وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0923 - الرزق و آدابه.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الرزق وآدابه :


أيها الإخوة الكرام، لاشك أن الإنسان مجبول على حبِّ وجوده، وعلى حبِّ سلامة وجوده، وعلى حبِّ كمال وجوده، وعلى حبِّ استمرار وجوده، وأن الإنسان يشقى حينما يجهل، وأزمة أهل النار وهم في النار أزمة علم، ليس غير: 

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾

 

( سورة الملك : 10)

ما الذي يأتي بعد أولوية حبِّ وجود الإنسان؟
الإنسان حريص على رزقه، حريص على وجوده، ومن فروع وجوده سلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده.
بعد حرصه على وجوده هو حريص حرصاً لا حدود له على رزقه، وهناك أقوال شتى، وهناك طروحات شتى، وهناك تصورات شتى عن الرزق، معظمها لا أصل له في الدين، معظمها ناتج عن حركة الحياة، لكن الحقيقة أن قضية الرزق أصل كبير من أصول الدين.
وموضوع الخطبة اليوم كيف يزداد الرزق؟ وما المرتكزات العقدية حول الرزق؟ وما هي آداب كسب الرزق؟

 

مشكلة البطالة :


أيها الإخوة الكرام، لعل أكبر مشكلة على وجه الأرض تعاني منها كل المجتمعات مشكلة البطالة.
في المقياس العصري يقاس تقدم الأمة بنسبة البطالة إلى عدد سكانها.
ففي الدول المتخلفة ترتفع نسب البطالة إلى أرقام كبيرة جداً، بل وهناك مصطلح جديد هو البطالة المقنعة، أي هناك دخل لا يكفي صاحبه قوت يومه، إذاً: هو عاطل عن العمل بشكل أو بآخر.
أيها الإخوة الكرام، البطالة شيء، وأن ترتاح للبطالة شيء آخر، إذا سرى داء البطالة في دماء شبابنا قتل فيهم همّتهم، واستلَّ منهم انتماءَهم لدينهم وأمتهم، وأقعدهم عن العطاء، وأقنعهم بالكسل، وصوّر لهم أنهم فريسة قلّة فرص العمل، وأن هذه أقدارهم، وأن هذه أرزاقهم التي كتبت لهم، وهذا فهم سقيم.
ذكرت في خطب سابقة أن هناك فقر القدر، وهناك فقر الكسل، وهناك فقر الإنفاق.
فقر الإنفاق وسام شرف، وفقر القدر صاحبه معذور، ولكن الفقر المذموم هو فقر الكسل، أحياناً تكون هناك بطالة، وفي أحايين كثيرة تكون هناك رغبة في البطالة.

 

علاج مشكلة البطالة :

أيها الإخوة الكرام، إذا توجهت هذه المشكلة إلى شريحة من المجتمع فهي تتوجه أول ما تتوجه إلى الشباب، فيجب أن نقنع الشباب بما يلي:

 

1) شرف العمل :

وأنه من سنن الأنبياء والمرسلين، ومن سنن الشرفاء في الأرض، فما من نبي إلا ورعى الغنم، وكان داود عليه السلام حداداً، وكان نوح نجاراً.
أيها الإخوة الكرام:
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الكسب أطيب أو أفضل؟ قال:

(( عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور ))

[ حديث صحيح، أخرجه الحاكم في مستدركه ]

وسيدنا عمر يقول: أرى الفتى فيعجبني، فإذا قيل: لا حرفة له سقط من عيني.
ويقول كذلك: لا يحملن أحدكم على ترك الرزق أن يكتفي بالدعاء.
ويقول: يقول أحدكم: اللهم ارزقني، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة.
وقد شوهد خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الإنسان الأول بعد رسول الله، في اليوم التالي لتوليه الخلافة، وقد جعل على كتفه حزمة من الثياب، متوجهاً إلى السوق ليبيعها.
هذا ما ورد في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، وفي سيرة صاحبيه الراشديْن.
أيها الإخوة الكرام، وكان بعض العلماء العاملين كإبراهيم بن الأدهم، رحمه الله، يسقي، ويرعى، ويعمل بالكراع، يعني بالأجرة، ويحفظ البساتين، ويحصد بالنهار، ويصلي بالليل.
الإنسان شرفه عمله.

2) التقوى تجلب الرزق :

الله عز وجل يقول: 

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (*)وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ﴾ 

( سورة الطلاق: 2-3)

إذاً: أنت حينما تؤمن أن طاعة الله عز وجل تجلب لك الرزق الكريم، الذي يمنعك من أن تريق ماء وجهك، هذه أساسية في موضوع طلب الرزق. 

وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

(( لأن يأخذ أحدكُم أحْبلَه، ثم يأتي الجبلَ فيأتي بحُزْمة من حَطَب على ظهره فيبيعها، خير له من أن يسأل الناس أعْطَوْه أم مَنَعوُه ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ]

شيء آخر، أيها الإخوة، يجب أن نذكر قول نبينا صلى الله عليه وسلم:

(( لو أنكم توكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً ))

[ حديث صحيح، أخرجه النسائي ]

وعلى كل إنسان أن يذكر أنه ينبغي ألا يتردد في قبول عمل يعلم يقيناً أنه يرضي الله عز وجل، ولو بمقابل يسير، فالرزق الحلال يباركه الله تعالى، والحرام ممحوق البركة في الدنيا والآخرة، ويجب أن يذكر الشباب ألا يجعلوا أعين الناس مانعاً لهم من مزاولة أعمالهم، فقد يأخذ الشاب شهادة، وهو يتمتع بحجم كبير، عندئذٍ يرفض أيّ عمل لا يليق به، ولكن كسب الرزق المشروع عمل شريف مهما يكن نوعه.

 

3) عدم التذلل والسؤال :

أيها الإخوة الكرام: جاء في حديث شريف:

(( .. ولا فتَحَ عبد بابَ مسألة، إلا فتح الله عليه بها باب فقر ))

[ من حديث أخرجه الترمذي بإسناد صحيح ]

اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير.
وقد ضرب سيدنا عبد الرحمن بن عوف مثلاً رائعاً، فقد قدم المدينة فقيراً، فعرض عليه أخوه من الأنصار سعد بن الربيع أن يناصفه ماله، فأبى، وقال: بارك الله لك في مالك، ولكن دلّني على السوق.
ومن غريب ما يروى: أن الأنصار والمهاجرين آخاهم النبي عليه الصلاة والسلام اثنين اثنين، ولم يذكر التاريخ أن مهاجراً أخذ من أنصاري شيئاً، مع أن الأنصار رضي الله عنهم عرضوا على إخوانهم المهاجرين نصف ما يملكون.
أرأيت إلى السخاء عند الأنصار، وإلى التعفف عند المهاجرين؟

4) التحلي بالصبر :

أيها الإخوة الكرام، ويجب أن يتحلى الشباب بالصبر، فالنجاح الحقيقي لا يأتي في ليلة أو ضحاها، لابد من الصبر حتى يأتي فرج الله عز وجل.

مرتكزات العقيدة في شأن الرزق :

أيها الإخوة الكرام، قضية الرزق متعلقة بعقيدة الإنسان، مرتكزات العقيدة في شأن الرزق عديدة، منها:

 

1) الرزق من الله وحده :

الله سبحانه وتعالى وحده هو الرزاق، ذو القوة المتين، قال تعالى:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾

( سورة الروم : 40)

وجاء ذكر الرزق بالفعل الماضي تطميناًَ لكم، قال: الله الذي خلقكم، ولم يقل: ثم يرزقكم، قال: ثم رزقكم.
مادام الله قد خلقك فلك عنده رزق، اصبر عن الحرام يأتِك الرزق الحلال.
أيها الإخوة الكرام:

﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ﴾

( سورة النحل : 72)

النقطة الأولى في علاقة الرزق بالعقيدة: أن الله وحده هو الرزاق ذو القوة المتين، هذا ينبغي أن يكون الإيمان به يقينياً.
ورزق الخلق في الدنيا من الصفات الدالة على كمال ربوبية الله عز وجل، وكمال قيوميته، وهذا يعني أن الله سبحانه وتعالى من كمال ربوبيته لخلقه أنه خلقهم، وأنه يرزقهم.

 

2) ما كتب للعبد لا بد أن يصيبه :

أيها الإخوة الكرام:
من مسلّمات العقيدة في شأن الرزق: أن كل خير، وأن كل رزق يقدره الله للعبد لا يمكن أن يخطئه، ويستحيل أن يصيب غيره، قال تعالى:

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾

( سورة هود : 6)

وحينما يأتي حرف: على، قبل لفظ الجلالة، أيّ أنّ الله ألزم ذاته العلية برزق العباد: 

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ 

( سورة هود : 6)

أما: مِنْ، فتفيد استغراق أفراد النوع.
يعني: أنا إذا دخلت إلى صف، وخاطبت الطلاب، وقلت: لكل واحد منكم هدية مني، هذا كلام واضح كالشمس، أما إذا قلت لهم: ما منكم واحد إلا وله هدية، أي هذه الهدية شملت الغائبين عن الدرس، شملت كل طالب، كائناً من كان:

 

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾

( سورة هود : 6)

يوجد قصْر، ويوجد استغراق لأفراد النوع، ويوجد حصر، ويوجد ما يفيد أن الله ألزم ذاته العلية برزق العباد.

 

3) قلة الرزق تربية وتأديب :

أيها الإخوة الكرام:
ومن المنطلقات العقدية في شأن الرزق:
أن تقسيم الأرزاق بين الناس لا علاقة له لا بالحسب، ولا بالنسب، ولا بالعقل، ولا بالذكاء، ولا بالوجاهة، ولا بالمكانة، ولا بالطاعة، ولا بالعصيان، إنما يوزِّع الله عز وجل الرزق على العباد لحكمة هو يعلمها، ونحن قد نعلمها، وقد لا نعلمها، فقد يعطي المجنون، ويحرم العاقل، وقد يعطي الوضيع، ويمنع الحسيب، وعقلنا قاصر عن أن ندرك أحياناً حكمة الله فيما يرزق به العباد.
أما أن تقول: يجب على الله الأصلح، فهذا كلام مرفوض، لأن عقلنا قاصر عن فهم الأصلح الذي يختاره الله للإنسان، لذلك قال بعض العارفين: ربما كان المنع عطاءً، وربما كان العطاء منعاً، وإذا كشف لك الله الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء، هذا معنى قوله تعالى:

﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ﴾

( سورة البقرة : 216)

لأن الله علم ما كان، ويعلم ما يكون، ويعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
تشكو قلة الرزق، وأنت لا تعلم أن الله لو أمدك برزق وفير ما كنت مستمراً في طاعته:

 

﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرْضِ ﴾

( سورة الشورى: 27)

ينبغي أن تعلم علم اليقين أن التقنين الإلهي في الرزق تقنين تربية وتأديب، ولن يكون تقنين عجز إطلاقاً، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾

( سورة الحجر : 21)

عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى، أنه قال:

(( .. يا عبادي، لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم، وإنسَكم وجِنَّكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيتُ كُلَّ إنسان مسألتَه، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُص المِخْيَطُ إذا أُدِخلَ البحرَ، يا عبادي، إنما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثم أُوفّيكم إيَّاها، فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله، ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَه ))

[ من حديث صحيح، أخرجه مسلم والترمذي ]

4) توظيف الرزق في طاعة الله :

أيها الإخوة الكرام:
ومن منطلقات العقيدة في شأن الرزق:
أن الله سبحانه وتعالى يرزق عبده في الأصل ليستعين العبد على طاعة الله عز وجل، فكيف إذا سخَّرَ العبد الرزق الذي رزقه الله إياه ليستعين به على معاصي الله؟
هذا موقف عجيب، تأكل رزقه وتعصيه؟ تسكن أرضه وتعصيه؟ تعصيه وهو يراك؟ تعصيه ولا تخاف العقاب؟

 

5) ارتباط الرزق بالإنفاق :


أيها الإخوة الكرام: ومن منطلقات العقيدة في شأن الرزق:
أن القرآن الكريم كثيراً ما يربط بين رزق الله للعباد، ومطالبةِ العباد بالإنفاق في سبيل الله:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (*)وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (*)وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

( سورة المنافقون 9-11)

﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً ﴾

( سورة إبراهيم : 31)

﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾

( سورة الأنفال : 3)

وكأن الله رزقك لتنفق من هذا الرزق تقرباً إليه، وإذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل، ونسبه إليك.

 

6) حكمة توزيع الرزق :

ومن مرتكزات العقيدة في شأن الرزق:
أن الله سبحانه وتعالى فضَّل بعض الناس على بعض في الرزق، أعطى هذا وبسط له الكثير، وأعطى هذا أقلَّ منه بكثير، وحرم الثالث، فلم يعطه شيئاً، قال تعالى:

﴿ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ﴾

( سورة النحل : 71)

إذاً: هناك حكمة إلهية تناسب هذا الإنسان، وهذه الحكمة قطعية ثابتة، عَلِمَها مَن علِمها، وجهِلها مَن جهلها، يؤكد هذا ما ورد في الأثر:
أتاني جبريل فقال: يا محمد، ربك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى، ولو أفقرتُه لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالفقر، ولو أغنيته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالسقم، ولو أصححته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالصحة، ولو أسقمته لكفر.

 

7) طلب الرزق من الله وحده :

ومن مسلّمات العقيدة في شأن الرزق:
أن الرزق لا يطلب إلا من الله تعالى، ولا يسأل إلا وجهه الكريم:

(( إِذا سألتَ فاسألِ الله، وإِذا استعنت فاستَعِنْ بالله ))

[ من حديث صحيح، أخرجه الترمذي ]

ولذلك ذمَّ الله تعالى أولئك الذين يدعون غيره في طلب الرزق، فقال تعالى:

﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ ﴾

( سورة النحل : 73)

إذاً: ينبغي أن تسأل الله وحده، وأن تتوجه إليه وحده، وأن تكفّ عن سؤال الناس إلا من باب الأخذ بالأسباب، وأنت موقن أنك تسأل الله عز وجل، فمن جلس إلى غني وتضعضع له، أي تمسكن له، وعقد عليه الأمل، وتوقّع أنه يعطيه، فقد ذهب ثلثا دينه.

 

8) الرزق الكثير لا يدل على الرضا :

القضية الأهم المتعلقة بالرزق: أن عطاء الله في الدنيا وإغداقه على عبده في رزقه لا يدل على محبة الله لهذا العبد، ولا على غير ذلك، فقد أعطى الرزق لمن يحب، ولمن لا يحب، ومادام هذا المال أعطي لمن يحب، ولمن لا يحب، فهو ليس دليلاً كافياً على محبة الله.
إن عطاء الله وإغداقه في الرزق على العبد لا يدل على محبة الله لهذا العبد ورضاه عنه، قال تعالى:

﴿ قال وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾

( سورة البقرة : 126)

فلو وسَّع عليك في رزقك، وأصبحت تربح الألوف بدل المئات، والملايين بدل الألوف، فلا تظننَّ أن هذا بسبب محبة الله لك.
أعطى الله المال لقارون، وهو لا يحبه، وأعطى الملك لفرعون، وهو لا يحبه، أما الذين يحبهم فأعطاهم الحكمة، أعطاهم العلم، أعطاهم شيئاً ثميناً:

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

( سورة النساء : 113)

أيها الإخوة الكرام، في الحديث عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(( إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد في الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون ))

[ حديث رواه الإمام أحمد في مسنده ]

أسباب زيادة الرزق :

أيها الإخوة الكرام:
تحدثنا عن قيمة طلب الرزق.
وتحدثت بعد ذلك عن المرتكزات العقدية في شأن الرزق.
بقي الأسباب التي إذا أخذنا بها ازداد رزقنا، وهذا أهم ما في الخطبة:

 

1) الاستغفار :

قال تعالى:

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (*)يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (*)وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ﴾

( سورة نوح10-12)

يقول الإمام القرطبي: هذه الآية دليل على أن الاستغفار يُستَنزل به الرزق والأمطار.
وقد جاء رجل إلى الحسن البصري فشكا إليه الجدب، أي قلة المطر، فقال: استغفر الله، ثم جاءه آخر فشكا الفقر فقال: استغفر الله، ثم جاءه آخر فقال: ادع الله أن يرزقني ولداً؟ فقال: استغفر الله، فقال أصحاب الحسن: ما هذا؟ سألوك في مسائل شتى، وأجبتهم بجواب واحد، وهو الاستغفار، فقال رحمه الله: ما قُلت من عندي شيئاً، إن الله تعالى يقول: 

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (*)يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (*)وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ﴾

( سورة نوح10-12)

2) التوكل على الله :

أيها الإخوة الكرام:
روى الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أَنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( لو أنَّكم كنتم تتوكلون على الله حقَّ توكلهِ، لَرُزِقتُمْ كما تُرْزقُ الطَّيْرُ، تَغْدو خماصاً وتَرُوحُ بِطاناً ))

[ حديث أخرجه الترمذي بإسناد صحيح ]

لكن هل انتبهتم إلى ملمح في الحديث:
تَغْدو، وتَرُوحُ، أي يوجد حركة، أما قاعد في البيت، لا يتحرك، ولا يخرج، ولا يسأل، ولا يطالع بعض الإعلانات، ولا يفعل شيئاً، ويقول: ليس هناك أعمال، فهذا لا يتحرك.
تغدو: يوجد حركة، يوجد سؤال، يوجد طلب، يوجد أخذ بالأسباب.
تغدو خماصاً وتروح بطاناً.

يقول الله عز وجل:

﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ﴾

( سورة الطلاق : 3)

التوكل هو السبب الثاني.

 

3) العناية بالعبادات :

ومن أسباب الرزق عبادة الله، والتفرغ له، والاعتناء بالواجبات الدينية:
فقد أخرج الترمذي وابن ماجه وابن حبان بسند صحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(( إن الله يقول: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنىً، وأسدَّ فقرك، وإلا تفعل ملأت يديك شغلاً، ولم أسدَّ فقرك ))

[ حديث صحيح، أخرجه الترمذي ]

ورد في الأثر:
كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، عبدي أنت تريد، وأنا أريد، فإذا سلّمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلّم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد.

أوحى ربك إلى الدنيا أنه مَن خدمني فاخدميه، ومن خدمك فاستخدميه.
فالدنيا إذا أقبلتَ عليها وحدها تغرّ، وتضرّ، وتمرّ، هي دار من لا دار له، ولها يسعى من لا عقل له.

4) الحج والعمرة :

من أسباب الرزق المتابعة بين الحج و العمرة:ففي الحديث الذي رواه الإمام النسائي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

(( تَابِعُوا بين الحج والعمرة، فإنهما يَنْفِيان الذُنُوبَ والفقر كما ينفي الكيرُ خَبَثَ الحديد والذهب والفضةِ ))

[ من حديث صحيح، أخرجه الترمذي النسائي ]

هذا السبب الرابع. 

5) صلة الرحم :

لك أقارب، لك أخوات، لك بنات، لك عمات، لك خالات في أطراف المدينة، أنت حينما تصلهم، وتعطيهم، وتأخذ بيدهم، وتتولى شؤونهم، وترعاهم، وتهديهم إلى الله عز وجل، يزداد رزقك، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:

(( مَن سَرَّه أن يَبسُطَ اللهُ عليه في رِزْقِهِ، أو يَنْسَأ في أثرِه، فَلْيَصِلْ رحمه ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

المعنى: من سرّه أن يعظّم الله رزقه، وأن يمد في أجله فليصلْ رحمَه.
التواصل بين الأرحام، التواصل يعني أن تزورَهم، يعني أن تتصلَ بهم أولاً، ولو هاتفياً، ثم تزورهم، ثم تتفقد أحوالهم المعيشية والدينية والتربوية والاجتماعية، ثم تعينهم، ثم تأخذ بيدهم إلى الله، عندئذ يتولى الله أن يعطيك ما تريد.

6) الإنفاق والصدقات :

من أسباب الرزق الإنفاق في سبيل الله:

﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾

( سورة سبأ : 39)

وفي الحديث:

(( أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً ))

[ من حديث رواه الطبراني بإسناد حسن ]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( قال الله عز وجل: يا ابن آدم، أنفقْ أُنفِقْ عليك، وقال: يد الله ملآى، لا يَغيضُها نفقة، سحَّاء الليل والنهار ))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

أحد أسباب وفرة الرزق كثرة الإنفاق.

7) التواضع للمساكين :

عن مصعب بن سعد قال: رأى سعد رضي الله عنه أن له فضلاً على مَن دونه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

(( هل تُنصَرون وتُرزَقون إِلا بضعفائكم؟ ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ]

وأيضاً: 

(( أُبْغُوني ضُعَفَاءكم، فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

[ حديث صحيح، أخرجه أبو داود ]

8) الهجرة في سبيل الله :

من أسباب زيادة الرزق الهجرة في سبيل الله:
إذا كنت في بيئة تحول بينك وبين طاعة الله، تحول بينك وبين عبادة الله، أو تحول بينك وبين أولادك، أو تحول بينك وبين أولاد أولادك، أو تحول بينك وبين أولادِ أولاد أولادك فيجب أن تغادر هذا المكان، لأن علة وجودك في الأرض أن تعبد الله، فأيّ شيء حال بينك وبين عبادة الله ينبغي أن تهجره، والهجرة أحد أسباب الرزق الوفير.
إياكم أن تتوهموا أن الهجرة من بلد مسلم، تستطيع أن تقيم فيه شعائر الله، وتستطيع بشكل أو بآخر أن تنشئ أولادك على طاعة الله، إلى بلد ترتكب فيه المعاصي على قارعة الطريق، أن هذه هجرة، هي هجرة ولكن في سبيل الشيطان.
أما الهجرة التي في سبيل الرحمن، فأن تدع بلداً فيه ما تشتهيه النفس، وتلذ الأعين، وأن تغادره إلى بلد مصنَّف في العالم أنه بلد نامٍ، فيه صعوبات لا يعلمها إلا الله في كل مجالات الحياة، تؤثر مرضاة الله، وتصون دين أولادك، هذا المهاجر يقول الله عنه:

﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً ﴾

( سورة النساء : 100)

أي يجد رزقاً يرغم أنف من انتقده في هذه الهجرة.
أناس كثيرون يدَعون بلاداً غنية ومتقدمة بمفهوم العصر، ويعودون إلا بلادهم الإسلامية، فالذين حولهم هناك يتّهمونهم بالجنون، وأنهم سوف يفتقرون، ولكن الله يبشرهم أن الله سيرزقهم رزقاً يرغمون أنوف من انتقدهم في هذه الهجرة، فالهجرة أحد أسباب وفرة الرزق. 

9) إقامة شرع الله :

أيها الإخوة الكرام: استنباطاً من قوله تعالى:

﴿ ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ﴾

( سورة المائدة : الآية 66)

صقيع مسّ محافظات كثيرة، وصلت الحرارة إلى سبع أو عشر درجات تحت الصفر، فأتلفت كل الإنتاج، طاف عليها طائف من ربك وهم نائمون، انقطاع الأمطار خمسة أسابيع، في هذا الوقت الحرج ذهبت كل المحاصيل، الأمر بيد الله عز وجل، مع الله ليس هناك ذكي أبداً، هناك مستقيم.

10) التوبة :

أيها الإخوة الكرام:
أحد أسباب زيادة الرزق: التوبة:

﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾

( سورة هود : 3)

إذاً: التوبة النصوح أحد أسباب وفرة الرزق.

 

11) الدعاء :

ومن أسباب وفرة الرزق: الدعاء:
كان عليه الصلاة و السلام يقول في دعائه:

(( اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وعذاب القبر ))

[ حديث أخرجه ابن خزيمة بإسناد صحيح ]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( تعوذوا بالله من الفقر، والقلة، والذلة، وأن تظلِم، أو تظلَم ))

[ حديث صحيح، أخرجه النسائي ]

12) التقوى :

ومن أسباب زيادة الرزق: تقوى الله عز وجل:

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (*)وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ﴾

( سورة الطلاق 2-3)

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ ﴾

( سورة الأعراف : 96)

13) ذكر الله تعالى :

قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾

( سورة طه : 124)

يقابل ذلك:

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ ﴾

( سورة طه : 132)

14) التبكير إلى طلب الرزق :

أيها الإخوة الكرام:
من أسباب زيادة الرزق: التبكير إلى طلب الرزق:
واللهِ أيها الإخوة، مشكلة يعانيها أهل هذه البلدة، لا يكون عمل فيها قبل الساعة الحادية عشرة، الناس كلهم نائمون، المحلات التجارية مغلقة، حتى بعض كبار الموظفين لا أحد يتحرك قبل الساعة الحادية عشرة.
واللهِ في بلاد الكفر الساعة الخامسة صباحاً لا تجد مكاناً في الطريق، هؤلاء لا يعرفون الله، وهم يبكرون إلى أعمالهم، وهؤلاء المسلمون يمضون الوقت الذي ينبغي أن يمضيه الإنسان مع أهله ومع أولاده في السوق حتى ساعة متأخرة من الليل، والوقت الذي ينبغي أن يبكّر فيه إلى رزقه يمضيه في النوم، قال بعض الشعراء متهكماً:

ناموا ولا تستيقظوا ما فـاز إلا النُوم
ودعوا التفهم جانباً فالخير ألا تفهموا

هذه مشكلة كبيرة

عن صخر الغامدي رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( اللَّهُمَّ باركْ لأُمَّتِي في بُكُورِها ))

[ من حديث حسن، أخرجه أبو داود والترمذي ]

ما تفعله أحياناً من صلاة الفجر إلى الساعة الثانية لا تستطيع أن تفعله في النهار كله، حدثني عالم جليل أنه ألّف موسوعتين كبيرتين في التفسير وفي الفقه، وكل موسوعة تقترب من عشرين مجلداً، قال لي: واللهِ هذان المؤلَّفان الكبيران ألّفتهما فيما بين الفجر والساعة الثامنة، لمدة أربع سنوات، هذا الوقت الثمين وقت مبارك.

(( ولو يعلمون ما في العَتَمة والصبح لأتوهما ولو حَبْواً ))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

15) الإنفاق على طالب علم :

قد تستغربون:
النفقة على طالب العلم تزيد في الرزق:
على طالب العلم بالذات، هذا الذي جاء بلدكم ليطلب العلم ليعود خطيباً، ليعود داعيةً، ليعود مديرَ معهدٍ شرعي، ليعود مفتياً، هذا إكرامه، والإنفاق عليه، وإشعاره أنه في بلده، وبين أهله يزيد الرزق، والدليل:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال:

(( كان أخوان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أحدهما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر يحترف، فشكا المحترف أخاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لعلك ترزق به ))

[ حديث صحيح، أخرجه الحاكم في مستدركه ]

هذا دليل قطعي 

إما أن تكون داعية، أو أن تكون في خدمة داعية، في خدمة طالب علم أتى إلى هذا البلد الطيب، ونرجو الله أن يستمر بقاؤهم في هذا البلد إلى ما شاء الله.

16) شكر الله تعالى :

أيها الإخوة الكرام: أن تشكر الله عز وجل:
قد تكون مغموراً بنعم لا تعد ولا تحصى، أكبرها أنك في صحة تامة.
لو أن جهازاً من أجهزة جسمك تعطل لأصبحت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق.
لو أن الكليتين تعطلتا، كل أسبوع ثلاث جلسات لتصفية الدم، كل جلسة أربع ساعات، كل جلسة ثلاثة آلاف ليرة، تحتاج إلى أربعين ألف ليرة في الشهر، لو تعطلت إحدى الكليتين.
أحد أكبر النعم التي تتمتع بها نعمة الصحة، وأن الله عافاك في بدنك، وعافاك في حواسك الخمس، ومنحك القوة، تتحرك، ولا تستعين بأحد.
إن شكرت نعماً بين يديك حفظ الله لك هذه النعم، وزادك من فضله:

﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ ﴾

( سورة إبراهيم : 7)

أحد أسباب زيادة الرزق شكر النعم التي أنت فيها:
لك مأوى، وكم ممن لا مأوى له.
لك زوجة، وكم ممن لا زوجة له.
تتمتع بصحة، وكم ممن يعاني من آلام لا تحتمل، ولا يملك ثمن الدواء.

 

17) إتقان العمل :

أيها الإخوة الكرام:
لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ))

[ حديث أخرجه أبو يعلى فيه رجل مختلف فيه ]

أقول لكم هذه الحقيقة:
في وقت الكساد المتقنون لا يتعطلون، أما في وقت الرخاء والسعة الكلّ يعمل، أما المتقن فليس عنده ما يسمى البطالةَ إطلاقاً.

18) الصلاة :

قال تعالى:

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً ﴾

( سورة طه : 132)

ذكرتها مع الدعاء، لكن هي بند مستقل.

ثمانية عشر سبباً لزيادة الرزق.
هذا كلام خالق الأكوان، وكلام سيد ولد آدم، عليه أتم الصلاة والسلام.
هذا ديننا، دين وحييْن، دين كلام الله، ودين سنة رسوله، وما بعد هذه القوانين من قوانين.

أوهام وتصورات خاطئة :

هناك أقوال تطرح في قضية الرزق، أقوال لا تؤمن بالله عز وجل، يقولون: هناك مجاعة تنتظر البشر، هناك شح في المياه، هناك حرب على المياه، هناك حرب على القمح، هناك حرب على منابع النفط، هذا الكلام يصَدِّرونه لنا كي نضعف عن مقاومتهم.

 

أيها الإخوة الكرام، آخر شيء في هذه الخطبة أنه يوجد تصوّر سقيم خطأ عند الناس: مؤمن أيْ فقير فقط، كافر يعني غني.
لا، حبذا المال أصون به عرضي، وأتقرب به إلى ربي.
الإنسان إذا طلب الرزق الحلال، وكان الرزق وفيراً بين يديه، فخياراته في العمل الصالح لا تعدّ ولا تحصى، الخيارات التي أمامه في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، لذلك:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلّ خير، احرِصْ على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزْ، وإن أصابك شيء فلا تَقُل: لو أنَّي فعلتُ لكان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَّر الله وما شاءَ فَعَل، فإن، لو، تفتحُ عَمَلَ الشيطان ))

[ حديث صحيح، أخرجه مسلم ]

فإذا طلبت الرزق الحلال، وكان وفيراً كانت يدك هي العليا، واستطعت أن تهيمن على أسرتك بالإنفاق عليهم، وأن تضمهم إليك، وأن ترشدهم إلى ما فيه خيرهم.

وأخيراً :

أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
 

* * *

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، بقي موضوع قصير يتمم هذا الموضوع:

المستحبات في كسب الرزق :

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه علَيهِ وَسلّمَ:

(( أَيُّها النَّاس اتَّقوا اللَّه وَأَجملوا فِي الطَّلب، فَإنَّ نفساً لَنْ تَموت حتَّى تَستَوفِيَ رِزقَهَا، وَإنْ أَبْطَأَ عَنْهَا فَاتَّقوا اللَّه وَأجْملوا فِي الطَّلبِ، خُذُوا مَا حلَّ وَدَعوا مَا حَرُم ))

[ حديث صحيح، أخرجه ابن ماجة ]

أوضِّح لكم ذلك بمثال:
بستان فيه تفاح، لو قلنا: الشجرة السابعة، الغصن الرابع، الفرع الخامس فيه تفاحة، هذه لفلان، فلان مخير، إما أن يأكلها ضيافة، وإما أن يأكلها هدية، وإما أن يأكلها شراء، وإما أن يأكلها تسولاً، وإما أن يأكلها سرقة.
طريقة وصول الرزق إليك باختيارك، أما الرزق فهو لك، لذلك اصبر عن الحرام يأتِك الحلال، أعيد الحديث:

(( أَيُّها النَّاس اتَّقوا اللَّه وَأَجملوا فِي الطَّلب، فَإنَّ نفساً لَنْ تَموت حتَّى تَستَوفِيَ رِزقَهَا، وَإنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقوا اللَّه وَأجْملوا فِي الطَّلبِ، خُذُوا مَا حلَّ وَدَعوا مَا حَرُم ))

أيها الإخوة الكرام: هذا حديث دقيق جداً.

الآن: يستحب:

1) الإجمال في طلب الرزق :

الإجمال في طلب الرزق، واكتساب المعيشة:
ما معنى الإجمال؟
أن تهتم بطلب الحلال دون الحرام، لو جاءك رزق وفير فيه شبهة حرام اركله برجلك، ولا تعبأ، وقل: الله الغني.
وكذلك: عدم الإضرار بالنفس بتعريضها للمشاق والصعوبات الهائلة في طلب الرزق:
الإنسان يتوهم رزقه في الممنوعات، يغامر بحياته، يغامر بمصادرة أمواله كلها، يغامر أن يكون في السجن يوماً، ما كلفك الله فوق ما تطيق، من الإجمال في طلب الرزق عدم الإضرار بالنفس، وعدم تعريضها للمشاق والصعوبات الهائلة في طلب الرزق.

ومن الإجمال في طلب الرزق:
عدم ترك ما أراد الله من الإنسان من واجبات، أو مندوبات، أو عبادات، أو أعمال دينية، أو طلب علم.
أقول لكم هذه الكلمة: من كانت مهنته أو حرفته مشروعة، وسلك بها الطرق المشروعة، وابتغى بها كفاية نفسه وأهله، وخدمة المسلمين، ولم تشغله عن واجب، ولا عن فريضة، ولا عن عمل علمي، ولا عن عمل خيري انقلبت إلى عبادة، لذلك قالوا: عادات المؤمن عبادات، وعبادات المنافق سيئات.

2) إقالة النادم بيعته :

أيها الإخوة الكرام، من آداب كسب الرزق
إقالة النادم:

(( من أقال مسلماً بيعته أقاله الله عثرته يوم القيامة ))

[ حديث صحيح، أخرجه ابن حبان في صحيحه ]

أي: اشترى البضاعة، ما فتحها، لا زالت في علبتها، ولازالت مغلفة بغلاف الشركة، وندم على شرائها، أعطاك ثمنها كاملاً، يرغبك الشرع في إرجاعها:

(( من أقال مسلماً بيعته أقاله الله عثرته يوم القيامة ))

3) عدم التمييز بالأسعار :

عدم التمييز بالأسعار بين الزبائن:
هذا من آداب البيع والشراء، والالتزام بسعر موحد لكل المتعاملين.

أيها الإخوة، لكن لك أن تخفض السعر لقريبك أو لإنسان أخذ كمية كبيرة، هذا مشروع، أما هذا التذبذب في الأسعار فيشكّك في مصداقية البائع، وهو مسلم.

أن يعطى كيلاً راجحاً عند البيع والشراء، حذراً من بخس الناس أشياءهم، وحذراً من أن تكون من المطففين.

4) عدم التمسك بقيمة واحدة :

عدم التشدد في القيمة عند البيع:
يقول لك: الليرة قبل الألف، هذا تشدد.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

(( غَفرَ الله لرجل كان قبلكم، سهلاً إذا باع، سَهلاً إذا اشترى، سهلاً إذا اقتضى ))

[ حديث صحيح، أخرجه الترمذي ]

لا تتعنت في أداء ما عليك، ولا تعسِّر في مطالبتك لمن لك عليه دين.

5) المبادرة لأداء الصلاة :

المبادرة إلى أداء الصلاة في أول وقتها، وعدم التذرع بالانشغال بالتجارة أو الوظيفة.

6) ذكر الله :

ذكر الله تعالى في الأسواق، والمراكز التجارية، والاقتصادية، وذلك بتلاوة الأدعية والمأثورات.

 

الدعاء :

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك.
اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمةَ الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، أذلَّ أعداءك أعداء الدين يا رب العالمين.
اللهم شتت شملهم، فرق جمعهم، خالف فيما بينهم، اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين.
اللهم أرنا قدرتك بتدميرهم كما أريتنا قدرتهم في تدميرنا يا رب العالمين، إنك سميع قريب مجيب الدعاء. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور