وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 3 - سورة المدثر - تفسير الآيات 54-56 ، مشيئة الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، يقول الله عز وجل في أواخر سورة المدَّثر:

﴿ كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ(54)فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ(55)وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ(56)﴾

[المدثر: الآية 54-56]

 فالإنسان يتحرَّك، يعْمل، ينتمي، يُوالي، يتعلَّق، يميل، من هذه الجِهَة التي ينبغي أنْ تميل إليها ؟ وأن تتعلَّق بها وتُحِبَّها ؟ وأن تمْحَضَها إخْلاصَك وحُبَّك ؟ وأن تُطيعَها وتُفْنِيَ شبابك فيها ؟ وتُمْضِيَ طول عُمْرك في طلب رِضْوانها ؟ إذا كنت تعرف من أنت ؟ فلن ترْضى إلا أنْ يكون الله عز وجل هو مَحَطُّ آمالك، ونِهايَةُ رغباتك.
 الإنسانُ أحْياناً تصْغُرُ نفْسهُ فَيَتَعَلَّقُ بِزَوْجَةٍ، أو بِقَوِيٍّ يُواليهِ، يُقَدِّمُ له كُلَّ إمْكانِياته، طبْعاً هو أهْل التقْوى، ليس إلا الله أهْلٌ أن تُطيعَهُ وتتَّقِيَهُ وأن تُخْلِصَ له، لأنَّ المخْلوق ضعيف، قال تعالى:

 

﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

 

[فاطر: الآية 14]

 لكنَّ الله سبحانه وتعالى معك ويسْمَعُ دعاءَك، ويسْتجيبُ لك ويُحِبُّك فقَضِيَّةُ الإيمان هي ولاءٌ لله عز وجل، المؤمن يُوالي لله قال تعالى:

 

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)﴾

 

[البقرة: الآية 165]

 إحْدى الصحابِيات الجليلات عَقِبَ معْركة أُحُد ذَهَبَتْ إلى أرْض المعْركة فإذا زَوْجُها بين القَتْلى، قالت: ما فعَلَ رسول الله ؟ فإذا بِأبيها بين القَتْلى فقالت: ما فعل رسول الله ؟ فإذا ابنها بين القَتْلى، فقالت: ما فعل رسول الله ؟ فإذا أخوها بين القَتْلى ؛ ما من امرأةٍ ترى زَوْجها وأباها وأخاها وابنها قتْلى وتسأل عن رسول الله ! فمازالتْ تسْأل عنه حتى رأتْهُ بِأُمِّ عَيْنِها واطْمأنَّتْ، وقالتْ: يا رسول الله كُلُّ مُصيبةٍ بعدك جَلَل !
 أردتُ أن أبيِّنَ لكم أنت تُوالي من ؟ هناك من يعْصي الله من أجْل زَوْجَتِه معنى ذلك أنَّ ولاءه لِزَوْجَتِه، وإنسانٌ يعْصي الله من أجل أولاده، ومعنى ذلك أنَّ ولاءه لأوْلاده، إنْسان يعْصي الله من أجل قَوِيٍّ يتمنى قُرْباً منه أو نوالاً أو عطاءً أو يتَّقي شَرَّهُ فَيَعْصي الله، إذاً ولاؤُهُ لهذا القَويّ بينما المؤمن ولاؤُه لله عزَّ وجل، ومن كان الله وَلِيَّهُ كاهُ كُلَّ شيء.
 الله عز وجل حينما يتدَخَّل فَكُلُّ شيء بِيَدِهِ، فَمَن هو العاقل ؟ هو الذي يُوالي أقْوى الأقْوِياء وهو الله تعالى، وملِكَ المُلوك، أنا ملِكُ المُلوك ومالكُ المُلوك قُلوبُ المُلوك بِيَدي، فإن العِبادُ أطاعوني حَوَّلْتُ قلوب المُلوك عليهم بالرَّحْمة والرأفة، وإنْ العباد عَصَوْني حَوَّلْتُ قُلوب العِباد عليهم بالسُّخط والنقْمة، فلا تشْغُلو أنْفُسَكم بِسَبِّ المُلوك، وادْعوا لهم بالصلاح فإنَّ صلاحَهم بِصَلاحِكم، ما من مخْلوقٍ يعْتَصِمُ بي من دون خَلْقي أعْرفُ ذلك من نِيَّتِه فَتَكيدُهُ أهْلُ السماوات والأرض إلا جعَلْتُ له من بين ذلك مخْرجاً وما من مخْلوقٍ يعْتَصِمُ بِمَخْلوقٍ دوني أعْرِفُ ذلك من نِيَّتِه إلا جَعَلْتُ الأرضَ هَوِياً تحت قَدَمَيْه، وقطَّعْتُ أسباب السماء بين يَدَيْه، المؤمن وَلِيُّه الله، قال تعالى:

 

﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)﴾

 

[يونس: الآية 62]

 ولله رِجالٌ إذا دَعَوا الله أجابَهُم، وأعْظَمُ كرامَة ينالُها المؤمن عند الله كرامَةُ العِلْم وكرامة الدُّعاء المُسْتجاب، فحينما تكون وَلِياً لله عز وجل يكون دُعاؤُكَ مُسْتجاب وهو يَحْفَظُك لذلك قال تعالى:

 

﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)﴾

 

[الأفال: الآية 19]

وقال تعالى:

﴿ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)﴾

[البقرة: الآية 193]

 وقال تعالى:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)﴾

 

[البقرة: الآية 153]

 ماذا تعْني كلمة مع ؟! معَهُم بالتأييد والنَّصْر والحِفْظ والتَّوْفيق، قال تعالى:

 

﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12)﴾

 

[المائدة: الآية 12]

 هذه مَعِيَّةُ الله مبْذولةٌ لكم جميعاً ؛ هو أهل التَّقْوى، ولذلك من قال: الله أكبر ألْفَ مرَّة وأطاعَ مخْلوقاً وعصى خالقاً فما قالها ولا مرَّة ولو رَدَّدها ألْف مرَّة، لو كانت لك بضاعة كاسِدة جاءك من يطْلبها أوْهَمْتَهُ أنَّها جيِّدة جداً، وكذَبْتَ عليه حتى بِعْتَها، مع أنَّكَ خالَفْتَ أمْر الله عز وجل إذْ كَتَمْتَ عَيْبَها وحقيقَتَها، فأنت بِهذا العَمَل ترى أنَّ بَيْع هذه السِّلْعة أغْلى من رضى الله تعالى، فالقَضِيَّة مع الله ليس كلاماً تتكَلَّمُه فَبِالكلام نحن فِداه، ونُحِبُّه ونُطيعُهُ، دينُكَ يظْهر في مَحَلِّكَ التِّجاري، وفي بَيْعِكَ وشِرائِك وفي صِدْقِكَ وأمانتك، فإذا كانت طاعة الله عندك أغنى من كُلِّ شيء كنت ولِياً لله وإن لم تكن كذلك كانت هناك مُشْكلة كبيرة تتعَرَّضُ لها، قال تعالى:

 

﴿ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ(56) ﴾

 

[المدثر: الآية 56]

 فلا يليق بك أنْ تكون لِغَيْر الله، وإلا تحْتقِرُ نفْسك كلُّ إنسان يجْعل نفْسهُ تَبَعاً لِجِهَة أرْضِيَّة أو تبعاً لِجِهَة قَوِيَّة، أو لشَهْوة من شَهَواتِه، معنى ذلك أنَّهُ لا يعرف الله عز وجل، قال تعالى:

 

﴿ كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ(54)فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ(55) ﴾

 

[ المدثر: الآية 54-55 ]

 فالإنسان بِصِحَّة جيِّدة وفي بَحْبوحة وفي بَيْتِهِ، يتحرَّك، وحواسُّهُ الخَمْس سليمة، وعندهُ قوتُ يومه، وله أهْل، أما حينما يقترب الأجل وكان هناك تقْصيرٌ سابقاً يصيحُ الرَّجُلُ صَيْحَةً لو سَمِعَها أهْل الأرض لَصُعِقوا، نَدَماً على ما فرَّطَ، قال تعالى:

 

﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)﴾

 

[الزمر: الآية 56]

 وقال تعالى:

 

﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)﴾

 

[الفجر: الآية 24-30]

 وقال تعالى:

 

﴿ َيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27)﴾

 

[الفرقان: الآية 27]

فَكُلُّ إنسان ينْدم كان ذلك دليلاً على نَقْصٍ في العَقْل أما سيِّدُنا عليّ قال: لو كُشِفَ الغِطاء ما ازْدَدْتُ يقيناً، ولو عَلِمْتُ أنَّ غداً أجلي ما قَدَرْتُ أنْ أزيدَ في عَمَلي.
 أنا وَقَفْتُ عند هاتين الكلمتين ؛ هو أهل التقوى أيْ أهْلٌ أنْ تُحِبَّهُ أبَدِي وسَرْمدي، لو أحْبَبْتَ من دونه ؛ أحْياناً يُحِبُّ الإنسان زوْجتهُ فإذا كبرَتْ بالسِّنّ ذهب أكثر بريقِها، أو تتنَكَّرُ له حينما يكبرُ أوْلادها تُهْمِلُ زوْجَها وما أكثر من يفْعَلْن ذلك، فَهُوَ مَحَضَها حُبَّهُ وإخْلاصَهُ، وهي قابَلَتْهُ إنْكاراً لِجَميلِهِ، والنبي قال: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ

(( رَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا أَفْظَعَ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ قَالُوا لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بِكُفْرِهِنَّ قَالَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لَا وَلَكِنْ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ * ))

[ رواه أحمد ]

 فَكُلُّ إنسان يضَعُ كُلَّ آمالهِ بِزَوْجَتِهِ أو أوْلاده أو مالِهِ، قال أحدهم كلمَةً أظُنُّهُ مؤمناً لكِنَّهُ غلط: الدراهِم كالمَراهِم، تَحُلُّ كُلَّ مُشْكِلَة، فإذا بالله بعثَ له مُشْكلة بَقِيَ بالسِّجن ثمانٍ وستون يوماً ولم تحلّ معه بالدراهم، فأنت بِتَوْفيق الله وحِفْظِهِ لا بِمالِك ولا بِأعْوانك، وكُلُّ إنسانٍ يتعلَّق بآخر ويضَعُ كُلَّ الثِّقَة عليه ويعْقِدُ كُلَّ الآمال عليه الله عز وجل يُلْهِمَ هذا المُتَّبَع أنْ يتنكَّرَ لك ! وهذا يحْصل دائِماً.
قال تعالى:

 

﴿ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ(56)﴾

 

[المدثر: الآية 54-56]

 فإذا أراد أنْ يغفر لك فلا جِهَة تمْنعُه، أما الأشْخاص يقول لك: لا أستطيع والقانون لا يسْمحُ لي أنْ أُسامِحَكَ بالضَّريبة، وهناك لجنة مُبايعات فلا أستطيعُ أنْ آخُذها بهذا السِّعْر، فأيُّ جِهَةٍ أرْضِيَّة هناك جِهَةٌ أعلى منها قال تعالى:

 

﴿ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ(56)﴾

 

[المدثر: الآية 54-56]

 قال تعالى:

 

﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)﴾

 

[المائدة: الآية 118]

 الذي لا يحفظ كتاب الله يقول: فإنَّك أنت الغفور الرحيم ! ولكن الآية فإنَّك أنت العزيز الحكيم، أيْ إنْ أردْتَ أنْ تغْفر فلا جِهَة تُحاسِبُك لماذا غَفَرْتَ ؟! فلو أنَّ أعلى إنسانٍ أعْفاك من ضريبة لَحُوسِبَ، أما إذا أراد الله تعالى أنْ يغْفر لك فلا يوجد في الأرض جِهَةٌ تمْنَعُه ولله المَثَلُ الأعلى قال تعالى:

 

﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)﴾

 

المائدة: الآية 118)

عزيزٌ فلا يسْتطيعُ أحدٌ أن ينال منك أو أن يصِلَ إليك أو أن يُحاسِبَك.
 فالقصْدُ من هذا أنْ تتَّجِهَ لله وحْدهُ، ولا تُعَلِّقَ الأمل على زَيْدٍ أم عُبَيْد إنما أنْ تُعَلِّقَ الأمل على الله عز وجل، وأكبر مرض يُصيبُ المسلمين الآن الشِّرْك الخَفيّ، أما الشِّرك الجليّ لا يوجد ولله الحمد، هناك آلاف الآلهة كُلُّها أصْنام وبوذاَ وما إلى ذلك، نحن لا يوجد لدينا آلهة نعْبدها من دون الله، لكن يوجد مليون إله نعْبُدُه ولا نشْعر، قال تعالى

﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43)﴾

[ الفرقان: الآية 43 ]

 فالهوى أحد هذه الآلهات تعْبده وأنت لا تشْعر، وتُضَحي بِطاعتك لله من أجل هواك، فالشِّرْك الخَفيّ كما قال النبي الكريم: أخوف ما أخاف عليكم الشِّرْك الخفيّ...شَهْوَةٌ خَفِيَّة وأعمال لغير الله ".
إذاً كما قال تعالى:

 

﴿ " كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ(54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ(55)وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ(56)﴾

 

[المدثر: الآية 54-56]

 فقوله تعالى: كلا إنه تذكرة أي القرآن، وقوله:

 

﴿ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ(55)وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾

 هذا ربْط فضْل، وقَيْد فضْل وليس قيْدُ جَبْرٍ كلامٌ دقيق جداً، فأنا دخَلْتُ إلى مَحَلٍّ تِجاري يبيعُ ألْماس فأقول لك: اِخْتر ما شئْت فانْتَقَيْتَ خاتماً ثمنُهُ ثمان مائة ألف !! ثمَّ عند خروجك قلتُ لك: لولا أنَّني سَمَحْتُ لك بالاختيار لما أخذْتَ هذا الخاتم، فلو مَنَعْتُكَ أن تخْتار ربما كنتُ أهْدَيْتُكَ خاتماً ثمنه ثمان مائة ليرة، فَرَبْطُ مشيئة العَبْد بِمَشيئة الربّ ربْط فضْل وليس ربْط جبْرٍ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ لولا أنَّ الله شاء لهم أنْ يذْكروا لما ذَكروا، ولولا أنَّ الله تعالى شاء لهم أنْ يشاءوا لما شاءوا، ولولا أنَّ الله تعالى شاء لهم أنْ يعْقِلوا لما عقلوا، أعْطاهم عقْلاً فهذا كُلُّه من مشيئة الله لنا، فقد شاء لنا أنْ نكون المخْلوقين الأوَّلين في الكون

 

 

﴿ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ(56)﴾

 

[المدثر: الآية 54-56]

تحميل النص

إخفاء الصور