وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطبة : 0342 - رمضان5 - كيد الشيطان - ماذا بعد رمضان ؟.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم ، رسول الله سيِّد الخلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر ، اللهمَّ صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريَّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر ، والطف بنا فيما جرت به المقادير ، إنك على كل شيءٍ قدير ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

عمل الشيطان يبدأ حينما يعقد الإنسان الصلح مع ربه :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ ورد في بعض الأحاديث الشريفة :

((إن الشياطين تُصَفَّد - أي تُقَيِّد - في رمضان))

[مشكاة المصابيح عن أبي هريرة ]

 ولك أن تفهم هـذا الحديث ، وهذا التصفيد أو هذا التقييد على نحوٍ أو آخر ، ولكن إذا أقبل الناس على طاعة ربهم ، وكفّوا أنفسهم عن المعاصي فهذا تقييدٌ للشياطين .
 بائعٌ يبيع سلعاً فاسدة ، إما أن يُغْلِقَ محله التجاري ، وإما أن ينصرف الناس عنه ، وبانصراف الناس عنه تقييدٌ لـه ، ما دامت الشياطين تُصَفَّدُ في رمضان ، المعنى المخالف لهذا الحديث يستنبط أن الشياطين حالها بعد رمضان غير حالها في رمضان .
 لذلك أردت أن تكون هذه الخطبة عما ورد في القرآن الكريم من آياتٍ بيِّناتٍ توضِّحُ ، وتبيِّن ، وتحذر ، وتنذر الإنسان إذا هو اتبع الشيطان ، الله سبحانه وتعالى يقول في مَعْرِضِ الحديث عن الشيطان قال :

﴿قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾

[سورة الأعراف: 14-16]

 هنا الوقفة . . لو أن الإنسان اتَّجه إلى الملاهي ، اتجه إلى الدور التي لا ترضي الله عز وجل ، اتجه إلى الأماكن ؛ أماكن اللهو ، اتجه إلى أكل المال الحرام ، اتجه إلى المعاصي ، فإن الشيطان لا يقربه إطلاقاً ، لماذا ؟ لأنه يُحَقِّق مراده .
 لكن متى يتحرك الشيطان ؟ متى يوسوس ؟ متى يخوّف ؟ متى يعد بالفقر ؟ متى يُغْري ؟ متى يُغْوي ؟ متى يخوِّف ؟ متى يوسوس ؟ متى يَعِدُ بالفقر ؟ متى ؟ إذا اتجه الإنسان إلى صراط الله ، إذا عقد العزم على التوبة ، إذا عقد الصُلْحَ مع الله ، إذا أقبل على مجالس العلم ، إذا اتجه إلى الله ، إذا أراد أن يطيع الله . حينما تنعقد في نفس الإنسان رغبةٌ في طاعة الله ، أو رغبةٌ في التوبة النصوح ، أو حينما يتَّجه اتِّجاهاً صحيحاً ، حينما يطبِّق منهج الله عز وجل ، حينما يحضر مجالس العلم ، حينما يرتاد المساجد ، حينما يتِّجه إلى تحجيب زوجته ، حينمـا يسعى إلـى إقامة شرع الله ، حينما يسعى إلى أن يكون بيته مسلماً ، يبدأ عمل الشيطان ؛ تبدأ وسوسته ، يبدأ تخويفه ، يبدأ إغراؤه ، يبدأ تضليله .

 

ازدياد إيمان الإنسان بازدياد وسوسة و إضلال الشيطان :

 يا أيها الأخوة الأكارم ؛

﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

[ سورة الأعراف : 16]

 هذا الصراط المستقيم ، إذا اتَّجه الإنسان إليه بدأ عمل الشيطان ، والحكمة من ذلك : الصادق يزداد بوسوسة الشيطان ، ويزداد بإغراء الشيطان ، ويزداد بتخويف الشيطان، ويزداد بإضلال الشيطان ؛ يزداد إيماناً ، وقرباً ، ورسوخاً ، وكأن الشيطان من حيث لا يريد ولا يشعر مَتَّنَ علاقته بالله عز وجل . فإذا كان في الإيمان ضعفٌ ، فإذا كان في النَفْس مرضٌ ، فإذا كان في العقيدة زَيْغٌ ، فإذا كان في الحياة خللٌ ، استحوذ عليهم الشيطان .
 تتمة هذه الآية :

﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾

[ سورة الأعراف : 16-17]

 معنى مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ أي من أمامهم . .

﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾

[ سورة الأعراف : 17]

 في المكان جهاتٌ ست ؛ الأولى : مِنْ فَوْقِهِمْ ، والثانية : مِنْ تَحْتِهِمْ ، والثالثة : مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهــِمْ - أمامهـم - والرابعـة : مِنْ خَلْفِهِمْ ، والخامسة : عَنْ أَيْمَانِهِمْ ، والسادسة : عَنْ شَمَائِلِهِمْ.

 

الجهات الأربع التي يدخل منها الشيطان على الإنسان :

 أبواب الشيطان على الإنسان من أربع جهات ، وليس ست جهات ، من بين أيديهم - من أمامهم - ومن خلفهم ، وعن أيمانهم ، وعن شمائلهم ، وكأن جهة " من فوقهم " هو الطريق الموصل إلى الله ، فمن فوق لا يستطيع الشيطان أن يأتيك من هذه الجهة ، إذا اتجهت إلى الله ، إذا استعذت بالله عز وجل ، إذا أقبلت عليه ، إذا عقدت العَزْمَ على طاعته ، إذا استلهمته ، إذا أحببتـه ، إذا اتَّصلت به ، كل هـذه الكلمات تعني أنـك اتَّجهت إليه ، كل هذه الكلمات تعني أن الطريق الذي فوقك إلى الله سالك ، الشيطان لا يستطيع بحال أن يأتيك من فوقك .
 وأما من تحتك فتعني العبودية لله عز وجل ، فما دمت عبداً لله تشعر بضعفك ، تشعر أنك لا شيء ، وأن الله هو كل شيء ، تشعر أنك فقير والله هو الغني ، تشعر أنك ضعيف والله هو القوي ، تشعر أنك لا تَعْلَم والله يَعْلَم ، إذا شعرتَ بضعفك ، إذا شعرت بفنائك ، إذا شعرت بعبوديتك ، فالشيطان لا يستطيع أن يأتيك من تحت . و " تحت " تعنـي العبودية لله عز وجل ، و " فوق " يعني الاتصال بالله عز وجل ، فلا إذا كنت متصلاً بإمكانه أن يغويك ، ولا إذا كنت معترفاً بعبوديتك بإمكانه أن يغويك ، ولكن من أين يأتيك ؟ يأتيك مِن بين يديك ، من أمامك ، تبحث عن الجديد ، تبحث عن غير المألوف ، تبحث عن علاقاتٍ غير علاقات الدين ، تبحث عن أنماطٍ في كسب الرزق غير الأنماط الشَرْعِيَّة ، تبحث عن مُتَعٍ ومباهج غير التي سمح الله لك بها ، تبحث من أمامك عن شيءٍ جديد ، ما دمت ترى الدين شيئاً لا يصلُح فهذا مأخذٌ خطير من مآخذ الشيطان ، تريد علاقةً مع النساء غير علاقتك مع زوجتك التي شَرَعَهَا الله عز وجل ، تريد أن تأخذ مالاً من طريقٍ ما أقرَّه الشرع ، تريد أن تعتقد اعتقاداً ما وَرَدَ في الدين ، تريد أن تبتدع شيئاً ليس من الدين ، تبتدع عقيدةً ، أو تبتدع سلوكاً ، أو تبتدع طريقاً ، أو تقليداً ، أو نمطاً هذا من أمامهم . .

 

أفكار يوسوس بها الشيطان في نفوس المؤمنين :

﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾

  الشيطان يوسوس ، إلا أن هذا الحرص الشديد هو من مُخَلَّفات الماضي ، هذا الخوف من الله شعورٌ مَرَضِيّ سببه ضعف الإنسان ، حينما كان يخشى الطبيعة هو الذي ابتدع فكرة الدين ، من خلفهم ، الفضائل ، القيَم ، الانضباط ، التَعَقُّل ، هذا من خلفهم ، هذا شيء ما فعله الآباء والأجداد من قبل ، ما كانوا مُسْتَبْصِرين ، ما كانوا متفتِّحين ، ما وصلوا إلى هذه الحضارة ، إلى هذا العلم ، الشيطان يدعوك إلى الجديد غير المُنْضَبِط مع الشَرِع ، يدعوك إلى أفكار جديدة ما أقرها القرآن وهو كتاب الله عز وجل ، يدعوك إلى أنماط في السلوك جديدة ، ما جاءت في سُنَّة النبي العدنان ، يدعوك إلى طريقةٍ لكسب المال ما أقرها الشرع ، تبحث عن الجديد ، وترفُض القديم ، وكأن : مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ تعني البِدَع ، و مِنْ خَلْفِهِمْ تعني هذه القيم الثابتة التي يصفها الشيطان لأوليائه بأنها تقاليدٌ وعاداتٌ باليةٌ مهترئة .

﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾

  حينما تطغى فكرةٌ على فكرة ، حينما تؤكِّد أن الإنسان هو كل شيء ، وكأنه إله الدنيا ، هذا عن أيمانهم ، وحينما تَسْحَق الإنسان هذا عن شمائلهم .
 يا أيها الأخوة المؤمنون . . . من جهات أربع يأتي الشيطان " من بيد أيديهم ، من خلفهم ، عن أيمانهم ، عن شمائلهم " وقد فسَّر بعض العلماء عَنْ أَيْمَانِهِمْ أن الشيطان أحياناً يقول لك : أنت لا تصلح للجنة ، الله لا يحبك ، والدليـل جعلك فقيراً ، نفسك مريضة . يوهِّن قواك ، يضعضع ثقتك بنفسك ، يريد أن يضلك ، يريد أن يشلك ، يريد أن يقعدك عن طاعة الله ، فيقول لك : أنت كتب عليك من قبل أن تخلق أنك لن تدخل الجنة ، أنت في مُلْك الله ، فأحياناً عقيدة الجَبْرِ إذا استحوذت على الإنسان جعلته مشلولاً ، الله عز وجل يقول :

﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾

[سورة الإنسان : 3]

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾

[سورة البقرة : 148 ]

﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾

[سورة الأنعام : 148 ]

 هذه عقيدة الشِرْك . .

﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾

 بمعنى أنه في طريقك إلى الله عز وجل يوهن قواك ، يضعضع ثقتك بنفسك ، يجعلك تيئس ، لن تصل ، طريق الإيمان يحتاج إلى أبطال ، طريق الإيمان يحتاج إلى أن تدع الدنيا كُلَّها ، من قال لك ذلك ؟ - طريق الإيمان يحتاج إلى أن تدع الزواج ، أن تدع العمل ، أن تسيح في بلاد الله ، هذه أفكار شيطانية - الشيطان من طـريق الإيمان يقـول لك : القضية منتهية ، الشقي شقي والسعيد سعيد ، لا تتعب نفسك . هذه كلها أفكار يوسوس بها الشيطان في نفوس المؤمنين مِن عن أيمانهم ، أو عن شمائلهم ، يغريهم بالمعصية ، يغريهم بالزنا ، يغريهم بشُرب الخمر ، يغريهم بالسرقة ، يغريهم بأكل المال الحرام .

 

تذمر الإنسان من نصيبه من الله عز وجل قربٌ من الشيطان :

 فيا أيها الأخوة المؤمنون ؛

﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾

  أما فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي فلها موضوع طويل يحتاج إلى خطبة مستقلة . .

﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾

  بمجرَّد أن يتجه الإنسان إلى الله ، بمجرد أن يَعْقِدَ العزم على الطاعة ، بمجرد أن يعقد العزم على التَوْبَة ، بمجرد أن يرتاد المساجد ، بمجرد أن يحضر مجالس العلم يبدأ عمل الشيطان؛ تخويفاً ، وتحذيراً ، ووعداً ، ووعيداً ، وإغراءً ، وتثبيطاً . .

﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾

[ سورة الأعراف : 17]

 لو التقيت مع إنسانٍ بعيدٍ عن الله عز وجل ، قريبٍ من الشيطان ، يكون غارقاً في النِعَم تجده يتذمَّر ، يشكو فساد السوق ، يشكو كساد البضاعة ، وهو في بحبوحةٍ وصحةٍ ، هو وأهله وأولاده ، قال عليه الصلاة والسلام :

((إذا أصبح أحدكـم آمناً في سربه ، معافىً في جسمه ، عنده قوت يومه ، فكـأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ))

[من الجامع الصغير عن عبد الله بن محصن ]

 فهذا الذي يتبرَّم دائماً ، يشكو دائماً ، يتمتع بأجهزةٍ تامَّة ؛ بعينين ، بأذنين ، بلسان ، بشفتين ، بقلـبٍ يَضُخُّ بانتظام ، بكليتين تصفيـان باستمرار علـى الدوام ، بمعدةٍ وأمعاء ، بغددٍ صماء ، بعضلاتٍ وشرايين ، بعظامٍ وأجهزة ، هذا الذي يشعر أنه آمنٌ في سربه معافىً في جسمه ، ويتذمر ، ويشكو ؛ كان يتوقع أن يربح كذا فلم يربح هذا المبلغ ، فهو في خسارة .

﴿وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾

  هذه الزوجة التي أكرمها الله بهذا الزوج ، وأسكنها في بيتٍ مُسْتَقِل ، وينفق عليها ، تتبرم من مساحة هذا البيت ، تتبرم من أثاث هذا البيت ، تتبرم من أن زوجها ليس غنياً ، هذه مع الشيطان :

((أية امرأةٍ سألت زوجها الطلاق من غير ما بأسٍ لم ترح رائحة الجنة))

[أحمد عَنْ ثَوْبَانَ]

((إني أكره المرأة تخرج من بيتها تشتكي على زوجها))

[ورد في الأثر]

 خرجت من بيتك ؛ لك بيتٌ يؤويك ، صغيرٌ أو كبير ، منخفضٌ أو مرتفع ، تملَّكته أو استأجرته ، لك مأوى تأوي إليه ، فهذا التذمُّر مما أعطاه الله في الدنيا ، التذمر بنصيبك من الله عز وجل ، هو قربٌ من الشيطان .

 

الاستعاذة بالله من الشيطان لا ينبغي أن تكون شكلية و لفظية :

 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛

﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾

[ سورة الأعراف : 16-17]

 الشيطان أيها الأخوة ضعيفٌ جداً ، لماذا هو ضعيفٌ جداً ؟ لأنك تَمْلِكُ سلاحاً بمجرد أن يأتيك الشيطان بإمكانك أن تحرقه ، يقول الله عز وجل :

﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

[ سورة الأعراف : 200]

 لمجرد أن تستعيذ بالله يولّي عنك الشيطان ، ولكن هذه الاستعاذة لا ينبغي أن تكون شكلية ، لا ينبغي أن تكون لفظية ، لا ينبغي أن تكون مجوَّفة ، لا ينبغي أن تكون استعاذةً لا تعني ما تقول . .

﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

[ سورة الأعراف : 200]

 قل : " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ، إذا جاءتك وسوسةٌ لا ترضي الله ، إذا جاءك خاطرٌ يدعوك إلى معصية ، إذا جاءك واردٌ يحثك على معصية ، يحثك على أكل مالٍ حرام قل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . من عمل الشيطان ؛ أن الشيطان ينسي ذِكْر الله عز وجل ، هذا الذي لا يذكر أصلى أم لم يصلِّ ، هذا الذي ينسى عباداته ، ينسى الأوامر والنواهي ، ينسى المناسبات الدينية ، ينسى أن عليه أن يحضر خطبة الجُمعة ، ينسى أن عليه أن يحضر مجلس العلم ، هذا الذي ينسى ذكر الله قال الله في حقه :

﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾

[سورة المجادلة : 19]

امتلاك المؤمن حساسية مُرْهَفَة إذا جاءته الخواطر الشيطانية :

 والإنسان أيها الأخوة إذا ارتكب حماقةً ، أو مخالفةً ، أو معصيةً ، أو جنوحاً ، أو انحرافاً ، بدافعٍ من وسوسة الشيطان ، ودفع الثمن باهظاً ، يأتي الجواب من القرآن :

﴿هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾

[سورة القصص : 15]

 إذا رأيت مجرماً قد أُعْدِم ، قل : هذا من عمل الشيطان أغراه أن يقتل ، ومنَّاه أن ينجو ، ووعده أن يَغْتَنِي ، أغراه بالقتل ، ومنَّاه بالنجاة ، ووعده بالغنى ، بعد ساعاتٍ قُبِضَ عليه، وحُكِم ، وعُلِّق على حبل المشنقة ، قل :

﴿هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾

[سورة القصص : 15]

 الإنسان أحياناً يكـون مع الشيطان ، فيوسوس له الشيطان أن يطلِّق زوجته ، يطلِّقها في ساعة غضب ، وبعد أن يشرد الأولاد ، و يبقى بلا زوجة ، يكون قد ظلمها ، وبالغ في ظلمها ، وانطلق في حركةٍ شيطانية ، عندئذٍ يقال له :

﴿هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾

[سورة القصص : 15]

 حينما يغريك الشيطان أن تأخذ ما ليس لك ، ويوهمك أنك تنجو ، فإذا وقعت في قبضة من يحاسبك قل :

﴿هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾

[سورة القصص : 15]

 من علامة الإيمان أيها الأخوة أن المؤمن يَمْلِكُ حساسيةً مُرْهَفَةً إذا جاءته الخواطر الشيطانية .

 

الزخرفة في عرض النظريات الباطلة التي تتناقض مع القرآن من عمل الشيطان :

 شيءٌ آخر . . قال تعالى :

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾

[سورة الأنعام : 112 ]

 أيْ إذا رأيت نظريةً تتناقض مـع القرآن ، وقد زُيِّنَت ببعض الأفكار ، وحُسِّنَت ببعض البراهين ، وعرضت عرضاً شيِّقاً ، وصيغـت كلماتها صياغةً أدبيةً ، هذه الزخرفة في عرض النظريات الباطلة التي تتناقض مع القرآن ، هذا من عمل الشيطان . .

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾

[سورة الأنعام : 112 ]

 وما من معصيةٍ إلا ويزيِّنها الشيطان للإنسان . .

﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾

[سورة الأنفال : 48 ]

﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾

[سورة الأنعام : 43]

 ما هو التزيين ؟ أن يعطي هذه المعاصي بَريقاً فيقول : هذه لباقة ، هذا انفتاح ، هذه مرونة ، هذا تَحَضُّر ؛ أن يجلس النساء في غرفة ، والرجال في غرفة هذا تخلُّف ، أما أن يجتمعا في بيتٍ واحدة ، في غرفة واحدة حيث يتبادلون أطراف الحديث ، وحيث يأنس بعضهم ببعضٍ ، هكذا ، الشيطان حينما يدعو إلى معصية يعطيك زينةً لَفْظِيَّةَّ ، يعطيك مبرراتٍ تبدو لك برَّاقة . .

﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾

[سورة الأنعام : 43]

 لكن المؤمن كيسٌ فطنٌ حذر ، فطنٌ إلى أن هذا السلوك لا يُقِرُّه القرآن ، فمهما عرض عليك بزينةٍ ، مهما عرض عليك بزُخْرفٍ ، مهما عرض عليك عرضاً شيقاً يجب أن تكون صاحياً ، أن تكون يقظاً ، هذا لا يرضي الله .

 

خذلان الشيطان للإنسان و التخلي عنه :

 والشيء الذي يُلْفِت النظر أن الشيطان حينما يدعُو الإنسان إلى عمل ، وكأنه يطمئنه على نتائجه ، فإذا استحق العقاب الإلهي المُدَمِّر تنحى عنه الشيطان ، وتخلى عنه ، وقال : إني بريءٌ منك ، إني أرى ما لا ترون ، إني أخاف الله رب العالمين ، وقال الله عز وجل :

﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً﴾

[سورة الفرقان : 29 ]

﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾

[سورة إبراهيم : 22]

﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً﴾

[سورة الفرقان : 29 ]

 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ يوم تنكشف الحقائق ، وتتضح الأمور ، كما قال الله عز وجل :

﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾

[سورة ق : 22]

 هذه الساعة يندم فيها الإنسان أشد الندم ، ولات ساعة مَنْدَم ، أيْ الساعة تلك ساعة ندم ، ساعة عقاب ، ساعة دفع الثمن ، يقول الله عز وجل :

﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾

[سورة يس: 60-62]

 البطولة أيها الأخوة ألا تعمل عملاً تندم عليه ، إذا عملت عملاً ، وقفت موقفاً ، سلكت سلوكاً ، اعتقدت عقيدةً ، فعلـت شيئاً ، اقتربت من شيء ، ابتعدت عن شيء ، البطولة ألا تندم على ما تفعل ، وإلا هو الحمق بعينه أن ترتكب عملاً ثم تندم عليه .

 

أي انحرافٍ عن شرع الله تغييرٌ لخلق الله عز وجل :

 حتى أن الله عز وجل حينما صمم الحياة ، صمم نظام الزوجية ، حينما شَرَعَ لنا هذا الشَرْعَ الحنيف ، بيَّن لنا ما ينبغي ، وما لا ينبغي ، ما يجوز ، وما لا يجوز ، ما يسعدنا وما يشقينا ، فأي نمطٍ من الحياة مغايرٍ لأوامر الله عز وجل ، أي طريقةٍ من طُرق الحياة تقوم على أنقاض الدين ، هذا من تغيير خلق الله عز وجل ، حينما خَلَقَ الله الذَكَر والأنثى :

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾

[ سورة الليل : 1-3]

 المرأة كالرجل في التكليف وفي التشريف ، ولكن للمرأة طبيعة ، طبيعةٌ في عقلها، وطبيعةٌ في نفسها ، وطبيعةٌ في جسمها ، وطبيعةٌ في بُنْيَتِها ، وقد صُمِّمت المرأة من قِبَل الخالق جل وعلا كي تكون مربية الأجيال ، وكي تكون أماً رؤوماً ، وكي تكون في موضعٍ تخَرِّج الأبطال إلى المجتمع ، فإذا وضعت المرأة في موقعٍ آخر غير موقعها الطبيعي الذي خلقها الله له ، وضعت في موقعٍ آخر أصبحت سلعةً ، وضعت في موضعٍ آخر لا يليق بأنوثتها ، وضعت في موضعٍ آخر لا يليق بدورها الاجتماعي ، هذا من تغيير خلق الله عز وجل .
 حتى في وسائل كسب العَيْش ، إذا ابْتُدِعَت أساليب لكسب العيش ليست مطابقةً لما جاء في القرآن الكريم ، فهذا من تغيير خلق الله عز وجل ، حتى في وسائل الزراعة والصناعة وتصنيع المواد الغذائية ، إذا ابتدعت وسائل لا ترضي الله عز وجل ؛ كأن نصعق هذه الدابّة من دون أن نذبحها ، أي انحرافٍ عن شرع الله تغييرٌ لخلق الله عز وجل .

 

من خصائص الشيطان أنه ذكي جداً و مَرِنٌ :

 الشيطان أيها الأخوة ، كما قال الله عز وجل :

﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾

[سورة البقرة : 268 ]

 كلَّما اتجهت إلى إنفاق المال ، تحس أن قائلاً يقول لك : لا تنفق ، هذا المال أنت في أشدّ الحاجة إليه ، هذا المال أولادك أولى به . وقد يموت الإنسان ، وقد يرث أولاده أموالاً طائلة ، وقد ينفقون هذه الأموال في المعاصي والآثام ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :

((أندم الناس رجلان ؛ عالمٌ دخـل الناس بعلمه الجنة ، ودخل هو بعلمه النار ، وغنيٌ دخل ورثته بماله الجنة ، ودخل هو بماله النار))

[ورد في الأثر ]

 أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيـه ؟ قال : يا رب أنفقته على كل محتاجٍ ومسكين، لثقتي بأنك خيرٌ حافظاً ، وأنت أرحم الراحمين ، قال : عبدي أنا الحافظ لأولادك من بعدك ، وقال الله عز وجل لآخر : أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ قال : يا رب لم أنفق منه شيئاً على أحدٍ من بعـدي ، مخافة الفقر على أولادي من بعدي ، فقال : إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم .

﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾

[سورة البقرة : 268 ]

 يجب أن تعلموا علم اليقين أنه ما أنفقتم من نفقةٍ فإن الله يخلفه ، أي نفقةٍ تنفقها في سبيل الله ، الله سبحانه وتعالى تكفَّل في قرآنه الكريم أن يعوِّضها عليك أضعافاً مُضاعفة ، ومن صدق الله في الإنفاق أراه الله من آياته . .

﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾

[سورة البقرة : 268 ]

 أيها الأخوة الأكارم ؛ من خصائص الشيطان أنه ذكي جداً ، وأنه مَرِنٌ ، من دلائل ذكائه أنه لا يأمرك بالفحشاء ؛ بل يأمرك بمُمَهِّدات الفحشاء ، لا يأمرك بالزنا ، لكن يأمرك أن تطلق البصر في النساء ، لا يأمرك أن تأكل المال الحرام كله ، يأمرك بمالٍ قليل تأكله ، وهذا لا عتاب فيه ، قال تعالى :

﴿لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾

[ سورة النور: 21 ]

 من خطوةٍ صغيرة ، إلى أكبر منها ، إلى الهاوية ، من نظرةٍ ، إلى ابتسامةٍ ، إلى موعدٍ ، إلى لقاءٍ ، إلى فاحشة ، من درهمٍ ، إلى دينارٍ ، إلى مليون ، إلى ، إلى ، إلى مُحاكمة ..

﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾

[سورة الأنعام : 153]

 ورد في بعض الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

((إن إبليس طلاعٌ رصاد ، وما هـو من فخوخه - شباكه - بأوثق لصيده في الأتقياء من النساء ))

[الجامع الصغير عن معاذ ]

((النساء حبائل الشيطان ))

[من تخريج أحاديث الإحياء عن خالد بن زيد]

 شبكةٌ من شباكه الفعَّالة ، فلذلك المؤمن يخشى على نفسه المرأة أن تصرفه عن ذكر الله ، والمال الحرام أن يبعده عن طاعة الله .

 

اتباع الشيطان يبعد الإنسان عن طريق الحق مسافاتٍ شاسعة :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ ربنا سبحانه وتعالى يقول :

﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً﴾

[سورة النساء: 60]

 الضلال البعيد كأن تدخل في طريق غَلَط ، وتمشي فيه خمسمئة كيلو متر ، هذا ضلالٌ بعيد ، هناك إنسان يبتعد عن طريق الحق مسافاتٍ شاسعة . .

﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾

[سورة المائدة : 91]

الاستعاذة بالله تصرف الشيطان :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ تطمينٌ من الله عز وجل ، هذا التطمين وَرَدَ في بعض الآيات :

﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً﴾

[سورة النساء : 76]

 لمجرَّد أن تستعيذ بالله عز وجل ينصرف عنك الشيطان .

﴿إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾

[سورة الأعراف: 27]

﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾

[سورة الحجر : 42]

﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾

[سورة النحل : 99-100]

 أيها الأخوة الأكارم ؛ ورد في خطبة الوداع أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : " إن الشيطان يئس أن يعبـد فـي أرضكم - لن يُعْبَدَ الشيطان بعد الإسلام في الأرض- ولكن رضي فيما سوى ذلك ". بعض الروايات : " مما تحقرون من أعمالكم " هذه الصغائر ؛ يصافح، ينظر ، يظنها صغيرة ، فإذا هي كبيرة . وفي رواية أخرى : " ولكن رضي بالتحريش " عن طريق الغيبة والنميمة .

[من كنز العمال ]

 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ لذلك يقول الله عز وجل :

﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً﴾

[سورة الإسراء : 53 ]

 كان النبي عليه الصلاة والسلام يمشي مع زوجته السيدة صفية ، مرّ صحابي ، فقال عليه الصلاة والسلام لهذا الصحابي الجليل : يا فلان هذه زوجتي صفية .
 هكذا فعل النبي ، لذلك إذا أردت أن تقول كلمةً عن أخيك فاختر ألطف كلمة ، فاختر أدقَّ كلمة ، فاختر أحسن كلمة . .

﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً﴾

[سورة الإسراء : 53 ]

 اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً . والحمد لله رب العالمين

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

بطولة الإنسان أن يحافظ على المُكتسبات الجليلة التي حققها في رمضان :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ ليست البطولة أن ننتصر على النفس في رمضان ، ثم نخذَل أمامها بقية العام ، ولكن البطولة كل البطولة أن نحافظ على هذا النَصر على طول الدوران وتقلُّبات الزمان والمكان .
 ليس البطولة أن نضبط ألسنتنا في رمضان فننزهها عن الغيبة ، والنميمة ، وقول الزور ، ثم نطلقها بعد رمضان إلى حيث الكذب والبُهتان ، ولكن البطولة أن تستقيم منا الألسنة، وأن تصلح منا القلوب ما دامت الأرواح في الأبدان .
 ليست البطولة أن نغض أبصارنا عن محارم الله ، وأن نضبط شهواتنا غير المشروعة في رمضان ، ثم نعود إلى ما كنا عليه بعد رمضان ، إنا إذاً كالتي نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثاً ، ولكن البطولة أن تصوم جوارحنا عـن كل معصية في رمضان وبعد رمضان ، فلا تفطر حتى تلقى الواحد الديان . ليست البطولة أن نتحرى الحلال في رمضان ، خوفاً من أن يرد علينا صيامنا ، ثم نتهاون في تحرّيه بعد رمضان على أنه عادةٌ من عوائدنا ، ونمطٌ شائعٌ من سلوكنا ، ولكن البطولة أن يكون الورع مبدأً ثابتاً وسلوكاً مستمرة . ليست البطولة أن نبتعد عن المجالس التي لا ترضي الله إكراماً لشهر رمضان ، ثم نعود إليها وكأن الله ليس لنا بالمرصاد في بقية الشهور والأعوام . ليست البطولة أن نراقب الله في أداء واجباتنا وأعمالنا ما دمنا صائمين ، فإذا ودَّعنا شهر الصيام آثرنا حظوظ أنفسنا على أمانة أعمالنا وواجباتنا .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ مثل هذا الإنسان لم يَفْقَه حقيقة الصيام ، ولا جوهر الإسلام ، إنه كالناقة عقلها أهلها ثم أطلقوها ، فلا تدري لِمَ عُقِلَتْ ولا لِمَ أُطْلِقَت ؟ لا لِمَ صام ولا لِمَ أفطر ؟
 ملخص الخطبة أيها الأخوة . . . المكاسب الجليلة التي حققتموها في رمضان بطولتكم في الحفاظ عليها ، بطولتكم في الاستمرار فيها ؛ إن في غض البصر ، وإن في أداء الصلوات في أوقاتها ، وإن في أداء صلاة الفجر ، وإن في قراءة القرآن ، وإن في إنفاق المال ، هذه المُكتسبات الجليلة التي حققتموها في رمضان من البطولة ، بل البطولة أن تحافظوا عليها بقية العام .

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَنا فيمن تولَيت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تهلكنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور