وضع داكن
20-04-2024
Logo
صور من حياة الصحابة - الندوة : 16 - الصحابي عدي بن حاتم الطائي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أ. جمال: أستاذ راتب، السؤال الذي ورد إلى بالنا ونحن نتحدث عن صحابةٍ أجلاء هم ملء العين دائماً، عديُّ بن حاتم الطائي شخصيةٌ فذَّة سمعنا عنها الكثير وقرأنا عنها، اليوم إذا سمحتم من هو عديُّ بن حاتم الطائي ؟
 أ. راتب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، إن عدي بن حاتم الطائي ملكٌ من ملوك العرب، لان للإيمان بعد إعراضٍ وصد، وأعطى الطاعة للرسول عليه الصلاة والسلام بعد إيباءٍ، عدي بن حاتم ورِث الرئاسة عن أبيه فملَّكته طيٌ عليها، وفرضت له الربع في غنائمها، وأسلمت إليه القياد، ولما صدع الرسول الكريم بدعوة الهدى والحق، ودانت له العرب حياً بعد حي، رأى عديٌ في دعوة النبي عليه الصلاة والسلام زعامةً توشك أن تقضي على زعامته، ورياسةً ستفضي إلى إزالة رياسته، فعادى النبيّ صلى الله عليه وسلم أشد العداوة وهو لا يعرفه، وأبغضه أعظم البغض قبل أن يراه، وظل على عداوته للإسلام قريباً من عشرين عاماً، حتى شرح الله صدره لدعوة الهدى والحق.
 أ. جمال: أستاذ راتب النابلسي، وما دام عدي بن حاتم الطائي على هذه العداوة والبغضاء للنبي الأعظم عليه الصلاة والسلام، السؤال الذي يطرح ذاته كيف أسلم هذا الصحابي الجليل ؟
 أ. راتب: يا أخ جمال لإسلام هذا الصحابي الجليل قصةٌ لا تُنسى، فالنترك للرجل نفسه الحديث عن قصته، فهو بها أولى وبرِوايتها أجدر.
يقول عديُ بن حاتم: ما من رجلٍ من العرب كان أشد مني كراهةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمعت به، فقد كنت امرأً شريفاً وكنت أسير في قومي بالمرباع، فآخذ الربع من غنائمهم كما كان يفعل غيري من ملوك العرب، فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته، ولما عظُم أمره واشتدت شوكته، وجعلت جيوشه وسراياه تُشَرِّق وتُغَرِّب في أرض العرب، قلت لغلامٍ لي يرعى إبلي: لا أبا لك أعدد لي من إبلي نوقاً سماناً سهلة القياد واربطها قريباً مني، فإن سمعت بجيش محمدٍ، أو بسريةٍ من سراياه، قد وطأت هذه البلاد فأعلمني، وفي ذات غداةٍ أقبل علي غلامي وقال: يا مولاي ما كنت تنوي أن تصنعه إذا وطأت أرضك خيل محمدٍ فاصنعه الآن، فقلت: ولما ثكلتك أُمك ؟ فقال : إني قد رأيت راياتٍ تجوس خلال الديار، فسألت عنها فقيل لي: هذا جيش محمدٍ.
 فقلت له: أعدد لي النوق التي أمرتك بإعدادها وقرِّبها مني، ثم نهضت لساعتي فدعوت أهلي وأولادي إلى الرحيل عن الأرض التي أحببناها، وجعلت أُغِدُّ السير إلى بلاد الشام لألحق بأهل ديني وأنزل بينهم، وقد أعجلني الأمر عن إستقصاء أهلي كلهم، فلما إجتزت مواضع الخطر تفقدت أهلي فإذا بي قد تركت أختاً لي في مواطننا في نجدٍ مع من بقي هناك من طي، ولم يكن لي من سبيلٍ إلى الرجوع إليها، فمضيت بمن معي حتى بلغت الشام وأقمت فيها بين أبناء ديني، وأما أُختي فقد نزل بها ما كنت أتوقعه، لقد بلغني وأنا في ديار الشام أن خيل محمدٍ صلى الله عليه وسلم أغارت على ديارنا، وأخذت أُختي في جملة من أخذته من السبايا وسيقت إلى يثرب.
أ. جمال: أستاذ راتب، ما حال أُخته وقد وقعت في أسر أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ؟
 أ. راتب: الحقيقة يا أخ جمال، وضعت أُخته مع السبايا في حظيرةٍ عند باب المسجد، أخته أسمها سفَّانة، وضعت مع السبايا في حظيرةٍ عند باب المسجد، فمر بها النبي عليه الصلاة والسلام، فقامت إليه وقالت: يا رسول الله هلك الوالد، وغاب الوافد فمنن عليَّ من الله عليك، فقال: ومن وافدك ؟ فقالت: عدي بن حاتم، فقال: الفار من الله ورسوله، ثم مضى النبيّ عليه الصلاة والسلام وتركها، فلما كان الغدو مرّ بها فقالت له مثل قولها بالأمس، فقال لها مثل قوله، فلما كان بعد الغد مرة بها وقد يئست منه فلم تقل شيئاً، فأشار إليها رجلٌ من خلفه أن قومي إليه وكلميه، فقامت إليه وقالت: يا رسول الله هلك الوالد، وغاب الوافد، فمنُن علي منَّ الله عليك، فقال: قد فعلت. فقالت: إني أُريد اللحاق بأهلي في الشام، فقال عليه الصلاة والسلام: ولكن لا تعجلي بالخروج حتى تجدِ من تثقين به من قومك ليبلِّغك بلاد الشام، فإذا وجدت الثقة فأعلنيني، ولما انصرف النبيّ عليه الصلاة والسلام، سألت عن الرجل الذي أشار إليها أن تكلمه فقيل لها: إنه عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه، ثم أقامت حتى قدم ركبٌ فيهم من تثق به، فجاءت النبي عليه الصلاة والسلام وقالت: يا رسول الله لقد قدم رهطٌ من قومي لي فيهم ثقةٌ وبلاغ، فكساها النبي صلوات الله عليه ومنحها ناقةً تحملها وأعطاها نفقةً تكفيها، فخرجت مع الركب.
أ. جمال: أستاذ راتب السؤال الذي يطرح نفسه الآن ماذا فعل أخوها بعد أن علم أن أُخته في الأسر ؟
 أ. راتب: الحقيقة كان أخوها متألماً أشد الألم، قال عديٌ: ثم جعلنا بعد ذلك نتنسم أخبارها، ونترقب قدومها ونحن لا نكاد نصدق ما روي لنا من خبرها مع محمدٍ، وإحسانه إليها كل ذلك الإحسان مع ما كان مني تجاهه، فوالله إني لقاعدٌ في أهلي إذ أبصرت امرأة في هودجها تتجه نحونا، فقلت: إبنة حاتم، فإذا هي هي، فلما وقفت علينا بادرتني بقولها: القاطع الظالم، لقد احتملت بأهلك وولدك وتركت بقية والدك وعورتك، فقلت: أي أُخية لا تقولي إلا خيراً، وجعلت أسترضيها حتى رضيت، وقصَّت عليّ خبرها، فإذا هو كما تناهى إلي، فقلت لها: وكانت امرأة حازمةً عاقلة، ما ترين في أمر الرجل ؟ أي محمد عليه الصلاة والسلام، فقالت: أرى والله أن تلحق به سريعاً، فإن يكن نبياً فللسابق إليه فضله، وإن يكن ملكاً فلن تذل عنده وأنت أنت، فقال عدىٌ: هيَّأت جهازي، ومضيت حتى قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة من غير أمانٍ ولا كتابٍ، وكان بلغني أنه قال: إني لأرجو أن يجعل الله يدَ عديٍ في يدي، فدخلت عليه وهو في المسجد فسلمت عليه، فقال: من الرجل ؟ فقلت: عدي بن حاتم، فقام إلي وأخذ بيدي وانطلق بي إلى بيته، فو لله إنه لماضٍ بي إلى البيت إذ لقيته امرأة ضعيفةٌ كبيرة ومعها صبيٌ صغير فاستوقفته، وجعلت تكلِّمه في حاجته لها، فظل معها حتى قضى حاجتها وأنا واقف، ألم تقل له أخته: إما أنه نبي وإما أنه ملك، فقلت في نفسي: والله ما هذا بملك، ثم أخذ بيدي ومضى بي حتى أتينا منزله، فتناول وسادةً من أدمٍ محشوةٍ ليفاً، فألقاها إلي وقال: اجلس على هذه، فاستحييت منه وقلت: بل أنت تجلس عليها، قال: بل أنت، فامتثلت وجلست عليها، وجلس النبي صلى الله عليه وسلم على الأرض، إذ لم يكن في بيته سِوى هذه الوِسادة، فقلت في نفسي: والله ما هذا بأمر ملك، ثم التفت إلي وقال: إيهِ يا عديُ بن حاتم، إيهِ أي تكلم، ألم تكن رُكوسياً ؟ قلت: بلى. قال: ألم تكن تسير في قومك بالمرباع فتأخذ منهم ما لا يحل لك في دينك ؟ فقلت: بلى، وعرفت أنه نبيٌ مرسل يعلم ما يجهل، ثم قال لي: لعلك يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما تراه من حاجة المسلمين وفقرهم، فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ولعلك يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من قلة المسلمين وكثرة عدوهم، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف أحداً إلا الله، ولعلك إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين أنك ترى أن المُلك والسلطان في غير المسلمين، ويم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فُتحت عليهم، وأن كنوز كسرى بن هرمز قد صارت إليهم، فقلت: كنوز كسرى بن هُرمز ؟ فقال: نعم كنوز كسرى بن هُرمز، قال عدي:عندئذٍ شهدت شهادة الحق وأسلمت.
 أ. جمال: رضي الله تعالى عن هذا الصحابي الجليل أستاذ راتب، كيف انتهت حياة عدي بن حاتم الطائي ؟
 أ. راتب: الأخ جمال، سيدنا عدي بن حاتم عُمِّر طويلاً وكان يقول: لقد تحققت إثنتان وبقيت الثالثة وإنها والله لا بدَّ كائنة، فقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف شيئاً حتى تبلغ هذا البيت، وكنت في أول خيلٍ أغارت على كنوز كسرى وأخذتها، وأحلف بالله لتجيئن الثالثة، ولقد شاء الله أن يحقق قول نبيه عليه الصلاة والسلام فجاءت الثالثة في عهد الخليفة الزاهد العابد عمر بن عبد العزيز، حيث فاضت الأموال على المسلمين حتى جعل مناديه ينادي على من يأخذ أموال الزكاة من فقراء المسلمين فلم يجد أحداً، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 أ. جمال: أهلاً ومرحباً بفضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية جامعة دمشق، وخطيب جامع النابلسي بدمشق، والمدرس الديني في مساجد دمشق أيضاً، أهلاً بكم فضيلة الشيخ، نشكركم على هذه الإضاحات والأضواء التي ألقيتموها حول الصحابي الجليل عدي بن حاتم الطائي، نشكركم.

تحميل النص

إخفاء الصور