وضع داكن
19-04-2024
Logo
الأخلاق - الغيبة - الدرس : 3 - حكم سماع الغيبة.
  • الفقه الإسلامي / ٠4الأخلاق الإسلامية
  • /
  • ٠1الغيبة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

تلخيص لما سبق :

أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الغيبة، وأظُنُّه الدَّرْس الثالث، فالغيبة كما تعْلمون من أكبر الكبائِر، بل إنَّ الذي يُحْبط عمل المُسْلم من دون أن يشْعر هذا المرضُ الاجْتماعي المُتَفَشي بين الناس، فلِذلك تَحَدَّثْنا في دُروسٍ سابِقَة عن معْنى الغيبة، وعن طائِفَة من الآيات والأحاديث المُتَعَلِّقَة بالغيبة، ثمَّ ذكرنا أقوال العلماء الأجلاء عن موضوع الغيبة، وها نحن الآن ننتَقِلُ إلى فقْرةٍ أُخْرى في موضوع الغيبة بالذات ألا وهي حُكْم سماع الغيبة.
الإنسان لا يتقرب من الله عز وجل إلا إن عرفه
المُسلم بعد أنْ عرف الله عز وجل، واسْتَقَرَّ الإيمان في قلبه لا شيء يشْغَلُهُ كأن يعْرف حكم كُلِّ شيء، لأنَّ الإنسان لا تتوَلَّد في نفْسِه الرَّغْبة في التَقَرُّب إلى الله عز وجل إلا إذا عرفه، أما إذا عرفهُ في اللَّحْظة التي أدْرك طرَفاً من كمال الله عز وجل، ومن جماله، ومن أسْمائِهِ الحسنى يشْعر بِرَغْبةٍ جامِحَةٍ للتَقَرُّب إليه، كيف يتقَرَّبُ إليه؟! بِتَطْبيق أحْكامهِ، لذلك المؤمن شُغْلُهُ الشاغِل وهَمُّهُ الأوَّل أن يعْرِفَ الحُكْمَ الشَّرْعي في أيِّ موضوعٍ من موضوعات حياتِهِ، ولعلَّ هذا هو الباعث الحثيث الذي يدْفعُ المؤمن لِطَلَبِ العِلْم، ولاسيَما العِلْم الشَّرْعي، والحُكْم الشرْعي، والمَوْقِفُ الذي يُرْضي الله عز وجل.
فالدَّرْس اليوم بعد أنْ تَحَدَّثْنا عن الغيبة، وعن خُطورَتِها في حياة المجْتمع، وعن الآثار الضارّة الهدَّامة في تفكيك العلاقات الاجْتِماعِيَّة، وتطَرَّقْنا إلى الأدلَّة في تحْريمها من الكتاب والسنَّة، والتحَدُّث عن طائِفَة من العلماء والصحابة الكِرام وأقْوالهم فيها، ننتَقِلُ اليوْم إلى حُكْمِ سماعِ الغيبة.

حكم سماع الغيبة :

1 ـ تذْكير المُتَكَلِّم أنَّ هذه غيبة ومَعْصِيَة إنْ لم يخَف ضَرراً ظاهِراً :

لا بأس من أن نقْرأ الحُكْم قِراءَةً تفْصيلِيَّة لِنَقِفَ عند دقائِقِها، يقول الإمام النَّووي رحمه الله تعالى: إنَّ الغيبة كما يُحَرَّمُ على المُغْتاب ذِكْرُها يُحَرَّمُ على السامِعِ اسْتِماعُها وإقْرارُها - أي حُكْمُ المُسْتَمِع كَحُكْمِ المُغْتاب- ويجب على من سَمِعَ إنْساناً يبدِأُ بِغيبَةٍ مُحَرَّمة أن ينْهاهُ إنْ لم يخف ضَرراً ظاهِراً، فأوَّلُ شيء عليك أن تنْهاهُ يا أخي الكريم هذه غيبة أرْجو الله سبحانه وتعالى أن يحْمِينا ويَحْمِيَك منها، فأوَّل عمل تذْكير المُتَكَلِّم أنَّ هذه غيبة ومَعْصِيَة، إنْ لم يخَف ضَرراً ظاهِراً، لأنَّك قد تكون في مَجْلس ولا تسْتطيع أن تقول للمُتَكَلِّم هذه غيبة، لكنَّك إن اسْتَطَعْتَ ينبغي أن تنهى المتكلِّم، فإنْ خافَهُ ولم يسْتَطِع أنْ يُذَكِّرَهُ، أو أنْ يزْجُرَهُ وَجَبَ عليه الإنْكار بِقَلْبِه حكم السامع كحكم المغتاب
إذاً لا يقبل الله منك أنْ تُنْكر الغيبة بِقَلْبِك إلا إذا عَجَزْتَ على أنْ تُنْكِرَها بِلِسانِك؛ في جلسة وفي سَهْرة واجْتِماع وفي نزهة ووليمة ولقاء وندْوة، وفي أيِّ مكان كنت، ومع أيٍّ شئت، فأنت كَمُسْلم إذا كنت في مَوْطِن وبدأ أحدهم يغْتاب الآخر فأنت أحدُ رَجُلَيْن: إما أنَّكَ تسْتطيع أنْ تُنكِر بِلِسانِك أن تقول له: يُرْجى أنْ تَكُفّ عن هذا الموضوع إذا كان أكبر منك، وإذا كان أصغر منك تقول له: صَهْ - اسكُت- عن هذا الموضوع، أم صَه باللغة معناها اُسْكُت عن أيِّ موضوع، فالإنسان دائِماً لا يخْلو أن يكون مع من دونه، أو مع من في مُسْتواه، أو مع من فَوْقَهُ، فإذا كنت مع من دونك قل له: اُسْكت، فقد كان أحد العلماء الأجِلاء في الشام ما إنْ يتَكَلَّم كلمة إنسان حتى يقول له: اسكُت يا أبي ولا يقول غيرها، وإذا كان هناك من مُسْتواك فَقُلْ له: يا أخي يُرْجى أن نُغَيِّرَ هذا الحديث لأنَّ في هذه مُخالفة، ونحن لدينا قاعِدَة في البلاغة: أنت تُخاطِبُ من دونك بالأمر، ومن في مُسْتواك بالرجاء، ومن فوقك بالدعاء، فالإنسان بِحَسَب حِكْمته، فإذا أعْطى المُدَرِّس أمراً لِطُلابِه كان زَجْراً ونَهْياً، أما إنْ كنت تخافُ بطْشَهُ فعندها تُنْكِرُ بِقَلْبِك.

2 ـ مفارقة المجلس اِحْتِجاجاً أو خُفْيَةً :

الحكم الشرْعي الثاني: ينبغي أن تُفارق المَجْلس إن تَمَكَّنْتَ من مُفارَقَتِه فإما أن تنْسَحِب اِحْتِجاجاً، وإما أنْ تنْسَحِب خُفْيَةً، بِحَسَبِ المَجْلس ومن فيه، وحَسْبَ مكانَتِك بالمَجْلس، على كُلٍّ الإنكار باللِّسان أو القلب والانْسِحاب من المَجْلس إن قَدَرْت على ذلك، و المَوْقِفُ الشَّرْعي الذي يُلْزِمُك به الشَّرْع الحنيف إذا ما شُرِعَ لِغيبَةٍ أمامك، قال: فإن قَدَرَ على الإنكار بلِسانه، أو على قَطْعِ الغيبة بِكَلامٍ آخر لَزِمَهُ ذلك فإن لم يفْعل فقد عصى الله، هذا هو الحُكْم الشَّرْعي، وهو ما ينبغي أن نفعله جميعاً، فإن رأيْتَ أحَدَهُم باشَر الحديث عن إنسانٍ آخر فإما أن تزْجُرَهُ، وإما أنْ تلْفِتَ نظَرَهُ، وإما أنْ تُنْكِرَ بِقَلْبِك، وإما أن تنْسَحِبَ احْتِجاجاً أو انْسِحاباً من لم ينكر الغيبة فقد عصى الله تعالى
فالإنسان أحْياناً لأسباب مادِيَّة ينْسَحِبُ احْتِجاجاً كأن يقول: إذا لم تُعَيِّنوا فُلاناً أنْسَحِب أنا، فَمِن أجْل الدنيا الإنسان أحْياناً ينْسَحِب ومن أجل الآخرة ينبغي أن ينسَحِب اِحْتِجاجاً، أحْياناً يكون أخٌ كبير معه أخوات بنات وبدأت الغيبة؛ أنت أخوهم الكبير والأخ الكبير والد لا ينبغي أن تجْلس معهم في هذا الحديث القَذِر، قال: فإن قال بِلِسانه اُسْكُت وهو يشْتَهي بِقَلْبِه اسْتِمْرارُه، فقد قال الإمام أبو حامد الغزالي هذا نِفاقٌ لا يُخْرِجُهُ من الإسلام، وهذه غيبة القَلْب فأنت أحْبَبْت الحديث لأنَّه جذاب وفيه الفضيحة، ودائِماً أخبار الناس، وخفايا حياتهم، وما تنطوي عليهم بُيوتَهم يتلذَّذُ بها الناس، ويملؤون بِها وَقْت الفراغ، ولا بدّ من كراهِيِّة لأنَّ النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ))

[البغوي في شرح السنة عن عبد الله بن عمرو]

والحقيقة أنَّنا نحْتاجُ هنا أن نقف قليلاً عند هذه النُّقْطة.

 

سمو النفْس يؤدي إلى كره المعْصِيَة:

أحْياناً الإنسان يشْعُر بأنَّهُ في مُسْتوى الشَّرْع، وأحْياناً يشْعر أنَّهُ بعيدٌ عن مُسْتوى الشَّرْع الإنسان يرتقي لمستوى الشرع حينما تسمو نفسه فتكره المعصية
فإنْ شَعَرَ أنَّهُ بعيد فهذه إشارة غير جيِّدَة، فَهُوَ يشْتَهي المَعْصِيَة لكن لا يعْصي خَوْفاً فَوَعْيُهُ وإدْراكُهُ وسَيْطَرَتُهُ تَمْنَعُهُ أن يعْصي، ولكن عقْله الباطن في نفْسِيَّتِه تُحِبُّ المَعْصِيَة، فهذه مشْكلة وبادرة غير طيِّبَة، ودليل أنَّك في مَرْحَلَةِ جِهاد النَّفْس والهَوى، وأنَّكَ لسْتَ في مُسْتوى الشَّرْع، فأنت تقْهَرُ نفْسَكَ ولا تنْقادُ لها، لكن حينما تسْمو نفْسك فَتَكْرَهُ المعْصِيَة والغيبة والنميمة والفُحْش من الكلام وسماع الغِناء فهذه والله بادرة طيِّبَة، معنى ذلك أنَّ الإنسان ارْتَقى إلى مُسْتوى الشَّرْع المؤمن يتألم لوسوسة الشيطان له
قد يرى الإنسان بالمنام أشياءً كثيرة جداً يرى أنَّهُ يعْصي الله، ويرْتَكِبُ الفاحِشَة فهُوَ لا يُحاسَب، ولكنَّها بادرة غير طيِّبَة، هو في وادٍ ونفْسُهُ في وادٍ آخر، أما حينما يرى نفْسَهُ في المنام يقْرأ القرآن، أو يُصَلي أو يزور النبي العدنان، فهذه بادرة طيِّبَة جداً، أنَّ عَقْلَكَ الباطِن في وادي الإيمان.
أحْياناً يسألني أخوة كثيرون في هذا الموْضوع أنَّهُ تأتينا خَواطِر مُزْعِجَة ونتألَّمُ جداً، ماذا نفْعل؟ الجواب: أنَّك إنْ تألَّمْتَ فهي ليْسَتْ منك بل من الشيطان، ولو أنَّها منك لَقَبِلْتَها وارْتَحْتَ لها، فالشيء الذي ترْتاحُ له هو منك، والشيء الذي يُنَغِّصُ حياتك فليس منك، فَكُلُّ وَسْوَسَةٍ تضيقُ بها اسْتَبْشِر أنَّها ليْسَت منك، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

((عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا فَقَالَ... مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمُ الْمُؤْمِنُ))

[الترمذي عن ابْنِ عُمَرَ ]

من اضطرّ إلى المُقام في مَجْلس غيبة وعَجَز عن الإنكار بِلسانه فليتشاغل عنه :

عندنا الآن حالة ولكِنَّها نادرة، قال: ومتى اْضطرّ الإنسان إلى المُقام في ذلك المَجْلس الذي فيه الغيبة، وعَجَز عن الإنكار بِلسانه، أو أنْكَرَ فلم يُقْبل منه، ولم يتمَكَّن من مُفارقة هذا المَجْلس بِطَريقَةٍ أو أُخْرى حَرُمَ عليه الاسْتماع والإصْغاءُ للغيبة، هناك أشْخاص يحْتَجون على كلامٍ لا يرْضَوْنَهُ بالتشاغل، كأن ينظر إلى الشُباك، وأن ينْظر للساعة معنى هذا أنَّ كلامك ما أعْجَبَني، قال تعالى:

﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾

[ سورة محمد: 7 ]

الإنسان كلما كان أكثر ورعاً كلما فرض الحكم الشرعي مع وجوده
فهذا الأخير إنكار إلا أنَّهُ من نوعٍ ثان، قال: بل عليه أنْ يذكر الله بِلِسانه وقلبه، أو بِقَلْبِه، أو يُفَكِّر بِأمْر آخر عن اسْتماعِها، ولا يضُرُّه بعد ذلك السماع من غير اسْتِماعٍ أو إصْغاءٍ في هذه الحالة المَذكورة هذا كلام الإمام النووي، وهو من كبار الفقهاء وله كُتُب بالفقه الشافعي تُعدُّ من قِمَمِ كُتُب الفقه كَمُغْني المُحْتاج، فإن أمْكن بعد ذلك من المُفارقة وهم مُسْتَمرون في الغيبة ونَحْوِها وَجَبَ عليه المُفارقة، فإذا فَعَلَ كُلُّ واحِدٍ منا هذا، يُصبحُ المُغتاب يَعُدّ للألف كي يغْتاب، فإذا أظْهَرْتَ إنْكاركَ وسَكَتَّ، ولم تسْتَجِب ولم تُحَمِّس، وفارَقْتَ المَجْلس، فَكُلُّ من حَوْلَك يحْسِبون لك الحِساب، ويَعُدُّون للمئة قبل أن يُفَكِّروا أنْ يغْتابوا أمامك، أمَا ترْضى أنت إذا كنت في مَجْلس أن يقطع الناس غَيبَتَهُم بِوُجودِك؟ ما علامة أوْلياء الله؟ قال: علامة أوْلياء أُمَّتي الذين إذا رُؤوا ذُكِرَ الله بِهِم، فالإنسان كلما كان أكثر ورعاً كلما فَرض الحُكْم الشَّرْعي مع وُجوده، فأنت كَمُؤمن لك هيْبَة فلا أحَدَ يجْرؤ أن يعْصي الله أمامك، والمؤمن يُلقي أمامه هَيْبة بحَيْث لا يسْتطيع أحد أن يتَكَلَّم أمامه؛ هذه من نِعَمِ الله عز وجل، وكلما كان الإنسان أكثر طاعَةً لله عز وجل كلما كان أكثر هَيْبَةً، سبحان الله لما يعْصي الإنسان في السِرّ ويُطيعُ الله في العَلَن ينْزعُ الله هَيْبَتَهُ! من عَصى الله في السِرِّ نزع الله عنه الهَيْبَة ومن هاب الله هابَهُ كُلُّ شيء، ومن لم يَهَبْهُ أهابَهُ من كُلِّ شيء، فأحد مكافآت المؤمن الصادق أنْ يُلْبِسُهُ الله الهَيْبَة.

الخوض بالآيات :

حتى بالبيْت قال تعالى:

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة الأنعام: 68 ]

كلمة يخوض تعني حركة عَشْوائِيَّة وطائِشَة، قال تعالى:

﴿ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴾

[ سورة المدثر: 45 ]

فإذا انْطَرَحَ موضوع ديني كُلُّ واحِدٍ أدْلى بِرَأي إلا أنَّ الآراء مُضْحِكَة:

يقولون هذا عندنا غير جائِز فمن أنتم حتى يكون لكم عندُ ؟!
***

لا يجوز للإنسان الجاهل أن يعطي رأيه بحكم شرعي
ما مَحَلُّك من الإعْراب ؟ أنت مُشَرِّع أو مُجْتَهِد أو فقيه أو عالم؟ أنت إنسانٌ عادي وأقلّ من عادي، فهذا سيّدنا الصِدِّيق على عُلُوِّ قَدْره قال: إنما أنا مُتَّبِع ولسْتُ بِمُبْتدِع، وهذا النبي الكريم يقول كما قال تعالى:

﴿ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾

[ سورة الأحقاف: 9]

تجد موضوعاً خطيراً يتكَلَّم فيه ويخوض فيه إنسانٌ جاهِل، ثقافَتُهُ مَحْدودة، يقول لك: هذا الأمر ليس هذا هو زمانهُ، وأنت تقول له شيءٌ مُحَرَّم يقول: لا داعي لِتَحْريمِهِ! من أنت ؟!! هذا هو الخَوْض بالآيات، قال تعالى:

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة الأنعام: 68 ]

العلماء قاسوا على هذه الآية أنَّهُ لا يجوز أن تُتابِع مَجْلس يُسْتَهزأُ بآيات الله، أو مَجْلس فيه خَوْض، وإدْلاء فج، وبحْث سَطْحي.

الحكمة مَنْ منعها أهلها فقد ظلمهم :

لذلك قال أحد الأُدباء: لي صديق كان من أعْظم الناس في عَيْني، وكان رأس ما عَظَّمَهُ في عَيْني صِغَرُ الدنيا في عَيْنَيْه، فقد كان خارِجاً عن سلْطان بطْنِه فلا يشْتهي ما لا يجد ولا يُكْثِرُ إذا وَجَد، وكان خارِجاً عن سُلْطان الجَهالة فلا يتكَلَّم بما لا يعْلم، ولا يُماري فيما علِمَ، وكان لا يُدْلي بِرَأيٍ إلا إذا رأى قاضِياً فهِماً وشُهوداً عُدولاً، فإذا لم ير الإنسان الواعي الفهيم لا يتكلَّم، لأنَّ الحِكْمَة إنْ مَنَعْتَها أهْلها فقد ظَلَمْتَهُم، أما إنْ تَكَلَّمْتَ بها لِغَيْر أهْلِها فقد ظَلَمْتَها إذاً كما قال تعالى:

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة الأنعام: 68 ]

أعظم الناس من صغرت الدنيا في عينه
الإمام الجُنَيْد سئِلَ مرَّةً من وَلِيُّ الله؟ وكأنَّهُ فَهِم من السائِل أنَّ الوليّ الذي يمْشي على وَجْه الماء، أو الذي يطير في الهواء؛ فقال: ليس الوليّ الذي يمْشي على وَجْه الماء، ولا الذي يطير في الهَواء، ولكِنَّ الوَلِيَّ كُلَّ الوَلِيّ الذي يَجِدُك حيث أمَرَك، ويفْتَقِدُكَ حيث نهاك، أين أنت في هذا الوقت؟ صائِم وفي المسْجد وفي مَجْلس العِلْم.
رُوِيَ عن إبراهيم بن الأدْهَم رحمه الله تعالى أنَّهُ دُعِيَ إلى وليمة فَحَضَر فَذَكروا رَجُلاً لم يأتِ فقالوا: إنَّهُ ثقيل، فقال إبراهيم: أنا فعلتُ هذا بِنَفْسي حيْث حَضَرْتُ مَوْضِعاً يُغْتابُ فيه الناس فَخَرَجَ ولم يأكل ثلاثة أيام، فَهَل يُعْقَل أنْ يُدْعى الإنسان إلى وليمة ويخْرج منها احْتِجاجاً، المُشْكلة أنْ يُعْصى الله أمامنا ونسْكُت، مُدَّعِياً أنّهُ يبْتغي السلامة، فهذا إنْسانٌ مائِع أي أنّهُ يأخذ أيَّ شَكْل، إسكات الإنسان السفيه وعدم السماح له بالنطق فيه بركة
أما الإنسان الصلب فلهُ شَكْل وشَخْصِيَّتَهُ، أما المنافق فينسَجِم مع أيِّ مُجْتَمع.
ورأى عمرُ عَمْراً بن عُبيْد مولاه مع رَجُلٍ وهو يقعُ في آخر فقال له: "وَيْحَكَ ‍نَزِّه أُذُنَك عن اسْتِماع الخَنَة كما تُنَزِّه لِسانك عن النُّطْق بها فالمُستَمِعُ شريك القائِل، إنما نظر إلى شَرِّ ما في وِعائِه فأَفْرَغَهُ في وِعائِك"، ما رأيكم فيمن معه كيسٌ أسْود ومعه قُمامة فإذا به يضعُها في حقيبة إنسانٍ من المارة! هذا عمل قبيح وهَمَجي وغير أخْلاقي، كذلك هذا الذي يتكلَّم بالغيبة أفْرَغَ قُمامة بِوِعاء نظيف، فالمُسْتَمِع شريكُهُ في الإثم قال: لو رُدَّتْ كلمةُ سفيهٍ في فيهِ لَسَعِدَ بها رادُّها كما شَقِيَ بها قائِلُها، فإسْكات الإنسان السفيه وعدمُ السماح له بالنُّطْق فيها بركة، لذلك قالوا: من سَمِعَ غيبة مُسْلِمٍ فعليه أن يرُدَّها ويزْجُرَ قائِلَها، وذَكَرْتُ لكم سابِقاً أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام يقول: "من عامل الناس فلم يظْلمهم وحَدَّثَهم فلم يكذبهم " فأنت لك حقٌّ على إخْوانك، ما دُمْتَ لم تعْصِ الله جَهْراً يغلبُ عليك الحياء والتَّسَتُّر وتُؤدي الصلوات الخَمْس، وليس في حياتِكَ مَعْصِيَة ظاهِرَة، وكلامك صادِق، وتفي به، ولا تنافق فأنت إنسانٌ لك حُرْمَة عند إخْوانك، والحُرْمَة ألا يُقال في حَقِّكَ كلمة تَمَسّ بِشَخْصِيَتِك فإذا الإنسان غاب عن مُجْتَمع وهو مُطْمئنّ أنّ غَيْبَتَهُ مَحْفوظة فهذا شيءٌ جيِّد، نحن الآن نريد من إخْواننا الكرام تَرْجَمَة هذه الأحْكام، فلا تسْمَح لإنسانٍ أن يتكلَّم أمامك بالغيبة.

من سمع غيبة مسلم فليردها و ليزجر قائلها :

لا يوجد أوفى من مؤمن يدافع عن أخيه في غيبته
إذاً ينبغي لِمَن سَمِعَ غيبة مُسْلمٍ أن يرُدَّها ويزْجر قائِلَها، فإن لم ينْزَجِر بالكلام زَجَرَهُ باليَد، فإن لم يسْتطِع باليد ولا باللِّسان فارق ذلك المَجْلس، فعن أبي الدرْداء رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام:

((مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَ أَبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ))

[الترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ]

والله لا أجمل ولا أوْفى من مؤمن يُدافِع عن مؤمن في غَيْبَتِه؛ والله ما عَلِمْنا عليه إلا خيراً، ولا أسْمَحُ لك أنْ تنْتَقِصَ من قيمَتِه إنَّهُ أخي حقاً، وهذا هو المجتمع المُتماسِك مُجْتَمَع كالبُنْيان المَرْصوص يَشُدُّ بعضهُ بعْضاً، ومُجْتمع كالجسَدِ الواحد إذا اشْتكى منه عُضْوٌ تداعى له سائِرُ الجسد بالسَّهر والحمى.

من دافع عن أخيه سخر الله له من يدافع عنه :

وعن جابر بن عبد الله وأبي طلْحة رضي الله عنهم قالا: قال عليه الصلاة والسلام:

((مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ ))

[أحمد عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَي طَلْحَةَ بْنَ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ ]

قد يكون الإنسانُ قَوِياً، ومَرْكَزُهُ قَوِياً، وهناك بالدائِرَة مُوَظَّف مؤمن شَخْصٌ هاجَمَهُ وانْتَقَصَ منه، واتَّهَمَهُ مثَلاً بأمانتِهِ، والقوي يعلم عِلم يقين أنَّهُ نظيف ظناً منه أنَّهُ يُقَوي مَرْكَزه، فهوَ يطْعن بِهذا المؤمن المُستقيم والنَّزيه حتى يظْهر أنَّهُ إنسان بِواد آخر:

((مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ ))

المؤمن المستقيم ييسر الله له أموره
كما تدينُ تُدان، "ما ذكرني عبدي في نفْسه إلا ذكرْتُه في نفْسي، وما ذكرني في ملأ إلا ذَكَرْتُه في ملأ خير منه" تُدافِعُ عن أخيك، فالله عز وجل يُسَخِّرُ من يُدافِعُ عنك، وهناك قِصص كثيرة؛ مَوْقِف دقيق أثناء التَّعْديلات والتَّقْييم يُذْكَرُ اسمُ فلان فإذا بإِنْسانٍ يقِفُ وقد يكونُ فاجِراً فَيُثْني عليك ثناءً عطِراً ويُقَيِّم ويُؤَكِّد ويأتي بالدليل، فَمَن سَخَّرَهُ؟! الله هو الذي سَخَّرَهُ، هذه قِصَّة مُتَكَرِّرَة، المؤمن المُسْتقيم يُسَخِرُ الله له الإنسان القَوِيّ وطليق اللّسان وقَوِيّ الحجَّة ليُدافِعُ عنه بِغَيْبَتِه، وبه يتغيَّر مَجْرى الموضوع كُلُّه هذا معنى قول الله عز وجل:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾

[ سورة الحج : 38]

لذا قيل: "هم في مساجِدِهم والله في حوائِجِهم"، ولا يوجد مؤمن صادِق إلا ويُيَسِّرُ الله له، حَدَّثني أخٌ قال: كان لي درْسُ عِلْمٍ مُتواضِع، ولي خُصوم كثيرون قَدَّموا اسْتِدْعاءات كالعادة، و كان هناك شَخْص له تَعْزِيَة بِبَيْتٍ قريبٍ من المَسْجد، بعدما عزى دخل فَصَلى فوجد هناك درْساً فَسَمِعَه فَسُرَّ به، في اليوم الثاني كان عند إنسان مسؤول فَذَكَر له ما سمِع من أدَبٍ وفصاحة، فَسَخَّرَهُ الله لِخِدْمَتِه، والله يخلق لك جواً يُريحُك ويُدافِعُ عنك، والكُلُّ يُثْني عليك، والإنسان يبْلغ درجة من نصْر الله له أنَّ الإنسان إذا تطاول عليه سَقَط:

وإذا أراد الله نشْرَ فضيلَةٍ طُوِيَت ْ أتاح لها لِسانَ حســـــودِ
لولا اشْتِعال النار فيمـا جاوَرَتْ ما كان يُعْرفُ طيبُ عُرف العود
***

الله عز وجل يحب أن ندافع عن بعضنا و نكون كتلة واحدة :

الحديث دقيق:

((مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ ))

ضِعافُ النفوس تجدهم يُشَمْشِمون، يسألك ماذا يُرْضي هذا القوي المدْح أم الذمّ؟! فإذا كان يرضي هذا القويّ الذمّ تجده يذُمّ، وإذا كان يرضيهِ أن يمْدح تجده يمْدح؛ هذا هو النِّفاق والضَّعْف النَّفْسي والمُيوعَة.
يقولون أنَّ معاوِيَة بن أبي سفيان جمع وُجوهَ القَوْم لِيَأخذ البيْعة لابنه يزيد فَكُلُّهم أثْنى على يزيد، وبَقِيَ الأحْنَفُ ساكِتاً، فَسُكوتُهُ أرْبَكَ المَجْلِس فقال: ما لك ساكِتٌ يا أحْنَف؟ فقال: أخاف الله إنْ كذَبْتُ، وأخافُكُم إنْ صَدَقْتُ، فكان تلْميحاً أبلغَ من تَصْريح.
وعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((مَنْ حَمَى مُؤْمِنًا مِنْ مُنَافِقٍ أُرَاهُ قَالَ بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا يَحْمِي لَحْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ وَمَنْ رَمَى مُسْلِمًا بِشَيْءٍ يُرِيدُ شَيْنَهُ بِهِ حَبَسَهُ اللَّهُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ ))

[أحمد عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ ]

وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَت:

((مَنْ ذَبَّ عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ بِالْغِيبَةِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعْتِقَهُ مِنَ النَّارِ))

[أحمد عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ ]

الله تعالى يحب أن نكون أمة واحدة متعاونة
ذَبَّ أيْ دافعَ، فالله إذاً يُحِبُّ أن يُدافِعَ بعْضُنا عن الآخر، وأن نُحِبَّ بعْضَنا، وأن نكون كُتْلَة واحِدَة، وأن نتعاون، ونعْفو عن بعْضِنا، ونلْتَمِس لِبَعْضِنا العُذْر، و نكون أمَّة مُتعاوِنَة ومُتماسِكَة.
وعن أنسِ بن مالكٍ قالَ قال عليه الصلاة والسلام:

(( إذا وُقِعَ في الرَّجُل وأنت في ملأ فَكُن للرجُلِ ناصِراً، وللقَوْمِ زاجِراً))

[ الدر المنثور عن أنسِ بن مالكٍ ]

وعن الحسن البصري رحمه الله تعالى قال: "إنَّ عائِذ بن عمرو كان من أصْحاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فدخل على عُبَيْد الله بن زياد فقال: أيْ بني إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ شرّ الرِّعاء الحطمة فإياك أن تكون منهم، فقال له عُبَيد الله: اِجْلس فإنَّما أنت من نِخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال له عائِذ: وهل كانت لهم نِخالة ؟! إنما كانت النِّخالة بعدهم وفي غَيْرِهم!" لقد دافع عن أصْحاب رسول الله.

((مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ أَذَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))

[أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ ]

غيبة الكافر :

الإمام الغزالي سُئِلَ عن غيبة الكافر، فقال: هي في حقِّ المُسْلِم مَحْجورة لِثَلاث عِلَل، أما الكافر والملحد وعباد الصنم أوَّلاً في اغْتِيابه إيذاءٌ له؛ من أين أُخِذَ هذا الحكم؟! لما جاء عِكْرِمَة بن أبي جَهْل مُسلماً، وكان من كبار كفار قريش المُعانِدين فقال عليه الصلاة والسلام: جاءَكم عِكْرِمَة مُسْلِماً فإياكم أن تسُبوا أباه، فإنَّ ذمَّ الميِّتِ يُؤذي الحيّ، ولا يبْلُغُ المَيِّت؛ أحياناً يكون لأحدهم والد غير ملتَزِم فإذا بِبَعْضِهم يقول: أبوك كافر وغير مُلْتَزِم! هذا الكلام فيه سَذاجة وفضاضة ومن الذي أمرك أنْ تُقَيِّمَ أباه؟! لذلك الإمام الغزالي قال: "محذورة لِثَلاث عِلل أوَّلاً: عِلَّةُ الإيذاء، والثانِيَة: تنْقيصُ خَلْقِ الله تعالى وتضييع الوقت بما لا يعْني" الإنسان الجاهل يمضي وقته بالغيبة
طبعاً لو سُئِلْتَ عن الزواج من ذريته أو مجاورته أو نبيعُهُ حينها تَكَلَّم، أما الكلام بلا سؤال ولا فائِدَة فلا بد أن تكون أرْقى من ذلك، وأن يكون وَقْتُكَ أثْمن، وأذْواقك أرْقى من أن تخوض في نقائِص الكفار وسُقوطهم، فالأولى - وهي الإيذاء - تقتضي التحريم، والثانِيَة تقْتضي الكراهة، والثالثة - تضييع الوقت فيما لا يعْني - تقْتضي خِلاف الأولى، أما الذِمي فكالمُسلمين لأنَّهُ سكن معهم ودفع الجِزْيَة، وما عليهم إلا أنْ يحْفظوا ذِمَّتَهُ، فلا يجوز إيذاؤه بالغيبة لأنَّ الشَّرْع عصَمَ عِرْضَهُ وماله ودمهُ، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( من آذى ذمياً فقد آذاني ))

[ الخطيب عن ابن مسعود]

وقد رُوِيَ عن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( من سَمَّعَ يهودِياً أو نَصْرانِياً فله النار ))

[ ابن حبان عن أبي موسى]

سَمَّعَهُ أيْ شَتَمَهُ وأهانه، على كُلٍّ: يجب على الإنسان أن يُنَزِّهَ لِسانه عن الغيبة لكل مسلم أو غيره.
الحقيقة التي أوَدُّ أن أضَعَها بين أيْديكم أنَّ الإنسان عندما يكون فارِغاً من العِلْم فلن يكون له حديثٌ آخر غير الغيبة، أما الإنسان الملآن فله ألف موضوع وموضوع يطْرحه في الجَلْسَة، وله أجْمل الموضوعات التي تلْفِتُ نظَر الناس إلى الله، وموضوعات تُؤَثِّر في أعْماق وُجْدانهم وتفْعَلُ فيهم فِعْل السِّحْر، فالإنسان الفارغ والتافه والجاهل هذا الذي يُمْضي الوقت بالغيبة والنميمة.

 

تفشي الغيبة بين المسلمين :

الغيبة أصابت المسلمين ففتت شملهم ومزقتهم
أيها الأخوة، هذا الموضوع؛ حكم سماع الغيبة، وسوف نُتابِعُ هذا الدرس وبقِيَ علينا الأسباب الباعِثَة على الغيبة، وعِلاج الغيبة، وتحْريم غيبة القلب، والأسباب المُبيحة للغيبة، والتوبة من الغيبة، ولعلي أُلِحُّ على هذا الموضوع لأنَّني وَجَدْته مُتَفَشِّياً بين المسلمين، مما يجْعل تفتيت وِحْدَتِهم وتمْزيقَها، ويَجْعَلُهم مِزَقاً وشراذِمة، وهو الذي يجعل أعْداءَهم يسْتطيلون عليهم، أما إذا كانوا مُتعاوِنين ومُتَكاثفين، يحْمي أحدهم عِرْض أخيه فهذا هو الذي يُرْضي الله عز وجل.

 

 

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور