وضع داكن
18-04-2024
Logo
الدرس : 5 - سورة الغاشية - تفسير الآية 20 الأرض تتوافق مع حاجات الإنسان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، لازِلنا في الآيات التي أوْرَدَها الله عز وجل لِتَكون دليلاً على معرفة الله عز وجل، وعلى معرفة أسمائه الحسنى وصِاتِه الفضلى، وآية اليوم قوله تعالى:

﴿ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)﴾

(سورة الغاشية )

الأرض تبْدو مُسَطَّحَة، وهي في الوقْت نفْسِه كُرَة، لَكِنَّ حجْمَها الكبير مع أنَّها كُرَة تبْدو مُسَطَّحَة !
 أوَّلاً الأرض تتوافق مع حاجات الإنسان، لو أنَّها تضاريس مائلة حادَّة وسَخْرِيَّة، يموت البشر جوعًا، ففي منطقة السويْداء منطقة اسمُها اللَّجات ؛ سَخْرِيَّة، فلو أنَّ الأراضي كلُّها هكذا لما بقِيَ واحِدٌ على قَيْد الحياة، لكنَّ الله سبحانه وتعالى جعل الأرض تُرابِيَّة، فيها ثمانِيَة عشر معْدَنًا، وهناك مُكَوِّنات النَّبات، فالأرض أوَّلاً مُمْتَدَّة، هي كُرَةٌ وتَبْدو أنَّها ممْتَدَّة لِعِظَمِ حجْمِها.
ثانياً: هي أُفقِيَّة وليْسَت مائِلَة، وثالثًا: تُرابِيَّة، ووزْنُك يتناسب مع حجْم الأرض، ولو أنَّ الإنسان صَعِدَ إلى القمر لكان وزْنُهُ سدُس الوزْن الحالي، فلو كان بالأرض وزْنُهُ ستِّين كلغ لكان وَزْنُه بالقمر عشرة كلغ ‍!
ولو كانت الأرض حجْمُها ضعف الحجم الحالي لأصبح من وزنُه ستِّين مائة وعشرين ! فَحَجْمُ الأرض متناسب مع الإنسان، ودَوْرَتُها حول نفْسِها متناسبة مع طاقتِهِ، فالإنسان يعْمل ثمانية ساعات ويأكل ويعود إلى بيْتِه،  ويجْلسُ مع أهْلِهِ وينام، فكيف لو كان الليل ساعة والنهار ساعة ! أو الليل ستَّة أشْهر، والنَّهار ستَّة أشْهر، فَوَزْنُهُ متناسِب مع حجْم الأرض، وطاقاتِهِ مع العمل متناسبة مع سرعة دورانها حول نفْسِها، وتَحَمُّله للحرارة والبرودة متناسبة مع الفُصول الأربعة فَبالشِّتاء صفْر، وبالصَّيْف أربعون، أما لو الأمر مائتان تحت الصِّفْر لانْتهى الإنسان !
وبالمناسبة لو أنَّ الإنسان ذهَب إلى فرْلاندا، أقلّ درجة حرارة بالعالم هناك ؛ تسْعةٌ وسِتُّون تحت الصِّفْر، والإنسان هناك بِإمكانِهِ أن يرْتدي قُفَّازات، ويرْتَدي طاقِيَّة ومِعْطَف وجوارب صوفِيَّة وألْبِسَة داخِلِيَّة إلا أنَّهُ لا يستطيع أن يقي عَيْنَيْه ! إذًا لا بدّ أن يتَجَمَّد ماء العَيْن فَوْرًا لِهذا ربُّنا جلّ جلاله جعل فيماء العَيْن مادَّةً مُضَادَّةً للتَّجَمُّد، وذلك من أجبل أن ترى ؛ خَلْقٌ كامِل قال تعالى:

﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ(88)﴾

[ سورة النمل ]

فَوَزْنُك يتناسب مع حجْم الأرض، وطاقاتِك مع العمل متناسبة مع سرعة دورانها حول نفْسِها.
 الآن الأرض ليْسَت تضاريسُها حادَّة، ومُيول حادّ، أحيانًا هناك أراضي جَبَلِيَّة مُشْكِلَتُها بالأمطار تُجْرَفُ التربة ؛ شيء لا يُحْتَمَل وبناء جدْران اسْتِنادِيَّة هذا شيء مُكْلِف كُلْفَةً كثيرة، فلو كانت مائلة وصَخْرِيَّة لمات الناس جوعًا، قال تعالى:

﴿ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)﴾

[ سورة الغاشية ]

 والله عز وجل جعل أربع أخْماس الأرض ماء ! لماذا ؟ لأنَّ هذه المُسَطَّحات المائِيَّة تكْفي لإرْواء الخُمْس، ولو كان البحر نصف الأرض لمات الناس جوعًا، فهذه المُسَطَّحات المائِيَّة تتبَخَّر مياهُها بالشَّمْس الشديدة وتُصْبح سحابًا وتُساق إلى اليابسة فَتُرْوى الأرض، وتَحْيى النباتات.
الأمر الآخر ؛ أنَّ الله تعالى جعل السَّواحِل وجعل رؤوس، وخُلْجان وقنوات، وجعل معابِر ومِياه عَذْبة، وبَحْث الأنهار وَحْده مِن أعْظَم ما يُؤَكِّدُ عظَمَة الله عز وجل.
 بِأيِّ مكان هناك ينابيع ماء عذْب، أربعة وعشرون ألف جزيرة بِأنْدونيسْيا هناك نبْع عّضْب يتناسب مع الجزيرة، وكل نبع له تمْديدات تحت الأرض ؛ فَنَهْر التَّايْمز بابريطانيا، كلّ أمطار بريطانيا لا تطفي لِغَزارة نهْر التَّايْمز، وعلماء الجغرافيا يَرَوْن أنَّ مُسْتوْدعاتُهُ بِأوروبا ومُمَدَّدَة تحت بحر المانس إلى ينابيع نهر التايمز بابريطانيا.
 ونهر الأمازون كما قلتُ لكم ؛ ثلاثمائة ألف متر مُكَعَّب بالثانية، وهناك من يقول أنَّ هناك حرْب مياه، ثمّ حرب البترول، ثمّ انتَقَلنا إلى حرب القَمْح، والآن نحن في حرب المياه، وكأنّ الله سبحانه وتعالى ليس عنده مياهٌ عذْبة لِيَسْقي بها البشر، مع أنَّني قرأتُ مقالَةً عِلْمِيَّة عن مرْصَدٍ أوروبِيِّ يعْمل تحت الأشِعَّة الحمراء، كشَفَ سحابةً يُمْكن أن تملأَ مُحيطات العالم سِتِّين مرَّة في كلّ أربعة وعشرين ساعة بالمِياه العَذْبة ؛ سحابة واحدة ! قال تعالى:

 

﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ(21)﴾

 

[ سورة الحجر ]

 لذلك ربُّنا عز وجا إذا قنَّن كان التَّقنين تقْنين تأديب وليس تقْنين عَجْز.
قال تعالى:

 

﴿ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)﴾

 

[ سورة الغاشية ]

 فيها فلْزات، ما هي الفلْزات ؟ يعني الحديد، فلو كان الحديد كُتَلاً في أعْماق الأرض فلا يُمْكن أن يُسْتَخْرج، أما الفلْزات هو حديد مع تُراب ؛ تَجْمَعُ التُّراب بِعَرَبات في معامِل صهْر الحديد، لو كان المعادن ليس على شَكْل فلْزات لما أمْكن أن نسْتفيد منها، وكم هناك معادن بالأرض ؟! لا يعلمها إلا الله ؛ معْدَن خفيف جدًا ومتين هو الألمنيوم، ومعدن ناقل للحرارة وهو النُّحاس صالح للطَّبْخ، مرَّةً لفت نظري وأنا أنظر إلى حديقة وهم يهْدِمونها، كان هناك أعمِدَة حديديَّة مُثْبتة بالحِجارة، فالآن يقْطعون الحديد لا بِسَحْبِهِ من الحجَر بل عن طريق الأكسجين ! فسألْتَ هل يُمْكِن أن تقْطع الحديد بالأكسجين ؟ فقال: هذا أسْهل شيء ‍‍! لأنَّ الحديد بعدما دخل إلى الحجَر فلا يوجد قُوَّة يمكننا أن ننزعه من الحجر ولكن بِفَضْل معْدن الرَّصاص ! ما هذا المعْدَن ؟ فقال لي: نحن نَحْفر حُفْرَةً بالحَجَر مثل الأجاصة نضَعُ الحديد ونَسْكُب الرَّصاص المُذاب فالرَّصاص ينْصهر لِدَرَجة مائة ؛ على الغاز ينصهر، وهذا المعدن هو الوحيد إذا تبرَّد اتَّسَع حجْمُه، فيَضَعون الحديد بالحجر بِحُفرة على شكل أجاصة ويسْكبون قليلاً من الرَّصاص، فإذا برُدَ توَسَّع، ولا توجد قوَّة تنزعُه بعد ذلك ! لذا حَشْوُ الأسنان الآن عن طريق مَسْحوق الرَّصاص وبالتَّبْريد يتوسَّع.
 فالله تعالى خلق رصاصًا ونُحاسًا وحديدًا بِأنواعِه، والحديد إذا لم يصْدأ نموت نحن !! كيف ؟! في جسْم الإنسان حديد يفعل مسمار ستَّة عشر ولك أنت أملاح الحديد ؛ ولأنّ الحديد يصْدأ فهو يُصبحُ أملاحًا فأنت تأكل العدس وهو فيه الحديد، والسبانِخ وتفاح ؛ كل هذه فيها حديد فالتُّفاح فيه حديد ! كيف لو قَطَعْتَ تُفاحَّة وتركْتها لوَجَدْتَها اسْوَدَّتْ فهذا دليل على أنّ الحديد فيها تأكْسَد ! فالله تعالى جعل هذه المعادن في الفواكه والخُضار على شكْل أملاح، فلو كان الحديد نفْسُه نأكلهُ لَمِتْنا فالإنسان إذا اصْفَرَّ لونُه لكان علامةً أنَّ معه فقْر دمّ، وفَقْر الدمّ يعني ينْقُصُه الحديد، فالذي معه بُستان ووَجَد أوراقها أخضر فاتِح كان هذا دليلاً على أنّ الشجرة تحتاج إلى شلات الحديد، والخضار الداكن يعني أنَّ هناك حديد جيِّد بالتُرْبة، لذلك من أحد الأسْمِدَة شلاَّت الحديد وهي لا بدّ منها ؛ نِظامٌ دقيق جدًا ! فالله عز وجل هذه الأرض جعل فيها معادن وأشباه معادن وفلزات، وينابيع، وبترول ؛ ما هو البترول ؟ البترول في عُهودٍ قديمة جدًا كانت هناك أمطار عزيرة بالأرض تَشَكَلَّت من جرَّائِها غابات عِمْلاقة، فهذه الغابات دُفِنَت تحت الأرض فكانت بتْرولاً ! والدليل قوله تعالى:

 

﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ(80)﴾

 

[ سورة يس ]

 كنتُ أقرأ هذه الآية فأشْعُرُ بِحَرح ! يا ربّ الشَّجر الأخضر لا يشعل، إنَّما الشَّجر اليابس هو الذي يشعل، فَرَبُّنا لمَّا قال شَجَر لولا هذه المادَّة الكلوروفيل ؛ مادَّة اليَخْضور لما كان الشَّجر وهذا الشَّجر العملاق دُفِنَ فكان بتْرولاً، فهذه الآية هي آية البترول فالأر وَحْدها بِتَضاريسِها وجبالها وسُهولها وهِضابِها وتلالها وجبالها العمْلاقة فأنت أحْيانًا كي تبني بيْتًا بلاستيكي يُكَلِّفُك الأمر إلى مائة وخمسون ألف ولو كان بيْتًا زُجاجِيًّا لكَلَّف مليون ! فالله تعالى جعلك لك مدينة كلَّها بلاستيكِيَّة ؛ غَوْرُ فلسطين وهي أعْمَقُ نقْطة في الأرض، زُرْتُها مرَّةً قبل لأن تُحْتَلّ وصَلْنا إلى محَلٍّ كتبوا فيه: هنا مُستوى سطْح البحْر ! تابعْنا فإذا ستُّ مئة نتر تحت سطْح البحر ! غَور فلسطين بيت بلاستيكي كلُّه كانت تأتينا الخُضار والفواكِه بِأثناء الشِّتاء، وهناك آية فيها إعْجاز قرآني، طبْعًا جرَتْ معركة بين الفرس والروم في غَوْر فلسطين، وقبل سنوات مَعدودة اكْتُشَف أنَّ هذه المنطقة أعْمق نقطة على سطْح الأرض فالله تعالى قال:

 

﴿ الم(1)غُلِبَتْ الرُّومُ(2)فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(3)فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4)بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾

 

[ سورة الروم ]

 وبعدما كشفْنا أشِعَّة اللَّيْزر عرفنا أنَّ غَوْر فلسطين أعْمق نقطة أما الله تعالى قال:

 

﴿ الم(1)غُلِبَتْ الرُّومُ(2) ﴾

 فيا أيها الإخوة الكرام، أرضٌ للزِّراعة أقول لك: جَرِّب فَلِكُّلّ أرض خصائص، فالسَّفرجل مثلاً بالشام أطْيَب منطقة ينمو فيها هي الأشْرَفِيَّة ومنطقة أخرى تُناسب البندورة بِحُوران، فَتُرْبَة حوران أنْسَب ترْبة للبندورة، وفيها منطقة ينمو فيها قمْح قاسي، وهو أقْسى قمح في العالم ما هذا السرّ ؟ كل تربة لها خصائص ؛ هذه للشاي وتلك للبنّ والأخرى للتفاح، وهذه للزَّيتون، تَركيب التُّرب عجيب جدًا، لذلك الإنسان لا يزرع إلا بالأماكن المناسبة للزِّراعة لِتِلك التي يوَدُّ زراعتها، فَمَن صنَع هذه التُّرْبَة ؟ ومن أعْطاها مُكَوِّناتِها ؟ التُّرْبة تحوي تقريبًا ثمانية عشرة معْدَنًا، وهذه المعادن تُحَلّ بالماء على شَكْل أمْلاح ويأتي النبات فيأخذ هذا الماء المعْدني إلى أعلى قِمَّة في الشَّجَرة عن طريق ظاهرة غريبة جدًا اسْمُها الحُلول
 ثمّ الأرض فيها جاذِبِيَّة والإنسان يسْتغرب، وهي أنَّها كُرَوِيَّة وهنا يوجد بِحار فَلِمَ لا تنْزِل البِحار ؟ كُلّ شيء بالأرض مَرْبوط بالمَرْكز فلو ذَهَب الإنسان إلى أر جنتين لكان هنْدَسِيًّا رأسه نحو الأرض ورجله نحو السماء ‍، ولكانت السماء نحو الأسفل ! على كُلٍّ هناك آيات الأرض كثيرة جدًا تسْطيحُها وكُرَوِيَّتُها، وانْجِذاب الأشاء إليها، وحجمها وسُرعتها وتركيب تربتِها، هذا كُلُّه تنْطوي تحت هذه الآية الكريمة قال تعالى:

 

 

﴿ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)﴾

 

[ سورة الغاشية ]

تحميل النص

إخفاء الصور