الخطابات الدينية من موضوعات، فالإسلام هو الحياة، وأبناؤنا أهم ما في حياتنا لأنهم خير كسبنا، وشبابنا وشاباتنا... وهم أمل أمتنا ومستقبلها... تفوقهم في التحصيل العلمي، وانضباطهم في الجانب السلوكي، أحد أسباب انتصارنا أمام التحديات التي نواجهها .

 إليكم ـ أيها الطلاب الأعزاء ـ بعض الحقائق العلمية في تحصيل المعرفة والمتعلقة بالدراسة والامتحان:
 الدراسة التي ينتظر أن تحقق النجاح للطالب لها قواعد وأصول، ومن هذه القواعد والأصول:

 1. ثبت أن قراءة التصفح وأنت مستلق على مقعد مريح، أو على فراش وثير، أو على شرفة تمتع النظر بالغادي والرائح، أو في غرفة الجلوس مع أهلك وإخوتك الصغار مثل هذه القراءة، وبهذه الطريقة لا تثمر شيئاً، فأنت لا تذكر من الذي قرأته بعد حين أية معلومة اللهم إلا انطباعاً عاماً، لا يسمن ولا يغني من جوع، وهل تعتمد امتحاناتنا ـ وهي لا تزال تقليدية ـ إلا على ما في الذاكرة من معلومات، وإذا صح أن للجهد المبذول في فهم الكتاب المقرر، والقدرة على الإجابة عن أسئلة الامتحان يقاس بوحدات كما تقاس الحرارة بالدرجات، مثل هذه القراءة لا تحقق من وحدات الجهد المئة التي تحقق النجاح إلا خمسة بالمئة، وهي في قيمتها أرخص من الوقت الذي استغرقها .

 2. أما حينما تجلس وراء طاولة بعيداً عن الضجيج، والمناظر والأحاديث التي تدعو إلى الشرود وتفتح الكتاب المقرر، وتقرأ بتأن وتعمق وتضع علامة بقلم شفاف تحت كل فكرة رئيسة، وخطاً بالرصاص تحت كل فكرة فرعية، ثم تلخص الفقرة على الهامش، وتضع خطاً باللون الأحمر تحت كل كلمة تحب أن تضيفها إلى قاموسك اللغوي، وخطاً باللون الأحمر أيضاً تحت أية عبارة تحب أن تغني بها أساليبك التعبيرية، ثم تضع إشارة بلون ثالث عند كل فكرة غامضة لتسأل عنها أستاذك، أو صديقك المتفوق في تلك المادة، وبعدها ترسم مخططاً للبحث الذي قرأته، وتملأه بالأفكار الرئيسة، ثم تسمعه لمن حولك، أو تحاول أن تراجعه من ذاكرتك أو أن تكتبه على دفترك، هذه القراءة بهذه الطريقة تساوي من الجهد المطلوب تسعين بالمئة، ولا يبقى أمامك إلا مراجعة سريعة، وتحقق النجاح .

 3. هناك مشكلة كبيرة يعاني منها الطلاب ؛ وهي أنهم يستمعون إلى الدروس كثيراً ويقرؤون كثيراً أما إذا جلسوا في قاعة الامتحان يتعثرون في الكتابة ؛ ذلك لأن في الإنسان ذاكرة تعرفية يغذيها جهد الأخذ كالقراءة والاستماع، وفي الإنسان ذاكرة أخرى استرجاعية يغذيها جهد العطاء كإلقاء الدروس، وكتابة البحوث، والذاكرة التعرفية لا تفيد الطالب في الامتحان، لأنها لا تسعفه بالمعلومات، فلتوضيح ذلك: حينما تقرأ كلمة " علاقات وشيجة " مثلاً تعرف أنها تعني علاقات متينة لأنها مخزنة في الذاكرة التعرفية، أي تعرفها إذا قرأتها، ولكنك لا تستطيع أن تستخدمها في الكتابة، أي لا تستطيع أن تسترجعها لأنها ليست في الذاكرة الاسترجاعية، فما لم تُلقِ المعلومات المخزنة في الذاكرة التعرفية، شفاهاً على صديق، أو قريب، أو ما لم تحاول كتابتَها فإن هذه الحقائق التي قرأتها، أو استمعت إليها لا تستطيع أن تذكرها في الامتحان إلا إذا نقلتها من الذاكرة التعرفية إلى الذاكرة الاسترجاعية عن طريق التسميع والكتابة، وتلخص هذه القاعدة بالتعلم الرباعي: استمع واقرأ، وسمع واكتب، وهناك قاعدة التعلم الخماسي وهو: تصفح، تساءل، اقرأ، سمّع، راجع.

 4. هناك مشكلة كبيرة تزعج الطلاب، وهي أنهم يعانون من الملل والسأم والضجر من دراسة كتاب واحد لزمن طويل، وهذا يجرهم إلى تضييع الوقت بشتى الحجج المفتعلة، ويصابون بالحزن ثم الكآبة، وهذا خطأ كبير في إعداد جدول المذاكرة، ولشرح هذه المشكلة أسوق لأبنائنا المثل التالي: أنت إذا وضعت في كفك كيلو غرام معدني، ورفعته إلى أعلى مرات ومرات، فبعد عدد من المرات وقد تصل إلى المئة تصاب عضلة اليد بالإعياء، وهو التوقف عن الحركة، لكن لو وضعت بعدها في يدك نصف كيلو... عندئذ تستطيع أن ترفعه مئة مرة أخرى بعد الإعياء، من هذا المثل نستنتج أنه بإمكان الطالب أن يتابع الدراسة من دون ملل أو سأم أو ضجر إذا صمم جدول الدراسة على أساس أن يقرأ فصلاً واحداً كل يوم من كل كتاب مقرر بحيث يرتب الكتب التي يقرؤها من حيث صعوبتها ترتيباً تنازلياً .
 وبهذه الطريقة يستطيع الطالب أن يتابع الدراسة ساعات طويلة، من دون أن يشعر بالسأم
والضجر، لأنه ينتقل كل ساعة من كتاب صعب إلى كتاب أقل صعوبة، وبهذا يتجدد نشاطه .

 5. ثبت أن قوة أية إجابة في الامتحان، وتحقيقها شروط النجاح تعتمد على صحة المعلومات، وعلى وفائها بفقرات السؤال، وعلى تحليلها ترتيبها، ودعمها بالأدلة والشواهد، وهذا هو المضمون، و تعتمد على الأسلوب الذي يتألف من غزارة المفردات التي في مخزون الطالب، ومن حسن انتقائها، ومن متانة العبارات، ومن روعة صورها، وهذا هو الشكل، وسواء رُصدت في سلم الدرجات علامات للأسلوب أو لم ترصد، فإن المصحح يعطي علامة عالية لأي طالب قوي الأسلوب عن وعي أو عن غير وعي منه، على الرغم من وجود سلم دقيق، ولا سبيل إلى امتلاك قوة الأسلوب إلا بالقراءة الأسلوبية التي تعني أن تقرأ النصوص ذات الأسلوب القوي لا لتتبع الأفكار التي تنطوي عليه فحسب، بل لتقف على الكلمات الجديدة التي لا تستخدمها أنت في أسلوبك، أو لتقف على العبارات المتينة التي ينبغي أن تضيفها إلى أساليبك التعبيرية، مثال ذلك: أغلب الطلاب يستخدمون كلمه نظر لشتى حالات النظر، فيأتي أسلوبهم ضعيفاً ضبابياً، ولو قرؤوا الكتب ذات الأسلوب الأدبي قراءة أسلوبية لأغنوا مفرداتهم، ونوعوا أساليب تعبيرهم، إن هنالك مدلولاتٍ دقيقه لمرادفات كلمة نظر منها.. رأى: تحتمل الرؤية القلبية ؛ كأن تقول رأيت العلم نافعاً، شاهد: تضيف إلى النظر المسؤولية الجزائية، رنا: تفيد النظر مع سكون الطرف والمتعة، كأن تقول: رنوت إلى المنظر الجميل، حدّج: نظر إلى الشيء مع المحبة، وفي الحديث حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم، رمق: نظر إلى الشيء من جانـب أذنـه.  لمح: نظـر إلـى الشـيء ثم أعرض عنه، لاح: ظهر له شيء ثم خفــي عـلـيه.. توضح: نظر نظـرة المسـتثــــبت. استشرف: نظر واضعاً يديه على حاجبيه، استشف: نظر مع التفحص باليد، حدق: فتح جميع عينيه لشـدة النــظر حتى اتسعت حدقة العين، حملق: نظر وظهر حملاق العين الأحمر و هو باطن الجفن، نظر شزراً: أعـاره لحــظ العــداوة، والازدراء. شخص: فتح عينيه وجعل لا يطــرف من الخوف فأنت أيها الطالب لا يمكن أن تمتلك أسلوباً غنياً إلا بغنى المفردات التي في ذاكرتك الاسترجاعية .

 6. الأفضل تحديد فترات للدراسة، وأن تتخللها فترات للراحة، فهذا يحول دون الشعور بالإحباط، أو الإجهاد الذي قد يسببه التركيز لمدة طويلة.
 7. خذ قسطاً من الراحة كافياً قبل وقت الامتحان، وهذا يعينك على التذكر والتركيز .

 8. وتناول الطعام المناسب قبل أن تذهب إلى الامتحان، ليعينك على المتابعة وبذل الجهد .

 9. اقرأ الأسئلة بتمعن وتؤدة حتى تتيقن من المطلوب من السؤال، وابدأ بالأسئلة التي تعرفها جيداً، ثم بالأسئلة التي لست متمكناً منها، وبعدها أجب عن السؤال الذي لا تعرفه إجابة تخمينية، فهذا أفضل من عدم الإجابة، ولا تسلم الورقة قبل تنقيح الإجابة، ولا تخرج من قاعة الامتحان قبل انتهاء الوقت لئلا تندم .

 10. أيها الطالب الحبيب... درست في الفيزياء أنك إذا وضعت ورقة في محرق عدسة تحت أشعة الشمس فإنها تحترق، لكن الورقة هذه لا تحترق إذا وضعتها في أشعة الشمس من دون عدسة ! ما تفسير ذلك ؟ إن حزم أشعة الشمس التي انكسرت عبر العدسة تجمعت في محرقها فأحرقت الورقة، وكذلك الطالب المؤمن بربه، والمستقيم على أمره، والمتوكل عليه وينبغي أن تعلم أيها الطالب أنه ما من شيء أكرم على الله من شاب تائب، هذا الشاب الطاهر تتجمع قدراته ومهاراته واهتماماته وتتجه إلى بؤرة واحدة وهي الوسائل التي جعلها سلماً لهدفه الكبير، لذلك يتفوق تفوقاً كبيراً، ويحقق نجاحاً خطيراً، ليكون شيئاً مذكوراً في أمته، فشاب أو شابة من هذا النوع كألف، وألف من المتفلتين والشاردين عن الله كأف، لأن الله مع المؤمنين، وهذه المعية معية خاصة، فسرها العلماء بالتوفيق، والتأييد، والحفظ، والنصر، فإذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان الله عليك فمن معك ؟ وقد قال الله تعالى: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون .

 رجاء إلى الأهل والجيران

 والآن نتوجه إلى كل الإخوة المواطنين بأعلى درجات الرجاء، وبكل ما يتمتعون به من الشعور بالمسؤولية، تجاه أبنائهم صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثا، وتجاه أبناء جيرانهم أن يهيئوا الأجواء التي تعين أولادهم، وأولاد جيرانهم على الدراسة التي هي قوام أمرهم في الدنيا وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه هذا المعنى حينما دعا فقال: أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا

 ومن أهم أسباب تهيئة الأجواء التي تعين على الدراسة:

  أن يسمع المرء ما يحلو له وحده، من دون أن يسمع غيره ما لا يحلو له، ومن دون أن يعكر صفو الطالب أو الطالبة من جيرانه في أثناء الدراسة، فهذا السلوك المنضبط سلوك إسلامي .
 قال تعالى:

﴿ لا ترفعوا أصواتكم﴾

 من الذوقيات المفقودة في البيوت رفع صوت المذياع أو التلفاز، بحيث يعكر على الطلاب الذين يدرسون، ومن الذوقيات المفقودة الشارع تلك الأصوات المزعجة لأبواق السيارات، فتجد صاحب المركبة يقف أسفل البناء، وينادي ببوق مركبته زوجته في الطابق العلوي، بدلا  من أن يصعد إليها ليعلمها بقدومه، يريح نفسه ويتعب الآخرين باستخدام آلة التنبيه.. فيأتي الإسلام ويرد للشارع ذوقياته المفقودة. وينبغي أن نفهم قوله تعالى على نحو موسع:
  ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
 نعم.. إن الآية تتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها تنظم وتهذب سلوكيات الناس.
 إن من حق الناس عليك ألا تزعجهم فمنهم النائم.. ومنهم الطالب الذي يدرس.. ومنهم المريض.. ومنهم الذي يصلي.. واعلم أن ما حول بيتك ليس ملكك وحدك.

 تأجيل المناسبات الاجتماعية الصاخبة التي تقام في البيوت، رحمة بالطلاب والطالبات، فمستقبلهم، وجامعتهم، وحرفتهم تتحدد في الأعم الأغلب في أيام الامتحان، ومن أجل علامة واحدة، يقبل ابن مدينة ما حيث أهله وبيته، وحيث انضباطه، في جامعة بعيدة في مدينة أخرى، حيث السفر والإنفاق وضعف الانضباط .

  تجميد الخلافات الأسرية، وإرجاء حسمها إلى ما بعد نهاية الامتحانات رحمة بالأولاد فلذات الأكباد .

  تأجيل الانتقال من بيت إلى بيت، ومن محل إلى محل، ومن حرفة إلى حرفة إلى ما بعد الامتحانات .

  تفرغ الأهل، ولاسيما الأمهات، والإخوة والأخوات الكبار... تفرغهم للذين يؤدون الامتحانات من أفراد الأسرة، وتأمين حاجاتهم، والسهر على راحتهم، والتدقيق في جدول امتحانهم، وإيقاظهم على مواعيد امتحانهم .

  ولا تقل ليس عندي أولاد يؤدون امتحاناً فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول:

((لا يدخل الجنة رجل لا يأمن جاره بوائقه ))

 تحفظ لابد منه

 

 وفي الدعاء النبوي الشريف:

(( اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن أذن لا تسمع، ومن عين لا تدمع، ومن نفس لا تشبع ))

 فبناء على هذا الحديث الشريف نقول:
 العلم الذي نرتزق منه وكفى.. ليس إلا حرفة من الحرف.
 العلم الذي لا يصل تأثيره إلى نفوسنا، ومن ثم إلى سلوكنا، ما هو إلا حذلقة لا طائل منها
 العلم الذي يجعلنا نتيه به على غيرنا، ما هو إلا نوع من الكبر.
 العلم الذي يعطل فينا المحاكمة السليمة والتفكر السديد نوع من التقليد.
 العلم الذي يوهمنا أننا علماء كبار، هو نوع من الغرور..
 والعلم الذي يسعى لتدمير الإنسان، والفتك به، ويسعى لصناعة المرض نوع من الجريمة
 والعلم الذي نستخدمـه للإيقاع بين الناس، والعدوان على أموالهم وأعراضهم، نوع من الجنوح والانحراف.
 والعلم الذي لا يتصل بما ينفعنا في ديننا، ودنيانا، نوع من الترف المذموم..

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور