وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة القيامة - تفسير الآيات 20 - 40 ، الدنيا
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، يقول الله عز وجل في سورة القيامة في الآية العشرين:

﴿ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21)﴾

[سورة القيامة]

 فالله تعالى سمَّى هذه الحياة حياةً دُنيا، وسَمَّى الآخرة حياةً عُلْيا فالآخرة حياةٌ أبَدِيَّة، والدنيا حياةٌ مُنقَطِعة، والآخرة أساسها الإكرام والدنيا أساسها الكدْح والتَّعَب، قال تعالى:

﴿ يَاأَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ(6)﴾

[سورة الانشقاق]

 الدنيا أساسها السَّعْي والآخرة أساسها الإكرام، والدنيا دار ابْتِلاء والآخرة دار جزاء، والدنيا دار تَكْليف والآخرة دار تَشْريف، والدنيا منقطعة والآخرة مُتَّصِلَة، لذلك ربنا عز وجل في آيات كثيرة يلوم هؤلاء الناس الذين يَتَعَلَّقون بالحياة الدنيا، قال تعالى:

 

﴿ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21)﴾

 

[سورة القيامة]

 هناك درجات كثيرة بين الناس، فكما أنَّه هناك مسافة كبيرة جداً بين طبيبٍ وبين مُمرِّض، وبين أكبر أستاذ بالجامعة وبين مُعَلِّم بالقرية وبين تاجِرٍ وبين بائِع مُتَجَوِّل، وبين أعلى رتبة في الجيْش وبين مُتَجَوِّل إذاً هناك مسافات كبيرة حتى في البيوت ؛ بيت في طرف المدينة وبين ثمنه مائة وخمسون مليون ! وحتى بالمركبات، والطائرات والبواخر، وحتى بالطعام والشراب، قال تعالى:

 

﴿انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا(21)﴾

 

[سورة الاسراء]

 مرتبة الدنيا لا تعني شيئاً وهي مُؤقَّتة، وقد تعني العكْس قال تعالى:

 

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ(44)﴾

 

[سورة الأنعام]

 ربَّ أشْعث أغبر ذي طمرين مدْفوعٍ بالأبواب لو أقْسم على الله تعالى لأبَرَّه أهْلاً بِمَن خَبَّرني جبريل بِقُدُومِه ؛ رَجُلٌ فقير من الصحابة قال: أَوَمِثْلي فقال:نعم يا أخي ! خامِلٌ في الأرض عَلَمٌ في السماء، فَمَرْتَبَة الدنيا لا تعني شيئاً، والمال لا يعْني شيئاً، أعْطاهُ الله تعالى لِعَدُوِّهِ قارون، قال تعالى:

 

﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ(81)﴾

 

[سورة القصص]

 والمُلْك لا يعْني شيئاً فقد أعْطاهُ لِفِرْعَون، أما المؤمن يُعْطاه كما قال تعالى:

 

﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(22)﴾

 

[سورة يوسف]

 فإذا آتاك الله تعالى الحِكْمة وعَرِفْتَ سِرَّ وُجودك وغاية ذلك، وعرفْتَ ربَّكَ ومَنْهَجَهُ، واسْتَعَنْتَ به على طاعته فأنت من الفائِزين، قال تعالى:

 

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾

 

[سورة الأحزاب]

 خالقُ الكون يقول لك: إذا أطَعْتني فُزْتَ فوزاً عظيماً، والناس يرَوْن الفوْز بِجَمْع المال وبِبِناءٍ يملِكُهُ وبِأَرْض ارْتَفَعَ سِعْرها مائة ضِعْف وبِبَيْت كذلك، والفوز بِتِجارةٍ رابِحَة وبِوَكالة حَصْرِيَّة وبِزَوْجة جميلة، أما الفوز عند الله تعالى بِطَاعَتِه قال تعالى:

 

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾

 

[سورة الأحزاب]

 فقوله تعالى:

 

﴿ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20)﴾

 

[سورة القيامة]

 احْتِقاراً، أحْياناً عِصابة تسْرِق، وتقع في قَبْضَة العدالة والتُساق إلى السِّجْن، وتُعَذَّب حتى تعْتَرِف، وتُؤخذ الأموال كلّها منها، بعد هذا الحُكْم تجد هؤلاء العِصابة نَسِيَت كُلَّ المَلَذَّات التي تَمَتَّعَتْ بها في سَرِقاتها ! فالعِبْرة في النِّهاية والعاقِبَة ولِمَن يضْحك آخِراً، قال تعالى:

 

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ(35)﴾

 

[سورة إبراهيم]

 وقال تعالى:

 

﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ(196)مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(197)لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ(198)﴾

 

[سورة آل عمران]

 والله أيها الإخوة، لو أنَّ الٌنسان يقرأ كلام الله تعالى قِراءَةً مُتَأنِّيَة، فالله تعالى يقول

﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا(77)﴾

[سورة النساء]

 فَرَبُّنا عز وجل يُخْبرنا أنَّ متاع الدنيا قليل، وأنَّها أحْقَرُ من أن تكون عطاءً، والحِرْمان منها أحْقر من أن يكون عِقاباً، تافِهَة، لذلك العِبْرة أن تكون مُطيعاً لله تعالى فيها، أنا هؤلاء الناس الذين غفلوا عن الله عز وجل يَرَوْنها كُلَّ شيء، ويُعَظِّمونها ويُعَظِّمون أغْنِياءَها وأرْبابها وأقْوِياءَها، وينْسَوْن الله عز وجل فيأتي الموت فَيُنْهي هذا الغِنى.
قال تعالى:

 

﴿ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21)﴾

 

[سورة القيامة]

 فالمؤمن الصادِق يسْعى للآخرة في كُلِّ يوم، وفي كُلِّ حَرَكة، وفي كُلِّ سَكَنة وفي كُلِّ كَسْب مالٍ، وفي كُلِّ إنْفاق مالٍ، وفي كُلِّ زِيارَةٍ يسْعى للآخرة قال تعالى:

 

﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ(196)مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(197)لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ(198)﴾

 

[سورة آل عمران]

 المؤمن الذي صَلى في الدنيا وضَبَط شَهَواتِه وأعْضاءَهُ ودَخْلَهُ وجوارِحَهُ واسْتقام على أمْر الله تعالى، وطلب العِلْم في الآخرة، يقول تعالى:

 

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)﴾

 

[سورة القيامة]

 ففي الآخرة أيها الإخوة، يُتاحُ للمؤمن أن يرى الله عز وجل كما في الأحاديث الصحيحة، كما يرى القمر ليلة البدْر، وفي بعض الرِّوايات أنَّ الذي يرى الله عز وجل يغيب من نَشْوة النظر خمسين ألف عام !

 

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)﴾

 

[ سورة القيامة]

 ثمّ قال تعالى: ووُجوه يومئذ باسرة.." شديدة الكلوحة، كالِحَة ومُسْوَدَّة ومُغْبرَّة وقاتمَة، قال تعالى:

 

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)﴾

 

[سورة القيامة]

 الفاقرة الداهِيَة التي تقسم الظَّهْر، ففي النِّهاية البَشَرُ كلّهم على اخْتِلاف مشاربهم وأعراقِهم وأجْناسِهم ومِلَلِهم ونِحَلِهم، وكلّ هذه الاختلافات شَكْلِيَّة فالناس في الآخرة رجلان كما قال تعالى:

 

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)﴾

 

[سورة القيامة]

 كَمَن أُلْقِيَ القبْض عليه وينتظر العِقاب، ولا يعرف هل سَيكون بِسِجْن مُأبَّد أو أعمال شاقَّة ؟ فهذه الأيام تَمْضي عليه كالسنوات، وانْتِظار الحُكْم صَعْب جداً.
ثمَّ قال تعالى

 

﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29)﴾

 

[سورة القيامة]

 اِنْسَحَبت الروح قال تعالى:

 

﴿ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)﴾

 

[سورة القيامة]

 من يرْقى له، من يقرأ له قال تعالى:

 

﴿ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28)﴾

 

[سورة القيامة]

 فالإنسان يمْرض إلا أنَّه في كُلِّ أمْراضِه يغلِبُ عليه الأمَل في الحياة أما أحْياناً تأتيه تقارير عن حالته النِّهائِيَّة، أحدهم قال له: أنت معك سرطان وسَتَعيش أربعة أشْهر ! ففي هذه الأيام ما عليك إلا أن تُنهي أمورك ووَصِيَّتَك، وأنْهي علاقاتِك، ثاني يوم تَوَفَّى هذا الشَّخْص، ولم ينتظر أربعة أشهر
قال تعالى:

 

﴿ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28)﴾

 

[سورة القيامة]

 أحياناً المريض يَتَيَقَّن أنَّهُ سَيَنْتهي، كان هناك رجل حكوا لي عنه إلا أنَّها سبحان الله قِصَّة يصْعب أن تُصَدَّق وأنا لم أرَهُ إلا أنَّني سَمِعْتُ عنه ؛ رَجُلٌّ صالِح وكان يُنفق أموالاً طائلة في سبيل الله، وله مكْتب في الحريقة، كُلَّما دَخَلَتْ عليه لَجْنة خَيْرِيَّة له طريقة رائِعَة وهي أنَّهُ يعْطيهِم مِفتاح الصُّنْدوق ويقول لهم: خُذوا ما شِئْتم، ولا تُعْلِموني، أُصيب بِمَرضٍ في دَمِه ولِحِكْمَةٍ أرادها الله تعالى وَصَلَ الخبر له حيث أنَّه رفع السَّماعة الإضافِيَّة فكان من الطبيب لابنه، ولأنَّ عمله الطَيِّب ولأنَّه كان مُسْتقيماً ما تأثّر كثيراً، إنَّما خَبَّر صديقه من أصْدِقائِه وقال له: أنا انْتَهَيْتُ ! عندي صَفْقَة الفُلانِيَّة تُنهيها لي، وتُعْطي أرْباحها لأوْلادي ورَتَّب أموره وقضايا العمل والتِّجارة والاسْتيراد والمُسْتوْدعات، وثاني يوم وَدَّع كُلَّ أهْلِه، واحِداً واحِداً، وثالث يوم تَغَسَّل بِنَفْسِه، وفي الساعة الواحِدَة له شَيْخ بالشام صالِح، ذَهَب إليه وبَقِيَ يذكر الله عنده، وفي الساعة الثانِيَة فارق الحياة، هذا الأمر صَعْب جداً أن تعرف أنَّك في الرقت الفلاني سَتُفارِقُ الحياة، فَكَلامي أنَّك إنْ عَمِلْتَ عَمَلاً طَيِّباً لن يكون الموت مُخيفاً لك، قال تعالى:

 

﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ(158)﴾

 

[سورة آل عمران]

 تَجِد فلان من الناس مُهِمَّتُه جمْع المال، والله تعالى قال:وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ

﴿ مِنْ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(157)﴾

[سورة آل عمران]

 قال تعالى:

 

﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)﴾

 

[سورة القيامة]

 سُئِلَ عالِمٌ جليل: كيف القُدوم على الله ؟ فقال: أما العبْدُ المؤمن فكالغائِب رُدَّ إلى أهْلِه، لو كان لك ابن بِمَنْطقة من البلاد الأوروبيَّة وبقي هناك ثماني سنوات فلو عَلِمْتم قُدومه لرَتَّبْتُم له غرفة خاصَّة به، وتطْبخون له أكْلات يُحِبُّها، أليس كذلك ؟! وأما العَبْد الكافر فكالعَبْد الآبِق رُدَّ إلى مَوْلاه، وهذه قِصَّة قديمة أذْكرها لكم ؛ أنَّ أحد الناس خرج من بلدِه إلى أروببا وهاجم نِظام بلَدِه وكان صَحَفِيًّا، ودَبَّروا له حتى أصْبح بين أيْديهم، فكيف سَيفعلون الآن به؟! قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ(25)ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ(26)﴾

 

[سورة الغاشية]

 ففي النِّهاية نذْهب كلنا إلى الله تعالى، فالذي يأكل مال الحرام، ويعتدي على أعْراض الناس، والذي يسْتَعلي على خلق الله ؛ كُلُّه سَيُحاسَب وأصْعب ليلة في القبر هي أوَّلها، يقول الله عز جل: عَبْدي رجعوا فَتَركوك وفي التراب دَفَنوك، ولو بَقوا معك ما نَفَعوك، ولم يبق لك إلا أنا وأنا الحيُّ الذي لا يموت، كُلَّما زُرْتُ بيْتاً لأُعَزِّي آتي بهذا الكلام، أرى بيْتاً فَخْماً، بِكامِل المُعِدَّات، أقول: أين صاحبُه الآن ؟! الثريَّات كُلُّها كريستال، وصالون ثمانية أمْتار، وتُحَف أقول كيف انتقل صاحِبُه إلى باب صغير ؟ نحن عندنا حيّ المالكي هو حيّ أكْواخ بالنِّسْبة لِحَيّ الشَّهْباء بِحَلَب، هناك فِلَّة أرانيها شَخْص وقال لي: هذه فيها رُخام من سنة الأربع والسَّبْعين، وكان الدولار بِثَلاثة ليرات وثَمانِيَة قِرْش، ثَمَنُ هذا الرُّخام خمْس ملايين ليرة، هذا الرُّخام هو رخام أونِكْس شَفاف، الآن ثَمَنها أكثر من ثمانمائة مليون !! صاحبها عمره اثنان وأربعون سنة، وكان طويل القامة، فكان القبْر قصيراً عليه، فاضْطر الذي حَفَر القبر أن يُمَيِّل رأسَه!! فهذا الذي كان يسْكن في بيْتِ ثمنه ثمان مائة مليون، كان مثْوه في قبر أصغر منه !
قال تعالى:

 

﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31)﴾

 

[سورة القيامة]

 أعرف رجل، يقرب أحد أصْدِقائي، عاش بالسَّعودِيَّة ثلاثين سنة، وجَمَّع ثلاثة آلاف مليون وما صلى الفرْض بِحياتِه، ولا حجَّ ! ذهَب لاسْتنبول فمات بالفندق هناك، والبارِحَة بِجامِع النابلسي كان جالساً في القاعة فانقلب ومات في الصلاة ! الموت يأتي بَغْتَةً، والقبر صندوق العمَل.
قال تعالى:

 

﴿ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33)﴾

 

[سورة القيامة]

 فالفاجِر يجْلس قَعْدَةً لا أدَب فيها، وقد يضْطجع اضْطِجاعاً غير لائِق.
ثمَّ قال تعالى:

﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35)﴾

[سورة القيامة]

 أي أوْلى لك أن تؤمن،وأن تسْتقيم وأن تُفَكِّر بهذا اليوم، قال تعالى:

 

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾

 

[سورة القيامة]

 الذي خلق هذا الكون العظيم والذي خلقك ألا يُحاسِبُ أحداً ؟ هل يعْتدي الإنسان على من يُحِبُّ ويظْلم ثمَّ ينْجو من عذاب الله، وهل يُعْقل من جامِعَة بأرْقى الأساتِذة والغُرف والسَّكن ثمَّ لا يوجد فيها امْتِحان ؟! وكُلُّهم ناجِحون، قال تعالى:

 

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)﴾

 

[سورة القيامة]

 هذا هو الإيمان إذا آمَنْتَ أنَّ هناك آخرة وحِساب ومَسْؤولِيَّة، وتُحاسَب على أدَقِّ الحركات السَّكَنات، قال تعالى:

 

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)﴾

 

[سورة الحجر]

 وقال تعالى:

 

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾

 

[سورة الزلزلة]

 ما من عثرة ولا اخْتلاج عِرق ولا خدْش عود إلا بما قَدَّمت أيديكم، وما يعْفوا الله أكثر.

 

تحميل النص

إخفاء الصور