وضع داكن
28-03-2024
Logo
صور من حياة الصحابة - الندوة : 03 - الصحابي زيد الخير
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

المذيع:
 أيها الأخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحبا بكم مع بداية هذه الحلقة الجديدة من برنامج صور من حياة الصحابة، يسعدنا أن نستضيف فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق، والمدرس الديني في مساجد دمشق، أستاذ راتب أهلاً بكم ومرحبا
الأستاذ:
أهلاً بكم ومرحبا.
المذيع:
 أستاذ راتب نسمع من خلال قراءتنا لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم نسمع عن اسمٍ أسمه زيد الخير، هذا الصحابي الجليل حبذا بداية لو نلقي الضوء ماذا تعني قصة زيد الخير ؟
الأستاذ:
قصة زيد الخير تعني تجسيدنا لحديث شريف، يقول عليه الصلاة والسلام: يا معاذ أخلص دينك يكفيك القليل من العمل.
فقصة زيد الخير تعني الإخلاص.
 لما بلغت أخبار النبي عليه الصلاة والسلام سمع زيد الخيل وهذا أسمه في الجاهلية، وقف على شيءٍ مما يدعو إليه، عندئذ أعد راحلته، ودعا السادة الخبراء من قومه إلى زيارة يثرب، ولقاء النبي عليه الصلاة والسلام، فركب معه وفد كبير من قومه، فيهم جر بن سدوس، فلما بلغوا المدينة، توجهوا إلى المسجد النبوي الشريف وأناخوا ركائبهم ببابه، وصادف عند دخولهم، أنه كان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، يخطب في أصحابه، من فوق المنبر فراعهم كلامه، وأدهشهم تعلق المسلمين به، وإنصاتهم له، وتأثرهم بما يقول، ولما أبصرهم النبي عليه الصلاة والسلام قال: ـ يخاطب المسلمين ـ إني خيرٌ لكم من العزى، ومن كل ما تعبدون، إني خيرٌ لكم من الجمل الأسود ؛ الذي تعبدونه من دون الله.
لقد وقع كلام الرسول صلوات الله وسلامه عليه في نفس زيد الخيل ومن معه موقعين مختلفين، فبعضهم استجاب للحق وأقبل عليه والبعض الآخر تول عنه واستكبر عليه، فريق في الجنة، وفريق في السعير.
 أما جر ابن سدوس، فما كاد يرى رسول الله صلوات الله عليه في موقفه الرائع، تحثه القلوب المؤمنة، وتحوطه العيون الحانية حتى دب الحسد في قلبه وملئ الخوف فؤاده، ثم قال لمن معه: إني لأرى رجلاً ليملكن رقاب العرب، والله لا أجعلنه يملك رقبتي أبداً، ثم توجه إلى بلاد الشام وحلق رأسه وانحرف.
 وأما زيد والآخرون فقد كان لهم شأنٌ آخر، فما إن انتهى النبي صلوات الله وسلامه عليه من خطبته، حتى وقف زيد الخيل بين جموع المسلمين، وكان من أجمل الرجال جمالاً، وأتمهم خلقة وأطولهم قامة، حتى إنه كان يركب الفرس، فتخط رجلاه على الأرض، وقف بقامته المشوقة وأطلق صوته الجهير وقال: يا محمد أشهد أنه لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
المذيع:
أستاذ راتب لقد استمعوا إلى كلام واحد، ووقفوا منه موقفين حبذا لو نوضح هذا المعنى.
الأستاذ:
 أخ جمال هذا يؤكد أن الإنسان مخير، لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يعصى مغلوباً، ولم يطع مكرهاً.
قال تعالى:

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3)﴾

( سورة الإنسان: 3 )

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾

( سورة البقرة: 148 )

﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾

سورة فصلت: 17 )

 لولا الإنسان مخير لما كان هناك من قيمة للجنة، ولا للطاعة ولا للثواب.
المذيع:
 شكراً جزيلاً على هذا الإيضاح أستاذ راتب، نعود والعود أحمد إلى قصة سيد الخير هذا الصحابي الجليل.
الأستاذ:
حينما سمع النبي هذا الكلام من زيد الخيل أقبل عليه وقال له من أنت ؟
قال له أنا زيد الخيل.
 فقال عليه الصلاة والسلام: بل أنت زيد الخير، غير اسمه بل أنت زيد الخير، لا زيد الخيل، الحمد لله الذي جاء بك من سهلك وجبلك ورقق قلبك للإسلام.
 فعرف بعد ذلك بزيد الخير، ثم مضى به النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله ومعه عمر بن الخطاب، ولفيف من الصحابة الكبار فلما بلغوا البيت طرح الرسول صلى الله عليه وسلم له متكئاً، فعظم على زيد أن يتكئ في حضرة النبي فرد المتكئ، ومازال النبي يعيده وزيد يرده تأدباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المذيع:
 أستاذ راتب السؤال الذي يتبادر إلى الذهن من خلال سماع قصة هذا الصحابي الجليل زيد الخير، السؤال هنا أيعقل أن يتأدب بأدب الإسلام ولم يمضي على إسلامه إلا وقت قصير ؟ يا ليت نوضح هذا المعنى، وهذا السر، في الموضوع ؟
الأستاذ:
 أخ جمال: المؤمن إذا صدق في إيمانه، يحرق المراحل ولا يقطعها، فحينما يخلص الإنسان في معرفة الله، وحين يتوجه إليه بصدق يجد أن الزمن قد فقد معناه، وأصبح في طريق سريعٍ إلى الله عز وجل.
ولما استقر بهم المجلس قال النبي صلى الله عليه وسلم لزيد الخير:
يا زيد الخير.
ما وصف لي رجل قط، ثم رأيته، إلا وكان دون ما وصف إلا أنت يا زيد.
ثم قال له يا زيد: إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله.
قال وماهما يا رسول الله ؟
قال الأناة، والحلم.
 فقال زيد: الحمد لله الذي جعلني على ما يحب الله ورسوله ثم التفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أعطني يا رسول الله ثلاثمائة فارس، وأنا كفيل لك، بأن أغير بهم على بلاد الروم، وأنال منهم.
فأكبر النبي الكريم همته هذه وقال له: لله درك يا زيد، أي رجل أنت ؟
 ثم أسلم مع زيد جميع من صحبه من قومه، ولما هم زيد بالرجوع هو ومن معه إلى ديارهم في نجد، ودعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أي رجل هذا ! كم سيكون له من الشأن لو سلم من وباء المدينة، وكانت المدينة المنورة أنذاك موبوءةً بالحمة، فما إن بارحها زيد الخير حتى أصابته فقال لمن معه جنبوني بلاد قيس فقد كانت بيننا حماسات من حماقات الجاهلية، ولا والله لا أقاتل مسلماً حتى ألقى الله عز وجل.
المذيع:
 أستاذ راتب من خلال هذا الحديث، ومن خلال الصفتين الكريمتين اللتين وصف بهما رسول صلى الله عليه وسلم، زيد الخير بالحلم، والأناة، يا يليت نسلط الضوء على هاذين المعنيين.
الأستاذ:
أخ جمال:
 الأناة ؛ الهدوء، والتوءدة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: لا يكون الفرق في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شأنه، في العجلة الندامة، وفي التأني السلامة، فالأناة أن تكون هادئاً، متبصراً متأملاً، لا تتخذ قراراً بسرعة ارتجالاً، بل تعد لكل شيء عدته وتهيئ لكل كلام حكمته، هذا ما تعنيه الأناة.
 أما الحلم هو سيد الأخلاق، وكاد الحليم أن يكون نبياً، وكأنما مكارم الأخلاق جمعت في الحلم، والحلم من أخلاق الأنبياء، ولعل الحلم هو الذي يميز المؤمن عن غير المؤمن.
المذيع:
إذاً نعود لو سمحتم إلى صور من حياة الصحابة، والصحابي الجليل زيد الخير.
الأستاذ:
 تابع زيد الخير سيره نحو ديار أهله في نجد، على الرغم من أن وطئت الحمى كانت تشتد عليه ساعة بعد أخرى، فقد كان يتمنى أن يلقى قومه، وأن يكتب الله لهم الإسلام على يده، وطفق يسابق المنية والمنية تسابقه لكنها ما لبثت أن سبقته فلفظ أنفاسه الأخيرة في بعض طريقه، ولم يكن بين إسلامه وموته متسع بأن يقع في ذنب.
أخ جمال قيمة العمل في الإخلاص، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
 إنما الأعمال في النيات وإنما لكل امرأ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو وامرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.
 الإخلاص ينفع معه قليل العمل وكثيره، وعدم الإخلاص لا ينفع معه لا كثيره ولا قليله، أخلص دينك يكفك القليل من العمل، رب درهم سبق ألف درهم، الإخلاص عبادة القلب، الجوارح تعبد الله حينما تمتثل أمر الله، أما القلب يعبد القلب بإخلاصه، والمخلصون نخبة عباد الله الصالحين.
المذيع:
 أستاذ راتب النابلسي من خلال قصة زيد الخير يتبين أن صور رائعة ملئها الخير، والنبل، والسماحة، صور من حياة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 أهلاً ومرحباً بفضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق، والمدرس الديني في مساجد دمشق، أستاذ راتب أهلاً بكم ومرحبا

تحميل النص

إخفاء الصور