وضع داكن
18-04-2024
Logo
الزكاة - الدرس : 12 - الزكاة - تمهيد.
  • الفقه الإسلامي / ٠5العبادات الشعائرية
  • /
  • ٠4الزكاة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

اقتران الزكاة بالصلاة في مواضع كثيرة بالقرآن الكريم :

 أيها الأخوة المؤمنون، قبيل رمضان بأسبوعين تحدثنا عن باب الصوم في كتاب اللباب، ولأن الزكاة كما هي السنة النبوية يجري دفعها في رمضان لذلك اخترت لكم كتاب الزكاة أيضاً من كتاب اللباب، فالزكاة قرنها الله بالصلاة في مواضع كثيرة، قال تعالى:

﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾

[ سورة الحج : 41]

العلاقة بين دفع المال و تزكية النفس :

 ربما اتجه بعض المفسرين إلى توسيع معناها بحيث أن الزكاة أن تكون زكي النفس، أن تتصل بالله، ومن لوازم الاتصال بالله تزكية النفس، ولأن المعنى اللغوي حيث قال الله عز وجل:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

 فهناك علاقة بين دفع المال وبين تزكية النفس، الذي يدفع المال تزكو نفسه، لماذا؟ لأن دفع المال برهان عملي على صحة الإيمان، الإيمان قبول الحقائق، إذا قبلت أن الشمس أكبر من الأرض ماذا فعلت أنت؟ الآن إذا فكرت في هذه المسلمة في هذه الحقيقة وقلت: صحيح الشمس أكبر من الأرض وفي الحقيقة الشمس أكبر من الأرض، الإيمان قبول، تصديق إذا صدقت أن لهذا الكون إلهاً عظيماً وهو كذلك، إذا صدقت أن هذا الكون فيه إبداع لا حدود له وهو كذلك، إذا صدقت أن الموت حق وهو كذلك، إذا آمنت ولم تفعل شيئاً ماذا فعلت؟ لم تفعل شيئاً لذلك قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

[ سورة الأنفال : 72]

 الإنسان لا يكبر في عين الله إلا إذا أردف القول بالعمل، إلا إذا كانت له مواقف، إلا إذا كان مطبقاً، إلا إذا كان ملتزماً، إلا إذا كان عند عقيدته، عند مبادئه، أما أن يقبل الحقائق وهي حقائق فماذا فعلت إذا قبلت أن الشمس كما قلت قبل قليل أكبر من الأرض وهي كذلك؟

الدين كله اتصال بالخالق وإحسان إلى المخلوق :

 قرأت في بعض الأحاديث: "ماذا صنعت من أجلي هل واليت فيّ ولياً؟ هل عاديت في عدواً؟" ألك موقف؟ ألك بذل؟ ألك تضحية؟ لذلك لو أن إنساناً سئل لماذا قرن الله الصلاة مع الزكاة في أكثر من مئتي آية أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة؟ أي كأن دفع المال برهان على صحة الصلاة، إذا كان اتصالك بالله صحيحاً فلابد من أن تبذل، كأن تزكية النفس دليل عملي على صحة الإيمان، المؤمن صادق، المؤمن طاهر، المؤمن مستقيم، المؤمن أمين، المؤمن متواضع، المؤمن دقيق، المؤمن عفو، المؤمن منصف، فإذا كانت لك نفس زكية فهذا دليل أن لك بالله صلة عالية، لذلك فسر بعضهم قوله تعالى:

﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾

[ سورة مريم : 31]

 قال: في هذه الآية جمع الدين كله، اتصال بالخالق وإحسان إلى المخلوق هذا هو الدين كله، اتصال بالخالق لا نعلمه نحن هذا بينك وبين الله دليله الإحسان إلى المخلوق، فلو أسأل إلى المخلوق فالاتصال غير صحيح، الاتصال مزعوم، الاتصال مزور، الاتصال شكلي، أجوف، إذا كان هناك إساءة للخلق فهذا هو المقياس.

الإنفاق دليل قطعي على صحة الإيمان :

 لذلك عندما قال تعالى:

﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾

[ سورة آل عمران: 133]

 المتقون لهم آلاف الصفات، ربنا سبحانه وتعالى اختار من كل هذه الصفات الذين ينفقون في السراء والضراء، الإنفاق دليل قطعي على صحة الإيمان، الإنفاق بذل، الإنفاق يتعارض مع متطلبات الجسد، يمكن الإنسان يشتهي أن يتزوج الزواج سنة، أنت إذا أقدمت على الزواج فعلاً سنة وطاعة، ولكن هذه الطاعة توافقت مع حاجات الجسد، أخي العمرة طبعاً إذا سافرت في الطائرة ولك أناس استقبلوك ورحبوا بك وأكرموك وكنت في بحبوحة وابتعدت عن هموم البلد طبعاً العمرة واجب، قال تعالى:

﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ﴾

[ سورة البقرة: 196]

 لكن توافقت مع حاجات الجسد، أما الزكاة فدفع المال يتعارض مع رغباتك، الخمسمئة هذه تحل معك مشكلة، دفعتها في سبيل الله، أنت عاكست رغباتك، لذلك الزكاة قرنها الله مع الصلاة، مئتان وعشرون مرة قرنها الله مع الصلاة، أي علامة صحة الصلاة، إذا أردت أن تأخذ معناها الواسع تزكية النفس، في المعنى اللغوي زكاة النفس أي طهارتها، ومعناها الشرعي دفعها للمخصوص.
 على كلّ القضية ليست خلافية دفع المال يسبب إقبالك على الله عز وجل، فإذا أقبلت عليه ذكرته، القضية محلولة، إذا بذلت أقبلت، وإذا أقبلت زكوت، إذاً علامة إقامة الصلاة دفع الزكاة، لذلك جاء ترتيبها في كتاب: "اللباب بعد الصلاة" اقتداءً بكلام الله عز وجل:

﴿ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ ﴾

[ سورة الحج: 41]

 قرنها المؤلف بالصلاة اقتداءً بالقرآن الكريم والأحاديث الشريفة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الزكاة لغةً و شرعاً :

 الزكاة لغةً الطهارة والنماء، زكى الزرع أي نمى، زكى الإنسان أي طهره، صار زكي النفس، طبعاً إذا قلت: فلان ذكي العقل بالذال فهذه صفة عقلية ومنها الذكاء، أما إذا قلت: زكي النفس بالزاي تعني الطهارة، فنحن درسنا عن الزكاة، أما الذكاء أي الفطنة هذا موضوع آخر يتصل بالعلم.
 الزكاة لغةً الطهارة والنماء، وشرعاً تمليك جزء مخصوص من مال مخصوص لشخص مخصوص لله تعالى، ليس كل مال تؤخذ منه الزكاة، وليس كل مال تدفع عنه الزكاة، وليس كل شخص يستحق الزكاة، جزء مخصوص معين من مال مخصوص لشخص مخصوص لله تعالى، من هنا استنبط بعض العلماء أن الله سبحانه وتعالى إذا قال:

﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ﴾

[ سورة المعارج:24 ]

 الحق المعلوم أي حق محسوب، إذا إنسان عنده محل تجاري يقول لك: أنا لا يوجد عندي وقت لأجرد المحل، هذا المحل فيه بمئتي ألف لا بل بثلاثمئة، إذا إنسان معلوماته الفقهية محدودة يقول له: جزاك الله خيراً هل زكاته مقبولة؟ لا ليس مقبولة يجب أن يجرد، ما الجواب؟ الجواب أن بالألف تاجر إذا وجد تاجر قدر زيادة سيكون هناك تجار يقدرون أقل، لا يوجد مئة ألف ويكون نصف مليون لذلك قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ﴾

[ سورة المعارج:24 ]

 أي مجرود، محسوب بدقة، البضاعة، الصندوق، السندات، ديون مستحقة، ديون ميتة، من إلى ذمم، يكون المبلغ ضرب اثنين ونصف بالمئة، ربنا عز وجل قال:

﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ﴾

[ سورة المعارج:24 ]

 يوجد آيات أخرى قال تعالى:

﴿ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾

[ سورة المعارج:24 ]

 ولم يقل معلوم أي إذا إنسان دفع زكاة ماله كاملةً وله جار مؤمن أصيب بحادث فاضطر إلى عملية جراحية طرق باب أخيه فقال له: أنا دافع، هذا كلام مرفوض، قال عليه الصلاة والسلام:

((عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنْهَا سَمِعَتْهُ تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ ))

[ الترمذي عن عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ]

 يجب أن تدفع من باب الصدقة معونةً لهذا الأخ الكريم المصاب، فأنت مؤمن والأوسع من ذلك كما قال بعض العارفين قال له: يا سيدي كم الزكاة؟ قال له: عندنا أم عندكم؟ قال: ما عندنا وما عندكم؟ قال له: عندكم واحد بالأربعين، أما عندنا فالعبد وماله لسيده، هؤلاء:

﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾

[ سورة الواقعة : 10-11]

 لا يوجد عنده ساعة له وساعة لربه؟ هذا له، كل ماله وكله، وكل طاقته، وكل وقته ونشاطه لله عز وجل:

﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾

[ سورة التوبة: 111 ]

 إنسان باع بيته وقبض ثمنه كاملاً، أخي هذه الغرفة ماذا ستفعل بها؟ انتهيت، طالما بعت بعت، فالمؤمن باع نفسه لله تعالى، وربنا عز وجل طمأننا قال:

﴿ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾

[ سورة التوبة: 111 ]

 لا تندموا على البيعة ربحتم علينا، فالزكاة لغةً الطهارة والنماء وشرعاً تمليك جزء مخصوص من مال مخصوص لشخص مخصوص لله تعالى.

على من تجب الزكاة ؟

 أحياناً إنسان يكلفونه بضريبة فيقول: حسبناها من الزكاة، ما دخل الزكاة بالضريبة؟ هذه مقابل خدمات تؤدى للطرقات، والمستشفيات، والمدارس، أما هنا فحق الله، أما تلك فحق الأمير، أما الزكاة فحق الله وهي واجبة وجوباً قطعياً، ليست قضية الزكاة قضية خلافية بل قضية قطعية الثبوت وهي واجبة والمراد بالوجوب الفرض.
 أي هي فرض فلا شبهة فيه، على الحر فلا تجب على العبد لأن العبد ماله لسيده ليس له مال يستقل به، على الحر المسلم، لا تجب على أهل الذمة تجب عليهم الجزية، البالغ لا تجب على الصغير، العاقل لا تجب على المجنون، إذا أخذ ما أوهب أسقط ما أوجب، إذا ملك نصاباً، فارغاً عن دين له، لو تخيلنا النصاب ثلاثين ألفاً معه في البيت ثلاثين ألفاً وعليه دين يقدر بستين ألفاً، هذا النصاب ليس فارغاً بل مشغول بالدين، كثير من الأخوان يسألوني: يوجد معه مال واشترى بيتاً، طالما وقع عقد شراء بيت، والبيت محدد ما انتهى، ولكن محدد في الطابق السادس في الجهة الشمالية أو الجنوبية بسعر كذا، مدفوع من قيمته كذا، وعليه مئتا ألف، وفي البيت مئة ألف، يا ترى هذا المبلغ هل عليه زكاة؟ لا، لأن هذا المبلغ مشغول بالدين فارغاً عن دين له مطالبٌ فيه وعن حاجته الأصلية، الإنسان له حاجة أصلية يحتاج إلى مأوى، فالمأوى لا زكاة عليه يحتاج إلى أثاث في البيت، سجاد وكراسي، وأسرة، وثريات وما شاكل ذلك، ومحله التجاري أيضاً ليس عليه زكاة، وأدوات الصناعة ليس عليها زكاة، ومركبته ليس عليها زكاة، إلا إذا اشترى محلاً ثانياً لينتفع به، هذا صار مال نام، عندك سيارة واشتريت سيارة ثانية لتنتفع منها هذه عليها زكاة، لأنه أصبح مال نام، أي المستهلكات ليس عليها زكاة، البيت مستهلك، الأثاث مستهلك، الدكان، المعمل، الآلات، المركبة، جميع المستهلكات ليس عليها زكاة، المال النامي أو أي مستهلك يقصد به النماء، اشتريت بيتاً على الهيكل وأنت عندك بيت النية فقط أن تنتفع بربحه هذا عليه زكاة، أي شيء أقتنيه بقصد النماء فهو مال وعليه زكاة، أما أي شيء أقتنيه بقصد الاستهلاك فهو حاجة أساسية ليس عليها زكاة.
 فارغاً عن دين له مطالب فيه وعن حاجته الأصلية ملكاً تاماً، وحال عليه الحول موضوع أنه نام، أخذت بيتاً بثمانية عشر ألفاً في الستينات، والآن ثمنه ثلاثة ملايين، هذا مال نما، ولو أنه نام لكنه مستهلك، هل لك بيت ثان؟ لو صار ثمنه خمسين مليوناً ساكن به، فلذلك ليس عليه زكاة، إذاً ليس على الصبي ولا المجنون زكاة لأنهما غير مخاطبين بأداء العبادة كالصلاة والصوم، ولا المكاتب - العبد – عليه زكاة لعدم الملك التام، ومن كان عليه دين يحيط بماله أو يبقى منه دون النصاب فلا زكاة عليه، الذي عليه دين يستغرق ماله كله، أو يستغرق جزءاً من ماله والباقي دون النصاب فلا زكاة عليه، قال: لأنه مشغول بحاجته الأصلية وهي وفاء الدين، فاعتبر معدوماً كالماء الذي لا يوجب الوضوء الذي أعدّ للشرب، إنسان مسافر معه ماء للشرب نقول له: تيمم ويوجد ماء للشرب، هذا الماء للشرب بحكم المعدم.
 وإذا كان ماله أكثر من الدين زكى عن الفضل - مثلاً عليه خمسون ألفاً ومعه تسعون ألفاً طرحنا الخمسين من التسعين بقي أربعون، الأربعون عليها زكاة، يعمل تفاضلاً، إذا بلغ نصاباً لفراغه عن الحاجة وليس في دور السكنى، وثياب البدن، وأثاث المنزل، ودواب الركوب، وعبيد الخدمة، وسلاح الاستعمال زكاة لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية وليست بنامية أصلاً، وعلى هذا كتب العلم المكتبة لو سعرها مئة ألف لأهلها أما لغير أهلها فعليها زكاة، هذا الكتاب مفقود خذ عشر نسخ وبعها بالضعف، لا علاقة لك بالعلم، رأيته يرتفع ثمنه اقتنيت عشر نسخ أما كتاب معد للقراءة فليس عليه زكاة، وآلات المحترفين، أدوات الصناعة، أدوات النجار، الحداد، كل مصلحة لها أدوات، هذه الأدوات أعدت للاستهلاك ليس عليها زكاة.

عدم أداء الزكاة إلا بنية مقارنة للأداء :

 لا يجوز أداء الزكاة إلا بنية مقارنة للأداء، رجل مثلاً طرق بابه إنسان شكا له حالته، فدفع له مبلغاً من المال بعد يومين قال: هذا المال دفعته سوف أحسبه للزكاة، لا يجوز أنت حينما دفعت هذا المال دفعته صدقةً، بعد أسبوع تريد أن تحوله زكاة هذا لا يجوز، الزكاة لا تصح إلا إذا قارنتها نية، أما كل شيء دفعته سابقاً حولته إلى زكاة، الزكاة فقدت شرطاً أساسياً من شروطها وهي النية، ولا يجوز أداء الزكاة إلا بنية قارنة للأداء ولو حكماً، إلا في حالة واحدة إذا دفع بلا نية، فلما أصبح المال بيد الفقير نوى أن تكون زكاةً، إذا دفع بنية الصدقة لا يجوز أن يغير، ولكن دفع ولم يفكر بشيء وبعد أن أعطاها للفقير قال: هذه من الزكاة يجوز ذلك، أو نوى عند الدفع للوكيل، عنده وكيل أعمال قال له: هذا المبلغ زكاة ممكن أن يدفع بعد سنة أو بعد شهرين هو نوى الزكاة حينما دفع المال للوكيل، أو أن تكون النية قابلة للعزل، أي عنده صندوق فيه مال، جمع المال وحسبه قال: الزكاة خمسة آلاف ووضعهم في الصندوق هذه نية العزل نية، إما أن تدفع المال للفقير أو للوكيل أو عند العزل فتصح النية في هذه الأحوال الثلاث، لأن الزكاة عبادة وكان من شرطها النية، والأصل فيها الاقتران، إلا أن الدفع قد يتفرق، وضعت خمسة آلاف زكاة دفعتهم مئتين، ثم خمسمئة ثم ألفاً، على مدى شهرين أو ثلاثة، حينما نويت الزكاة حينما عزلت المال أصبحت مقبولة وعبادة صحيحة، أي يكفي أن تنوي عند العزل، أما الدفع فمتتال، متفرق، متباعد إلا في حالة واحدة قال: من تصدق بجميع ماله ولا ينوي به الزكاة سقط فرضها عنه، طبعاً دفع كل ماله صدقةً سقط عليه فرض الزكاة استحساناً لأن الواجب جزء منه، الواجب الذي عليه جزء من هذا المال فكان متعيناً فيه فلا حاجةً للتعيين، انتهى الأمر ودفع كل ماله.
طبعاً يوجد عندنا زكاة الإبل، والبقر، والخيل، والغنم، والبغال سنأخذ زكاة الفضة والذهب والورق، والأصح لأن التعامل بالذهب غير متيسر الأصح هو زكاة الورق، أي المال النقدي المتداول هذا شيء معروف، ممكن موضوع زكاة الذهب والورق والعروض التجارية نبحثه في التفصيل في الدرس القادم.

* * *

قصة التابعي الجليل أبو مسلم الخولاني :

 سوف نبحث الآن عن قصة من قصص التابعين، هذا التابعي الجليل أبو مسلم الخولاني.
 طارت الأخبار من جزيرة العرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ثقل عليه المرض بعد عودته من حجة الوداع، فسول الشيطان للأسود العنسي أن يعود للكفر بعد الإيمان، وأن يفتري على الله الكذب، فيزعم لقومه في اليمن أنه نبي مرسل من عند الله، وكان الأسود العنسي رجلاً شديد المرّة أي القوة، قوي البنية، أسود النفس، اسم على مسمى، مستطير الشر - سريع الشر - لقد أتقن الكهانة في الجاهلية، وحذق الشعوذة على الناس، وكان إلى ذلك فصيح اللسان، رائع البيان، ذكي العقل، قادراً على اللعب بعقول العامة بأباطيله، وكسب ولاء الخاصة بهباته وعطاياه، العامة يدجل عليهم والخاصة يغرقهم بالهدايا.
 وقد انتشرت دعوة الأسود العنسي باليمن انتشار النار في الهشيم، وقد ساعده على ذلك اتباع قبيلته له، وكانت يومئذٍ من أكثر القبائل اليمن عدداً، وأوسعها نفوذاً، وأشدها بأساً، كما ساعدته على ذلك قدرته على اختراع الكذب وتلفيقه، واستعانته بالأذكياء من أتباعه على ذلك.
 فقد زعم الأسود العنسي أن ملكاً من السماء ينزل عليه بالوحي ويخبره بالمغيبات، وسلك في إقناع الناس وبصحة هذا الزعم مسالك شتى فكان يبث عيونه - يوجد عنده أتباع يرسلهم إلى أطراف البلاد - يستقصون له الأخبار ليقفوا على كل شأن من شؤون الناس وشجونهم، ويكشف له عن أسرارهم وأخبارهم، وينفذ إلى ما يعتلج بخبايا نفوسهم من الآمال والآلام، وكانوا في الوقت نفسه يغرون هؤلاء الناس بأطراف البلاد باللجوء إليه، وطلب العون منه، فكانوا إذا جاؤوه واجه كل ذي حاجة بحاجته، وبدأ كل صاحب مشكلة مشكلته.
 طبعاً تصرف ذكي يرسل عيونه- أتباعه- إلى أطراف البلاد يتقصون له الأخبار، ويغرون الناس أن يأتوا إليه، ويأتي الناس إليه يحدثهم عن أخبارهم، عن مشكلاتهم، عن حوادثهم، عن آلامهم، عن آمالهم، يصدقون أنه يعلم الغيب، وأتى أمامهم من العجائب والغرائب ما يذهل عقولهم، ويحير ألبابهم، الآن من يذكر أن هذا الأسود العنسي رسول الله؟ لقد طواه الزمان.
 ما بين حضرموت وما بين الطائف، وما بين البحرين وما بين عدن، ولما استتب الأمر للأسود العنسي، ودانت له البلاد والعباد، نشط في تتبع معارضيه ممن آتاهم الله إيماناً راسخاً بدينه القويم، ويقيناً ثابتاً بنبيه الكريم، وجهراً بالحق متصدياً للباطل، فجعل يبطش بهم في قسوة قاسية، وينزل بهم أشد النكال، وكان في طليعة هؤلاء عبد الله بن ثوب المكنى بأبي مسلم الخولاني موضوع هذه القصة.
 كان أبو مسلم الخولاني رجلاً صلباً في دينه، قوياً في إيمانه، عنيداً في الجهر بالحق، قد أخلص نفسه لله، وأعرض عن الدنيا وزينتها، وزهد في زخرف العيش ومتاعه، ونذر حياته لطاعة الله، والدعوة إليه، وباع الفانية بالباقية بيع السماح فأحله الناس من نفوسهم منزلةً رفيعة، ورأوا فيه رجلاً طاهر النفس والنفس، مستجاب الدعوة عند الله، وقد أراد الأسود العنسي أن يبطش بأبي مسلم الخولاني بطشةً جبارة، تبث الهلع والجزع في نفوس معارضي دعوته في السر والعلن، وتقمعهم قمعاً، فأمر بالحطب بأن يكدس في ساحة من ساحات صنعاء، وأن تضرم فيه النار، ودعا الناس أن يشهدوا استتابة فقيه اليمن وعابدها أبي مسلم الخولاني، وإقراره بنبوته، وفي الوقت المحدد أقبل الأسود العنسي على الساحة التي اكتظت بالناس اكتظاظاً، وكان يحف به طواغيته، وكبار أتباعه، ويحوطه حرسه، وقادة جنده، فجلس على كرسيه العظيم الذي نصب له قبالة النار، وقيد إليه أبو مسلم الخولاني على مرأى من الناس جميعهم ومسمع، فلما صار بين يديه نظر إليه الطاغية الكذاب في خيلاء ثم نظر إلى النار التي تتأجج أمامه في ضراوة ثم التفت إليه وقال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم أشهد إنه عبد الله ورسوله، وأنه سيد المرسلين، وأنه خاتم النبيين أيضاً، فقطب الأسود العنسي وجهه وزم حاجبيه وقال: وتشهد أني رسول الله؟ فقال: إن في أذني صمماً فلا أسمع ما تقول، طبعاً موقف عصيب النار وسيلقى بالنار، فقال الأسود: إذاً أقذفك في هذه النار، فقال أبو مسلم: إن فعلت اتقيت بهذه النار التي وقودها الحطب نار يوم القيامة التي وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، فقال الأسود العنسي: لن أعجل عليك وسأتيح لك الفرصة لتراجع عقلك، ثم أعاد عليه السؤال فقال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم أشهد إنه عبد الله ورسوله، وأنه سيد المرسلين، وأنه ختم برسالته الرسالات، فازداد الأسود حنقاً وقال: أتشهد أني رسول الله؟ فقال أبو مسلم: أما أخبرتك أن في أذني صمماً فلا أسمع مقالتك هذه، فاستشاط الأسود العنسي غيظاً من صرامة إجابته، وهدوء نفسه، وسكينة جواره، وهمّ بأن يأمر به فيلقى في النار، عندئذ تقدم منه أحد أتباعه وهمس في أذنه قال هذا الرجل المقرب من هذا المدعي النبوة: إن الرجل - أبو مسلم الخولاني - طاهر النفس، مستجاب الدعوة، وإن الله لن يخذل مؤمناً، وإنك إن ألقيته في النار ونجاه الله منها هدمت كل ما بنيته في لحظة واحدة - هذه مغامرة كبيرة إذا ألقيته في النار والله نجاه منها هدمت كل ما بنيته في لحظة واحدة - ودفعت الناس إلى الكفر بك وبنبوتك دفعاً، وإن أحرقته فرضاً ازداد الناس به إعجاباً، وله إكباراً، ورفعوه إلى مصافي الشهداء، فمن عليه بإطلاق سراحه وانفه من البلاد وأرح نفسك منه واسترح.
 قدم له نصيحة كبيرة فقال: أخذ الأسود بمشورة طاغوته، وأمره بمغادرة البلاد بساعتها، أي الله عز وجل حفظه، ألقى في قلب هذا الرجل هذه النصيحة فنصحه بها فحفظه، بعض المصادر تشير إلى أنه قذفه في النار ونجاه الله منها، هكذا لكن يبدو أن المؤلف رجح هذه الرواية لأنها أقرب إلى الواقع، تلك معجزة بحق سيدنا إبراهيم، بعض كتاب السيرة علقوا على ما حدث لسيدنا إبراهيم تعليقاً لطيفاً فقال: الله عز وجل كان بإمكانه أن يجعله يتوارى عن الأنظار، وألا يُمكن النمرود من القبض على إبراهيم، أليس كذلك؟ وكان من الممكن أن يرسل سحابةً تمطر فوق النار فتطفئها كان من الممكن، ولكن الله سبحانه وتعالى أراد إظهار قدرته فمكن خصومه من أن يقبضوا عليه، ومكنهم من أن يضرموا النار، وأشعلوها وألقوه فيها، قال تعالى:

﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾

[ سورة الأنبياء : 69]

 لو لم يقل سلاماً لمات من البرد، برداً وسلاماً على إبراهيم:

﴿ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء : 70]

 الله موجود في كل عصر، الإنسان يكون مع الله دائماً الله ينجيه، لا أنسى هذه القصة قصة سيدنا يونس عندما كان في بطن الحوت، في البحر، وفي الليل، في ظلمات ثلاث قال تعالى:

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة المؤمنين : 87-88]

 مبدأ عام، أحياناً الإنسان يكون راكباً سيارة الله ينجيه من حادث بمنتهى اللطف، أحياناً ينجيه من ورطة، من عدوه، من إفلاس، من صفقة خاسرة، ربنا عز وجل هو اللطيف.
 يمم أبو مسلم الخولاني وجهه شطر المدينة، وكان يمني نفسه بلقاء رسول الله، كان النبي على قيد الحياة، فهو قد آمن به قبل أن تكتحل عيناه برؤيته، وتفرح نفسه بصحبته قبل أن يراه، عرض نفسه للموت قبل أن يراه، لكنه ما كاد يبلغ حواشي يثرب حتى بلغه نعي النبي صلوات الله عليه، ما متع عينه برؤية النبي وقيام أبو بكر الصديق على خلافة المسلمين من بعده فحزن على وفاة النبي حزناً خالط سويداء قلبه.
 بلغ أبو مسلم المدينة، وقصد المسجد النبوي الشريف، فلما أقبل على المسجد عقل ناقته قريباً من بابه، ودخل إلى الحرم النبوي الشريف، وسلم على النبي صلوات الله عليه قال: أنا حي طري في قبري، إذا ذهبت الآن إلى المدينة تحس بوجوده وكأنه حي لا كالأموات، ثم وقف إلى سارية من سواري المسجد وجعل يصلي فلما فرغ من صلاته توجه نحو عمر بن الخطاب حتى صار أمامه وقال له: ممن الرجل؟ فقال: من اليمن، فقال: ما فعل الله بصاحبنا الذي سجر له عدو الله النار فأنجاه الله منا؟، طار سيطه إلى المدينة، فقال: هو بخير من الله ونعمة، قال: ناشدتك الله ألست أنت؟ قال: بلى، فقبّل عمر ما بين عينيه، وقال: أتدري ما فعل الله بعدو الله وعدوك؟ قال: والله لا أدري لقد انقطعت عن أخباره منذ غادرت اليمن، قال: قتله الله على أيدي البقية الباقية من المؤمنين الصادقين، وأزال دولته، وردّ أتباعه إلى دين الله، فقال: الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى قرت عيني بمصرعه، وعودة المخدوعين من أهل اليمن إلى أكناف الإسلام، فقال له عمر: وأنا أحمد الله الذي أراني في أمة محمد من فعل به كما فعل بخليل الرحمن سيدنا إبراهيم، ثم أخذه من يده ومضى به إلى أبي بكر رضي الله عنه، فلما دخل عليه سلم عليه بالخلافة وبايعه، فأجلسه الصديق بينه وبين عمر وطفق الشيخان يستعيدان مع أبي مسلم خبره مع الأسود العنسي.
 أقام أبو مسلم الخولاني زمناً في المدينة المنورة لزم خلاله مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى ما شاء الله أن يصلي في روضته المطهرة، وأخذ ما وسعه الأخذ عن جلة الصحابة من أمثال أبو عبيدة بن الجراح، و أبو ذر الغفاري، و عبادة بن الصامت، و معاذ بن جبل، وعوف بن مالك الأشجعي ثم بدا لأبي مسلم أن يرحل إلى بلاد الشام، وأن يتخذها له مقاماً، وكانت غايته من ذلك أن يكون قريباً من الثغور الشامية ليشارك المسلمين في غزو الروم، ويفوز بأجر المرابطة في سبيل الله، ولنا في الدرس القادم إن شاء الله بعض من مواقفه مع معاوية بن أبي سفيان خليفة المسلمين في الشام.

 

تحميل النص

إخفاء الصور