وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : سورة العصر - تفسير السورة بكاملها - إعجاز القرآن - سرعة الضوء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصـلاة والسـلام على سـيّدنا محمد الصـادق الوعـد الأمين .
 اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم .
 اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما ، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه ، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين .

تفسير سورة العصر .

 أيها الإخوة الكرام ؛ الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول :
 سورة العصر لو تدبَّرَها الناس لَكَفَتْهُم .
 أي لو لم يَكُن في القرآن الكريم كُلِّه إلا هذه السورة لَكَفَتْ ، يقول الله عز وجل :

﴿ وَالْعَصْرِ ﴾

[ سورة العصر الآية : 1 ]

الزمن :

 العصْر : هو الزَّمَن ومُطلق الزَّمن ، يُقْسِمُ الله عز وجل بِمُطْلق الزَّمن لماذا ؟!
 لأنَّ الإنسان في الأصل زَمَن ، إنَّه بِضْعة أيَّام كُلَّما انْقضى يوم انْقضى بضعٌ منه .
 الزَّمَن البُعْد الرابِع للأشياء .
 فالشيء طول وعرض وارْتِفاع ، فإذا تَحَرَّك شكَّل زمنًا ، والزَّمَن بالأساس مسافة .

سرعة الضوء :

 وأدَقُّ ما اطَّلَعْتُ عليه مُؤَخَّرًا أنَّ هذه النَّظَرِيَّة النِّسْبِيَّة " نَظَرِيَّة انْشْتاين " التي أقامَت العالم وأقْعَدَتْهُ مُلَخَّصُها أنَّ كُلَّ جِسْمٍ سار بِسُرْعة الضَّوء صار ضوْءاً ، والضوء يقْطع بالثانِيَة ثلاثمائة ألف كيلومتر ، وحينما قال الله عز وجل :

﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾

[ سورة السجدة الآية : 5 ]

 نحن نَعُدُّ التَّقْويم القمَري ، والقمر يدور حول الأرض دوْرَةً كُلَّ شَهْر ، فإذا أخَذْنا المسافة بين مركز الأرض ومركز القمر ، فهذا نِصْف قطر دائرة سَيْرِهِ ، فَمِن نصف محيط الدائرة نعرف مُحيط الدائرة ، فَكَم يقْطع القمر في مسيره حول الأرض في ألف عام ؟ قسِّم المسافة التي يقْطعها القمر في دَورانِه حول الأرض في ألف عام ، قسِّم هذا الرَّقم على عدد ثواني اليوم ، ينْتُج سرْعة الضَّوء بالدِّقة ، والآية الثانية قوله تعالى :

﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾

[ سورة المعارج الآية : 4 ]

 ففي هاتين الآيتين أصل سرْعة الضَّوء .
 أنَّ كُلَّ جِسْمٍ سار بِسُرْعة الضَّوء صار ضوْءً .
 كتْلَتُهُ صفْر ، وحجْمه لانِهائي .
 إذا سار الجسم مع الضَّوء توقَّف الزَّمن .
 فإذا سبق الضَّوء تراجَعَ الزَّمَن .
 فإذا تأخَّرنا عن الضوء تراخى الزَّمَن .

 

من الخاسر ؟

 قال تعالى :

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر الآيات : 1-2 ]

 مُضِيُّ الزَّمَن يسْتهلِكُهُ ، اُنْظر إلى صورتك قبل عشرين عامًا ، وقبل ثلاثين ، وَجه مشْدود وشعر كثيف ، هذا فِعْل مَن ؟ هذا فِعْل الزَّمن ، ماذا قال سيِّدنا عمر بن عبد العزيز ؟ الليل والنهار يَعْملان فيك فاعْمَل فيهما العمل الصالِح ، فَمُضِيُّ الزَّمَن وحْدهُ يسْتهلِكُنا ، ونحن في خسارة مُحَقَّقة ، قال تعالى

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر الآيات : 1-2 ]

 مُضيُّ الزَّمَن وحدهُ يسْتهلكنا ، واحِد عاش ثلاثًا وسِتِّين سنة ، ينْعَدُّ كَم مرَّةً سافَرَ ؟ وكم مرَّة انْعَزَم ؟ وكم مرَّة تنزَّه ؟ لأنّ الإنسان بِضْعة أيَّام إذا انْقضى يوم منه انْقضى بضعٌ منه ، وهناك حالةٌ واحِدَة تتلافى فيها الخَسارة فهذا الزَّمَن إما أن تُنْفِقَهُ إنْفاقًا اسْتِهلاكِيًّا ، وإما أن تُنْفِقَهُ إنفاقًا اسْتِثْمارِيًّا فالإنفاق الاسْتِهلاكي أنْ تأكل وتَشْرب وتتنعَّم وتنام وتكسب المال ، وتنْغَمِس في المَلذَّات ، أما الإنفاق الاسْتِثْماري أن تؤمِن وأن تدْعو وأن تصْبِر ، قال تعالى :

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر الآية : 3 ]

 هذه أركان النَّجاة ، مَن أراد أن لا يَخْسَر فلا بدّ أن يؤْمِن كُلّ ، ولا بورِكَ لي طُلوعِ شَمْس يومٍ لم أزْدَد فيه من الله علْمًا ، ولا بورِكَ لي طُلوعِ شَمْس يومٍ لم أزْدَد فيه من الله قرْبًا ، فأنت ينبغي أن تزْداد قُرْبًا وأن تزْداد عِلْمًا لكي لا تَخْسَر ، ومَن لم يَكُن في زِيادة فَهو في خُسْران ، والمَغْبون مَن تساوى يوْماه ، فإذا مضَى اليوم ، وقد تكون الغلَّة مليون من المبيعات ولم تزْدَد عِلْمًا بالله فهذه هي الخسارة ، فالله يُقْسِم في قوله تعالى :

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر الآيات : 1-2 ]

 يُقْسِم الله لهذا المَخلوق الذي هو من الزَّمَن أنَّهُ في خسارة ، قال تعالى:

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر الآية : 3 ]

 أن تُؤْمِن هذه أحدُ أركان النَّجاة ، وان تَدْعُوَ إلى الله فرْضُ عَيْن ، وأن تصْبر على الطاعة وعن الشَّهوة وعن قضاء الله وقدَرِه ، وهذه كُلُّها من أركان النَّجاة .
 فهذه السورة تَكفي الإنسان ، والعاقل الذي يقول : كم بقي مِنِّي ؟ وليس كم مضى ؟ يَعُدُّ بالتَّنازُل ، فالذي بقي في الأعمّ الأغْلَب أقلّ مِمَّا ، ومَن بلَغَ الأربعين دَخَل في أسواق الآخرة ، كَمَن يذهب لِنُزْهة وفي يومه الأخير يَجْمع أغراضَهُ ويعْكس كلّ حركاتِهِ ، ويشْتري هداياه ، وهذا شأن الناس جميعًا ، وكذا مَن دخَل الأربعين دخل في أسواق الآخرة ، فإذا قال الإنسان : كَم بقِيَ لي ؟ هذا العُمْر بعد الأربعين هو عُمْر الطاعة والعِبادة والإقبال والتِّلاوة وطلب العلم ، أت تُعِدَّ للآخرة ، لكي لا يقول : يا ليتني قدَّمتُ لحياتي ، ولكي لا يعضّ على يديه .
 أيها الإخوة ؛ معنى خُسْر ؛ أنَّ الذي جمَّعْتَهُ في الدنيا كُلِّها تَخْسَرُهُ في ثانِيَة واحدَة ، وأهْل الكُفْر يَبْلُغون قِمَم المَجْد ، أما إذا ماتوا ترَكوا كُلَّ شيء ، أما أهْل الإيمان إذا ماتوا أخَذُوا معهم كُلَّ شيء ، ومَن آثَر دُنياهُ على آخرتِهِ خَسِرَهما معًا ، ومَن آثَر آخرتهُ على دُنياه ربِحَهُمَا معًا ، وهذه السورة تقْرؤونها جميعًا في الصلاة ، ولو تدبَّرها الناس لَكَفَتْهُم ، فإن لم تَدْعُ إلى الله فأنت خاسِر ، فالتَّواصي بالحق كي تتَّسِعَ دوائِره وتضيق دوائر الباطل ، أما إذا سكَتْنا كان الأمر على العَكْس .
 قال تعالى :

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر الآية : 3 ]

 أنت حينما تسْتقيم على أمر الله وتدعوا إلى الله وتصْبر على طاعته وعن شَهَواتِك ، وعلى القضاء والقدر تُحَقِّقُ الهَدَفَ مِن وُجودِكَ ، ولن تخْسَرَ أبدًا .
 أيها الإخوة ؛ أنتم تقرؤون هذه السورة ، وعليكم بِتَدَبُّرِها ، ومَن تدبَّرَها سَعِدَ في الدنيا ، وسَعِدَ في الآخرة .

 

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور