وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : سورة الفلق - الخير والشر.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 أيها الأخوة المؤمنون ؛ بدأت في الدرس قبل الماضي بسورة الفلق وشرحنا بعض منها وها أنا أتابع شرح هذه السورة .
 ربنا جل جلاله هو رب الفلق ، رب الصبح ، رب الضياء ، رب النور ، هو المنور ، هو الهادي ، هو الذي يكشف ، هو الذي يبين ، بالمعنى المادي من خلق الشمس ونور بها العوالم ؟ الله جل جلاله ، بالمعنى الآخر المعنوي من ألقى في قلب المؤمن نوراً يهديه سواء السبيل وهذا ثابت في القرآن الكريم قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[سورة الحديد الآية : 28 ]

 فهناك نور مادي يريك ظواهر الأشياء ، وهناك نور آخر يلقى في قلب المؤمن فيرى الحق حقاً ويرى الباطل باطلاً ، وذكرت في درس سابق أن كل أفعال الإنسان أساسها رؤية ، فالذي يسرق يرى أن السرقة مغنم والذي يزني يرى أن الزنا مغنم ، والمؤمن لأن رؤيته صحيحة يرى أن طاعة الله هي المغنم قال تعالى :

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

[ سورة الأحزاب الآية : 71 ]

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾

[ سورة الحجرات الآية : 10 ]

 فالقضية قضية رؤية ، أفعالك وحركاتك ، وسكناتك وحركاتك على وجه الأرض تنطلق من رؤية فإذا صححت الرؤية صح العمل وسعدت في الدنيا والآخرة ، وإذا اضطربت الرؤية فسد العمل .
 ما من إنسان على وجه الأرض يرتكب خطأ أو يأكل مالاً حراماً أو يقتنص لذة محرمة إلا وهو يرى أن هذا العمل صواب وأن هذا العمل مغنم وأن هذا العمل فيه مكسب كبير قال تعالى :

﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾

[ سورة الحج الآية : 46 ]

 إنسان أوصى جاره بزوجته وسافر فخانه في زوجته ، فجاءه كلب وأكله بلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( خان صاحبه ، والكلب قتله ، والكلب خير منه ))

 رأى أن الخيانة مغنماً ، والمؤمن يرى أن الإخلاص مغنماً الذي ينور القلوب هو الله ، فإذا كنت مع النور أنت مع الله ، أنت مع الحقيقة ، أنت مع الصواب ، أنت مع الرؤية الصحيحة ، أنت مع الحق قال تعالى :

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾

[ سورة الفلق الآية : 1 ]

 لكن يوجد في العوالم أشرار ، ما هو الشر ؟ الشر المطلق ليس له وجود على الإطلاق وهو الشر للشر ، الشر المطلق يتنافى مع وجود الله تعالى لكن يوجد شر نسبي ، أي هو شر بالنسبة لهذا الإنسان لكن في النتيجة هو خير .
 الله عز وجل يوظف الشر للخير المطلق ، يوظف الشر النسبي للخير المطلق ، تؤتي الملك لمن تشاء هذا خير ، وتنزع الملك ممن تشاء هذا شر نسبي لمن نزع الملك منه ، وتعز من تشاء هذا خير ، وتذل من تشاء هذا شر نسبي لأنه بيدك الخير المطلق .
 لو فرضنا أب عالم ومربي وله ابن شدد عليه وحاسبه ، وضربه ، ووبخه ، وضيق عليه حتى نال أعلى شهادة وعاش حياة كريمة ، فماذا نقول ؟ هناك شرور نسبية أصابت هذا الابن انتهت به إلى الخير وهذا فعل الله عز وجل ، من شر ما خلق ، الشر في الأصل إذا نسب إلى مخلوق لابد من أن يكون مخيراً ، ولابد من أن تكون أودعت فيه الشهوات ، ولابد من أن يكون قد ترك منهج الله ، يخرج منه الشر .
 الشر إساءة استعمال ، فالمرأة مصممة للرجل ولكن مصممة أن تكون زوجة له لا أن تكون عشيقة له .
 الشر هو الخروج عن حكم الله عز وجل ، المال محبب ، الله أودعه في النفوس ، لكن حينما كسب عن طريق حرام صار شراً .
 المخلوقات خلقت خيرة ، أما إساءة استعمالها يؤدي إلى الشر ، إخوانا الذين لهم علاقة بالميكانيك كيلو سكر ثمنه ثلاثون ليرة ضعه في محرك سيارة يكلفك المحرك ثلاثون ألفاً ، السكر مادة أساسية وغذائية ، أما وضع السكر بالمحرك يتلف المحرك ، فالمحرك خير لنفع الإنسان لينقله من مكان إلى مكان والسكر مادة غذائية أساسية ، أما سوء استعمال السكر بالمحرك صنع شراً ، وهذا الشر ليس من الأصل شر ، شر طارئ ، شر ناتج عن سوء الاستعمال .
 كل شيء الله خلقه خير ، يأتي الشر من إساءة الاستعمال ، من إفساد الشيء ، من إخراجه عن صفاته الأساسية ، من شر ما خلق ، الله ما خلق شراً ابتداءاً ولا خلق شراً أصيلاً ، الشر عارض بدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام :

(( والشر ليس إليك ))

 شركة سيارات تصنع أرقى أنواع السيارات حينما يقود إنسان هذه السيارة سكران وينزل في وادي وينقطع عموده الفقري ويصاب بالشلل ويخسر قيمة السيارة ، شرور السيارة تلفت والصحة تلفت ، هل نقول أن هذا المعمل يصنع الشر ؟ لا ، يصنع سيارة مريحة جداً مصممة لتؤدي كل رغباتك ، أما إساءة استعمال السيارة أن يقودها إنسان وهو ثمل ، لا نقول أن المعمل يصنع السيارات لتموت الناس بها ، لا ، المعمل يصنع سيارات ليرتاح الناس بها ، فالشر ليس في أصل الخلق ، الشر طارئ ناتج عن سوء الاستعمال ، ناتج عن إنسان مخير أودعت فيه الشهوات ضرب منهج الله عرض الطريق ، وتحرك حركة عشوائية .
 أحدهم جائع أكل تفاحة ، شيء طبيعي أن يأكل تفاحة وهو جائع ، لكن إن أكلها سرقةً خالف الحكم ، لو أكلها تسولاً خالف الكرامة ، لو أكلها ضيافةً حقق الفائدة ، لو اشتراها بماله ، هذه التفاحة لك بإمكانك أن تأكلها تسولاً ، وبإمكانك أن تأكلها سرقةً لا سمح الله ، ...
 شراء ، هدية ، تسول ، سرقة ، أما أصل التفاحة خير وهي مصصمة لك وأنت مهيأ لها ، أما حينما تأكلها سرقةً صار الشر مخالفة الحكم الشرعي ، قال تعالى :

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ﴾

[ سورة الفلق الآيات : 1-3 ]

 وقب يعني دخل ، والغاسق هو الليل ، والإنسان في النهار حواسه تنقل له كل ما حوله ، أما في الليل تتعطل حاسة البصر ، لأنه نائم ولو كان مستيقظ الظلام ستر ، يوجد مفاجآت في الليل ، الله عز وجل جعل الليل لباس ، وجعل الليل سكن ، وجعل الليل نوم ، والنوم نوع من الموت ، الإنسان وهو نائم معطل كل شيء عنده فما الذي يحفظ الإنسان وهو نائم الله عز وجل لذلك الإنسان إذا أوى إلى فراشه يقول : يا رب إن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فأحفظها مما تحفظ به عبادك الصالحين إما أن تفسر الغاسق الشيطان إذا دخل صدر الإنسان ، أو هذا الليل البهيم إذا لف الأرض بسواده .

﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾

[ سورة الفلق الآية : 4 ]

 أول مهمة للشيطان إفساد العلاقات ، أول مهمة من مهمات الشيطان إيقاع العداوات بين البشر ، التحريش بين المؤمنين ، إفساد العلاقة بين الزوجين ، إفساد العلاقة ضمن الأسرة الواحدة ، إفساد العلاقة بين الأخ وأخيه ، بين الأم وابنها ، بين البنت وأبيها ، أي فساد علاقة مبعثه الشيطان .

﴿ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾

[ سورة الفلق الآية : 5 ]

 الحاسد هو إنسان محروم وجاهل وحاقد ، وإنسان آخر محسود خرج على قومه بزينته ، هل من المعقول أن يقف مستخدم على باب فندق خمس نجوم ، الناس يأتون بسيارات فاخرة مع زوجات شبه عرايا يأكلون ويرقصون ويتنعمون وهذا الحاجب يقف ، سوف يحسد ويشتهي أن يكون غنياً ، ويشتهي أن يكون قوياً ، ويشتهي أن يكون له زوجة كهذه الزوجة ، ويشتهي أن ينام ويرتاح لا أن يسهر ويحرس .
 عندما الإنسان يظهر بزينته ، بما يملك من مال ورفاه ، لعله يزرع في صدر المحروم الحسد ، والحاسد الجاهل يحقد ، والله أعلم تخرج أشعة من هذا الحاسد تخرق المحسود .
 قال الرسول صلى الله عليه وسلم :

(( إن العين لتضع الجمل في القدر ، والرجل في القبر ))

 المحسود الغافل تصيبه عين الحاسد ، الحاسد إنسان محروم وحاقد ، ومشرك وجاهل يتمنى أن تزول هذه النعمة عن هذا الإنسان لتصير إليه كيف أنك الآن بأشعة الليزر تجري عملية ترقيع شبكية ، يوجد أشعة لطيفة لا تراها تخرق الجسم وتفعل فعلها في الجسم ، لذلك الحاسد والله أعلم وهو ثابت في القرآن والسنة ، قارون خرج على قومه بزينته قال تعالى :

﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القصص الآية : 79 ]

 قال تعالى :

﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾

[ سورة القصص الآية : 83 ]

 الإنسان عندما يريد العلو في الأرض يسلط عليه الحاسد ، يسلط عليه إنسان حاقد محروم يصيبه بأشعة قاتلة ، امرأة تتباهى بأولادها يمرض ، إنسان يتباهى بثيابه الغالية جداً تتمزق ، يتباهى بمركبته الغالية جداً يجري حادث ، إذا الإنسان أراد أن يستعلي ببيته بأولاده بثيابه بمركبته يأتي الحاسد يتألم محروم حاقد ، عنده أشعة قاتلة ، المحسود غافل يصاب هذا المحسود بشر عمله ، إلا إذا كان المحسود متواضع ومتأدب مع الله ولم يظهر ما عنده وكان موصول بالله ، عندئذ هو محصن لا تصيبه عين الحاسد إذا كان مستعيذ بالله من عين الحاسد لا تؤذيه عين الحاسد .
 معنى ذلك أنك إذا كنت متصل بالله لا يؤذيك لا شيطان ولا جن ولا عين حاسد ولا ساحر ، كل هؤلاء مع الشياطين ، والشيطان مهمته أن يصل إلى الغافل عن الله ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾

[ سورة آل عمران الآية : 155 ]

﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾

[ سورة الحجر الآية : 42 ]

﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 200 ]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 201 ]

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾

[ سورة الفلق ]

 الشر إفساد العلاقات ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ ))

 أخطر شيء في مجتمعاتنا فساد ذات البين عن طريق الحسد ، وعن طريق الكبر ، وعن طريق العجب ، فكل الأمراض يقابلها أدوية مرة ، مرة دخلت إلى بيت فاستقبلني صاحب البيت وقال لي هذا البيت مساحته أربع مائة متر ، فقلت له : الله يهنئك به ، فقال لي : هذا الطقم من إيطالية أحضرناه معنا ، فقلت له : الله يهنئك به ، فقال لي هذا البلاط من إيطالية ، وأخرت هذا الحديث ، ماذا تريد من هذا الكلام كله ؟ أن تستعلي ، قال تعالى :

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾

[ سورة الإسراء الآية : 21 ]

 مرتبة الدنيا لا تعني شيئاً بل هي مؤقتة ، مرتبة الآخرة تعني كل شيء وهي أبدية ، فالعبرة أن يكون لك مقعد صدق عند مليك مقتدر ، العبرة أن تكون عند الله في مرتبة عالية .

 

تحميل النص

إخفاء الصور