وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة الضحى - تفسير الآيات 6 - 11 تذكر نعم الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، العلماء يقولون: إنَّ كلّ آية يُخاطب بها النبي عليه الصلاة والسلام فيها خِطاب حُكمي لأُمَّتهِ، فسُورة الضحى كما بدأناها يوم الأحد، قال تعالى:

﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)﴾

[سورة الضحى]

 وأيُّ مؤمن إذا اسْتسْلم لله عز وجل واصْطَلَحَ معه ونفَّذ أمْرَهُ وتوَكَّل عليه قد تكون حياتُهُ مَشْحونة بِبَعْض المتاعب لِحِكْمَةٍ أرادها الله تعالى ولكنَّه في المستقبل سوف يرْضى رِضاءً لا حُدود له، ويذوب خجَلاً من الله عز وجل، ويؤَكِّد هذا قوله تعالى:

 

﴿ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(10)﴾

 

[سورة يونس]

 يقول الله عز وجل يُخاطب النبي:

 

﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6)﴾

 

[سورة الضحى]

 أحْيانًا الظروف الصعبة التي ينشأ فيها الطفل سبب نُبوغِهِ، وعَبْقَرِيَّتِهِ وتألُّقه وحُظوظه العريضة في الدنيا، وأحْيانًا ينشأ الطفل في بيت غِنًى وكلّ شيء مُتَوَفِّر، فهذا الطِّفل فقَدَ الدافع، ولذا أغلب النُّجباء لا يُنجِبون فالنَّجيب يصِلُ إلى مُستوى راقٍ جدًا، فأوْلادُهُ في بَحْبوحة وأمورهم مُيَسَّرَة، لا يحْتاجون إلى شيء، فالظَّرْف الصَّعْب الذي ينشأ فيه الإنسان ربَّما كان سببَ تَفَوُّقِهِ في الدنيا.
 الشيء الآخر أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام علَّمه شديد القوى، لا يُسْمح لأبٍ أو لأُم أن يقولا: نحن اللَّذان قمنا بِتَرْبِيَتِك، فالنبي عليه الصلاة والسلام نشأ يتيم الأب والأم لِحِكْمةٍ بالغةٍ أرادها الله عز وجل، ولا أحد له فضْل عليه إلا الله، ولا يستطيع أحد أن يعْزو هذا التَّفَوُّق وهذه التَّرْبِيَة إليه، فأكْثر الآباء الآن إذا تألَّق ابنه يقول لك: أنا الذي ربَّيْتُهُ، وتَعِبْتُ عليه، فالنبي عليه الصلاة والسلام أراده تعالى يتيمًا وكذلك لِيُواسي كل يتيم، وسيِّدُ الأيتام، ومع ذلك فالإنسان إذا افْتَقَر إلى الله تعالى تألَّق، فإذا حُقِّقَتْ له كُلُّ حاجاتِهِ في الدنيا يَخْبو.
ثمَّ قال تعالى:

 

﴿ وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى (7)﴾

 

[سورة الضحى]

 هنا الضلال الذي في حق النبي عليه الصلاة والسلام أنَّه لا يعرف الطريف لِهِداية قومِهِ ! فلم يكن يعرف كيف يدْعو إلى الله ؟ فَرَبًُّنا عز وجل حينما أنْزل عليه الوحي وتوضَّح أنَّه رسولهُ علمت معالم الدَّعوة إلى الله تعالى.
ثمَّ قال تعالى:

 

﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى (8)﴾

 

[سورة الضحى]

 كان إذا دخل بيته يقول: هل عندكم شيء ؟ يقولون: لا، فيَقُول عليه الصلاة والسلام: إنِّي صائِم ! لي صديق دخل السِّجن خمسون يومًا ثمَّ خرج، فقالتْ له زوْجته: ليس هناك طعام ! فَبَكى وقال: هناك مَن يأكل من الحواضر ستَّة أشهر ! فإذا الإنسان وجد طعامًا فلْيَشْكر الله تعالى، الذين يُنَقِّبون في الحلوِيات بشَر، أليس كذلك ؟ ما الذي حَمَلهم على التَّنْقيب بِالحاويات ؟ الجوع والجوع كما يقول العامّة: كافر ! قال تعالى:

 

﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ(4)﴾

 

[سورة قريش]

 كان عليه الصلاة والسلام تَعْظُمُ عنده النِّعْمة مهما قلَّتْ، فكأسٌ صافي بارد نعمة كبيرة، ففي بعض المناطق هذا الماء يُشْتَرى، وليس بدرجة الموجود في الحنفِيَّة ! فكان عليه الصلاة والسلام يُحافظ على النعمة، فمرَّةً توضَّأ من قعب فضَلَت فيه فضْلة فقال رُدُّوه في النَّهر ينفعُ الله به قوْمًا آخرين، فلم يهْدر هذا الكمِيَّة الصغيرة.
بالمُقابل كما قال تعالى:

 

﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9)﴾

 

[سورة الضحى]

 لا تقل: فلان لا أحد له، ونستفيد منه، ونضْغط عليه، هناك ناس لِئام ؛ إذا الزَّوجة لا أهل لها يسْحَقوها بالخِدْمة الشاقَّة، وإذا صانِع يتيم ولا أب له يضغط عليه معلِّمهُ ضغْطًا شديدًا، القلب القاسي بعيد عن الله تعالى، ولو صام وصلى وزعم أنَّه مسلم، وأبْعَدُ قلب عن الله تعالى القلب القاسي، فأنت إن لم تُعامِل هذا الصبيّ وكأنَّه ابنك فأنت لسْتَ مؤمنًا.
ثمَّ قال تعالى:

 

﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)﴾

 

[سورة الضحى]

 قَوْلٌ مَعروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى.
قال تعالى:

 

﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)﴾

 

[سورة الضحى]

 هناك من فهِمَ الآيو فهْمًا غير صحيح ؛ يجْلس بِمِجْلس ويقول: أخذنا كذا بألف ليرة وكذا وكذا.. هذا كلام مُضْحِك وفيه تبجُّح، هذا كلام فيه كَسْر للفقير، سافَرْنا ودَفَعنا كذا، ونزَلْنا بالفندق الفلاني، وكلَّف الغذاء كذا، والعرس كذا، ليس هذا هو المعنى، نِعْمة الله المُشتَركة الهواء والماء والشمس والقمر ؛ هذه النِّعم التي يشْترك فيها الناس جميعًا، اُذْكر نِعَم الله عز وجل حتى يُحِبَّ الناسُ الله، والحديث الشريف أحبوا الله لما يغدوكم به من نعمه..." لا تَحكي نِعَمَك الخاصَّة وميِّزاتِك فهذه تُحْدِث حرق وإبعاد، وأفهم البشر في هذا النِّساء ؛ زوْجي كذا، واشْترى السيارة الفلانيَّة وذهَبْنا للمحلّ الفلاني، كلّ هذا الحديث شيْطاني وتفرقة، أما لو تحدَّثْت عن الله تعالى فإنَّك تجْمع القلوب.
قال تعالى:

 

﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)﴾

 

[سورة الضحى]

 هي النِّعَم التي يعيشُها كلّ إنسان نِعْمة البصر والسَّمع والنطق والحركة والمأوى، الأشياء التي إن ذَكَرْتَها شَكَر الناس ربَّهم، أما أن تتكلَّم عن نِعَمِك الخاصَّة التي تنفرد بها، والتي إن ذَكَرْتها أقَمتَ حاجِزًا بينك وبين الناس.
قال تعالى:

 

﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)﴾

 

[سورة الضحى]

الكبرياء إزاري، والعظمة ردائي فَمَن نازعني شيئًا منهما قصَمْتُه ولا أُبالي، فالإنسان يتكلَّم كلمة ولا يُلقي لها بالاً تَهْوي به في جهنَّم في سبعين خريفًا، والرَّجل يتكلَّم الكلمة من رِضْوان الله تعالى لا يلقي لها بالاً يرفعه في جنَّة إلى أعلى عِلِيِّين.
 ذكر لي أحد الأغنياء أنَّ أباه كان فقيرًا، وكان طفْلاً صغيرًا، فلما نأكل أغْمس الخبز في الزيت وأضع الخبر على الزَّعتر، فلما أكبسُها أي أضغطها كثيرًا آخذ كفًّا من يدي أبي، كل هذا مِن شِدَّة الفقر، والآن أصبح غنِيًّا وله معامل، فالإنسان إذا تذَكَّر ماضيه يذوب حُبًّا لله تعالى.
فالآن هناك أشخاص ليس لديهم بيتًا ولا زوجَةً، ولا مال ولا أولاد، ويشْتهي كلّ شيء، فإذا يسَّر الله لك عليك أن تشْكره، وكل إنسان يتذَكَّر ماضيه يعلم فضل الله عليه، وهذا نوع من أنواع الشكر، فلا ينسى أحدنا النِّعم التي غُمِرْنا بها.
 تشَمُّع كَبِد يُكَلِّف زَرْعه ستَّة ملايين ليرة الآن، معنى هذا أنّ الذي معه كبد فثَمَنُه ستَّة ملايين ليرة، وزرْع كلوة يُكَلِّف مليونين الآن، قرنيَّة العين ثمنها خمسمائة ألف، اِجْمع ثمنك قِطَعًا للتَّبديل تجد نفسك ثمنها مائة مليون، فالذي عنده صِحَّة عليه أن يشكر الله عز وجل وهي من نِعَم الله تعالى الكُبرى، أحد إخواننا أمُّه كل جمعة تغسل الكلية بالأربعاء فإذا حضر الاثنين تتوتَّر أعْصابها، فهذه الكلية ثمانية ساعات على الآلة، ونفقَة وتعقيم وانتظار وآلام، فالذي عنده كلية سليمة عليه أن يشكر الله، وكان عليه الصلاة والسلام إذا دخل الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني..." بِبَعض الأمراض قد تصبح حياة الإنسان جحيمًا لا يُطاق، فإياك أن تؤذي الناس، وأن تضع مواد خطيرة بالمصنع فالله يبتلي بأمراض خطيرة ؛ فشل كلوي، وتشمُّع كبد وشلل، والله تعالى كريم، وقال تعالى:

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12)﴾

[سورة البروج]

 إذًا هذه الآيات مع أنَّها للنبي عليه الصلاة والسلام فهي لكُلّ مؤمن، قال تعالى:

 

﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى (8)﴾

 

[سورة الضحى]

 ذكر لي أحدهم أنَّ له أسطول من البرادات من جدَّة إلى استنبول لِنَقل الفواكه، أكبر تاجر خضراوات بالمملكة، فقال لي: أنا لي مرتبة دونه، ولكن ما فاتني فرض صلاة، ولا أعرف المال الحرام، ولا المرأة الحرام.
فالإنسان إذا لم يكن معه بيت ثم أصبح معه، أو لم تكن له زوجة ثم رزق، أو لم تكن له شهادة ثم أصبح من ذوي الشهادات، أو لم يكن له أولاد ثم رزق، عليه أن يشكر الله تعالى على هذه النِّعَم.

تحميل النص

إخفاء الصور