وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة المعارج - تفسير الآيات 19-35 ، أثر الصلاة في المؤمن
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الإخوة الكِرام، مع الآية الثانية والعِشرين من سورة المعارج والتي بعدها وهي قوله تعالى:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)﴾

[ المعارج: الآية 19-22]

 شرحْتُ في الدرس الماضي أنّ الإنسان فيه ضَعْفٌ خلقي في أصل خلقِه لِمَصْلَحته ؛ خلقه ضعيفاً لِيَفْتَقر إليه فَيَسْعَد بافْتِقاره إليه ولو خلقه قوِياً لاعْتَدَّ بِقُوَّتِه واسْتَغْنى بِها فَشَقِيَ باسْتِغْنائِه وهذه الصَّفة الهلوع ؛ كثير الجزع شديد الحِرْص ؛ لأنَّهُ شديد الحِرص يرْقى إذا أنفق المال ومن شِدَّة الجزع إذا لاحَ له شبحُ مصيبةٍ أسرع إلى باب الله عز وجل فَسَبَبُ الإقْبال إلى الله والرُّقِيِّ إليه هي هذه الصِّفة التي هي ضَعْفٌ في أصْل خلقه ؛ إلا أنَّ الله تعالى اسْتثنى المُصَلين قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)﴾

 

[ المعارج: الآية 19-22]

 وأنا في طريقي البارحة للخروج من هذا المسْجد اسْتَوْقَفني أخٌ كريم وقال لي الناسُ كلُّهم يُصَلُّون وهم يجْزعون ويحْرِصون على المال ولا يُنْفِقون والجواب أنُّه ليس كل مُصَلٍّ يصلي ! إنما أتَقَبَّلُ الصلاة ممن تواضع لِعَظَمتي وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي وأطعم الجائع وكسى العريان ورحم المصاب وآوى الغريب كل ذلك لي وعزتى وجلالى إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلما والظلمة نوراً يدعوني فألبيه ويسألني فأعطيه ويُقسم عليَّ فأبره أكلأه بقُربي وأستحفظه ملائكتي مثله عندي كمثل الفردوس لا يُمسّ ثمرها ولا يتغيَّر حالها.
الآية الكريمة يقول فيها تعالى:

 

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)﴾

 

[ المعارج: الآية 19-22]

 كلمة إنسان كم تُغَطي ؟ تُغَطي خمسة آلاف مليون، أضِف لهذه الكلمة صِفَة واحدة ؛ إنسانٌ مُسْلِم، تجد أنَّ الرقم نزل من خمسة آلاف مليون إلى مِلْيار ومائتين، بِكَلِمة واحدة طارَتْ أربعة أخْماس وإذا أضَفْتَ كلمة ثانية ؛ إنسانٌ مسلِمٌ عربي ؛ مائتان مليون فَمِن مليار ومائتين إلى مليار، طيِّب إذا قُلت: إنسانٌ مسلم عربي مُستقيم... كُلُّ صِفَةٍ تُضاف على المَوْصوف هي قَيْدٌ له وتُضَيِّقُ دائِرَتَهُ، الآن اسْمعوا الآية:

 

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)﴾

 

[ المعارج: الآية 19-22]

 كُلّ واحدٍ قال: الله أكبر فَهُوَ مُصَلي، ثم قال تعالى:

 

﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)﴾

 هذه أوَّلُ صِفة ثم قال تعالى:

 

 

﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)﴾

 ضاقَتْ:

 

 

﴿ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26)﴾

 ضاقَت أكثر:

 

 

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)﴾

 

[ المعارج: الآية 26-35]

 إذا تَوَفَّرَتْ في المُصَلي كُلّ هذه الصِّفات فهو ممن تعْنيه الآية وتَشْمَلُهُ شرْطَ تَوَفُّرِها فيه، لذلك المُصيبة الكبيرة أنَّ الإسلامَ منهَجٌ كامل في كُلِّ شؤون الحياة، وهذا المنهج مُسِخَ إلى خمْس عِبادات ؛ تُصَلي وتصوم وتحُجّ وانتهى الأمر أما في التعاملات والبيع والشِّراء والعلاقات العامة تَفَلُّتٌ والمنهج كبيرٌ جداً وهو منهج تَفْصيلي لِكُلّ حركاتك وسَكَناتك فهذا هو الشيء المُهِمّ جداً.
 أيها الإخوة هناك تَوَهُّم ؛ أنَّ الدِّين بِالمَسْجد، الشركات الكُبرى لَدَيْهِم مندوبو مبيعات، يأتي للمَكْتب الساعة الثامنة والنِّصْف يتلَقى التَّعْليمات ثمّ يُغادِر ثمّ يأتي أوَّل الشهر ويَقْبِض معاشَهُ فَعَلاقَتُهُ بِالشركة تَلَقي التعْليمات وقَبْض الراتب ؛ أين عملُهُ ؟ في الحقول والأسْواق ويُسافر، كذلك المسجد تتلقى منه التعْليمات وبالصلاة تقْبض الجائِزة، أما الدِّين أين هو ؟ بِالبَيت والدُّكان والعمل والمكتب المُحامي وعِيادة الطبيب والمكْتب الهندسي وبِالأسْواق وبالبَيْع والشِّراء ؛ هنا الدِّين، ولا يبْدو الدِّينُ صارِخاً إلا في التعامُلات والدِّينُ المُعاملة فأنت تتلقى التعليمات بِالمَسْجد في الخُطَب والدروس وحينما تأتي لِتُصَلي تَقْبُض جائِزة من الله، إذا تمَثَّلْت أوامر الشرع سَتَشْعُرُ بِحالٍ مع الله في الصلاة لم تكُن تشْعر به من قبل، فأما أنْ يمْسخ الدين إلى خَمْس عِبادات ؛ لا، النبي عليه الصلاة والسلام قال:" بني الإسلام على خمس " هل الإسلام هذه الخَمْس أم البِناء الذي فوقهُ ؟ هذه دعائِم فالعِبادات دعائِم أما الأصل البناء الأخلاقي، فيا إخواننا الكرام، ما لم تتفَقَّه في الدين وتعْرف الحلال والحرام وما ينْبغي وما لا ينْبغي وما يجوز وما لا يجوز، في كَسْب المال، في إنْفاق الطعام، في تناوُل الطعام في علاقتك بِزَوْجَتك وأوْلادك وجيرانِك، في بَيْعِك وشِرائك وكلامك، في لَهْوِكَ وفرَحِك وحُزْنك، وفي اتِّصالاتك وحفلاتك والمآثم والأفراح، وفي السفر والحضر ؛ منهجٌ كاملٌ، فالمُسلم يُطَبِّق منهج الله عز وجل بِكُلّ حذافِره وتَفْصيلاته كيْ يكون من المُصلين ويقْبض الأجرة في الصلاة، ذَكَرْتُ مرَّةً أنّ هناك عِبادات تعامُلِيَّة وهناك عِبادات شعائِرِيَّة، فالصلاة والصوم والحج كُلُّ هذه عِبادة شعائِرِيَّة، أما العبادة التعامُلِيَّة أن تكون صادِقاً وأميناً وعَفيفاً فإذا طَبَّقْتَ العِبادات التعامُلِيَّة صَحَّتِ العبادات الشعائِرِيَّة ؛ لذلك من حَجَّ بِمالٍ حرامٍ يُناديهِ مُنادٍ في السماء: أنْ لا لَبَّيْتَ ولا سَعْدَيْتَ وحَجُّكَ مرْدودٌ عليك، من لم يَدَع قول الزور والعمل به فَلَيْس لله حاجَةٌ في أنْ يدع طعامه وشرابه ؛ هذا حديثٌ آخر، قال تعالى

 

﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا﴾

 

﴿ يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)﴾

[ التوبة: الآية 54 ]

 فالإنسان كما قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)﴾

 

[ المعارج: الآية 19-22 ]

 في ما بين الصلاتين بالدعاء والاسْتِغْفار والتسْبيح والحمْدُ والثناء فهُو دائِماً يذكر الله عز وجل أو يُذَكِّر العِباد بالله عز وجل فيما بين الصلوات ؛

 

﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28)﴾

 

[ المعارج: الآية 23-28]

 فهُوَ يُدْخل الآخرة في حِساباته اليَوْمِيَّة فأَيُّ كلِمَةٍ يتفَوَّهُ بها وأيُّ علاقة يُقيمُها ينتظِر أنْ يسْأله الله عنها ؛ يَعْضِها على ميزان الآخرة هل هي تُرْضي الله أم لا تُرْضيه ؟ قال تعالى:

 

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29)﴾

 

[ المعارج: الآية 27-28 ]

 يغُضّ بصره ويضْبط لِسانه ؛ العَيْنُ تزْني وزِناها النظر والأذن تزْني وزِناها الاسْتماع، واللسان يزْني واليد تَزْني والرِّجْل تزْني وهناك الزنا الفاحِش قال تعالى:

 

﴿ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)﴾

 

[ المعارج: الآية 30-34 ]

 إذاً ليس كُلّ مُصلٍّ يُصلي، يجب أنْ تُصلي وتُقيم تفاصيل منهج الله تعالى حتى يكون للصلاة عندك معنى.

تحميل النص

إخفاء الصور