وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : سورة البلد - الآيات 1 - 20 الإنسان أكرم المخلوقات.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، في سورة البلد، الآية الأولى قوله تعالى:لا أقسم بهذا البلد...البلد " ماذا نفْهم من هذه الآية ؟ نفهم منها أنَّ الإنسان هو أكرم المخلوقات على الله، وأنَّ سيِّدنا محمّد صلى الله عليه وسلَّم هو أكْرَمُ أكْرَمِ البشر على الله، لذا قيمة هذا البلد ؛ مكَّة المُكَرَّمة لِحِلِّ النبي عليه الصلاة والسلام فيه، قال تعالى:لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد..".
 ثمَّ قال تعالى:ووالد وما ولد.." نِظامُ الأُبُوَّة هو نِظامٌ يُعَرِّف بالله عز وجل، فأكثركم آباء، يعيش الأب لابنِهِ ويتمنَّى أن يكون أفْضَل منه ومهما أساء الابن إليه لو جاءهُ تائِبًا لقَبِلَهُ وأحَبَّهُ، ومِن نِظام الأُبوَّة ومن الرَّحمة التي أودِعَت في قلوب الآباء والأمَّهات ؛ تعرف الله، إذا كان قلب الأب والأم هكذا، وإذا كان الأب والأمّ يعيشان لأوْلادِهِما يجوعان كي يشْبعوا، ويعْرِيان كي يكْتسي، ويرْفعانِهِ إلى أعلى عِلِيِّين، ويتمنَّيان أن يكون أفضَل منهما بِرَحْمَةٍ أوْدَعَها الله تعالى في قلوبهما، فكيف بالله عز وجل ذي الرَّحْمة العظمى.
 من الثابت أنَّ أعْظم الخلق بالخَلْق النبي عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك ؛ قال تعالى:فَبِما رحْمَةٍ..."، تنْكير تقليل، فَكُلّ هذا اللِّين وهذه الرَّحْمة فاللَّهمّ اغْفِر له، وارْحَمْهُم، وقوله صلى الله عليه وسلَّم:اللَّهم اهْد قومي فإنَّهم لا يعلمون، آذَوْهُ،و سَلَّطوا عليه سُفَهاءَهم، وكذَّبوه وسَخِروا منه، ومع ذلك قال:اللَّهمّ اهْدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون ! فَكُلّ هذه الرَّحمة وهذا اللِّين وهذا العَطْف، قال عليه الصلاة والسلام:لو تعلمون ما أعلام...." ومع أنَّك نبِيٌّ مُرْسَل وسيِّدُ الخلْق، وحبيب الحق ومه أنَّهُ يوحى إليك وأوتيتَ المُعْجِزات، مع كُلِّ هذه الخصائص والميزات، وكل هذه الفضائل، قال تعالى:ولو كنت فضًّا غليظ القلب..." فهذا الذي لم يُؤْتَ المعجزة وليس معْصومًا، ولم يفْقَه الفقه العالي فهذا يعني أنَّه أحْمق، الْتِفاف الناس حوْلك، أو انْفِضاضُهم عنك قانون فإذا كان بقلبك رحْمة حقيقيَّة اشْتقَقْتَها من الله عز وجل مِن خلال اتِّصالك به مُنْعَكَس هذه الرَّحْمة يُثير الجانب، فإذا كان القلب منقَطِعًا عن الله عز وجل، فَمِن مُنْعَكَسات القلب الغِلْظة والفضاضة، قال تعالى:ولو كنت فضًّا غليظ القلب..." القرآن كلَّه قوانين، فقانون الْتِفاف الناس حوْلَك اتِّصالُك بالله، وقانون انْفِضاض الناس حوْلك انْقِطاع القلب عن الله تعالى، لذلك لا أُقسم بهذا البلد لأنَّه حِلٌّ بهذا البلد لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم سيِّد الخلق، بل إنَّ جنس الإنسان إذا عرف الواحِدَ الدَّيان يفوق الملائكة المُقَرَّبين، فالإنسان أكرم الخلق على الله، رُكِّب الملك بِعَقل دون شَهْوة، ورُكِّب الحيوان من شَهْوةٍ دون عقْل، ورُكِّب الإنسان من كليهما، فإن سَمى عقله عن شهْوته أصبح فوق الملائكة، والدليل قول الله عز وجل:إنَّ الذين آمنوا و...خير البريَّة " والآية الثانِيَة قوله تعالى:...شر البريّة " فأنت بين أن تكون فوق الملائكة المُقَرَّبين وبين أن يكون الكافر في أسفل السافلين.
كان من الممكن أن يخلق الله البشر جميعًا دُفْعَةً واحدة من دون آباء حينها تنعدِمُ الرَّحْمة، أما أن يكون هذا ابن فلان، وكل رحْمة الأب يصبُّها في ابنه فإذا كبر الأب رأى ابنه أمامه يُعينُه
 ثمَّ قال تعالى:لقد خلقنا الإنسان في كبد.." خُلِق في ضَعْف وفي نِظام سَعْيٍ، فالواحد حتَّى يشْتري البيت ؛ يقول لك:طلعتْ روحي ! وحتَّى وصل إلى زوْجة طلعتْ روحي مرَّة ثانِيَة ! وكذا حتَّى أنْجب، ثمَّ ترْبِيَة الأولاد، فالحياة أساسها بذْل جهْد ! قال تعالى:يا أيها الإنسان إنَّك كادح إلى..." نِظام الدنيا نِظام جُهْدٍ، أما نِظام الآخرة فهو نِظام إكْرام، ولهم ما يشاءون فيها، فأنت مِن أجل أن تأكل صَحن مُقَبِّلات تحْتاج إلى ساعة ؛ مِن غَسْل وتنظيف و... أما في الآخرة كلّ ما يخْطر بِبَالِك تجده أمامك، قال تعالى:إنَّه كان لي قرين فاطَّلع..." مِن أجل أن ترى ابنك بأمريكا تحتاج إلى ثلاثة أشهر للتأشيرة ويدفع وينتظر الدَّوْر كي يراه، أما في الآخرة لا شيء مِن هذا ! في الآخرة فقط يخْطر بِبَالك ترى ما تريد، والقُطوف في الجنّة دانِيَة، الغُصن يأتي إليك، تشْتهي أن تأكل فيأتي الغصن إليك، فَنِظام الآخرة نِظام تَكْريم، ونِظام الحياة الدنيا نِظام سَعْي وجُهْد، والدنيا ثَمَن الآخرة، والانضِباط في الدنيا لِسَنوات مَحْدودة ثَمَن عطاء أبدي لا ينتهي، فالصّلوات محدودة، وكذا الصيام والحج والعمرة، فَمَجموعة تَصَرُّفات منضَبِطَة ثَمَن جنَّة إلى أبد الآبدين، وحينما ينقطع عن الله تعالى ويجْهل قال تعالى:أيحسب أن لن...أحد " كان طِفْلاً، لولا منعَكس المَصّ لما وُجِد إنسان يعيش مِنَّا، والطِّفل يولَد معه، فلولا منعَكَس النَّص لما وُجِدْنا الآن، فلولا هذا المنعكس لما أمْكَنَكَ أن تُعَلِّم ابنك وهو طفل صغير وُلِدَ الآن أن يمُصَّ ثَدْي أمِّه ؛ يولَدُ الطِّفل من هنا فَيَمُصُّ مباشرة حلمة ثدي أُمِّه ! كيف يتعَلَّم هذا الطِّفل أن يمصّ ثَدْي أُمِّه ؟
 قال تعالى:ألم نجعل له عينين...النَّجدين " حليب باردٌ في الصَّيف، وساخن في الشِّتاء، ومُعَقَّم، ويتبدَّل ترْكيبُهُ في أثناء الرَّضْعة الواحدة نسْبة الماء بِأوَّل الرَّعة تكون سِتِّين بالمائة وبآخرها أربعين بالمائة، أما الأمّ ابنها يبكي تضع الحليب على النار حتَّى يغلي، ثمَّ مرحلة التبريد وكل مناعة الأم في حليبها، لذلك أحْمَق إنسان هو الذي يسْمح لَزوْجَتِه أن تُرْضِعَ ابنها! حِفاظًا على قِوامها، وأحد أكبر سرطان الثَّدْي عدم الإرْضاع !! لأنّ الله تعالى قدَّم الثَّدْي هَدِيَّة للطِّفْل والأمّ حرَمَتْهُ منه وأحد أسباب الانْتانات المعوِيَّة هو الحليب الصِّناعي، واحد أسباب القَسْوة في المعاملة الحليب الصِّناعي، وأحد أسباب أمراض القلب والأوْعِيَّة الحليب الصِّناعي ؛ هناك بُحوث طويلة أنَّهم وَجَدوا أذْكى شَعْب في العالم هو شَعْبٌ يعيش بِالباسيفيك، هذه الجزيرة لا تعرف الإرضاع الصِّناعي إطْلاقًا، والآن يُعْزى الذَّكاء البشري إلى الإرْضاع الطبيعي، أمريكا مرْتبتُها بالذَّكاء الرابعة عشرة
قال تعالى:أيحسب أن لن يقدر عليه أحد..." سلوا الأطِبَّاء ؛ ما هو الإنسان ؟ كُلّ عظَمَتِك وقُوَّتِك وذكاءك وأموالك وهيْمَنَتِك بِفَتْحة شرْيانِكَ التاجي الذي قُطْرُه ميلمتر واحد ! إذا ضاق بدأت متاعب لا تنتهي وهو الذي يُغَذِّي قلب، فإذا ضاق هذا الشريان للزِمَك تجريف وبالون وروسور وأروبا ومليون ليرة، وكذلك إذا نَمَتْ هذه الخلايا نُمُوًّا عَشْوائِيًّا، وهذا المرض حتَّى الآن لا سبب له، يُصيبُ كلّ الأعمار وإذا تَجَمَّد الدمّ، فأنت كلّ حياتِك مَبْنِيَّة على هذه الأمور التي في جسَدِك ثمّ قال تعالى:يقول أهْلكْتُ مالاً لبدًا.." أقمنا بالصَّيف في نزهة كلَّفَتْنا ثمان مائة ألف ! وعرس كلَّفَنا عشرين مليون، ويعني بِكُلْفة السيارة والبيت.
قال تعالى:أيحْسب ألم يره أحد.." مِن أين جاء بِهذا المال ؟ الذي أعطاك ألا يراك ؟ وخالقُك! كيف كسب المال.
ثمَّ قال تعالى :

﴿ ألم نجعل له عينين...النجدين﴾

فكيف بِخالق العَيْنين ثمّ قال تعالى:فلا اقْتَحَم العقبة.." ما الذي يمْنعُك من أن تتوب الآن ؟ وأن تُصَلِّي ؟ وأن تسأل الله السلامة واللُّطْف.
 ثمَّ قال تعالى:وما أدراك...فك رقبة " ما معنى هذه الآية ؟ مادام الإنسان عبْدًا لِشَهواتِه فالطريق إلى الله مَسْدود، فإن أمْكَنَك أن تفُكَّ رقَبَتَك من أسْر الشَّهوات انتهى الأمر، فأنت إما أن تكون عبْدًا لله، وإما أن تكون عبْدًا لبَطْنِك أو لِفَرْجِك أو للدِّرْهم والدِّينار.
ثمّ قال تعالى:" فلا اقتحم العقبة...فك رقبة " هناك من يقول:فكّ رقبة ذَبْح خروف ! ولكنَّ المعنى أعْمَق بِكَثير،فما دُمْتَ عبْدًا لِشَهْوَتِك فالعَقَبة كؤود بينك وبين الله، ولكن حينما تتحَرَّر من أسْرِ الشَّهْوة وتغْدو عبْدًا لله فالطريق سالِك، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام :

﴿ تعس عبْد الدرهم..." ﴾

 ما صلَّى العصْر من أجل أنّ بِنْطالُهُ مَكْوي !! وهناك إنسان عَبْد الفرْج، وآخر عبْدُ البطْن، وذاك عبْدُ الدِّرْهم والدِّينار.
ثمّ قال تعالى:أو إطعام في يوم ذي مسغبة.." أن تتحَرَّرَ من الشَّهوات وأن تبْذِل ما في وُسْعِكَ من أجل الله.
ثمَّ قال تعالى:

 

﴿ يتيماً ذا...ثمّ...مؤصَدة ".﴾

 

 

تحميل النص

إخفاء الصور