وضع داكن
19-04-2024
Logo
صور من حياة الصحابة - الندوة : 01 - الصحابي كعب بن مالك .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

المذيع:
 أيها الأخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحبا بكم مع بداية هذه الحلقة الجديدة من برنامج صور من حياة الصحابة يسعدنا أن نستضيف فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق، وأحد خطباء مدينة دمشق فضيلة الشيخ أوقاتكم ملئت بالخير إن شاء الله.
الأستاذ:
أهلاً بكم ومرحبا.
المذيع:
 أستاذ راتب قصة كعب بن مالك قصة لها وقعها وتأثيرها بداية لو سمحتم أن نلقي الضوء حول هذه الشخصية الفذة، من صحابة النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام، كعب بن مالك.
الأستاذ:
 أستاذ جمال لهذا الصحابي الجليل سيدنا كعب بن مالك قصة رائعة مع رسول الله يمكن أن نستنبط منها عشرات المواعظ، فقد قال هذا الصحابي الجليل، لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك، غير أني قد تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عنه، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين توافقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها، وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة.
المذيع:
أستاذ راتب ما هذا الصدق مع الله عز وجل ؟
الأستاذ:
 الحقيقة أخ جمال أن هذا الصدق هو الذي نجاه، الصدق منجاة ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورّى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة فغزها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفراً بعيداً ومفازاً واستقبل عدداً كثيراً فجل للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوتهم فأخبرهم وجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرٌ لا يجمعهم كتاب حافظ.
 قال كعب فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لم ينزل فيه وحي من الله تعالى وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال فأنا إليها أميل، فتجهز النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمون معه وطفقت أغدو لكي أتجهز معه فأرجع فلم أقض شيئاً، وأقول في نفسي أنا قادر على ذلك إذا أردت، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غادياً والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئاً، ثم غدوت ورجعت ولم أقض شيئاً، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارق الغزو فهممت أن أرتحل فأدركهم فيا ليتني فعلت، ثم لم يقدر ذلك لي فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم يحزنني أني لا أرى لي أسوةً إلا رجلاً مغموساً عليه في النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله تعالى من الضعفاء، ولم يذكرني النبي عليه الصلاة والسلام حتى بلغ تبوك، وكان هذا من عادته، كان عليه الصلاة والسلام يفقد أصحابه، قال وهو جالس في القوم في تبوك: ما فعل كعب بن مالك ؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه، والنظر إلى عطفيه، فقال له معاد بن جبل: لا يا رسول الله والله ما علمنا عليه إلا خيراً، كان أصحاب النبي يدافع بعضهم عن بعض أمام النبي.
المذيع: وهذا معنى الأخوة الصادق.
الأستاذ:
 والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً فسكت النبي عليه الصلاة والسلام، فبينما هو على ذلك رأى رجلاً يزور به الثراب فقال عليه الصلاة والسلام كن أبا خثيمة، فإذا هو أبو خثيمة الأنصاري وهو الذي تصدق بصاع تمر حينما هزمه المنافقون.
 قال كعب: فلما بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلاً من تبوك حضرني بثي، يعني حضرني حزني، فطفقت أتذكر الكذب، وأقول بماذا أخرج من سخط رسول الله غداً ؟ وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أضل قادماً زاح عني الباطل حتى عرفت أني لم أنج منه بشيء أبداً ـ موطن القصة شاهدها الكبير هذه الكلمة ـ فأجمعت صدقاً يعني قررت أن أكون صادقاً معه، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً، وكان إذا قدم من سفرٍ بدأ في المسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس بالناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون يعتذرون إليه كعادتهم ويحلفون كذباً وكانوا بضعاً وثمانون رجلاً، فقبل منهم عليه الصلاة والسلام أعذارهم وعلانيتهم وبايعهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى، لأن الله لا تخف عليه خافية، حتى جئت فلما سلمت تبسَم تبسُم المغضب ثم قال: تعالى فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي: ما خلفك ؟ ألم تكن قد ابتعت ظهراً ؟ قلت يا رسول الله والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر، لقد أعطيت جدلاً، يعني أعطيت قوة إقناع، عندي لسان طليق لقد أعطيت جدلاً ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذبٍ ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطنك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد به علي يعني تغضب مني إني لأرجو فيه عقب الله عز وجل، الآن يقول: والله يا رسول الله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى، ولا أيسر مني حينما تخلفت عنك هذا هو الصدق وهذا هو التوحيد، لو أنه اعتذر له بعذرٍ يرضيه لأوشك الله أن يسخطه عليه.
المذيع: صدق مع الله ورسوله.
الأستاذ:
 فقال عليه الصلاة والسلام: دقق في هذه الكلمة أخ جمال، قال عليه الصلاة والسلام: أما هذا فقد صدق، أشار إلى أن هؤلاء الثمانين الذين اعتذروا إليه هم كاذبون، أما هذا فقد صدق، قم حتى يقضي الله فيك، وسار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي والله ما علمناك أذنبت ذنباً قبل هذا، لقد عجزت في إلا أن تكون اعتذرت إلى النبي عليه الصلاة والسلام كما اعتذر به هؤلاء فقد كان كافيك ذنبك استغفار النبي عليه الصلاة والسلام لك، قال فوالله مازالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى النبي فأكذب عليه، ثم قلت لهم هل لقي هذا معي من أحد ؟ قالوا نعم، لقيه معك رجلان، قالا ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك، قلت من هما، قال مرارة بن ربيعة العمري، وهلال بن أمية الواقفي، قال فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً فيهما أسوة قال فمضيت حين ذكروهما لي، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلامنا نحن الثلاثة، من بين من تخلف عنهم قال فجتنبنا الناس، أو قال تغيروا لنا، حتى تنكرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض التي أعرف، فلبسنا على ذلك خمسين ليلةً فأما صاحبايا فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم، يعني أكثرهم شباباً، وأجلدهم فكنت أخرج وأشهد الصلاة، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه في رد السلام أم لا ؟ ثم أصلي قريباً منه، وأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتاده وهو ابن عمي، وأحب الناس إلي فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام، قلت له يا قتاده أنشدك الله هل تعلمني أحب الله ورسوله فسكت، فعدت فنشدته فسكت، فعدت فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار فبينما أنا أمشي في سوق المدينة إذ نبطي من أنباط أهل الشام، ممن قدم بالطعام يبيعه في المدينة، يقول: من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاءني فدفع إلي كتاباً من ملك الغسان، وكنت كاتباً، يعني كنت أقرأ فقرأته فإذا فيه، أما بعد، فإنا قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان، ولا مضيعة فالحق بنا نواسيك، فقلت حينما قرأتها، وهذه أيضاً من البلاء فتيممت بها التنور فسجرتها أي أحرقتها، حتى إذا مضت أربعون من الخمسين جاءني رسول من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لي: إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت أطلقها، أم ماذا أفعل ؟ قال لا بل اعتزلها فلا تقربنها، وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك، فقلت لامرأتي الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما يشاء، وفي صباح الليلة الخمسين من هذه القطيعة المرة، فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله منا.

﴿ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ﴾

( سورة التوبة: 118 )

 وسمعت صوت صارخ على جبل سلع يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر فخررت ساجداً، وعرفت أنه قد جاء الفرج، فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله عز وجل علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، فذهب قبل صاحبي يبشرون فركض رجل إلى فرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته، ثم دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول حتى صافحني، وهنئني، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره فكان كعب لا ينساها لطلحة، قال كعب فلما سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور، قال أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك، فقلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ قال بل من عند الله عز وجل وكان عليه الصلاة والسلام إذا سر استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك من رسول الله.

 

﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾

 

( سورة التوبة: 117 )

﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾

( سورة التوبة: 118 )

هذه قصة بنيت على الصدق.
وصدق الله العظيم، وصدق النبي الكريم، ورحم الله الصحابي الجليل كعب بن مالك.
 وأهلاً ومرحباً بفضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق، وأحد خطباء مدينة دمشق نشكركم أستاذ راتب أهلاً بكم ومرحبا.

تحميل النص

إخفاء الصور