وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة الإخلاص - معنى الصمد.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، لا زلنا في سورة الإخلاص:

﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2)﴾

 معنى الصمد ؛ أي أن الله جل جلاله لا يستمد وجوده، ولا استمرار وجوده من أحد، أما نحن سبقنا عدم، ثم وجودنا، وننتهي إلى عدم، ونحن موجودون مفتقرون إلى أسباب استمرارنا، لولا الهواء نموت، لولا الماء نموت، لولا الطعام نموت، لولا الزواج تنشئ مشكلة كبيرة جداً، لو تعطل أحد الأجهزة لأصبحت حياتنا جحيماً، أي جهاز، أي عضو، فنحن مفتقرون إلى الله في كل شيء، لكن الله جل جلاله غني عن كل خلقه.

 

﴿ وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ﴾

 

( سورة إبراهيم: 8 )

﴿ إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور ﴾

( سورة الزمر: 7 )

(( عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا ))

(قطعة من حديث طويل، أخرجه مسلم )

 وجود الإنسان مفتقر إلى من يمد بالحياة، في شخص له مشكلة كبيرة، رجل توسط أن يحلها له، مقابل مبلغ ضخم جداً، فجاء على أمل أن يستقبله في المطار، ويحل له هذه المشكلة، جاء من أمريكة وصل الجمعة، كان الذي وعده أن يحل له المشكلة وتقاض مبلغ كبير مات الخميس، ما في إنسان يملك وجوده بعد دقيقة، إطلاقاً، لكن الله جل جلاله " الله الصمد " لا يحتاج في وجوده، ولا في استمرار وجوده إلى جهة خارجة عنه، إذا الإنسان ضغط على رقبته يموت، إذا وضع له غاز يموت، إذا توقف قلبه يموت، يعني نحن مفتقرون إلى ألف شرط، حتى نكون في صحة طيبة، ألف شرط، القلب بانتظام الدسامات، الشرايين، الأوردة، الكبد، الكليتين، المعدة، الأمعاء الأعصاب، الجهاز العضلي، الجهاز العظمي، الغدد كلها، نحن مفتقرون إلى الله في كل شيء، ما معنى العزيز ؟ يعني الصمد، يعني يحتاجه كل شيء، في كل شيء، من أوسع التعريفات، يحتاجه كل شيء في كل شيء، لكن الله جل جلاله غني عن كل شيء، من أي شيء، هذا معنى " الله الصمد " وجوده ذاتي، حي باقي على الدوام لا بداية له، ولا نهاية له، قديم باقي، أزلي أبدي، لا شيء قبله ولا شيء بعده.
النقطة الدقيقة الآن الإنسان إذا تعلق بما سوى الله، ما سوى الله فان.

 

﴿ كل من عليها فان ﴾

 

( سورة الرحمن: 26 )

 ما سوى الله ضعيف.

 

﴿ واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ﴾

 

(سورة الفرقان: 3 )

 أما إذا ربط مصيرك مع الإله، الإله الأبدي الأزلي، يعني ممكن إنسان يعلق آماله على شخص قوي، يموت فجأة، أو ينحى عن مكانه، ضاعت كل آماله، أما إذا كنت مع الله عز وجل، ما في عندك مشكلة إطلاقاً، لأن الله حي باقي على الدوام، بيده الأمر.

 

﴿ ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون ﴾

 

( سورة هود: 123 )

بيده مقاليد السماوات والأرض، لا يشرك في حكمه أحد، خالق كل شيء، وهو على كل شيء وكيل، هذا الله عز وجل.
 لذلك أيها الأخوة الكرام: لا يليق بك كإنسان، أنت مخلوق أول مخلوق مكرم، مخلوق مكلف، لا يليق بك كإنسان أن تكون لغير الله إذا كنت لغير الله احتقرت نفسك، أنت لله، هذا الذي يبع نفسه إلى ما سوى الله، يحتقر نفسه، لأن الله عز وجل يقول: خلقت لك الكون من أجلك فلا تتعب، وخلقتك من أجلي فلا تلعب، فبحقي عليك، لا تتشاغل بما ضمنت لك عم افترضت عليك، الماء للتراب، والتراب للنبات، والنبات للحيوان، والحيوان للإنسان، والإنسان لمن ؟ لله الواحد الديان لمجرد أن تكون تابع لأحد، مجيراً لأحد، أن تكون محسوباً على أحد فقد احتقرت نفسك.
 سئل عالم رحمه الله كان في بريطانية يجري عملية جراحية سألته إذاعة لندن أنه ما هذه المكانة التي حباك الله بها ؟ ماذا يقول ؟ أجاب إجابة رائعة، قال لأنني محسوب على الله، الآن فلان محسوب على فلان، فلان من جماعة فلان، فلان لفلان، فلان خادم لفلان فلان مجير لفلان، لمجرد أن تكون تابع للإنسان احتقرت نفسك أنت لأن هذا الإنسان ضعيف مثلك، لا يملك لك نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياةً، ولا نشوراً، ولا رزقاً، ولا أمنا، لذلك من أشد العذاب أن تعلق أملك على إنسان ضعيف مثلك، يموت، كل مخلوقٍ يموت، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت.
أحد خلفاء بني أمية الكبار كان في الحج، رأى في الحرم المكي عالماً جليلاً، أراد أن يتقرب إلى الله بخدمته، قال له سلني حاجتك قال له والله إني أستحي أن أسأل غير الله في بيت الله، التقى به خارج الحرم، قال له سلني حاجتك، قال له وَاللَّهِ ما سألتها من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها ؟ قال له سلني حاجتك، قال له أدخلني الجنة وأنقذني من النار، قال له هذه لا أملكها، قال له إذاً ليس لي عندك حاجة.
 عظمة المؤمن أنه محسوب على الله، وَاللَّهِ عز وجل لا يخزيه أبداً، هارون الرشيد على علو قدره، وكل القصص التي تشير إلى أنه عنده جواري، ونساء، كلها لا أصل لها، كان يحج عاماً، ويغزو عاماً على علو قدره، وعلى تدينه وصل إلى المدينة فقال: أريد عالماً نستفيد منه، فجاءوا الإمام مالك، إمام دار الهجرة، قالوا يا إمام أجب أمير المؤمنين، قال قولوا له يا هارون العلم يؤتى ولا يأتي، فلما قالوا له هذا قال صدق، نحن نأتيه، فلما أخبروه، قال قولوا له إن أتيتنا لا ينبغي أن تتخطى الرقاب، يجب أن تجلس حيث ينتهي بك المجلس، قال صح كلام طيب، فلما وصل إلى المسجد أعطوه كرسياً في آخر بالمسجد يجلس عليه، فقال الإمام مالك من تواضع لله رفعه، ومن تكبر وضعه قال خذوا عني هذا الكرسي، جلس على الأرض، لأن الإمام مالك محسوب على الله.
 سؤل الإمام حسن البصري، يا إمام لم نلت هذا المقام ؟ قال لاستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي، الآية معكوسة الآن فإذا استغنى الناس عن علمي هذا الذي يعلمهم، وكان هو محتاج إلى دنياهم سقط العلم والعلماء، لاستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي.
المنصور كان من أقوى خلفاء بني العباس، التقى بأبي حنيفة مرةً قال له يا أبى حنيفة: لو تغشيتنا، تعال وزرنا، نحبك نحن، قال ولم أتغشاكم وليس لي عندكم شيء أخافكم عليه، وهل يتغشاكم إلا من خافكم على شيء إنك إن قربتني فتنتني، وإن أبعدتني أزريتني، مالي حاجة، حينما تكون محسوباً على الله ترفع رأسك، حينما تكون محسوباً على الله لا تنافق أبداً، لأن الذي منحك الحياة هو وحده يأخذها منك، ولا جهةً أخرى، إن الذي منحك الرزق هو وحده يمدك به ودقق في قوله تعالى:

﴿ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ﴾

 أيها الأخوة الكرام: هذا معنى " الله الصمد " كن مع الصمد إذا كنت معه، وقعت عين المطاردين على عين أبي بكر، قال له يا رسول الله وقعت عينه على عيني، قال يا أبا بكر ألم تقرأ قوله تعالى:

 

﴿ وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ﴾

 

(سورة الأعراف: 198)

 الله جل جلاله لا تدركه الأبصار، فإذا كنت معه أيضاً لا تدركك الأبصار، إذا كنت ملتجأً إليه، الآخرون لا يرون عليك شيئاً، فإذا كنت معتزاً بنفسك بحثوا لك عن مشكلات لا نهاية لها، إذا كنت معه لا أحد يستطيع أن يصل إليك، إذا كان الله معك فمن عليك، عدوك اللدود يخدمك، وإذا تخلى الله عنك أقرب الناس إليك، زوجتك، وأولادك يهينوك، إذا تولاك الله خدمك أعدائك، وإذا تخلى الله عنك أهانك أقربائك هذه حقيقة، ينبغي أن نكون مع الله.

 

كن مع الله ترى الله معك  واترك الكل وحاذر طمعك
فإذا أعطاك من يمنعه ثم  من يعطي إذا ما منـعك

 يعني الله عز وجل له معنى ألف خيار وخيار مليون خيار ممكن عضو بسيط يعطله الله عز وجل، تصبح حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، فأنت تحت ألطاف الله عز وجل، إذا كنت معه كان معك عبدي أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد، ما في إلا إله واحد، هذا الذي يقود أقوى دولة بالعالم، الله عز وجل فضحه 12مرة زنى بها هذا التي عنده في البيت الأبيض أليس كذلك ؟ الله عز وجل بيده كل شيء، هذا الذي يظن أنه أقوى إنسان بالعالم امرأة ضعيفة وضعته بالوحل أليس كذلك ؟ هذا ربنا عز وجل أما إذا كنت مع الله لا يستطيع أهل الأرض جميعاً أن يصلوا إليك، لأنه " الله الصمد " أما أنت وجودك مبني على عوامل خارجية، لكن ربنا عز وجل وجوده ذاتي، قديم، أبدي حي باقي على الدوام.

 

 

 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا وأكرمن ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم.

تحميل النص

إخفاء الصور