وضع داكن
28-03-2024
Logo
صور من حياة الصحابة - الندوة : 23 - الصحابي حجاج بن علاط السلمي رضي الله عنه
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أيها الأخوة والأخوات بالخير طابت أوقاتكم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وهذه دعوة متجددة في هذا الشهر المبارك لنتابع حلقة جديدة من صور من حياة الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم الذي رباهم النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام .
أعزاءنا يسعدنا أن نستضيف فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق والمدرس الديني في مساجد دمشق وخطيب جامع النابلسي فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أستاذ جمال .
الحديث عن صحابي جليل اسمه الحجاج بن علاط السلمي، حديث بإذن الله سيكون محور حديثنا ولقاءنا في هذا اليوم كيف نبدأ عن سيدنا الحجاج تفضل .
 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين الصحابي الجليل الحجاج بن علاط السلمي له قصة نادرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قدم على رسول اله صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر، الحجاج بن علاط السلمي فأسلم وكان غنياً كثير المال فقال: يا رسول الله إن مالي عند امرأتي أم شيبة ومتفرق في تجار مكة فائذن لي يا رسول الله أن آتي مكة لأخذ مالي، والمال كما يقال شقيق الروح، والمال أيضاً ابتلاء بالمناسبة ليس نعمةً وليس نقمة إنما هو ابتلاء بل موقوف على طريقة إنفاقه، فإذا أنفق في طاعة الله كان نعمةً وأية نعمة وإذا أنفق في المعاصي والآثام كان نقمة وأية نقمة، فهو ليس نعمةً وليس نقمةً بل تحدد قيمته من خلال طريقة إنفاقه، فالإسلام استوعب الأغنياء والغني الشاكر ليس أقل أجراً من الفقير الصابر بل إن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف .
وكان عليه الصلاة والسلام حريصاً على أصحابه وحريصاً على مصالحهم، والمؤمن الذي يعطي هذا قوة للمسلمين والنبي عليه الصلاة والسلام طلب النخبة لأنهم يحملون معه بينما الأناس الذين لا يتمتعون بأي ميزة هم عبء أحياناً يكونون .
 فقال: يا رسول الله إن مالي عند امرأتي أم شيبة ومتفرق في تجار مكة فائذن لي يا رسول الله أن آتي مكة لأخذ مالي قبل أن يعلموا بإسلامي عندئذ لا أقدر على أخذ شيء منه، فأذن له النبي عليه الصلاة والسلام ثم قال الحجاج: يا رسول الله لابد من أن أقول وكان عليه الصلاة والسلام فطناً، أقول ماذا ؟ يعني أن أقول عليك كلاماً لا ترضاه من أجل أن يظنوا أني لست مسلماً حتى آخذ مالي قبل أن يعلموا بإسلامي، فأذن له النبي عليه الصلاة والسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: قل ما شئت، هذا من فرط رحمته بأصحابه ومن تواضعه الشديد، فقال الحجاج: فخرجت حتى إذا قدمت مكة وجدت بثنية البيضاء مكان قبل مكة رجالاً من قريش يستمعون الأخبار ويسألون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغهم أنه سار إلى خيبر لمحاربة اليهود وهي من أقوى قرى الحجاز، وهم يتجسسون الأخبار من الرهبان، طبعاً في ذلك الوقت ليس هناك اتصالات إعلامية ولا فاكس ولا شيء .
 لابد من أن نقف على أطراف المدينة لنستقي الأخبار من المسافرين ويسألون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغهم أنه سار إلى خيبر، إذاً هم يتجسسون الأخبار من الرهبان وكان بينهم تراهن عظيم على مائة بعير حول من سيغلب النبي الكريم مع أصحابه الكرام أم أهل خيبر، التراهن مائة بعير، فلما رأوا الحجاج ولم يكونوا قد علموا بإسلامه قالوا الحجاج والله عنده الخبر اليقين قالوا: يا حجاج إنه قد بلغنا أن القاطع قاتلهم الله يعنون به رسول الله قد سار إلى خيبر فقال الحجاج: عندي من الخبر ما يسركم، فاجتمعوا عليه يقولون: إيه يا حجاج فقال الحجاج: فقلت لهم لم يلقَ محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه قوماً يحسنون القتل مثلهم فهزم هزيمةً لم يسمع بمثلها وأسر محمد وقالوا لا نقتله حتى نبعث فيه إلى مكة فنقتله بين أظهرهم لمن كان أصاب من رجالهم، فانطلق هؤلاء الرجال فرحين أشد الفرح إلى أهل مكة فقيل لهم قد جاءكم الخبر هذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم ثم قال لهم الحجاج أعينوني على غرمائي أريد أن اقدم فأصيب من غنائم محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى هناك، فجمعوا إلي مالي على أحسن ما يكون ففشى ذلك بمكة وأظهر المشركون الفرح والسرور وانكسر من كان بمكة من المسلمين وسمع بذلك العباس بن عبد المطلب فجعل لا يستطيع أن يقوم من شدة حزنه بهذا الخبر، ثم بعث العباس إلى الحجاج غلاماً يقول له: يا حجاج الله أعلى وأجل من أن يكون الذي حدث حقاً .
 المسلم لا يقبل أن الله يتخلى عن نبيه، لا يقبل أن الله يتخلى عن أوليائه، بهذه البساطة الخبر رفضه عقلاً، فقال الحجاج للغلام: اقرأ على أبي الفضل السلام ـ أبي الفضل كانت كنيته ـ وقل له ليخلي لي بعض بيوته لآتيه بالخبر على ما يسره وأكتم عني، فأقبل الغلام وقال أبشر يا أبا الفضل، فوثب العباس فرحاً كأنه لم يمسه شيء وأخبره بذلك، فأعتقه العباس رضي الله عنه لوجه الله فرحاً بهذا الخبر وقال لله علي عتق عشر رقاب على هذا الخبر السار، فلما كان الظهر جاءه الحجاج وأخبره بالخبر الصحيح وناشد العباس أن يكتم عليه ثلاثة أيام فقال إني أخشى الطلب فإذا مضت ثلاث فأظهر أمرك وطالت على العباس تلك الأيام الثلاث، قالوا: دقيقة الألم ساعة وساعة اللذة دقيقة، طالت على العباس هذه الأيام الثلاث ثم عمد العباس رضي الله عنه إلى حلة فلبسها وتخلق بخلوق أي تطيب بنوع من الطيب وأخذ بيده قضيباً ثم أقبل يخطر حتى أتى مجالس قريش وهم يقولون إذا مر بهم لا يصيبك إلا الخير يا أبا الفضل، علموا أنه سمع الخبر واهتزت أركانه لهذا الخبر، هذا والله من التجلد بحر المصيبة، قال: كلا والله الذي حلفتم به لم يصبني إلا خير بحمد الله أخبرني الحجاج أن خيبر فتحها الله على يد رسوله صلى الله عليه وسلم وجرت فيها سهام الله وسهام رسوله وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت ملكهم، وإنما قال لكم ذلك ليخلص ماله منكم وإلا فهو ممن أسلم ورد الله الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين فقال: المشركون ألا يا عباد الله انفلت عدو الله يعنون حجاج أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن ولم يلبثوا أن جاءهم الخبر الدقيق .
أستاذ جمال

 هذه القصة يمكن أن نستنبط منها بعض الحقائق الحقيقة الأولى تتعلق بسنة من سنن الله في خلقه وهي أن الله جل جلاله ينصر رسوله والذين أمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يعني من سابع المستحيلات أن يخذل الله نبيه والمؤمنين معه، قال تعالى:

﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

[ سورة الروم ]

 بل إن الله عز وجل يقول:

 

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾

 

[ سورة النور ]

 أما إذا لم يكن هناك نصر، يقول الله عز وجل:

 

﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾

 

[ سورة الصافات ]

 معنى ذلك أن هناك خللاً في جنديتنا لله عز وجل، وقد يجاب عن هذا السؤال بقول تعالى:

 

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾

 

[ سورة مريم ]

 فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي

 

 هناك قواعد للنجاح وهناك أسس إذا نفذت بحذافيرها كان نصر الله وإن لم يأتِ النصر كان هناك يعني مشيئة من الله تعالى .
الأسس والقواعد والشروط تتلخص بكلمتين، الإعداد والإيمان الإيمان لقوله تعالى:

﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

[ سورة الروم ]

 والإعداد لقوله تعالى:

 

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)﴾

 

[ سورة الأنفال ]

 ولكن الإيمان المطلوب هو الإيمان الذي يحملك على طاعة الله والعمل الصالح والإعداد المطلوب هو الإعداد التي تستنفذ به كل القوى، فإذا توافر الإيمان الذي تتبعه استقامة، والإعداد الذي يستنفذ كل القوى كان النصر من الله عز وجل مكافأةً للمؤمنين والحقيقة الثانية تتعلق بخلق عظيم من أخلاق الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم وهو أنه رحيم بأصحابه رحيم بهم، وبمصالحهم، فهو قد سمح له أن يقول كلاماً غير صحيح من أجل أن يجمع ماله كله وهذا من كرم أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام .
 الحقيقة الثالثة حكم فقهي، ملخص بقاعدة أصولية وهي أن حقوق الله عز وجل مبنية على المسامحة، بينما حقوق العباد مبنية على المشاححة، لذلك حقوق العباد لا تسقط إلا بحالتين، بالأداء أو بالمسامحة، لو أن إنساناً ذهب إلى الحج وتوهم أنه يعود من الحج كيوم ولدته أمه، نقول له: فيما بينك وبين الله أما حقوق العباد لابد من أن تؤدى هذه بعض الحقائق المستنبطة من قصة الصحابي الحجاج بن علاط السلمي .
إذاً فضيلة الشيخ

 

 نقول رضي الله تعالى عز وجل عن سيدنا الحجاج بن علاط السلمي الذي كان محور حديثنا في هذا اليوم من شهر رمضان الخير أهلاً ومرحباً فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق والمدرس الديني في مساجد دمشق وخطيب جامع النابلسي فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

 

تحميل النص

إخفاء الصور