وضع داكن
20-04-2024
Logo
الحلقة : 4 - الوقت وأهميته.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 مستمعي الكرام ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، نحييكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج : "الإسلام والحياة" ، ويسرنا أن نلتقي اليوم مع فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق ، وخطيب جامع النابلسي ، أهلاً ومرحباً بكم .
الدكتور راتب :
 بكم أستاذ عدنان .
المذيع :
 تعلمون أن شهر رمضان الذي حط رحاله بيننا ، ونحن في مرحلة المغفرة فيه بإذن الله تعالى ، فهذا الشهر من خلال أن أوسطه مغفرة سبق في بدايته بالرحمة ، وينتهي إن شاء الله تعالى بأن يقبلنا جميعاً من عتقاء شهر رمضان المبارك ، هذا الشهر فيه أشياء كثيرة ، فيه تغييرات عديدة ، لكنها ترتقي بالإنسان وترتفع به ، من جملة هذه الأشياء الوقت ، والوقت في أصله شيء هام ، ولن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع ، من جملة هذه الأمور عن عمره فيم أفناه ؟ والعمر هو الوقت ، والصائمون في كثير من الأحيان نجدهم على أصناف متعددة ، منهم من يغير أوقات نومه وطعامه وشرابه ، ومنهم من يكون في محراب عبادته وفي محراب عمله على السواء ، محلقاً في هذا المجال ، وكل ذلك يرتبط بالوقت ، يمكن أن نتحدث عن هذا ؟

الزمن أثمن شيء يملكه الإنسان :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 أستاذ عدنان جزاك الله خيراً ، بادئ ذي بدء ارتقى النبي عليه الصلاة والسلام منبره ، فقال : آمين . فلما ارتقى الدرجة الثانية قال : آمين . فلما ارتقى الثالثة قال : آمين . فسألوه بعد الخطبة : على ماذا أمنت يا رسول الله ؟ قال : جاءني جبريل فقال لي : رغِم أنف عبدٍ أدرك رمضان فلم يغفر له ، إن لم يغفر له فمتى ؟
 وكأن الله سبحانه وتعالى اصطفى من الشهور كلها هذا الشهر الكريم ، ليشيع فيه الصفاء ، والأصل أن ينسحب هذا الصفاء على كل شهور العام ، فالإنسان في أدق تعاريفه بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، الإنسان في حقيقته زمان ، بل إن رأسماله هو الزمن ، بل إن أثمن شيء يملكه هو الزمن ، هو بضعة أيام ، لو أن الإنسان تأمل في ساعته ، كل ثانية تتحرك تقربه من هدفه ، إنه كائنٌ متحرك نحو هدفٍ ثابت ، فكل ثانية ، وكل دقيقة تقربه من هدفه ، ولو رجعنا قليلاً إلى مفهوم الزمن ، لو أننا رسمنا نقطة وحركناها شكلت خطاً ، لو أن الخط حركناه شكل سطحاً ، لو أن السطح حركناه لشكل حجماً ، لو أننا حركنا الحجم لشكل وقتاً ، قال العلماء : الوقت هو البعد الرابع للأشياء ، الأشياء المادية لها طول وعرض وارتفاع ، والزمن بعدها الرابع ، فحينما تتحرك تشكل زمناً ، فكأن الزمن مرتبط بالحركة ، والضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر ، فلو تصورنا شيئاً سار مع الضوء لأصبح ضوءاً، وهذه نظرية أينشتاين ، الأجسام إذا سارت مع الضوء أصبحت ضوءاً ، فالإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، القصة أن هذا الإنسان هو المخلوق الأول ، والمكَّرم والمكلَّف ، وحياته محدودة ، وخلق لا لهذه الحياة الدنيا المحدودة ، خلق لحياة أبدية فيها ما لا عينٌ رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فحينما يعرف الإنسان نفسه يعرف ربه ، حينما يعرف أنه مخلوق أول ، وقد خلق لجنة عرضها السماوات والأرض ، وجيء به إلى الدنيا من أجل أن يدفع ثمن الجنة ، إذاً هو في الدنيا يقيم إقامة محدودة ، هو بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، إلا أن القرآن الكريم في سورة جامعة مانعة ، قال عنها الإمام الشافعي : لو أن الناس تدبروا هذه السورة لكفتهم . الله جلّ جلاله في عليائه يقسم بمطلق الزمن ، لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن ، يقسم ويقول :

﴿ والْعَصْرِ ﴾

[سورة العصر : 1 ]

 والله عز وجل حينما يقسم ، الحقيقة أن العلماء اختلفوا في معنى القسم ، فالقرآن الكريم حينما يقسم ليلفت نظر الإنسان لعظم هذا الشيء الذي يقسم به ، فالعصر مطلق الزمن ، ولأن هذا المخلوق الأول هو الزمن إذاً أقسم الله بمطلق الزمن ، لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن ، فقال :

﴿ والْعَصْرِ ﴾

[سورة العصر : 1 ]

 ما جواب القسم ؟ قال :

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر : 2 ]

 الإنسان خاسر لا محالة بنص القرآن الكريم ، وبنص جواب القسم .

الإنسان خاسر لأن مضي الزمن يستهلكه :

 لو تساءلنا أية خسارة تلك ؟ الحقيقة أن مضي الزمن يستهلكه ، الإنسان الموفق لا يعد عمره عداً تصاعدياً ، بل يعده عداً تنازلياً ، يسأل : كم بقي لي ؟ وهناك أسئلة محرجة يتهرب الإنسان منها ، لو أن إنساناً سأل هذا السؤال : كم بقي لي ؟ ويا ترى هل بقي بقدر ما مضى ؟ لأنه من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة ، إذاً الله عز وجل يقسم بالزمن ، لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن ، ويؤكد له أنه خاسر ، لأن مضي الزمن يستهلكه ، لكن رحمة الله الواسعة اقتضت أن يعطيه وسائل أن يتلافى هذه الخسارة ، فقال :

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر: 3 ]

 أي أن الإنسان يمكن أن ينفق وقته بطريقتين ، إما أن ينفق وقته إنفاقاً استهلاكياً ، ويشرب ، ويستلقي ، ويستمتع بالحياة ، ويسمر بلا هدف ، هذا الإنفاق إنفاق استهلاكي ، متى يحس الإنسان بعظم خطئه ؟ عندما يقترب أجله ، لأنه ورد عن الحسن البصري أنه ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا بن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد ، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة .
 الإنسان حينما يستهلك وقته استهلاكاً يكون أشد الناس خسارة يوم القيامة ، ذلك أن هذه الحياة الدنيا مهما طالت هي رقم ، عاش الإنسان سبعين عاماً ، عاش ثمانين عاماً ، في النهاية رقم ، لو أن هذا افتراض بعيد جداً ، لو عاش الإنسان رقماً من السنوات يساوي أن نضع في الأرض واحداً وأن نتجه إلى الشمس ، وأن نضع كل ميليمتر صفراً لمسافة مئة وستة و خمسين مليون كيلو متر ، أي مئة وستة وخمسون مليون كم أصفار ، وكل ميليمتر صفر ؟ هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية فقيمته صفر ، لذلك هذه الدنيا دار من لا دار له ، ولها يسعى من لا عقل له ، هذه الدنيا وشيكة الانقضاء ، وشيكة الزوال ، فحينما نستهلك الوقت استهلاكاً نكون في بعد كبير عن حقيقة الإنسان ، الأولى أن ننفق الوقت استثماراً .
 أستاذ عدنان أحياناً الإنسان يبيع بيته ، ليجري عملية جراحية يتوهم أنها تمد في حياته بضع سنوات ، لو تعمقنا في هذه القضية لوجدنا أنه مركب في أعماق الإنسان أن الوقت أثمن من المال ، ها هو قد باع بيته وأصبح بلا بيت ، ليجري عملية بحسب توهمه أنها تمد في حياته بضع سنوات ، لو أن إنساناً وقف أمامنا وأمسك مئة ألف ليرة وأحرقها !! ماذا نحكم عليه ؟ نحكم عليه بالسفه ، قولاً واحداً ، إذا كان الوقت أثمن من المال ماذا نحكم على من يمضي وقته في القيل والقال ؟ في الغيبة والنميمة ؟ في كلام فارغ ؟ في معاص لا تنتهي ؟ إذاً نحكم على الذي يمضي وقته لغير ما خلق له أنه أشد سفاهة من الذي أحرق أمواله ، إذاً الله عز وجل يقول :

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر: 1-2]

 إما أن تنفق الوقت إنفاقاً استهلاكياً فأنت خاسر لا محالة ، وإما أن تنفقه إنفاقاً استثمارياً ، كيف أنفقه إنفاقاً استثمارياً ؟ لابد من أن تنفق الوقت بطريقة ينفعك هذا الإنفاق بعد مضي الوقت ، قال :

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر: 3]

معرفة الله والإيمان به :

 لابد من أن نعرف الله عز وجل ، لابد من أن نؤمن الإيمان الذي يحملنا على طاعة الله ، ولابد من أن نؤكد هذا الإيمان بالعمل الصالح

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾

 والعمل الصالح استقامة على منهج الله ، وخدمة للخلق :

﴿ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً ﴾

[ سورة مريم : 31]

 ثم لابد من أن أدعو إلى الله ، لأن الدعوة إلى الله في حدود ما أعلم ومع من أعرف فرض عين :

﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾

  والتواصي بالحق أحد أركان النجاة :

﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾

 بالصبر عن معاصي الله ، وعلى طاعة الله ، وعلى قضاء الله وقدره .

خاتمة وتوديع :

المذيع :
 في ختام هذا اللقاء كل الشكر لفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، الأستاذ المحاضر في جامعة دمشق كلية التربية ، والمدرس الديني في مساجد دمشق ، وخطيب جامع النابلسي ، شكراً لكم .
الدكتور راتب :
 شكراً أستاذ عدنان .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور