وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة المدثر - تفسير الآيات 8-30 ، نعم الله على عباده
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، يقول الله عز وجل في سورة المُدَّثِر:

﴿ فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ(8)﴾

[ المدثر: الآية 8 ]

 أيْ نُفِخَ في الصور:

 

﴿ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ(9)عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ(10)﴾

 

[ المدثر: الآية 9-10 ]

ذَرْنِي
 يا محمَّد صلى الله عليه وسلم

﴿ وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ﴾

 خلقْتُهُ المخْلوق الأول ؛ كَرَّمْتُهُ وسَخَّرْتُ له ما في السماوات والأرض ومَنَحْتُهُ نعمة العقْل وحُرّيَّة الاخْتيار وأوْدَعْتُ فيه الشهوات لِيَرْقى بها إلى ربِّ الأرض والسماوات، جَعَلْتُ له مالاً ممدوداً وزَوْجَةً من نفْسِهِ، قال تعالى:

 

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾

 

[ الروم: الآية 21 ]

 فهذا المخْلوق الذي عَرَضَ الله عليه الأمانة قال تعالى:

 

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72)﴾

 

[ الأحزاب: الآية 72 ]

 هذا هو معْنى قوله تعالى:

 

﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا(11)﴾

 

[ المدثر: الآية 11 ]

 وهناك رأْيٌ آخر وتفْسيرٌ آخر، خَلَقْتُهُ ضعيفاً لا عُزْوَةَ له ولا أتْباع له ولا أهْل له ؛ وحيداً وسَيَأْتيني وحيداً، خُلِقَ وحيداً إلا أنَّهُ حينما يَكْبُر يُكَوِّنُ له جماعة، وأتْباعٌ وأنْصار، ويَدْعَمُ نفْسَهُ بأساليب مُتَعَدِّدة، يشْعُرُ بِمَكانة فإذا كان الإنسان بِبَلَدِهِ وله مكانةٌ فيه ومنْصَب وله أتْباع ومُريدين وأنْصار هذا مرْكَزٌ قَوِيّ، أما إذا جاء الموتُ لَقِيَ الله وحْدَهُ كما خَلَقَهُ وحْدهُ قال تعالى:

 

﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا(11)وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا(12)﴾

 

[ المدثر: الآية 11-12 ]

 الأغْنِياء يُعْطَوْنَ الدنيا، هذا يقول: لي مالٌ لا تأكُلُهُ النِّيران، ومالٌ لا ينْفَذ ثمَّ قال تعالى:

﴿ وَبَنِينَ شُهُودًا(13)﴾

[ المدثر: الآية 13 ]

 أوْلادٌ في بَيْت يشْهدون له فضْل الله عليه، أوْ أوْلادٌ يملئون له حياته بهْجَةً ويشْهَدون له كيْفَ خُلِقَ من ماءٍ مهين ثمَّ قال تعالى:

 

﴿ وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا(14)﴾

 

[ المدثر: الآية 14 ]

 الأمور كُلُّها مُيسَّرة له الآن بلغ الإنسان درَجَةً من الحضارة المادِّية جَعَلَتْ له كُلَّ شيءٍ مُيَسَّرٌ ؛ السفر، والطعامُ والشراب، والمَسْكن، والاتِّصالات والمَرْكب، الأرض مُذَلَّلةٌ وصُمِّمَتْ خِصيصاً لِتَقومَ بِحاجات الإنْسان، هذه الأرض أمينَةٌ على مصالح الإنسان، ثمَّ قال تعالى:

 

﴿ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ(15)﴾

 

[ المدثر: الآية 15 ]

 ينْسى ربَّهُ ويغفُل عنه ويطْمعُ أنْ أزيده عطاءً قال تعالى عندها: كلاَّ، هذه الآية معْناها أنَّ الإنسان أحْياناً يكون خَطُّهُ البياني صاعِد، إنْ لم يكن على طاعة الله فهذا الصُّعود مؤقتٌ ؛ لا بد من هُبوط، مُستحيل أنْ يكون خطَّك البياني صاعداً صعوداَ مُسْتمِراً إنْ لم تكن على طاعة الله ! هذا صُعودٌ مؤقت، و صُعودٌ اسْتِدْراجي، وصُعودٌ يكْشِفُ عن حقيقتك، وصُعودٌ لِتُبْتلى، ثمَّ هناك هُبوطٌ حادّ ؛ إلا إذا كان طائِعاً لله فَصُعودُهُ مُسْتَمِرّ ثمَّ قال تعالى:

 

﴿ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا(16)سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا(17)إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ(18)﴾

 

[ المدثر: الآية 16-18 ]

 هذه الآية تُبَيِّن أنَّ عقْل الإنسان كَعَيْنِهِ ؛ عَيْنُ الإنسان رائِعَةٌ جداً ولكن لا قيمة لها من دون ضَوْء لو وَضَعْنا إنْساناً أعْمى في غُرْفَة، وإنْساناً بصيراً في أدّقِّ أنواع البَصَر وأطْفأنا المِصباح لهما، فهما سواء ! فالعَيْنُ لا قيمة لها من دون نور كذلك العقل لا قيمة له إلا إذا كان هناك وَحْيٌ يهْتدي به لا بدّ من وَحْيٍ فِبِدون الوَحْي إنَّهُ فكَّر وقدَّر، الأجانب يُفَكِّرون ويَرَوْنَ أنَّ السعادة بالإباحِيَّة وبالزِّنى والشذوذ، وبِكَسْب المال بأيِّ طريق، وبِقَهْر الشعوب، وغصْب الثروات، وبالاسْتِعْلاء ؛ تفْكيرهم قادهم إلى هذا غفلوا عن الآخرة وظنوا أنَّ هذه الدنيا لهم وحْدهم، زارني أخٌ صباحاً فقُلْتُ له كلمة موجَزَة مهما ذَهَبْتَ إلى بلاد الغرب ورأيْتَ من إنْجازات علميَّة حدائق، مواصَلات، نظام صارم، أرض خضْراء، بلادٍ غَنِيَّة، ونظام قاسي ؛ إنْ كان هناك آخرة المؤمنون أذْكى منهم ؛ من باب الدُّعابة إنْ لم تكنْ هناك آخرة هم أذْكى منا لأنَّهم يعيشون في الرَّفاه واغتصبوا ما أرادوا، ثمَّ الحساب منعدم! أما إذا كان هناك حساب دقيق وآخرة أبدِيَّة للمُحْسِنِ المُستقيم، هنا يُصبحُ المؤمنون أذكى منهم، لذلك الإنسان عليه أن لا يتسَرَّع ؛ قال تعالى:

 

﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ(18)فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(19)ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(20)ثُمَّ نَظَرَ(21)ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ(22)ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ(23)فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ(24)إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ(25)سَأُصْلِيهِ سَقَرَ(26)وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ(27)﴾

 

[ المدثر: الآية 18-26 ]

 لا يُنكرُ الإنسان أنَّهُ يُمكن أن يتفلَّتَ من منهج الله دون أنْ يطْعن في الدِّين الإنسانُ المُتَفَلِّت له رأيٌ في الدِّين غريب، يقول لك: الدِّين شيءٌ قديم فيه سذاجة، ومحْدودِيَّة، فيه غَيْبِيات وهو غير عِلْمي لا ترى الإنسانُ المُتَفَلِّت له رأيٌ في الدِّين غريب إلا وهو مُتَفَلِّت عن المنهج الرباني ؛ هذا الرأي السَّلْبي حتى يتوازن مع نفْسِهِ، الدِّين حقّ وهو مُخالفٌ لأوامره يخْتَلّ توازنه ويقعُ في قلقٍ شديد، فلذلك الإنسان من علامة ضَعْفِهِ أنَّهُ يتفَلَّت من منهج الله عز وجل، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ(18)فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(19)ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(20)ثُمَّ نَظَرَ(21)ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ(22)ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ(23)فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ(24)إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ(25)سَأُصْلِيهِ سَقَرَ(26)وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ(27)لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ(28)لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ(29)عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ(30)﴾

 

[ المدثر: الآية 18-30 ]

 هذا كلام ربِّ العالمين أيها الإخوة، كما قُلْتُ سابِقاً الأمور لا تجْري على ما يُرام إلا ما شاء الله، غير المؤمنين هناك صُعود ثمّ هبوط، أما إذا كنت مؤمناً فَخَطُّك البياني دائِماً في صُعود واسْتِمْرار إنْ شاء الله، ويجْعَلُ الله للمؤمن نِعَمَ الآخرة مُتَّصِلَة بِنِعَم الدنيا.

تحميل النص

إخفاء الصور