وضع داكن
25-04-2024
Logo
الإسلام والحياة - الدرس : 07 - معرفة المشكلة ومواجهتها أهون من الوهم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أعزائي المؤمنين إخوتي المشاهدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 ننطلق في هذا اللقاء الطيب من حقيقة مسلم بها وهي أن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، الإنسان الموفق يواجه المشكلات ولا يقفز عليها ثم إننا معنا وحي السماء، معنا كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، معنا تعليمات الصانع والجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها هي الجهة الصانعة، قال تعالى:

﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

[ سورة فاطر: الآية 14]

أيها الإخوة الأحباب:
 إن كان هناك مشكلة يعاني منها المسلم أو يعاني منها مجموع المسلمين ينبغي بادئ ذي بدء أن تحدد هذه المشكلة، بل ينبغي أن يعلم أن هناك مشكلة ثم ينبغي أن تحدد هذه المشكلة ثم ينبغي أن نبحث عن حل لهذه المشكلة وبعد ذلك ننطلق إلى تنفيذ الحل ذلك أن قضية العلم هي القضية الأولى في حق الإنسان ذلك أن أهل النار وهم في النار إنما مشكلتهم الأولى العلم، قال تعالى:

﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)﴾

[ سورة الملك: الآية 10]

 هذه مقدمة ولكن لو أردنا أن ندخل في التفاصيل، لو قرأنا كتاب الله وقد قال الله عز وجل:

 

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾

 

[ سورة الأنعام: الآية 1]

 يعني الكون.

 

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾

 

[ سورة الكهف: الآية 1]

 فالكون في كفة وهذه الكتاب الذي بين أيدينا في كفة فماذا يقول هذا الكتاب الكريم ؟ يقول الله عز وجل:

 

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْد خَوْفِهِمْ﴾

 

[ سورة النور: الآية 55]

 هذه وعود الله عز وجل وعدهم بالاستخلاف ووعدهم بالتمكين ووعدهم بالتطمين وقال أيضاً:

 

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

 

[ سورة الروم: الآية 47]

 وقال أيضاً:

 

﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾

 

[ سورة الصافات: الآية 173]

 وقال أيضاً:

 

﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141)﴾

 

[ سورة النساء: الآية 141]

 قد يتساءل المرء هذه وعود الله عز وجل والحق أن زوال الكون أهون على الله أن لا يحقق وعوده للمؤمنين هذه وعود في كتابنا الكريم، وعد الله المؤمنين أن يستخلفهم ووعدهم أن يمكنهم ووعدهم أن ينصرهم ووعدهم أن يطمئنهم ووعدهم أن جندهم هم الغالبون ووعدهم أنه لن يستطيع كافر أن يكون له عليهم من سبيل.
 فإذا نظرنا إلى الواقع والواقع مر وكما قلت في مقدمة هذا اللقاء الحقيقة المرة أهون ألف مرة من الوهم المريح، كيف نوفق بين واقع المسلمين المؤلم والمر وبين وعود الله في القرآن الكريم ؟ وكما ألمحت قبل قليل إن زوال الكون أهون على الله من أن لا يحقق وعوده للمؤمنين، ماذا نفعل ؟ كيف نوفق بين وعود الله وبين واقع المسلمين وواقع المؤمنين بعامة ؟
أيها الإخوة الأحباب:
لو أننا تأملنا هذه الآية الأولى يقول الله عز وجل:

 

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾

 

[ سورة النور: الآية 55]

 أين الاستخلاف ؟ كما استخلف الذين من قبلهم، يبدو أن هذا الاستخلاف قانون إلهي.

 

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾

 

[ سورة النور: الآية 55]

 يقول الله عز وجل:

 

﴿ يَعْبُدُونَنِي﴾

 

[ سورة النور: الآية 55]

 يعني هذه الوعود الثلاثة منوطة بأن نعبده، والعبادة كما تعلمون هي معرفة يقينية ثم طاعة طوعية ثم سعادة في الدنيا والآخرة، النبي عليه الصلاة والسلام سأل سيدنا معاذ رضي الله عنه قال يا معاذ: ما حق الله على عباده ؟ قال: الله ورسوله أعلم. سأله ثانية وثالثة ثم أجابه قال: يا معاذ حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً.
 العبادة حق لكن النبي عليه الصلاة والسلام بعد قليل قال يا معاذ ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه ؟ لعل الله جل جلاله أنشأ للمؤمنين حقاً عليه وهذا من فضله وكرمه.
قال يا معاذ ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أن لا يعذبهم.
 إذاً نحن حينما نعبده يستخلفنا ويمكننا ويطمئننا وينصرنا هذه النقطة الأولى، فمالم يعبد المؤمن ربه فالله سبحانه وتعالى في حل من هذه الوعود الثلاثة هذه نقطة أولى دقيقة جداً.
النقطة الثانية أيها الإخوة:
قال تعالى:

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾

[ سورة النور: الآية 55]

 أي دين وعدهم أن يمكنه لهم ؟ هذا الدين الذي وعدهم أن يمكنه لهم مقيد بصفة لهذا الدين:

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾

 

[ سورة النور: الآية 55]

 طبعاً يستنبط بشكل منطقي أنه إن لم يمكنهم معنى هذا أن دينهم لم يرتضيه لهم الدين الحق هو أن تستقيم على أمر الله قال عليه الصلاة والسلام:

((عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا قَالَ: ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))

[ ابن ماجه ]

 النبي عليه الصلاة والسلام:

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))

[ مسلم، الترمذي، أحمد ]

إذاً:

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾

 

[ سورة النور: الآية 55]

 فإن لم يمكنهم معنى ذلك أن دينهم لم يرتضيه لهم، قد يكون دين مظاهر دين لقاءات دين حفلات دين مؤتمرات دين أعمال شكلية لا تقدم ولا تؤخر، لو دخلت إلى بيوت المسلمين لا تجد الإسلام فيها مطبقاً لو دخلت إلى أعمال المسلمين لا تجد منهج الله مطبقاً في أعمالهم فحينما يكتفي المسلم بعباداته الشعائرية ويطبق في حياته العملية منهجاً آخراً، منهجاً غربياً أو منهجاً لا يرضي الله عز وجل فالله سبحانه وتعالى في حل من تمكين دينهم في الأرض:

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾

 

[ سورة النور: الآية 55]

 ينبغي أن تبحث عن الدين الذي يرتضيه الله عز وجل دين الصدق دين الأمانة دين العفة دين الالتزام دين أداء الحقوق دين أداء الواجبات هذا الدين الذي وعدنا الله أن يمكنه لنا قال بعض العلماء: ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام.
 فهم أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام الدين فهماً دقيقاً فهموه ورعاً عن الحرام وفهموه خدمةً للأنام بل إن الآية الكريمة حينما قال الله عز وجل:

﴿وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً (31)﴾

[ سورة مريم: الآية 31]

 هذه الآية الجامعة المانعة الموجزة لخص الله الدين كله، إحسان إلى الخلق واتصال بالحق، أوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا.
فإن لم نمكن في الأرض ينبغي أن نبحث عن حقيقة الدين عن الدين الذي أراده الله عز وجل ألا تذكرون أيها الإخوة أن سيدنا جعفر حينما التقى النجاشي سأله النجاشي عن الإسلام قال: أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الرحم ونسيء الجوار حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه فدعانا إلى الله لنعبده ونوحده ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء.
 هذا هو جوهر الدين، جوهر الدين أن تكون إنساناً ملتزماً بالأمر والنهي، جوهر الدين أن تكون أخلاقياً، جوهر الدين أن تكون نظيفاً، جوهر الدين أن تكون مستقيماً، جوهر الدين أن تكون محسناً، فإذا طبقنا جوهر الدين ينفذ الله وعده في تمكين هذا الدين لنا فإن لم نمكن معنى ذلك أن ديننا الذي نحن عليه لم يرتضيه الله لنا هذه نقطة ثانية.
النقطة الثالثة أيها الإخوة:
الله عز وجل حينما قال:

 

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي﴾

 

[ سورة النور: الآية 55]

 جاءت بعض الآيات تفسر لماذا لا تحقق وعود الله للمؤمنين فقال تعالى:

 

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾

 

[ سورة مريم: الآية 59]

أيها الإخوة:
 أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها:

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾

[ سورة مريم: الآية 59]

 أعيد وأكرر أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها بل يعني تفريغها من مضمونها الصلاة أيها الإخوة هي الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال لأن الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين.
كان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة.
 الصلاة أيها الإخوة العبادة الأولى هي درة العبادات، هي عصام اليقين، هي عماد الدين ماذا قال الله عنها ؟ قال تعالى:

 

﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)﴾

 

[ سورة العلق: الآية 19]

 الصلاة قرب من الله عز وجل.

 

فلو شاهدت عيناك من حسـننا  الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا
ولو ذقت من طعم المحبة مرةً  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا
ولو نسمت من قربنا لك نسمة  لمــت غريباً واشتياقاً لقربنا

 الصلاة قرب واسجد واقترب، آية أخرى، قال تعالى:

 

 

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾

 

[ سورة طه: الآية 14]

 أنت حينما تصلي تذكر الله وقد أمرك الله عز وجل في آيات كثيرة وفي مقدمتها:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41)﴾

 

[ سورة الأحزاب: الآية 41]

 بل إن قوله تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 102]

 قالوا: حق تقاته أن تذكره فلا تنساه وأن تطيعه فلا تعصيه وأن تشكره فلا تكفره.

 

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾

 

[ سورة طه: الآية 14]

بل إن الله سبحانه وتعالى حينما قال:

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

[ سورة العنكبوت: الآية 45]

 ما معنى ذكر الله أكبر ؟ قال بعض العلماء: ذكر الله أكبر ما فيها. وقال بعضهم الآخر: إن ذكر الله لك وأنت تصلي أكبر من ذكرك إياه إنك إن ذكرته اطمأننت وسعدت بقربه لكنه إن ذكرك ألقى في قلبك السعادة ألهمك رشدك أراك رؤية صحيحة ألهمك الحكمة، عطاءات اله من خلال الصلاة لا تقدر بثمن لذلك قالوا: إن الله يعطي الصحة والذكاء والجمال والمال للكثيرين من خلقه ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين.
إذا أردت أن تذكره فقم فصلي لأن الصلاة الذكر، إن أردت أن تحدثه فادعه، إن أردت أن يحدثك الله عز وجل فاقرأ القرآن، وأفضل قراءة للقرآن أن تقرأه في الصلاة فلذلك الصلاة ذكر فهذا الذي يسهو في صلاته ويلهو يعني هو عطّل الثمرة الكبرى من الصلاة.

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

[ سورة العنكبوت: الآية 45]

 أية ثانية مع أنها منسوخة الحكم:

 

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾

 

[ سورة النساء: الآية 43]

 فهذا الذي يصلي وهو لا يعلم ما يقول فهو في حكم السكران، ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها أنت حينما قرأت قوله تعالى:

 

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)﴾

 

[ سورة الفاتحة ]

 إنك تنتظر توجيه الله عز وجل يقول الله لك:

 

﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾

 

[ سورة الإسراء: الآية 53]

 تأتي أوامر القرآن الكريم في الصلاة وكأنها استجابة لدعائك اهدنا الصراط المستقيم فالصلاة عقل وليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها.
أيها الإخوة الأحباب:
ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

 

((عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ...))

 

[ الترمذي، ابن ماجه، أحمد، الدارمي]

 لا يعقل أن يكون المصلي حاقداً أو مخادعاً أو كذاباً إن الصلاة هي في حقيقتها اتصال بمنبع الكمال مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى فإذا أحب الله عبداً منحه خلقاً حسناً أنت حينما تتصل بالرحيم تغدو رحيماً بدليل قوله تعالى يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام:

 

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 159]

 بسبب رحمة استقرت في قلبك يا محمد كنت ليناً لهم فلما كنت ليناً لهم التفوا من حولك ولو كنت منقطعاً عن الله يستقر في قلبك القسوة وتنعكس القسوة غلظةً وفظاظة عندئذ ينفض الناس من حولك، فالصلاة سبب اتصاف المسلم المصلي بمكارم الأخلاق فالصلاة طهور الذي يصلي حقيقةً لا يمكن أن يكذب أو أن يخادع أو أن يضلل أو أن ينافق لأنه اتصل بالكامل وهذا الكمال الإلهي انعكس في تصرفاته إذاً الصلاة طهور كما قال عليه الصلاة والسلام.
والصلاة نور، مشكلة الإنسان أنه يقدم على عمل وهو يتوهم أنه لصالحه، قال تعالى:

 

﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104)﴾

 

[ سورة الكهف ]

 الإنسان في أصل جبلته وفطرته يحب وجوده ويحب سلامة وجوده ويحب كمال وجوده ويحب استمرار وجوده لكنه يشقى حينما يتوهم سعادته في شيء آخر غير دين الله عز وجل، الله عز وجل يقول:

 

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾

 

[ سورة الرعد: الآية 28]

 فالقلوب لا تسعد إلا بذكر الله:

 

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾

 

[ سورة طه: الآية 124]

 فأنت حينما تصلي يلقي الله في قلبك النور وهذه الحقيقة تؤكدها آية كريمة:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾

 

[ سورة الحديد: الآية 28]

 أنت ترى الحقيقة ترى الحق حقاً فتتبعه وترى الباطل باطلاً فتجتنبه وأصل شقاء الإنسان رؤية مغلوطة، أصل شقاء الإنسان في الأرض أنه يرى سعادته في الشر فيقبل عليه فيدمر وهذا الذي قاله أهل النار في النار، قال تعالى:

 

﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)﴾

 

[ سورة الملك: الآية 10]

 ثم إن الصلاة حبور، الصلاة سعادة كبيرة كان عليه الصلاة والسلام يحدثنا كما تقول السيدة عائشة ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه.

 

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾

 

[ سورة مريم: الآية 59]

أيها الإخوة الأحباب:
 معنى لطيفاً جداً الصلاة عماد الدين فيها من معنى الصيام الذي هو ترك الطعام والشراب، ترك الطعام والشراب والكلام والحركة، فيها من معنى الزكاة أنك تقتطع من وقتك وقتاً كي تصلي والوقت أصل في كسب المال، فيها من معنى الحج أنك تتجه إلى بيت الله الحرام، فيها نطق بالشهادتين في القعود، إذاً الصلاة لها من كل أطراف أركان الإسلام اتصال إنها عماد الدين، لذلك ورد في بعض الآثار القدسية: أن ليس كل مصل يصلي إنما تقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي وأطعم الجائع وكسا العريان ورحم المصاب وآوى الغريب كل ذلك لي وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس على أن أجعل له الجهالة حلما والظلمة نورا يدعوني فألبيه ويقسم علي فأبره أكلأه بقربي وأستحفظه ملائكتي مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ولا يتغير حالها.
الله عز وجل يقول:

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19)﴾

[ سورة المعارج: الآية 19]

 هذا ضعف في أصل خلقه لصالحه، إن الإنسان خلق هلوعا كي يلجأ إلى باب الله عند الشدة لولا هذا الهلع الذي في قلبه لا يتوب المؤمن.

 

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)﴾

 

[ سورة المعارج: الآية 19-22]

 المتصل بالله له صفات عالية جداً وما لم تكن هذه الصفات متوافرة في المصلي فصلاته لم يقطف ثمارها وليست الصلاة التي أرادها الله له.
أيها الإخوة الأحباب:

 

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾

 

[ سورة مريم: الآية 59]

 الشهوة ما أودعها الله في الإنسان إلا ليرقى بها إلى الله يرقى بها مرتين، يرقى بها صابراً إذا ابتعد عن ما نهاه الله عنه ويرقى بها شاكراً إذا أقبل على ما أمره الله به، فالشهوات في أصلها ترقى بالإنسان إلى رب الأرض والسماوات إنها سلم نرقى به إلى الله أو دركات نهوي بها في النار، إنها حيادية أنت حينما تمشي في حقل وترى لوحة كتب عليها حقل ألغام ممنوع التجاوز أنت لا تحقد على واضع هذه اللوحة بل تشكره لأنه ضمن سلامتك بهذه اللوحة وأنت حينما تفهم أوامر الله ونواهيه ضمان لسلامتك وليست قيد لحريتك تكون قد فقهت معنى الدين.
أيها الإخوة الأحباب:
قال بعض العلماء في تفسير قوله تعالى:

 

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾

 

[ سورة الشعراء: الآية 88-89]

 القلب السليم هو كل قلب سلم من شهوة لا ترضي الله والقلب السليم هو كل قلب سلم من عبادة غير الله والقلب السليم هو كل قلب سلم من تحكيم غير شرع الله، والقلب السليم هو القلب الذي سلم من تصديق خبر يتناقض مع وحي الله، والقلب السليم أثمن إنجاز يحققه المؤمن في حياته وحينما يلقى الله بقلب سليم فله جنان الخلد، قال تعالى:

 

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾

 

[ سورة الشعراء: الآية 88-89]

أيها الإخوة:
 الإنسان حينما يضع كل شهوة لا ترضي الله وحينما يحكم اتصاله بالله يستحق وعود الله، قال تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾

[ سورة النور: الآية 55]

 طبعاً فرداً ومجتمعاً، يجب أن نعتقد أنه ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناةً نظيفة تسري من خلالها، دققوا أيها الإخوة المركبة فيها وقود سائل إذا وضع هذا الوقود في مكانه الصحيح وسال في الأنابيب المحكمة وانفجر في المكان المناسب في المحرك وفي الوقت المناسب ولد حركةً نافعة أخذتك وأهلك إلى مكان جميل، أما إذا خرج هذا الوقود السائل عن مساره وأصاب المركبة شرارة أحرق المركبة ومن فيها، هذا الوقود السائل يمثل الشهوة إذا استعملت وفق منهج الله عز وجل ولدت خيراً كثيراً، إذاً الشهوات سلماً نرقى به إلى الله أو دركات نهوي بها إلى جهنم وبئس المصير.
يا أيها الإخوة الكرام:
 عود على بدء العبرة أن نعرف حقيقة المشكلة وأن نواجهها لا أن نقفز عليها، والحقيقة المرة أهون ألف مرة من الوهم المريح ووعود الله عز وجل في القرآن قطعية لأنه قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87)﴾

 

[ سورة النساء: الآية 87 ]

﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾

[ سورة التوبة: الآية 111]

 ولكن حينما نقصر نحن في تطبيق ما أمرنا به قد لا نستحق تحقيق وعود الله لنا.
أيها الإخوة الأحباب:
إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور