وضع داكن
29-03-2024
Logo
صور من حياة الصحابة - الندوة : 24 - الصحابية خولة بنت مالك بن ثعلبة رضي الله عنها .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أيها الأخوة والأخوات بالخير طابت أوقاتكم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وهذه دعوة متجددة في هذا الشهر المبارك لنتابع حلقة جديدة من صور من حياة الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم الذي رباهم النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام، هذه الإطلالة الإيمانية على شخصيات فذة رباها رسول الله صلى الله عليه وسلم على العلم والإيمان .
 أعزاءنا يسعدنا أن نستضيف فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق والمدرس الديني في مساجد دمشق وخطيب جامع النابلسي فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أستاذ جمال .
فضيلة الشيخ

السيدة خولة بنت مالك بن ثعلبة شخصية فذة وصحابية جليلة من صحابة النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام كيف نبدأ بالحديث عن هذه الشخصية الإيمانية ؟
 بسم الله الرحمن الرحيم خولة بنت مالك بن ثعلبة ذات فصاحة وبلاغة كانت على صلة بالله لم تفقد إيمانها به في أحنك اللحظات بل راحت تحتكم إلى الله ورسوله، قصتها مع زوجها نضعها بين يدي الأزواج والزوجات حينما يكون خلاف وجدال ومراجعة وخصام يقول عليه الصلاة والسلام:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ))

[ أحمد ]

هذه النظرة الموضوعية نظرة علمية، ونظرة أخلاقية أن ترى ما لهذا الإنسان وما عليه، أن ترى المحاسن والمساوئ، أن تكون مرآةً صادقة تعكس المحاسن والمساوئ .
 فقصتها مع زوجها قصة مؤثرة جداً قالت خولة بنت مالك بن ثعلبة فيّ والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله عز وجل قرآن في صدر سورة المجادلة، فقالت: كنت عنده وكان شيخاً كبيراً قد ساء خلقه بالمناسبة الإنسان إذا كانت له بداية مشرقة كانت له نهاية مشرقة وخريف عمره متعلق بشبابه، فمن أمضى شبابه بطاعة الله كان له خريف عمر متألق أما من أمضى شبابه في معصية الله كان له خريف عمر مظلم، وقد كان أحد الصالحين وقد بلغ السادسة والتسعين رآه تلامذته في حال طيب منتصب القامة حاد البصر مرهف السمع، يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله إياها وأنت في السادس والتسعين، قال: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً .
قالت: كنت عنده وكان شيخاً كبيراً قد ساء خلقه وضجر، قالت فدخل علي يوماً فراجعته بشيء فغضب وقال: أنت علي كظهر أمي ثم خرج .
ما معنى هذا القول فضيلة الشيخ ؟ يعني أنت محرمة علي لا أقربكِ والحقيقة الإنسان أمه أمه، أما زوجته ليست أمه هذا كلام غير صحيح .
 وقال: أنت علي كظهر أمي ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعةً ثم دخل علي فإذا هو يريدني فقلت: كلا والذي نفسي بيده لا تخلص إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا، هي ظنت طلاقاً وهي ورعة وخافت أن يقربها بالحرام، قالت: فواثبني ـ أي أرادني بالقوة ـ فامتنعت منه فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف فألقيته عني، ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه وذكرت إليه ما لقيت منه، فجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه، قالت: يا رسول الله، إن زوجي تزوجني وأنا شابة ذات أهل ومال وجمال، فلما كبرت سني ونثر بطني وذهب مالي وتفرق أهلي، قال: أنت علي كظهر أمي ثم خرج، ولي منه أولاد إن تركتهم إليه ضاعوا أنا أربيهم، وإن ضممتهم إلي جاعوا هو ينفق عليهم .
أستاذ جمال

 

 القضية دقيقة جداً المرأة الرجل متكاملان هو يعمل ويكسب المال وينفق على أسرته وهي تربي الأولاد وكل يقدم مهمةً كبيرةً وله دور خطير، عملية تكاملية، إن تركتهم إليه ضاعوا أنا أربيهم وإن ضممتهم إلي جاعوا، والذي أتمنى أن يكون واضحاً عند الأخوة المستمعين أن المرأة تكمل الرجل وإنه يكملها هو يسكن إليها لأنه يكمل نقصه فيها، وهي تسكن إليه لأنها تكمل نقصها فيه، هو يتمتع بالقوة وهي تتميز بالعاطفة والقوة والعاطفة إذا اجتمعا تكاملتا.
قالت: والله ما برحت حتى نزل في قرآن فتغشى رسول الله صلى الله علية وسلم ما كان يتغشاه ثم سري عنه فقال يا خويلة: قد أنزل الله فيكِ وفي صاحبكِ قرآناً ثم قرأ عليها:

﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)﴾

[ سورة المجادلة ]

 إلى قوله تعالى:

 

﴿مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)﴾

 

[ سورة المجادلة ]

 فقال عليه الصلاة والسلام: ائمريه أن يعتق رقبة هذه كفارة الظهار فقلت: والله يا رسول الله ما عنده ما يعتق، قال: فليصم شهرين متتابعين، قالت فقلت: والله يا رسول الله إنه لشيخ كبير ما به من طاقة، قال: فليطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر، قالت فقلت يا رسول الله ما ذاك عنده، فقال عليه الصلاة والسلام: فإنا سنعينك بعزق من تمر، فقلت: يا رسول الله وأنا سأعينه بعزق آخر، فقال قد أصبت وأحسنتي فاذهبي وتصدقي به عنه، واستوصي بابن عمك خيراً .
لاحظ فضيلة الشيخ

 

 سماحة الإسلام ويسر الدين، الإسلام بعيد عن الحرج وتكليف ما لا يطيق الإنسان وما من شيء أودعه الله في الإنسان إلا وجعل له قناةً نظيفةً، أريد أن أقول أستاذ جمال ليس في الإسلام حرمان، في الإسلام تنظيم، يعني ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفةً تجري من خلالها لأن هذه الشهوات التي أودعها الله فينا شهوات حيادية هي سلم نرقى بها أو دركات نهوي بها، إذا وظفت هذه الشهوات في الحق كانت سلماً نرقى بها وإن استخدمت بالباطل كانت دركات نهوي بها هي حيادية بل إن الشهوات سبب رقي الإنسان عند الله عز وجل لأنها قوى محركة، الوقود في السيارة إذا وضع في مستودعاته المحكمة وسال في الأنابيب المحكمة وانفجر في الوقت المناسب وفي المكان المناسب ولد حركةً نافعة، وإذا خرج عن مساره وأصاب المركبة شرارة أحرق المركبة ومن فيها، هي كالبنزين قوة انفجارية إذا وظفت بشكل صحيح كان حركةً نافعة، فإذا خرج عن مساره فالشهوة حيادية نرقى بها أو نهوي بها .
قالت: ففعلت، وهذه خولة في قصتها دروس عظيمة لالتئام الحياة الزوجية والإسهام في رأب الصدع ورعاية القرابة، وكبر السن بين الأزواج، أستاذ جمال دقق، قال تعالى:

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)﴾

[ سورة الشورى ]

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)﴾

[ سورة فصلت ]

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾

[ سورة الروم ]

 فكما أن السماوات والأرض من آيات الله الدالة على عظمته كذلك الزواج من آيات الله الدالة على عظمته، وأعظم من هذه الآية هذا الود والرحمة من الزوجين وإن لم يكن بين الزوجين فهي حالة مرضية تقتضي المعالجة لأن هذا من خلق الله عز وجل، سئل النبي عليه الصلاة والسلام من أعظم الرجال حقاً على المرأة ؟ قال: زوجها، ثم سئل من أعظم النساء حقاً على الرجل قال: أمه .
 فهذه قصة مؤثرة، روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بها في زمن خلافته وهو يركب دابةً والناس حوله، فنزل من على الدابة ووقف أمامها بأدب جم يستمع إليها، بعض من حوله لم يعرفها فقالوا: أتقف لهذه العجوز هذا الموقف، يعني هل من المعقول خليفة المؤمن ينزل من على دابته ويقف بأدب جم أمام امرأة عجوز، قال: أتدرون من هذه العجوز؟ هي خولة بنت ثعلبة التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات، أيسمع رب السماوت والأرض قولها ولا يسمعه عمر .
ما شاء الله على هذه الحكمة وهذه الذاكرة عند سيدنا الفاروق .
 لم تلجأ خولة إلى العنف، لم تفكر في عمل طائش فإن هذا ليس من خلق الإسلام، بل راحت تلتمس الحل عند الله وعند رسوله وتشكو أمرها إلى الذي خلقها فهو القادر على أن يفك كربها ويجعل من بعد عسر يسرا .
وإن شئت أيها الأخ الكريم أن تسمع وهي تعرض شكواها على النبي صلى الله عليه وسلم فتعال إلى ما أخرجه ابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها قالت:
تبارك الذي وسع علمه كل شيء هذا قول النبي الكريم إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه:

 

(( عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ إِنِّي لأَسْمَعُ كَلامَ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلَ شَبَابِي وَنَثَرْتُ لَهُ بَطْنِي حَتَّى إِذَا كَبِرَتْ سِنِّي وَانْقَطَعَ وَلَدِي ظَاهَرَ مِنِّي اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ جِبْرَائِيلُ بِهَؤُلاءِ الآيَاتِقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ))

 

[ النسائي ]

 وقد أوصى النبي عليه الصلاة والسلام بالنساء خيراً فقال:

 

(( أكرموا النساء فوالله ما أكرمهن إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم ))

 

(( إنهن المؤنسات الغاليات))

 وكان إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً، وكان عليه الصلاة والسلام زوجاً كريماً، زوجاً وفياً، وكانت عائشة تقول له: يا رسول الله كيف حبك لي ؟ فيقول لها: كعقدة الحبل، تسأله من حين لآخر ما العقدة ؟ أصبحت هذه العقدة شيفرة بينهما، ما العقدة ؟ يقول: على حالها .
هكذا كان النبي زوجاً كريماً وأباً رؤوفاً رحيماً وهو قدوةً لنا وقد قال الله عز وجل:

 

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21﴾

 

[ سورة الأحزاب ]

حقاً فضيلة الشيخ شخصيات فذة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين تربوا في بيت النبوة فكانوا فعلاً مثال يحتذى في الأخلاق والعلم والأدب والتربية .
 أهلاً ومرحباً بفضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق والمدرس الديني في مساجد دمشق وخطيب جامع النابلسي فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أستاذ جمال .

تحميل النص

إخفاء الصور