وضع داكن
19-04-2024
Logo
صور من حياة الصحابة - الندوة : 26 - الصحابية أم الفضل بنت الحارث .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أيها الأخوة والأخوات بالخير طابت أوقاتكم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هذه دعوة متجددة مستمعي الكرام لمتابعة حلقة جديدة من صور من حياة الصحابة، في كل يوم نلتقي ونسلط الضوء على شخصية من شخصيات الصحابة الكرام الذين لهم باع طويل في الإيمان والمعرفة، الذين تتلمذوا على يد النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام، اليوم محور حديثنا وفي هذه الحلقة السيدة أم الفضل بنت الحارث واسمها لبابة.
أعزاءنا يسعدنا أن نستضيف فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق والمدرس الديني في مساجد دمشق وخطيب جامع النابلسي فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أستاذ جمال.
فضيلة الشيخ كيف نبدأ بالحديث حول هذه الشخصية الفذة من صحابة النبي عليه الصلاة والسلام ؟
 أستاذ جمال

حضرت معركة بدر وجاء العباس بن عبد المكلب مهموماً لأم الفضل زوجته وأنبأها أنه لا مندوحة له من الخروج مع قريش فهو لا يريد أن يكشف هويته للمشركين، هو مسلم سراً وعين النبي في مكة، فلما جاءت معركة بدر إذا لم يخرج كشف هويته فلذلك لا مندوحة من أن يخرج فهو لا يريد أن يوضح للمشركين من هو على حقيقته لأنه لو تلكأ عن الخروج معهم لكشفوا أمره وحاربوه وحالوا دون تعرفه على أسرارهم أنصتت أم الفضل لكلام زوجها العباس واعتراها الوجوم قليلاً فكيف تبقى هي وبنوها وحدهم بين المشركين وقد يقتل العباس في خروجه هذا، وحبست دمعات كنَّ يتحدرن على وجنتيها ودعت له بالسلامة في الذهاب والإياب لقد كان قلبها موزعاً بين جانبين، بين الأمل في نصر دين الله وتحقيق موعوده وبين الخوف على زوجها الحبيب أن يمسها السوء.
 لكن بالمناسبة أستاذ جمال النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا تقتلوا عمي العباس ولم يضف على ذلك شيئاً، بعض أصحاب النبي قال: ينهانا عن قتل عمه وأحدنا يقتل أباه وأخاه، والعباس كان مسلماً قال: تصدقت عشر سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله، فالعباس كان مسلماً.
 وضرعت إلى الله تعالى أن يحفظ لها زوجها وأن ينصر نبيه ودينه على أعدائه الألداء، ومرت الأيام تترا وأم الفضل شاردة الذهن قلقة الأعصاب تنتظر خبراً يثلج صدرها عن لقاء قريش مع محمد صلى الله عليه وسلم، وكان العباس قد وقع أسيراً بيد الجيش الإسلامي وبينما المسلمون فرحون بانتصارهم في بدر وقد قرت أعينهم بتحقيق موعود الله عز وجل لم تذق عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم النوم لما وقع بعمه، فقال عليه الصلاة والسلام: أسمع تضور العباس في وثاقه، لا يستطيع أن يقول لهم أنه مسلم كشف هويته فانتهى دوره، ولا يستطيع أن يسكت، لو سكت لقتلوه ولا يستطيع العباس أن لا يخرج مع المشركين كشف أمره القضية دقيقة جداً وكان الأنصار ينظرون مهوى فؤاد النبي عليه الصلاة والسلام فتهلل وجهه فرحاً لنجاة عمه لأنه أعرف الناس به وأعرف الناس بالدور السري الملقى على عاتقه ولم يكن من المصلحة أن يعلم أحد بإسلامه لكن الحديث جرى وكاد يكشف إسلام العباس لولا أن تداركه النبي عليه الصلاة والسلام بحكمته وذلك من خلال بحث موضوع فداء العباس من الأسر.
 فالأنصار قالوا: ائذن لنا فلنترك لابن أختنا العباس فداءه، فقال عليه الصلاة والسلام: لا تدعون منه درهماً، ثم توجه لعمه العباس قائلاً: يا عباس أفدي نفسك وابني أخويك، وحليفك، فالعباس قال إنما كنت مسلماً ولكن القوم استكرهوني، فقال عليه الصلاة والسلام الله أعلم بما تقول إن يكن ما تقول حقاً فالله يجزيك، وأفهمه بدوره قائلاً ولكن ظاهر أمرك علينا، ابقى على ما أنت عليه، فقال العباس ما ذاك عندي يا رسول الله ـ لا يوجد عندي هذا المال الكافي لفداء أربعة ـ فالعباس قال عندئذ: والله يا رسول الله إني لأعلم أنك رسول الله، إن هذا الشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل، ورأى العباس أنه سيدفع مالاً كثيراً فداءه وفداء أخويه وحليفه، فحاول التنصل قائلاً، فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي لقد وعى العباس دوره ـ عملية تمثيلية حتى يبقى على هويته السابقة ـ فعاد يرخي ستار الكتمان على شخصه وبدأ يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه فرد من المشركين فقال عليه الصلاة والسلام: ذاك شيء أعطانا الله منك، وبدأت طلائع العائدين تصل إلى مكة وكلها تشير إلى هزيمة قريش فغمرها وبنيها فرح ما بعده فرح ولكنها بقيت وقلبها واجفةً تنتظر من يخبرها بسلامة زوجها الحبيب.
 وخيم الحزن والقلق على أجواء مكة وراح أهلها يكذبون أنباء انتصار محمد وراحت الأنباء تتضارب حول مصير زعماء مكة وكان أبو لهب حمو أم الفضل الذي ينز حقداً وكراهيةً لمحمد أعدى العدو يكاد يفقد صوابه من هذه الأنباء، وأوصت أم الفضل بنيها ومولاها أبا رافع أن يكتموا فرحهم بهزيمة قريش حتى لا يصب جام غضبه عليهم، وبخاصة أمام أبي لهب الذي يود أن يفرغ حقده كله بمن يقع غضبه عليه.
 ورأى أبو لهب غباراً من بعيد ما لبث أن تكشف عن ابن أخيه أبي سفيان بن الحارث وعلى وجهه علائم الذعر والخوف فأسرع كمن وقع على بغيته يقول لأبي سفيان: يابن أخي هلم إلي فعندك لعمري الخبر، سمعت أم الفضل صوت حميها أبي لهب وصوت حميها أبي سفيان بن الحارث فخرجت مهرولةً تستمع الخبر وخرج وراءها مولاها أبو رافع وجلسا في زاوية البيت حيث يستمعان للحديث وكان أبو لهب لم تغادره عنجوهيته فجلس لابن أخيه يستمع له والناس قيام حوله فقال أبو لهب: أخبرني كيف كان أمر الناس ؟ فقال أبو سفيان والله ما هو إن التقينا حتى منحناهم أكتافنا يقتلون منا كيف شاؤوا ويأسروننا كيف شاؤوا.
 ونظرت أم الفضل إلى مولاها أبي رافع والسرور يبرق من وجهها وتابعت مع مولاها بشغف واهتمام حديث أبي سفيان بينما كان أبو لهب يتجهم وجهه ويربد، وتابع أبو سفيان قوله: ويم الله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالاً بيضاً على خيل بلق بين السماء والأرض لا يقوم لها شيء والتفتت أم الفضل مرةً ثانية إلى أبي رافع لتظهر لها سعادتها بالخبر فإذا به يصرخ وقد فقد أعصابه من الفرح بغير وعي وقال تلك والله الملائكة وقد ورد هذا في القرآن الكريم.
 وقام أبو لهب والشرر يتطاير من عينيه وضرب أبو رافع ضربةً شديدةً أودعها كل غلظته وحقده وقسوته ومضى يفرغ جام غضبه على المولى المسكين المسلم أبي رافع، إيه أم الفضل هذا مولاكِ المسلم يضربه عدو الله أبو لهب ونسيت أم الفضل في لحظة انفعالها هذه خطة إخفاء الإسلام لهذا البيت على أهل مكة وقامت إلى عمود من عمد البيت وجمعت كل قوتها وفرغتها في ضربة هائلة على رأس أبي لهب فشجته أعنف شج حتى غمر وجهه الدم وصاحت فيه أضعفته إن غاب عنه سيده فابتلي بمرض معدي اسمه العدسة وتحاشاه الناس وانفضوا عنه خوفاً من أن يصيبهم المرض، حتى حمالة الحطب تركته يئن وحده وينازع سكرات الموت، وحتى ولده ابتعدوا عنه إلى أن صرعه الموت فأضحى جثة هامدة.
 يقول أبو رافع: فو الله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة وهي قرحة تشاءم بها العرب فتباعد عنه بنوه قتله الله وبقي ثلاثة أيام لا تقرب جنازته ولا يحاول دفنه فلما خافوا السبة، العدوى في تركه حفروا له ثم دفعوه بعود في حفرته وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه وانتهى أبو لهب عدو الله جيفةً قذرةً تعافها حتى الكلاب ويتقززه الناس حتى بنوه، قال تعالى:

﴿لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34)﴾

[ سورة الرعد ]

أستاذ جمال

هذا مصير من عارض الحق، الناس رجلان مؤمن تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله.
 أهلاً وسهلاً بفضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي، كان حديثاً شيقاً ومتميزاً حول الصحابية الجليلة أم الفضل بنت الحارث واسمها لبابة شكراً لفضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق والمدرس الديني في مساجد دمشق وخطيب جامع النابلسي فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أستاذ جمال.

 

تحميل النص

إخفاء الصور