وضع داكن
25-04-2024
Logo
الزكاة - الدرس : 17 - زكاة الزروع والثمار.
  • الفقه الإسلامي / ٠5العبادات الشعائرية
  • /
  • ٠4الزكاة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا لا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علَّمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقًّاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، و اجعلنا ممن يستمعون القولَ فيتَّبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

وجوب الزكاة في كل ما تنبته الأرضُ :

 أيها الأخوة المؤمنون، من أفضل الموضوعات الفقهية التي تُعالَج في رمضان موضوع الزكاة، و قد بدأنا في الدرس الماضي الحديث عن تعريف الزكاة، و تحدَّثنا أيضاً عن دليل فرضيتها، و عن شروط وجوبها، وعن شروط صحتها، وتحدَّثنا أيضاً عن حقيقة النماء في المال، و كيف أن الزكاة تجب في المال النامي، إلى ما هنالك من موضوعات وعدناكم في الدرس القادم أن نتحدَّث عن بقية موضوعات الزكاة.
 الحقيقة نظراً لشيوع المزارع و لأسئلة كثيرة جداً تُطرح حول زكاة الزروع فلابدَّ من حديث دقيق حول هذا الموضوع، طبعاً نحن حينما نتحدَّث الأولى أن نكون في المذهب الحنفي، ففي هذا المذهب تجب الزكاةُ في كل ما تنتجه الأرض بقصد الاستغلال و الاستنبات سواء أكان صالحاً للبقاء كالمحاصيل التي تُخزَّن سنوات طويلة كالحبوب، أم غير صالح للبقاء كالثمار و الخضار من خوخة ومشمش و باذنجان، و إلى ما هنالك، إذًا تجب الزكاة في كل ما تنبته الأرضُ من محاصيل و من خضار و فواكه، الدليل: نحن مع تشريع خالق الكون، و لا يستطيع إنسان أن يقول لك هذا هو الحكم بلا دليل، الدليل قوله تعالى:

﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾

[ سورة الأنعام: 141]

حكمة الله عز وجل من كلمة يوم حصاده :

 و من حكمة الله عز وجل أن الفلاح أو المزارع لولا كلمة يوم حصاده لوقع في عنت شديد، أي لو أن ضيفاً زار بستانه و أكل بضع حبات من المشمش، أو بعض حبات من الذرة، لوجب أن تُحسب هذه الحبات من الزكاة، و لكنّ ربنا سبحانه و تعالى ما جعل علينا في الدين من حرج، قال:

﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾

[ سورة الأنعام: 141]

 أي ما تأكله أنت و أقرباؤك و ضيوفك قبل أن تجهِّز المحصول و تقدِّمه للسوق هذا معفوٌّ عنه، لكن بعد أن توضِّب هذا المحصول و تدفعه إلى السوق أصبح المحصولُ الآن تجب فيه الزكاة، هذا معنى قوله تعالى:

﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾

[ سورة الأنعام: 141]

 أي قبل الحصاد هناك عفوٌ من الله عز وجل عن كلِّ ما أكلته أنت و أولادك و أهلك و جيرانك و ضيوفك، أما حينما تضع هذه المحاصيل في العبوات المناسبة، تضعها على ظهر السيارة و تنطلق السيارة إلى سوق الخضار، فالآن تجب الزكاة، الدليل الآخر، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ﴾

[ سورة البقرة: 267]

الأرض الخراجية :

 يجب أن تكون الأرض غير خراجية، وقفة طفيفة عند الأرض الخراجية.
 البلاد التي يفتحها المسلمون يتملَّكونها، و تُوزَّع على المقاتلين، لكن للصالح العام سيدنا عمر أبقاها في أيدي أصحابها، و فرض عليهم ضريبة خراجية، فالأرض التي تنجب فيها زكاة المزروعات يجب أن تكون غير خراجية لئلا تُدفع الضريبة مرتين، فالأرض الخراجية الرسم الذي يُفرض على صاحبها للدولة هذه ضريبة، فلذلك يجب أن تكون الأرضُ غير خراجية لكي لا يجتمع عشرٌ و خراج العشر زكاة النباتات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يجتمع على المسلم خراج و عشر "
 وأن تكون المنتجات بقصد الاستغلال و الاستثمار، أي إنسان زرع في حديقته البقدونس، و كم بصلة، إن لم تكن هذه النباتات بقصد الاستغلال و الاستثمار لا تجب فيها الزكاة، بعد ذلك هناك منتجات ليست ذات قيمة، حشيش، قصب، صمغ، أشياء لا قيمة لها، أيضاً هذه الأشياء لا زكاة فيها، و أن تكون الأرض مسقيةً بماء المطر أو ماء الأنهر حتى يجب فيها العشر، فإن سُقيت بوسائل قديمة أو حديثة لها نفقات عندئذ نصف العشر، أي واحد من عشرين، لذلك ليس في المزروعات مصاريف، ربُّنا عز وجل وضع عنك نصف الزكاة مقابل المصاريف، فهذا سؤال يرِد كثيراً .

أحكام متعلقة بزكاة الزروع :

 أشياء دقيقة تتميَّز بها زكاة الزروع، من هذه الأشياء أنه لا يُشترط حولان الحول، هناك أراض أعرفها في شمال سورية فيها عشرة محاصيل على مدار العام، أرض فيها محصولان، و أرض فيها ثلاثة محاصيل، يقال: عروة خريفية، و عروة شتوية، محصول صيفي، محصول شتوي، تجب الزكاة لا في حولان الحول، و لكن تجب الزكاة في كل ما تنتجه الأرضُ في كل موسم.
 لا يُشترط بلوغُ النصاب، أيْ أيُّ كمية من المزروعات فيها عشرها زكاة، و نصف عشرها إن كانت أرضاً مروية بطريق الآبار، أو الآن المحركات التي لها نفقات باهظة و ما شاكل ذلك، لا يُشترط في زكاة الزروع البلوغ و لا العقل، تجب الأرض؛ طبعاً هنا حكمة من الشارع كبيرة جداً؛ هي أن هذا الطعام من حقِّ الفقراء، لذلك لو كان مالكُ الأرض صبيًّاً غير مميِّز و غير مكلَّف تجب الزكاة في محصوله، و لو كان مالك الأرض مجنوناً تجب الزكاة في محصوله.
 شيء آخر؛ لا تشترط ملكية الأرض، فتجب الزكاة عند المستأجرين، تجب الزكاة على المستأجر، و ليس المالك، مادام المستأجر بيده هذه الأرض وهو ينبتها و يأخذ محصولها و ريعها.
 إذا باع صاحب الأرض المحصول قبل أن ينضج تجب الزكاة في الذي اشترى المحصول، أما إذا باعه بعد أن نضج فتجب الزكاة في صاحب الأرض، طبعا من السنة ألا نبيع الحَبَّ حتى يشتد، و ألا نبيع العنب حتى يسودَّ، و ألا نبيع المزروعات حتى يبدو صلاحُها، فإذا بيعت قبل أن يبدو صلاحها فزكاتها على من اشتراها، و إذا بيعت بعد أن بدا صلاحها فزكاتها على من باعها، هذا رأي السادة الأحناف.
 لا يُشترط في زكاة المزروعات خلوُّ المكلَّف من الدين، لو كان عليه دين عليه زكاة المزروعات لأن هذه المزروعات فيها طعام البشر، ولها أحكام خاصة و دقيقة، و أيضاً لا يُشترط في المستنبت البقاء، بل تجب الزكاة في الخضر و الفواكه، و لو فريز، و لو مشمش، و لو مادة سريعة العطب، بطيخ مثلاً، هناك فواكه كما يقول الفلاحون روحها ضيِّقة، سريعة التلف، كل هذه الخضروات و الفواكه و المحاصيل تجب فيها الزكاة، إذًا تجب في الخضر و الفواكه و لا يشترط خلوُّ المكلف من الدين، و لا تشترط ملكية الأرض، و لا يشترط البلوغ و العقل، و لا يشترط بلوغ النصاب، و لا يشترط حولان الحول، كل هذه الأحكام متعلقة بزكاة الزروع.

زكاة العسل :

 و السؤال الذي ورد كثيراً زكاة العسل، يجب في العسل زكاة، و ذلك تبعاً للزروع و الثمار، لأن النحل يتغذَّى من الثمار و الأزهار، و الثمار فيها العشر، لذلك زكاة العسل العشر، الآن الكيلو ثمنه خمسمئة ليرة، يقال لك: ما هذا العشر؟ هناك قُرَّاد النحل جاهز، قبل عامين أو ثلاثة جاءت حشرةٌ أو مرض وبائي أصاب العسل كله فأصبحت هذه المناحل كلها خالية من العسل، مرض خطير اسمه قراد النحل، فإما أن تدفعوا زكاة العسل و إما أن قراد النحل بالمرصاد جاهز، قال له:

(( عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ؟ قَالَ: قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ ))

[أحمد عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ]

 قال: أريد أخف من ذلك، قال: إذًا فاستعدَّ للبلاء " إذا كانت الاستقامة تثقل عليك فاستعد للبلاء، لهذا ما تلف مال في بر أو بحر إلا بمنع الزكاة، أحياناً تجد إنساناً زار مدجنة حمل في حذائه مرضاً، هذا المرض جعل هذه المدجنة في أيام ميتة كلها، ممكن، عند الله وسائل إذا الإنسان بخل بمال الله عز وجل لم ينفقه فهناك أمراض، تجد البقرة ثمنها سبعون ألفاً، يأتيها مرض فتجدها ماتت، أحيانا حمى مالطية في البقرة، هذه الحمى المالطية و الموت المفاجئ للبقر و الوباء المفاجئ للدجاج و قراد النحل و الصقيع، أحيانا تجد الثمار يانعة و الأزهار يانعة متفتحة طاف عليها طائف من ربك وهو نائمون، فلما يبخل الإنسان فإن الله عنده آفات كثيرة، فالبطولة أن تكتشف أن هذه الآفة أصابت هذا المحصول بسبب منع الزكاة، لهذا قال عليه الصلاة و السلام:

(( حصنوا أموالكم بالزكاة ...))

[الطبراني عن عبد الله بن مسعود]

 لهذا قال عليه الصلاة و السلام:

(( ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة ))

[الطبراني عن أبي هريرة ]

زكاة النقد :

 زكاة النقد؛ زكاة النقد طبعاً أصل النقد الذهب و الفضة، فكل عشرين مثقالاً أو كل دينار شرعي، المثقال أو الدينار الشرعي يساوي أربعة غرامات و مئتين و ستة و خمسين بالألف، فعشرون ضرب أربعة و مئتين و ستة و خمسين بالألف ينتج خمسة و ثمانون و اثنا عشر بالمئة، فكل خمسة و ثمانين غرام ذهب و اثنا عشر بالمئة هذه نصاب الذهب، اضربها بخمسة، أو أربعة و نصف أو خمسة و ربع لا أعرف، كل يوم للذهب سعر، و أي ذهب هذا؟ الذهب الخالص، أي الذهب عيار أربعة و عشرين، أما العيارات الأخرى فلها حساب خاص، فنصاب الذهب تقريباً أربعون أو خمسة و أربعون ألفاً، الذي معه هذا المبلغ تجب فيه الزكاة، لكن في عهد النبي عليه الصلاة و السلام كما علمت كان ثمن الذهب مساوياً لثمن الفضة، لكن الآن اختلف الأمر، الآن الفضة كل مئتي درهم شرعي تجب فيها الزكاة، و المئتي درهم شرعي، الدرهم يساوي ثلاثة و نصف غرام بالضبط، مئتا درهم سبعمئة غرام، الغرام بعشر ليرات سبعة آلاف، فما دام نصاب الفضة الآن سبعة آلاف، نصاب الذهب حوالي أربعون أو خمسة و أربعون ألفاً، العلماء وجَّهوا إلى أنه الأولى و الأفضل و الأكمل و الأورع أن تدفع الزكاة في النصاب الأقل لصالح الفقير، طبعاً عندنا قاعدة فقهية أخرى أنه لا يجوز أن تدفع الزكاة لإنسان فوق النصاب، في الدفع النصاب هو الذهب، و في الوجوب النصاب هو الفضة لصالح الفقير.
 قلت لكم مرة: الأشياء غير النامية، بيت تستهلكه، أثاث بيت تستهلكه، سجاد، حاجات، براد، غسالة، محل تجاري يؤويك تبيع وتشتري به، آلات الصناعة تستعملها للمنتجات، مركبتك، أرض تزرعها، هذا كله لا تجب فيه الزكاة، لأنه مالٌ غير نامٍ.
 أما عروض التجارة، عندك بضائع، و عندك أقمشة، عندك ثياب جاهزة، وعندك مواد أولية، و عندك دهان، أي أنواع البضائع تجب فيها الزكاة، لأن البضائع و السلع و الأموال أموال متقوَّمة، و هذه الأموال يزيد سعرها مع مرور الزمن، و يضاف إلى عروض التجارة زكاة النقدين، الذهب و الفضة، سبعة آلاف فضة و أربعون أو خمسة و أربعون ذهباً.

الكنز هو أيُّ مال لا تُؤدى زكاته :

 كما تعلمون أيُّ مال لا تُؤدى زكاته فهو كنز، و أي مال تؤدى زكاته فليس بكنز فسبعة آلاف لم تؤدَّ زكاتها تعد عند الله كنزاً، و ينطبق على صاحبها قوله تعالى:

﴿ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾

[ سورة التوبة : 35 ]

 رأس المال مهما بلغ إن كانت زكاته تؤدى فليس بكنز لأنه خلا من تعلق حق الفقير به.

مصارف الزكاة :

 الآن درسنا اليوم مصارف الزكاة، و الآية معروفة عندكم جميعاً هي قوله تعالى:

﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾

[ سورة التوبة : 60]

 المذاهب فيما بينها اختلاف في وجوب أن تدفع لكل هؤلاء أو لصنف واحد منهم، عند السادة الشافعية الأولى أن تعطي من كل صنف ثلاثة، و عند السادة الأحناف يكفي أن تدفع للفقراء مثلاً، أو للمساكين، أو للمؤلفة قلوبهم، أو لابن السبيل، أو للغارمين، على كل هذا المبلغ يجب أن ينصرف إلى أحد هذه الأبواب، إلا أن المؤلفة قلوبهم هذا موضوع خلافي، العلماء بين من يعمل هذا الباب و بين من يغلقه، لأنه بعد انتشار الإسلام أُلغي نصيبُ المؤلفة قلوبهم، و قيل - و أنا أرجِّح الرأي الثاني - أنه حينما يضعف الإسلام، و حينما تنتظر من أقوياء، من أناس بيدهم كل شيء، بإمكانك أن تتألَّف قلوبهم بالزكاة، إذًا رجع هذا البابُ إلى مكانه الطبيعي.

1 ـ الفقير :

 أولاً: الفقير، من هو الفقير الذي تجوز له الزكاة؟ قال: الفقير هو الذي يملك شيئاً قليلاً لا يكفيه، الفقير دخله أقل من مصروفه، و لكن أيُّ مصروف هذا؟ مصروفه الأساسي، الأساسي معروف، تريد أن تأكل و أن تشرب و أن تلبس ثياباً و أن تسكن في بيت مدفَّأ في الشتاء لا أقول مكيفاً في الصيف، لا، مدفَّأ في الشتاء، الدفء أساسي، فالفقير الذي دخله لا يستطيع أن يغطِّي نفقاته الأساسية، هذا في الشرع فقير، و تجوز له الزكاة، قد يملك الفقير نصاباً، أخي هذا له بيت ثمنه ثمانية ملايين، اشتراه بثلاثين ألفاً في زمانه، و يسكن فيه، وله ثمانية أولاد، و إذا عنده بيت ثمنه ثمانية ملايين، هذا اسمه نماء خلَّبي، أو نماء إسفنجي، لا قيمة له إطلاقاً، نماء رغوي، انظر قبة الصابون بنفخة تطير، هذا البيت يستهلكه و يسكنه، إذًا لو الفقير وجد، لو كان عنده نصاب الغني لكنه مستهلك و مستغرق في حاجاته، فهو عند الله فقير، و قد لا يملك النصاب، الفقير لا يملك أو يملك و لكن النصاب غير نام، و ما هو النصاب غير النامي؟ عنده سجادتان أخذهما قديماً، الآن ثمن كل واحدة يقدر بثمانين ألفاً، السجادة يستعملها، فالفقير هو الذي لا يملك النصاب أو يملك نصاباً غير نامٍ، مستغرقاً حوائجه، دار، أثاث، دكان، آلات الصناعة مثلاً، مركبة يركبها قال: و لو كان صحيحاً مكتسِباً، لا يملك نصاباً، أو يملك نصاباً غير نام، مستغرق في حاجاته الأساسية، قال: إذا كان يملك نصاباً أو يملك نصاباً نامياً، أو يملك نصاباً غير نام يزيد عن حاجاته الأساسية، عنده بيت ثانٍ مغلَق، هذا يملك نصاباً غير نام، لكنه يزيد عن حاجاته الأساسية عندئذ لا يجوز دفع الزكاة لهذا الفقير.
 قال: هذا الإنسان لا يجب عليه دفع الزكاة و لا يجوز أن تُدفع له الزكاة، بل تجب عليه صدقة الفطر، لا يملك نصاباً نامياً أو يملك نصاباً غير نام فائضاً عن حاجاته الأساسية، أما إذا كان مالك نصاب غير نام استغرقت حاجاته الأساسية فهذا يجوز أن تُدفع له الزكاة، هذه واحدة.

2 ـ المسكين :

 أما المسكين فهو الذي لا يستطيع كسبَ رزقه إطلاقاً، أي سكن عن الحركة، و بعضهم قال: الفقير هو الذي لا يسأل، و المسكين هو الذي يسأل، على كلّ القاعدة الأساسية إذا اجتمعا تفرَّقا، وإذا افترقا، إذا قال الله: فقراء و مساكين، أي الفقراء صنف و المساكين صنف، و إذا قال الله فقراء، أي الفقراء و المساكين، و إذا قال: مساكين أي الفقراء و المساكين.

3 ـ العاملون عليها :

 العاملون عليها، الموظَّفون الذين يجبون الزكاة، هؤلاء من أجل تحصيل مبالغ الزكاة لهم نصيب منها، لكن هنا لا يشترط في العامل على الزكاة أن يكون فقيراً، قد يكون غنياً، لكن هذه وظيفة تُؤدَّى، نحن بحاجة إلى طاقة بشرية تجمع هذه الزكاة، فالعاملون عليها صنف ممن تجب لهم الزكاة، لا يشترط فيه الفقرُ، و لا الضعف.

4 ـ في الرقاب :

 و في الرقاب، هؤلاء العبيد الذين يكاتبون أسيادهم أو سادتهم كي يعتقوا أنفسهم، هؤلاء في حكم الغارمين، فإذا استحقوا الزكاة فمن أجل أن يتملَّكوا حريتهم.

5 ـ الغارمون :

 الغريم هو المديون، و الغارمون هم أصحاب الديون، الذي لا يملك لدينه وفاءً لكن أحياناً يكون عليه دين و يكون له شيء زائد عن حاجته ممكن أن يبيعه و يوفي الدين، هذا لا يجوز أن يأخذ زكاة المال.

6 ـ في سبيل الله :

 و في سبيل الله، هؤلاء المنقطعون من الغزاة و المحاربين في سبيل الله، أي الذين عجزوا عن اللحاق بجيش الإسلام لفقرهم، لهلاك النفقة أو الدابة، العلماء المعاصرون وسَّعوا هذا الباب، أي إحداث مراكز إسلامية في بلاد الكفر، نشر الإسلام، مصاريف الدعاة في بلاد الكفر، و كيف أن الأديان الأخرى تنشط في تأسيس مستشفيات مثلاً، جامعات، مدارس، بعثات تبشيرية، من أجل إقناع الناس ببعض الديانات، بعض الفقهاء المعاصرين وسَّعوا هذا البند فجعلوه يشمل المصاريف التي تحتاجها الدعوةُ إلى الله عز وجل في بلاد الكفر، البلاد التي بحاجة ماسة إلى دعوة نشطة.

7 ـ ابن السبيل :

 و ابن السبيل، هو الرجل الغني لكنه منقطع في الطريق، أي فقد ماله، سُرق ماله، فصار ابن الطريق، هذا أيضاً يجوز أن يأخذ من أموال الزكاة ما يكفيه ليصل إلى بلده.

من لا يجوز دفع الزكاة لهم :

 الآن من هم الذين لا يجوز أن ندفع لهم الزكاة؟ نحن عندنا قاعدة هذه القاعدة تقول: " الأقربون أولى بالمعروف " بعض العلماء فسَّر هذه القاعدة على النحو التالي الأقربون إلى الفقر، أو الأقربون نسباً، أو الأقربون إلى الإيمان، عندك ثلاثة مرجِّحات، لك قريبان تساويا في الفقر، و تفاوتا في الإيمان، المؤمن أولى، لك قريبان تساويا في الإيمان و تفاوتا في الفقر، الأفقر أولى، لك قريبان تساويا في الفقر و الإيمان، الأقرب لك نسباً أولى، فالأقرب إلى الفقر، أو الأقرب إلى الإيمان، أو الأقرب نسبا، فكلما تساوى عنصرٌ في شخصين يُرجَّح الشخصان بعنصر ثان، فإذا تساويا في عنصرين يرجح أحدها بالعامل الثالث، الأقربون أولى بالمعروف، لا يجوز دفع الزكاة لبني هاشم و مواليهم، لقول النبي عليه الصلاة و السلام:

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ الْهَاشِمِيِّ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ رَبِيعَةَ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَالْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ائْتِيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولَا لَهُ اسْتَعْمِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَأَتَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَنَحْنُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَقَالَ لَهُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْتَعْمِلُ مِنْكُمْ أَحَدًا عَلَى الصَّدَقَةِ قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَالْفَضْلُ حَتَّى أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَنَا إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))

[النسائي ، الطبراني في الكبير عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ الْهَاشِمِيِّ ]

 فهذه الصدقات لا تجوز لبني هاشم، لماذا؟ لأن القرآن الكريم أعطاهم خمس الخمس، قال بعض العلماء المعاصرين: لو أن هذا خمس الخمس لم يأخذوه عادوا إلى صحة أخذ زكاة الأموال، على كلّ هذه القضية محدودة جداً، المنسوب للرسول صلى الله عليه و سلم له حكم خاص، أما الأغنياء فلا تجوز لهم أن تُدفع لهم الزكاة، لما روي:

((لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ ))

[الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]

 و في رواية قوي، لا غني و لا قوي، لأن القوي لما نعطيه زكاة المال أصبح كسولاً و قعد في بيته، و حينما يقعد المرء في بيته يضعف المجتمع، و المجتمع قوي بقوة أفراده، فالغني لا تجوز له الزكاة، و الفقير القوي الذي بإمكانه أن يكتسب لا تجوز له الزكاة لكن عندنا استثناء طفيفاً:

(( ارحموا عزيز قوم ذلّ، وغنياً افتقر، وعالماً ضاع بين جهّال ))

[ ذكر هذه القصة ابن هشام في سيرته، والطبري في تاريخه ]

 إنسان كان من أهل النعم، من أهل اليسار، هذا إذا افتقر فجأة نقول له: اشتغل عتالاً؟ أكرموا عزيز قوم ذلّ، و غنياً افتقر، و عالماً ضاع بين الجهال، الغني المفتقر و لو كان صحيح الجسم حفظاً لماء وجهه، و لئلا ينكسر، و لئلا تُجرح كرامته، يمكن استثناء و لأمد يسير أن نعطيه شيئاً من زكاة المال حتى يستطيع أن يتابع عمله التجاري.
 عندنا ملاحظات دقيقة: لا تحل الزكاة لولد الغني الصغير دون البلوغ، و لا إلى ابنه الكبير المقعَد، لأن ابنه الصغير نفقته عليه، و ابن الغني غنيٌّ بغنى أبيه، و لا لابنه الغني المقعد لأن الابن الغني المقعد غني بغنى أبيه، أما أحياناً تجد غنياً شحيحاً و ابنه انفصل عنه و تزوج، و هو موظف، و دخله محدود، و عليه ديون، تجوز الزكاة لابن الغني في هذه الحالة، لأن المماليك الذين هم عند الأغنياء أغنياء بغنى أسيادهم أيضاً.

الغنى في الشرع ثلاث مراتب :

 الآن الغنى في الشرع ثلاث مراتب، دققوا في هذه المراتب الثلاثة قال: غني يحرم عليه السؤال، إذا سأل فقد وقع في معصية كبيرة، إذا الإنسان جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه، من هو الغني الذي يحرم عليه السؤال لكنه يحل له أخذ الزكاة؟ هو الذي يملك قوت يومه و ستر عورته، أو كان صحيحاً مكتسِباً، جسمه قوي و شاب، هذا صحيح مكتسب يحرم عليه السؤال، لكن إلى أن يكتسب ممكن أن نعطيه، و يجوز أن يأخذ مادام لا يملك قوت يومه، فإذا ملك قوت يومه حُلَّ الأمر، لهذا النبي عليه الصلاة و السلام قال:

(( حَدَّثَنَا سَهْلُ ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَسَأَلَاهُ فَأَمَرَ لَهُمَا بِمَا سَأَلَا وَأَمَرَ مُعَاوِيَةَ فَكَتَبَ لَهُمَا بِمَا سَأَلَا فَأَمَّا الْأَقْرَعُ فَأَخَذَ كِتَابَهُ فَلَفَّهُ فِي عِمَامَتِهِ وَانْطَلَقَ وَأَمَّا عُيَيْنَةُ فَأَخَذَ كِتَابَهُ وَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَانَهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَتُرَانِي حَامِلًا إِلَى قَوْمِي كِتَابًا لَا أَدْرِي مَا فِيهِ كَصَحِيفَةِ الْمُتَلَمِّسِ فَأَخْبَرَ مُعَاوِيَةُ بِقَوْلِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ النَّارِ ))

[أبو داود عن سَهْلُ ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ ]

 الآن عندنا غني يحرم عليه السؤال و الأخذ معاً، أول بند الذي عنده قوت يومه وهو مكتسب صحيح يحرم عليه السؤال، لكن إذا أخذ وهو بحاجة لا مانع، أما الغني فيحرم عليه السؤال و الأخذ معاً، يملك نصاباً غير نام زائداً عن حوائجه الأصلية.
 الآن غني يحرم عليه السؤال و الأخذ و تجب عليه الزكاة هو الذي يملك نصاباً كاملاً نامياً، يحرم عليه السؤال و الأخذ و تجب عليه الزكاة، الذي يملك نصاباً غير نام يزيد على حاجاته يحرم عليه السؤال و الأخذ و تجب عليه زكاة الفطر فقط، أما الذي لا يملك نصاباً، يملك نصاباً غير نام و ليس عنده قوت يومه هذا يحرم عليه السؤال و يجوز أن يأخذ؟
 غير المسلمين، لقول النبي عليه الصلاة و السلام لما بعث معاذاً إلى اليمن:

((عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْيَمَنِ قَالَ إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ فَإِذَا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ ))

[البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا]

 فالزكاة لا تُدفع إلا للمسلمين.

إعطاء غير المسلمين من الصدقات لا من الزكاة :

 أما غير المسلمين فهل عندنا ما يؤكِّد أنه يجوز أن تدفع لغير المسلمين بعض المال؟ لكن لا من الزكاة، وهناك آية أوضح، قال تعالى:

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾

[ سورة الإنسان: 8 ]

 فالأسير مشرك و ليس مسلماً، و لكن هذا من باب الصدقة، أي لك جار غير مسلم افتقر ووقع في أزمة كبيرة، و عنده عميلة جراحية خطيرة، أنت أنجدته و أغثته أعطيته من مالك ولكن ليس من مال الزكاة، من مال الصدقة، هذا يجوز و يتفضَّل و يستحسن، لماذا؟ لأنه بهذا يميل قلبه إلى الإسلام، أنا سمعت عن إنسان ينكر وجود الله عز وجل، منحرف انحرافاً كبيراً، غارقاً في شهواته، أصابه مرض عضال، طرق الأبواب كلها، كلها مسدودة، قال له أحدهم: ائت إلى هذا المسجد - و القصة قديمة- كان مسموحاً أن نجمع للناس، و الآن ممنوع طبعاً، قيل له: اذهب إلى هذا المسجد و قل لخطيبه أن يجمع لك ثمن هذه العملية التي تحتاج إلى مبالغ طائلة في بلاد بعيدة، فتحدَّث هذا الخطيب جزاه الله خيراً قال: يا إخوان هناك رجل يحتاج إلى عملية في البلاد الفلانية تحتاج إلى رقم كبير، فالناس دفعوا، هو بحاجة إلى ستين فجمعوا ثمانين، و القصة من ثماني عشرة سنة، و القصة قديمة جداً، فهذا الإنسان ذهب إلى البلد و أجرى عملية و نجحت، و عاد هذا الإنسان ليلازم هذا المسجد، و يصبح من رواده الأوائل، بالبر يستعبَد الحرُّ.
 سيد معتز، بارك الله بك، هذا دليل آخر، يجوز أن تعطي لغير المسلمين من الصدقات، لكن نيتك عالية جداً، أنت عندما تحسن له تملك قلبه، أي يجوز أن يكون قد طرق الأبواب كلها و لم يستفد، ولما طرق باب المؤمن لبَّاه، الإيمان شيء عظيم، هناك إنسان هو رئيس الحزب الشيوعي في فرنسا مشهور جداً، من كبار المفكِّرين، في الحرب العالمية الثانية وقع أسيراً، فجاء أمر بقتله، الأمر وُجِّه إلى جندي مغربي، هذا الجندي قال: أنا على مسمع منه لا أنفِّذ هذا الأمر، أنا مسلم، و المسلم لا يجوز له أن يقتل الأسير، قال هذا المفكر الشيوعي: المسلم لا يقتل الأسير، بقيت هذه الكلمة في قلبه ثلاثين عاماً و انتهت به إلى الإسلام و أسلم و له مؤلفات في الإسلام، و هو من أعلام المسلمين في فرنسا الآن، من كلمة جندي مغربي، إنسان يكون غير مسلم و يقع بأزمة، بضائقة، بمشكلة، بمرض عضال، يأتي المسلم و يمدُّ له يد العون، يكون أنقذه من كفره، أنقذه من حقده، أنقذه من رؤيته الضبابية، أنقذه من عداوته، الحقيقة الإحسان يفتح القلب،أي كما قلت: عجبت لمن يشتري العبيد بماله ليعتقهم كيف لا يشتري الأحرار بإحسانه، أبحث عن سوق العبيد لأشتري عبداً و أعتقه، أنت اذهب و اشترِ إنساناً حرًّاً، بإمكانك أن تشتري حرًّاً بإحسانك، و بالمناسبة ما كل الإحسان ما لا ممكن أن تحسن له بمساعدته، أنت متفوَِّق في الرياضيات، و أنت طالب مدرسة متفوق في الرياضيات، عندك طالب آخر في الشعبة نفسها لا دين له أبداً، و عنده شكوك في الدين و ضعيف في الرياضيات، أنت إذا أعنته فصارت علامته جيدة، مال قلبُه إليك، عندئذ ألقِ عليه بعض المواعظ، وضِّح له بعض الأمور، ممكن أن تعينه أنت بخبرتك، بعلمك، بمالك، و بعضلاتك أحياناً، أحياناً أنت تتقن شراء هذه الحاجة و لك صديق دينه رقيق و بحاجة إلى شراء هذه الحاجة فجاء إليك، اذهب معه و امضِ وقتاً طويلاً في خدمته، قد تفتح قلبه، فلذلك الإحسان لغير المسلمين وارد، بالعكس، أنا أقول لكم: الإنسان عندما يسيء وهو مسلم، يسيء إلى مسلم: فلان الفلاني أساء إلي، أما إذا أساء المسلم لغير المسلم فيقول هذا غير المسلم: الإسلام لا ينفع، لا يذكر اسم من أساء إليه، يلغي اسمه، ويقول لك: الإسلام ليس بجيد، لهذا قال عليه الصلاة و السلام: "أنت على ثغرة من ثغر الإسلام، فلا يُؤتين من قبلك...." كسفير الدولة تجدهم يختارونه ذكياً، يمكن سابقاً يختارونه ذكياً جداً، و يختارونه مثقفاً، و يتقن اللغات الأجنبية كثيراً، و يختارونه بشكل حسن، وسامة، يختارونه من طبقة رفيعة، لأنه يمثل أمة، هذا يمثل أمة بأكملها، المسلم يجب أن يعتقد أنه يمثل دينَ الله في مظهره، في بيته، في دكانه، في حساباته، لا توجد فوضى في الحسابات، شيء يُسجل و شيء لا يُسجل، يضع في جيبه، و الله نسيت لا تؤاخذنا، أنت مسلم:

﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾

[ سورة الكهف : 28 ]

 حساباته دقيقة، علاقاته واضحة، أموره منتظمة، قال تعالى:

﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾

[ سورة الكهف : 28 ]

 فلذلك الإنسان إحسانه لغير المسلمين سبب في هدايتهم، هناك حديث قدسي آخر يقول الله عز وجل:

((إن هذا الدين ارتضيته لنفسي ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه))

[ شعب الإيمان عن جابر بن عبد الله ]

عدم جواز الزكاة لفروع المزكي :

 لا تجوز الزكاة لفروع المزكِّي، ابنه، ابنته، ابن ابنه، و ابن بنته، الفروع مهما نزلت لا تجوز، الأصول مهما علت لا تجوز، الزوجة لا تجوز، انتهى الأمر، الأخوات يجوز، أخوة ذكور، أخوات إناث، عمات، و خالات، كله يجوز، ماعدا الأصول مهما نزلوا و الفروع مهما علوا، و الزوجة، لأن الزوجة عليه نفقتها، سرّ التشريع أن كل إنسان تجب عليك نفقته، فإذا دفعت الزكاة إليه فقد احتلت على الله عز وجل.
 يُستثنى من هذه القاعدة أنه لو أن لك ابناً متزوِّجاً مستقلاً عنك في النفقة، له وظيفة، و له دخل، و له زوجة، و له أولاد، وافتقر، الابن الذي استقل عن أبيه في النفقة يمكن أن يأخذ من زكاة أبيه، عندنا حالة عكسية، أخت يجوز أن تعطيها الزكاة بالأصل، لو أن لك أختاً عانساً تنفق عليها وهي في بيتك لا يجوز أن تعطيها من زكاة مالك، لأن نفقتها عليك، نأتي بحالة في الأصل يجوز أن تأخذ الزكاة، حينما تنضم إلى بيتك و تنفق عليها أنت أصبح إعطاء الزكاة لها احتيالاً في المصروف، الابن في الأساس لا يجوز أن يأخذ الزكاة إذا استقل عنك في النفقة يجوز أن يأخذها.
 أحياناً الإنسان هناك حالات و لكن نادرة يجد ابنته في حاجة ماسة إلى مساعدة وزوجها فقير، عندنا حالة شرعية نعطيها للبنت؟ تفضل، لا يأخذ الصهر، لا يرضى و يعمل لها مشكلة، ممكن أن نوكِّل البنت بدفع الزكاة، أن نوكل الابن بدفع الزكاة، البنت تعطي زوجها خذ هذه لك، أخذتهم من أهلي لك، إذا كان الصهر فقيراً جداً، هو أقرب الناس لك، فبهذه الطريقة بعض العلماء أجازوها، أنت دفعت الزكاة إلى صهرك، أما البنت فهي واسطة، الزكاة ليس إليها، و لكنها دفعتها لزوجها، القصد أن الأقربين أولى بالمعروف، و القاعدة المعروفة: لا تُقبل الزكاة من مؤمن وفي أقربائه محاويج، هذا صار تكافلاً اجتماعياً، كل إنسان يعرف عماته و خالاته و إخوته، يعرف كل أسرته، فالأولى للإنسان، لأنك إذا دفعت زكاة مالك لأقربائك الفقراء فهذه زكاة زائد صلة.
 هناك أشخاص سبحان الله عندهم أن ينفعوا الناس جميعاً إلا أقربائهم، هناك شخص كان يعمل في عمل حكومي، له قريب معيّن في محافظة بعيدة، ترجوه أن فلاناً فقيراً يسكن في محل بعيد، و يدفع نفقات انتقال، و أجور سكن في درعا، وهذا قريبك، يقول: أبداً لا آتي به، فهناك إنسان ذكي قال له: هذا قريبك مرتاح جداً في درعا، الله يوفقك اتركه هناك قال: لا سآتي به، هناك شخص لا يريد أن ينفع أهله أبداً، يحب أن يقسو عليهم، تجده للناس في منتهى اللطف و الكرم، أما على أقربائه فالسنة خلاف ذلك، الأقرباء أولى بالمعروف، أقرباؤك و بناتك، أصهارك، ومن حولك، أنت أعلم الناس بهم، و أنت حينما تعطيهم تزكِّي عن مالك أولاً و تجعل هذه الزكاة صلة ثانياً، فهي زكاة و صلة في وقت واحد.

الخلاف حول إعطاء الزوجة زكاة مالها لزوجها :

 بقي عندنا موضوع هل يجوز للزوجة أن تعطي زكاتها لزوجها الفقير؟ طبعاً الموضوع خلافي، الأولى أنه يجوز، الذين قالوا: إنه لا يجوز ما حجَّتهم؟ تفضل، جعلها منفقة، شيء جميل، هناك توجيه آخر، السيد منير، خذ مانطو، خذ الزكاة و اشتر لي مانطو أحتاجه للشتاء، كأن النفع عاد عليها، فهم لم يجيزوا ذلك، إذاً عندنا حلٌّ وسط الذين لم يجيزوا أن تدفع الزوجة زكاتها لزوجها رأوا موضوع القوامة موضوع أنه عاد النفعُ إليها، و الذين أجازوا أن تُدفع الزكاة لزوجها رأوا أنه أقرب الناس إليها، كيف نوفِّق بينهما تفضل؟ لا هناك حل آخر، أي إذا كان فقيراً فقراً لا يستطيع تأمين الحاجات الأساسية من طعام و شراب الأولى أن تعطيها لزوجها، أما هو يحتاج بعض الحاجات و الأشياء الثانوية، إذًا هنا الحكمة تقتضي أن ننظر في حال الزوج، إذًا ملخَّص الموضوع لا الأصول مهما علوا، ولا الفروع مهما نزلوا، و لا الزوجة، يجوز أن ندفع لهم زكاة أموالنا.
 عندنا استثناءان، ابنك إذا انفصل عنك، وكان بحاجة يجوز أن يأخذ زكاة مالك، و أختك التي هي في الأصل أو عمتك أو خالتك التي هي في الأصل يجوز أن تعطيها الزكاة، أما إذا كانت في رعايتك و تحت إنفاقك فلا يجوز أن تعطيها لأن في هذا توفيراً في مصروفك، و كأنك تنفق زكاة مالك، و الزوجة في الأعم لأرجح يجوز أن تعطي زكاتها لزوجها.

على الإنسان التحقق قبل أن يلقي ماله جزافاً :

 عندنا سؤال؛ إذا دفع المكلَّف زكاة ماله لرجل ظنَّه مستوفياً للشروط ثم تبيَّن له خلاف ذلك، تبين أنه غني، قال لي إنسان: الله عز وجل يلهمنا البصيرة، دخلت امرأة إلى مكتب تجاري في الحريقة، عليها ثياب رثَّة جداً، و تمسكنت و ترجَّت، فهذا صاحب المتجر أعطاها ثلاثة آلاف أما أحد أخواننا قال لي: لم أرتح لها و لا لكلامها و لا لطريقة أخذها، كان مرة في مصرف له معاملة هناك، وجدها موجودة هناك فسأل فقيل له: معها سبعمئة ألف، أنا سمعت قصصاً شيء لا يُصدَّق، ملايين، تجد مظهره كئيباً، رجله مكسورة كسراً خلَّبياً، و يمد المحرمة، و هناك معها مئات الألوف، فهذا المال مال الله، فلما يأتي في محله يضاف أجرك، في محله، هناك إنسان مؤمن يستحي أن يسأل، لا يسأل إلحافاً، كرامته غالية عليه، نفسه عزيزة، مستقيم على أمر الله، لكن هؤلاء المتسوِّلين، هؤلاء يجب أن يُعالجوا، و أن يُلاحقوا، و يوضعوا في مأوى، قال لي إنسان: قبضنا على متوسل، يلبس ثوباً وزنه أكثر من عشرين كيلو، كلها ليرات ذهب مخيطة في البطانة، هناك أشخاص معهم مبالغ خيالية من التسوُّل، فالإنسان قبل أن يلقي بماله جزافاً يجب أن يتحقَّق.

قيمة الإنسان بعمله الصالح :

 لكن عندنا قاعدة لو سرق السائل هلك المسؤول، فإذا أنت لا تعرف أعط مبلغاً لا تندم عليه، مبلغ أنك أنت لم تردَّه، لكن الأولى أن تتحقَّق لأن هذا المال فيه قوام الحياة، أحياناً الإنسان ينقذ أسرة، أحياناً ينقذ مريضاً من مرض عضال، أحياناً يحقِّق عملاً كبيراً، و الله أنا دخلت إلى أسرة مع الأب مرض في قلبه خطير، و العملية لا بد منها، تكلف تقريبا مئتين و خمسين ألفاً، و الطرق كلها مسدودة، بلَّغني أحد الإخوان أن هذا الإنسان جاءته مكالمة هاتفية من امرأة لم تذكر اسمها، قال له: غداً اتَّصل بالطبيب الفلاني، طبيب جراح قلب، من حضرتك؟ قالت له: فقط أعطه اسمك، فاتصل فقال له: نعم، أنا جاهز لأجراء عملية مجاناً، دفعت له سلفاً، أنا زرته بعد نجاح العملية، و الله يا أخوان شعرت بسعادة أن البيت صار كله في فرح، هذه المرأة التي أنفقت هذا المبلغ امرأة موسرة أنفقت هذا المبلغ، و مسحت الدموع عن أطفاله الصغار، عن زوجته، أدخلت إلى قلبه السعادة، و اللهِ زرته شعرت أن البيت كله يرقص، أولاده فرحون، و هو مستبشر، أليس أحسن من أن نضع عرساً بخمسة ملايين في فندق منحطٍّ توزَّع فيه الخمور و النساء كاسيات عاريات؟ الكافر يا أخوان ينفق ماله في المحرمات، ينفقه ترفاً و إسرافاً و بذخاً، أما المؤمن فيعلم علم اليقين أين يضع المال، أنت يمكن أن تنقذ أسرة بأكملها من مرض عضال، الآن هناك أمراض كثيرة، لا بد لها من ثلاثمئة ألف، و الله هناك أخ من أخواننا الكرام طبيب لا أنساها له و اللهِ يقول: كلما وجدت إنساناً يريد عملية أنا جاهز، بعثنا له أخاً أجراها كاملة، و الثاني و الثالث و الرابع هذا مثله مثل طبيب جشع مثلاً؟ هل يستويان؟ و اللهِ لا يستويان، فالإنسان إذا لم يكن له عمل لله لا قيمة له عند الله الإطلاق، ساقط من عين الله:

﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾

[ سورة الكهف : 105 ]

﴿ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ ﴾

[ سورة الأنعام: 124]

 شخص أناني يحوم حول مصالحه، بالعكس، من ينصحك بإجراء عملية و أنت لست بحاجة إليها، هناك شخص ينصحك بعملية قيصرية إجبارية، و هي لا يلزمها قيصرية لأنه بين ثلاثة آلاف و ستة عشر ألفاً، هؤلاء ليسوا أطباء، هؤلاء سفَّاحون.
 الإنسان أيها الأخوة قيمته بعمله الصالح، فلو فرضنا إنساناً غلط و ذهب دفع زكاة ماله لشخص مظهره قميء جداً ثم تبيَّن له أنه غني، فما قولكم؟ هل تجب عليه الزكاة مرة ثانية أم لا تجب؟ تفضل، أنت لك نيتك، بارك الله بك، هذا الدليل أساساً، أنت لك نيتك، و لكن نهمس في أذنك مرة ثانية لا تتسرَّع، هذه المرة مررناها لك، مقبولة، و لكن مرة ثانية لا تتسرع، لأنه يجوز أنه شخص غني، أنا سمعت و الله قصة آلمتني كثيراً قصَّتها عليَّ إحدى الجمعيات، اشتروا بيتاً لإنسان فحوله لبيت دعارة و اللهِ، و اللهِ سمعتها بأذني، فالإنسان قبل أن يدفع لا يُؤخذ بالعواطف، أخوانك المؤمنون الطيبون الطاهرون المستقيمون الأعفة الورعون هؤلاء أولى بزكاة مالك، إنسان ملتزم مستقيم، أما إنسان لا تعرفه، و الآن موضوع الاستجداء صار حرفة متقنة تماماً، هناك أساليب، إذا الإنسان كان بسيطاً أو ساذجاً، ماذا قال سيدنا عمر: "لست بالخِبْ ولا الخِبُ يخدعني".

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور