وضع داكن
18-04-2024
Logo
صور من حياة الصحابة - الندوة : 19 - الصحابي سلمة بن قيس الأشجعي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أ. جمال: أستاذ راتب قرأنا وتابعنا عن سيدنا الصحابي الجليل سلمة بن قيس الأشجعي، صفاتٌ كريمة، وأعمال حميدة قام بها هذا الصحابي الجليل، لو سمحتم إطلاع الإخوة المستمعين على سلمة بن قيس الأشجعي.
 أ. راتب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، قصة هذا الصحابي الجليل أساسها، أن سيدنا الفاروق رضي الله عنه كان يجول في المدينة، وكان خلال تجواله وتطوفه، يستعرض في ذهنه الأنجاد الأمجاد من صحابة رسول الله ليعقد لواحدٍ منهم الراية على الجيش الذاهب لفتح الأهواز، ثم ما لبث أن هتف قائلاً: ظفرت به، نعم ظفرت به إن شاء الله تعالى، ولما طلع عليه الصباح، دعا سلمة بن قيس الأشجعي وقال له: إني وليتك على الجيش المتوجه إلى الأهواز، فسر بسم الله، وقاتل في سبيل الله من كفر بالله، وإذا لقيتم عدوكم من المشركين فادعوهم إلى الإسلام، فإن أسلموا فإما أن يختاروا البقاء في ديارهم ولا يشتركوا معكم في حرب غيرهم فليس عليهم إلا الزكاة، وليس لهم من الفيء نصيب، وإما أن يختاروا أن يقاتلوا معكم، فلهم مثل الذي لكم، وعليهم مثل الذي عليكم، فإن أبوا الإسلام فادعوهم إلى إعطاء الجزية، وادعوهم وشأنهم، واحموهم من عدوهم، ولا تكلفوهم فوق ما يطيقون، فإن أبوا فقاتلوهم فإن الله ناصركم عليهم، وإذا تحصَّنوا بحصنٍ ثم طلبوا منكم أن ينزلوا على حكم الله ورسوله فلا تقبلوا منهم ذلك، فإنكم لا تدرون ما حكم الله ورسوله، وإذا طلبوا منكم أن ينزلوا على ذمة الله ورسوله، فلا تعطوهم ذمة الله ورسوله، وإنما أعطوهم ذممكم أنتم، فإن ظفرتم في القتال فلا تسرفوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً.
 أ. جمال: هذه التعاليم أستاذ راتب النابلسي تعاليم سمحة، فيها القيم، وفيها الأخلاق، ما أجملها وما أروعها، نعود إلى سلمة وماذا قال ؟
أ. راتب: فقال سلمة: سمعاً وطاعةً يا أمير المؤمنين، فودعه عمر بحرارة، وشدَّ على يديه بقوة، ودعى له بضراعة، فلقد كان يقدِّر ضخامة المهمة التي ألقاها على عاتقه وعاتق جنوده، ذلك لأن الأهواز منطقةٌ جبليةٌ وعرة المسالك، حصينة المعاقل، واقعةٌ بين البصرة وتخوم فارس، يسكنها قومٌ أشداء، ولم يمكن للمسلمين بدٌ من فتحها أو السيطرة عليها ليحموا ظهورهم من هجمات الأعداء، ويمنعوهم من اتخاذها ميداناً لجنودهم.
مضى سلمة بن قيس على رأس جيشه الغازي في سبيل الله، غير أنهم ما كادوا يتوغلون قليلاً في أرض الأهواز حتى دخلوا في صراعٍ مرير مع طبيعتها القاسية، فقد طفق الجيش يعاني من جبالها النخرة وهو مصعدٌ، ويكابد من مستنقعاتها الموبوءة وهو مسهلٌ، ويصارع أفاعيها القاتلة وعقاربها السامة يقظان نائماً، لكن روح سلمة بن قيس المؤمنة الشفافة كانت ترفرف بأجنحتها فوق جنده فإذا العذاب عزبٌ وإذا الحزن سهلٌ، فلقد كان يتخوَّلهم بالموعظة التي تهزُّ نفوسهم هزاً ويترعوا لياليهم بأرج القرآن، فإذا هم مغمرون بضيائه، سابحون في لآلائه، ناسون ما مسهم من عناءٍ ونصب، إمتثل سلمة بن قيس لأمر خليفة المسلمين، فما إن التقى بأهل الأهواز حتى عرض عليهم الدخول في دين الله، فأعرضوا ونفروا، فدعاهم إلى إعطاء الجزية فأبوا واستكبروا، فلم يبق أمام المسلمين غير ركوب الأسنة فركبوها مجاهدين في سبيل الله راغبين بما عندهم من حسن السواب.
 دارت المعارك حامية اللظى مستطيرة الشرر، وأدى فيها الفريقان من ضروب البسالة ما لم تشهد له الحروب نظيراً إلا في القليل النادر، ثم ما لبثت أن إنجلت المعارك عن نصرٍ مؤزرٍ للمؤمنين المجاهدين لإعلاء كلمة الله، وهزيمةٍ منكرةٍ للمشركين أعداء الله.
 أ. جمال: أستاذ راتب النابلسي جميل هذا الحديث عن الصحابي الجليل سلمة بن قيس الأشجعي، لكن السؤال الذي يطرح ذاته الآن بعد أن وضعت الحرب أوزارها ماذا فعل سلمة ؟
 أ. راتب: أستاذ جمال لما وضعت الحرب أوزارها، بادر سلمة بن قيس إلى قسمة الغنائم بين جنوده، فوجد فيها حليةً نفيسةً، فأحب أن يتحف بها أمير المؤمنين، فقال لجنوده: إن هذه الحلية لو قسِّمت بينكم لما فعلت معكم شيئاً، فهل تطيب أنفسكم إذا بعثنا بها إلى أمير المؤمنين؟ فقالوا: نعم، فجعل الحلية في صفطٍ وندب رجلاً من قومه بني أشجع وقال له: امض إلى المدينة أنت وغلامك، وبشِّر أمير المؤمنين بالفتح، وأطرفه بهذه الحلية، فكان للرجل الأشجعي مع عمر بن الخطاب خبرٌ فيه عبرٌ وعظات.
 فلنترك الكلام له ليروي لنا خبره بنفسه، قال الرجل الأشجعي: مضيت أنا وغلامي إلى البصرة، فاشترينا راحلتين مما أعطانا سلمة بن قيس، وأوقرناهما زاداً، ثم يمنا وجهينا شطر المدينة، فلما بلغناها نشدت أمير المؤمنين فوجدته واقفاً يغدِّي المسلمين وهو متكيءٌ على عصاه كما يصنع الراعي، وكان يدور على القصاع، ويقول لغلامه يرفأ: يا يرفأ زد هؤلاء لحماً، يا يرفأ زد هؤلاء خبزاً، يا يرفأ زد هؤلاء مرقاً، فلما أقبلت عليه قال: إجلس، فجلست في أدنى الناس وقدِّم لي الطعام فأكلت، فلما فرغ الناس من طعامهم قال: يا يرفأ إرفع قصاعتك ثم مضى فتبعته، فلما دخل داره إستأذنت عليه فأذن لي، فإذا هو جالسٌ على رقعةٍ من شعرٍ متكيءٌ على وسادتين من جلدٍ محشوتين ليفاً، فطرح إلي واحدةً، فجلست عليها، وإذا خلفه سترٌ فالتفت نحو الستر وقال: يا أم كلثوم غداءنا، يعني إتينا بغدائنا، فقلت في نفسي: ماذا عسى أن يكون طعام أمير المؤمنين الذي خصَّ به نفسه ؟ فناولته خبزةً بزيتٍ عليها ملحٌ لم يدق، فإلتفت إلي وقال: كُل فامتثلت وأكلّت قليلاً وأكل هو، فما رأيت أحداً أحسن منه أكلاً، ثم قال: اسقونا، فجاءوا بقدحٍ فيه شرابٌ من سويق الشعير.
أ. جمال: أي نقيع.
 أ. راتب: نعم، فقال: أعطوا الرجل أولاً فأعطوني، فأخذت القدح فشربت منه قليلاً، إذ كان سويقي أطيب منه وأجود، ثم أخذه وشرب منه حتى روي، ثم قال: الذي الحمد لله الذي أطعمنا فأشبعنا وسقانا فأروانا. عند ذلك إلتفت إليه وقلت: جئتك برسالةٍ يا أمير المؤمنين، فقال: من أين ؟ فقلت: من عند سلمة بن قيس، فقال: مرحباً بسلمة بن قيس ومرحباً برسوله، حدثني عن جيش المسلمين ؟ فقلت: كما تحب يا أمير المؤمنين السلامة والظفر على عدوهم وعدو الله، وبشرته بالنصر، وأخبرته خبر الجيش جملةً وتفصيلاً فقال: الحمد لله أعطى فتفضَّل وأنعم فأجزل، ثم قال: هل مررت بالبصرة ؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: كيف المسلمون ؟ فقلت: بخيرٍ من الله، قال: كيف الأسعار عندكم ؟ فقلت: أسعارهم أرخص أسعارٍ، فقال: وكيف اللحم فإن اللحم شجرة العرب ولا تصلح العرب إلا بشجرتها ؟ فقلت: اللحم كثيرٌ وفير، فالتفت إلى الصفط الذي معي وقال: ما هذا الذي بيديك ؟ فقلت: لما نصرنا الله على عدونا جمعنا الغنائم فرأى سلمة فيها حليةً فقال للجند: إن هذه لو قسِّمت عليكم لما بلغت منكم شيئاً، فهل تطيبُ نفوسكم إذا بعثت بها إلى أمير المؤمنين ؟ فقالوا: نعم، ثم دفعت إليه بالصفط، فلما فتحه، ونظر إلى الأحجار الكريمة التي فيه من بين أحمر وأصفر وأخضر، وثب من مجلسه وجعل يده في خاصرته وألقى بالصفط على الأرض، فانتثر ما فيه ذات اليمين وذات الشمال، فجعلت أجمع ما انتثر من الصفط، ثم قال لي: قم غير محمودٍ لا أنت ولا صاحبك.
 فقلت: إئذن لي بمركبٍ يحملني أنا وغلامي إلى الأهواز فقد أخذ غلامك راحلتي، فقال: يا يرفأ أعطه راحلتين من إبل الصدقة له ولغلامه، ثم قال لي: إذا قضيت حاجتك منهما ووجدت من هو أحوج لهما منك فادفعهما إليه، قلت: أفعل يا أمير المؤمنين، نعم أفعل إن شاء الله تعالى، ثم إلتفت إلي وقال: أما والله لأن تفرَّق الجند قبل أن يقسم فيهم هذا الحلي لأفعلن بك وبصاحبك الفاقرة، فمضيت من توي حتى أتيت سلمة وقلت:............. انتهى الشريط.

تحميل النص

إخفاء الصور