وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة الغاشية - تفسير الآية 19 قانون الجاذبية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، قال تعالى:

﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19)﴾

[ سورة الغاشية ]

الجبال من آيات الله الدالة على عظَمَتِه.
 بادئ ذي بدْء جعل الله الجبال رواسيَ لأن لا تَميد بنا الأرض وكلّ شيء يدور بِسُرْعة عاليَة يضْطرب، ومِن أجل أن لا يضْطرب لا بدّ من أن توضَعَ في أماكن من جِسْمهِ أوْزان بحيث هذه الأوْزان تُعَدِّل سُرْعَة الدَّورَان، ويبْقى الدَّوران مُسْتَقِرًّا، قال تعالى:

﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ(10)﴾

[ سورة لقمان ]

 فالأرض تدور حول نفْسِها بِسُرْعة ألف وستِّين كيلومتر بالساعة، فأسْرَع طائرة ألف ومائتان، والطائرة العادِيَّة تسعمائة وهي النَّفاثة التي تخْرِقُ جِدار الصَّوت، فدَوْرة الأرض حول نفْسِها بِسُرْعة ألف وستِّين كيلومتر بالساعة ؛ وهي دوْرة سريعة جدًا، فهذه الجبال جعلها الله تعالى في أماكن مُعَيَّنَة مِن اجل أن يسْتَقِرَّ دَوَران الأرض، ومِن أجل أن تكون الأرض قَرَارًا ‍! ينشئ بناء يبقى ثلاثين سنة إلى سبعين أو أكثر ولا تجد فيه بعد ذلك ولا شقّ ! والسَّبب أنَّ الأرض مُسْتَقَرّة في دَوْرَتِها، ودوْرَتُها حول الشَّمْس ثلاثين كيلومتر بالثانِيَة، فهناك حركة حول الشَّمس وحركة حول نفْسِها، وهي مع الحركَتَين تبْدو مُسْتَقِرَّة تمامًا، أما الإنسان فلم يسْتطع حتَّى الآن أن يصْنعَ مرْكَبَةً تسْتَقِرّ اسْتِقْرارًا تامًا أثناء حركَتِها، وهذا مهما كانت المركبة عالِيَة المستوى ؛ لا سفينة ولا باخرة ولا طائرة ولا سيَّارة فلا بدّ مِن أن تضطرب كل من هذه الوسائل.
قوله تعالى:

 

﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا﴾

 

[ سورة النمل ]

 لها عِدَّة معاني ؛ الأشياء التي على سطْح الأرض تسْتقرُّ على سطْح الأرض ؛ كيف تسْتقِرّ ؟ متى عَرَفنا قيمة الجاذِبِيَّة ؟ حينما أُرْسِلَت مرْكبة إلى الفضاء، ففي منطقة بين الأرض والقمر تنْعَدِمُ الجاذِبِيَّة، وهو شيء مُزْعِج جدًا، ينام على السرير فإذا اسْتيْقَظ وَجَد نفْسَه في السَّقف، فأنْ تضع الكأس على الطاوِلَة ويستقِرّ كما وضَعْتَهُ ؛ هذه نِعْمة لا يعْرفها إلا من فقَدَها؛ قوله تعالى:

 

﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا﴾

 

[ سورة النمل ]

 كل هذا بِفِعْل الجاذِبِيَّة، أما لو انْعَدَمت الجاذِبِيَّة لما اسْتَطَعنا أن نزِنَ التفاح ! ولو كان طنًّا !! أما بِفِعْل الجاذِبِيَّة فإنَّ حبَّات التُّفاح تنْجذِب إلى الأرض وهذا هو الوَزْن، فالله تعالى جعل الأرض مُسْتَقِرَّة بِمَعنى ما عليها مُسْتَقِرّ.
 المعنى الثاني: على الرُّغْم من حركتِها هي مُسْتَقِرَّة اسْتِقْراراً تامًا، والدليل الزلازِل، ففي بِضْعة ثواني تتَحَطَّمُ عمارات، القاهرة تحطَّمت عمارة كاملة في بضْعة ثواني لمَّا باغت درجة الزلزال سبعة على ريشتر، لذلك الدُّعاء النبوي الشريف: اللَّهم أرِنَا نعمك بِكَثرتها لا بزوالها، فهذا فندق بالمغرب ثلاثين طابق أصبح كلّه بالأرض ولم يبْق إلا اسمُه ! قال تعالى:

 

﴿ أءمنتم من في السماء أن يخْسف بكم ﴾

 الزلازل تُبَيِّن لكم نِعْمة الاسْتِقرار، وهنا بالشام هزَّتْ هزَّة أربعة ريشتر، فالضَّمان الوحيد هو الله، وأن يسْمَحَ لك أن يحْفظك، وان يحْفظ لك بيْتَكَ وجِسْمَكَ، وأن يحْفظ لك صِحَّتَك.
قال تعالى:

 

 

﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19)﴾

 

[ سورة الغاشية ]

 الجبل الذي تَرَوْنهُ طبْعًا أعلى جبل في العالم هو الهِمالايا ارتِفاعه أثنى عشر ألف وثماني مائة متْر ! وكلّ جبلٍ تَرَوْنهُ فإنَّ ثلثه مَغْروس في الأرض، والله تعالى جعل الجبال أوْتاد، والأرض فيها طبَقات ولها كثافة ومع الدَّوَران تضْطرب الأرض، فيأتي الجبل فيَرْدِف هذه الطَّبقات بِبَعْضِها بعض وانغِراس ثلث من الجبل في الأرض كانْغِراس الضِّرس تمامًا.
 فأصبح الجبل وتدًا، ومرْساة، ومصَدٌّ للرِّياح، والجبال مناطق فيها برودة فإذا كان الحرّ ففي الجبال تجد نعومة، كما أنَّها خزَّانات للمياه فهذا نَهْر الأمازون كثافتُه ثلاثمائة ألف متر مُكَعَّب بالثانِيَة ! أعلى كثافة نهر بالعالم ؛ فأين مُسْتوْدعاته ؟ بالجبال، لذلك أكثر آيات الجبال تُرافقها آيات المياه، قال تعالى

 

﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19)﴾

 

[ سورة الغاشية ]

 فهي آية من آيتان الله تعالى، وهي على ألْوان ؛ هناك جبال سوداء وحمراء وجبال كِلْسِيَّة، وكل جبل له بُنْيَة، وهي تزيد مِن مساحة الأرض، وهي تُعْطي الأرض جمالاً، وتعْطي برودة، وهي تربط طبقات الأرض بعضها ببَعْض، وهي مِصَدَّات ورواسي، وهي مستوْدَعات.

تحميل النص

إخفاء الصور