وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 3 - سورة العنكبوت - تفسير الآيتان 5 و 6 ، التمني والعمل . .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، الآية الخامسة من سورة العنكبوت، وهي قوله تعالى:

﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(6)﴾

(سورة العنكبوت)

 الرَّجاء حالةٌ مِن حالات النَّفْس، فالإنسان يرْجو الله تعالى، ويرْجو الجنَّة، والصِّحة والغِنى والطمأنينة، ولكنَّ الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ربَطَ الرّجاء بالعَمَل، ولم يرْبِطْهُ بالأمَل، فنحن عندنا تأمُّل وتمَنِّي، وعمَل فإذا كان بالقطر، ثلاثمائة طالبٍ للشهادة الثانَوِيَّة فهَؤُلاء جميعهم يتمنَّون النَّجاح بهذه الشَّهادة، فالتَّمنِّي شيء، والسَّعْي والعمَل شيء آخر، الله عز وجل قال:

﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا(123)﴾

[سورة النساء]

 الله جل جلاله لا يتعامَل معنا بالتَّمَنِّيات إطْلاقًا، فالتَّمَنِّي سَهل، جالسٌ ومُقيمٌ على المُخالفات ولا يسْعى لِطَلب العِلم ولا يُقيم الإسلام في بيْتِهِ ولا في عملِهِ ويتمنَّى أن يكون مِن أهل الجنَّة، وقد يقول: نحن عبيد إحْسان وليس عبيد امْتِحان ‍! هذا كلام سخيف، قال تعالى:

 

﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)﴾

 

[سورة الحجر]

 وهناك أدْعِيَّة ليْسَتْ من السنَّة: اللهمَّ لا تسألْنا عن شيء ! فهذا لم يقُلْهُ النبي الكريم، ولكنَّه قال:

((اللهمَّ إنا نسألك موجِبات رحْمتِك ))

 أما لا تسألنا عن شيءٍ فهذا خِلاف القرآن، قال تعالى:

 

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)﴾

 

[سورة الحجر]

 إذًا الأشْخاص رَجُلان ؛ رجل يتعامَلُ مع الله تعالى بالتَّمَنِّي، ورجُل يتعامَل مع الله بالعَمَل، قال تعالى:

 

﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(111)﴾

 

[سورة البقرة]

 وقال تعالى:

 

﴿ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(80) ﴾

 

[سورة البقرة]

(( يا فاطِمَة بنت محمَّد أنقِذي نفْسَكِ من النار فأنا لا أُغْني عنكِ من الله شيئًا !! لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنْسابِكم، مَن يبطئ به عملهُ، لم يُسْرِع به نسبُه، فإمَّا أن تعمل بالتَّمنيات مه الله التي لا تُقَدِّم ولا تؤخِّر ))

 قال تعالى:

 

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا(23)﴾

 

[سورة الفرقان]

 وإما أن تتعامَلَ مع الله تعالى بالعَمَل، والآية الدقيقة جدًا، قوله تعالى:

 

﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا(19)﴾

 

[سورة الإسراء]

 وأدَقّ ما في الآية ضمير الهاء، فلم يقل: مَن أراد الآخرة وسعى لها ! وإنَّما قال:

﴿وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾

 سَعْيَها المكافئ، وسَعْيَها المَطْلوب جنَّة عرضُها السماوات والأرض لا تُنال بِصلاة هشَّة، إنَّما تُنال بِمُجاهَدَة النَّفْس والهَوى، وجنَّةٌ عرضُها السماوات والأرض لا تُنال بالتَّبرُّك ! يُقيم مسْبح مُختلط أو مطْعم فيه خمْر ثمَّ يدْعو كمِّية من العلماء ويقول: تباركنا !! لذلك قال تعالى:

 

﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا(123)﴾

 

[سورة النساء]

 قال تعالى:

 

﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(80)﴾

 

[سورة البقرة]

 وقال تعالى:

 

﴿ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(80)﴾

 

[سورة البقرة]

 ربُّنا عز وجل يقول:

 

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا(110)﴾

 

[سورة الكهف]

 ما قيمة الإعْتِقاد إن لم تَكُن هناك حركَة تُؤَكِّدُه، قال:

 

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا(110)﴾

 

[سورة الكهف]

 وقال تعالى:

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(72)﴾

[سورة الأنفال]

 فالذي لا يأخذ مَوْقفا عمليا فلا قيمة من اعْتِقادِهِ، فهذا إبليس ويؤْمِن بِوُجود الله، والدليل قوله تعالى:

 

﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82)﴾

 

[سورة ص]

 فَكُلّ إيمان لا ينتج عنه عمَل فهو إيمان إبْليسي ! لا يُقَدِّم ولا يُؤَخِّر.
 فالآية الكريمة:

 

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا(110)﴾

 

[سورة الكهف]

 لقاء الله الاتِّصال به، وأن يتجلَّى الله عليك بالسَّكينة وأن يملأ قلبَكَ نورًا، وأن يُوَفِّقَك لِعَمَلِهِ، وأن يُسَدِّدَ خُطاك، وأن يُسْعِدَكَ في بيْتِك ويحْفظك من السوء، وهذا كُلُّهُ مِن معاني اللِّقاء، قال تعالى:

 

﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)﴾

 

[سورة العنكبوت]

 إلا أنَّ هناك نقْطة دقيقة، وهي أنَّ الله تعالى رب والربّ بمَعنى مُرَبِّي فالإنسان أحْيانًا يطْمَع فَيَحْجُبُهُ، وييْأس فَيُقَرِّبُهُ، وهكذا، فالإنسان إذا طَمِع من رحْمة الله دون أن يُقَدِّم ثَمَنها، فهذا سوء أدَبٍ مع الله، فلو أنَّ شَخْصًا دخل لِمَحل سُجَّاد، وقال: أريد سجَّادا، وكلَّف البائِع أن يُري له كلَّ البِضاعة، وبقي ما يقرب عن الساعتين، فهل يُعْقل أن يقول هذا المشتري للبائِع إنَّ السجاد الذي ثمنه كذا بِعْني إيَّاه خمْس ليْرات ؟؟!! وهكذا طَلَبُ الجنَّة من دون عَمَل ذَنْب من الذُّنوب جنَّةٌُ إلى الأبَد ولهم ما يشاءون فيها مِن دون انْضِباط والْتِزام ومن دون طاعة فالإنسان دائِمًا تَجدُه يحْتاج إلى فَتْوى يُعَلِّقُها في رقبة فلان.
 أيها الإخوة الكرام، هناك أحاديث أُسَمِّيها مَفْصَلِيَّة، فما هو قولك إن أخَذْتَ فتْوى من عالم أنَّ الأمر الفلاني لا عليك بأس به ! هل تنْفذ من هذا إن علمْتَ أنّ هذا خلاف الصَّواب ؟! فلو اسْتَطَعْتَ أن تأخُذ الفتْوى من فَمِ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ؛ بِطلاقة لِسان وقُوَّة بيان وحجَّة، ولم تَكُن مُحِقًّا فلن تنْجُوَ من عذاب الله، والدليل قوله صلى الله عليه وسلَّم:
 عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

(( إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا ))

 

[ رواه البخاري ]

 معنى هذا أنَّك لا تنْجو ولو كانت معك فَتوى من رسول الله، لذلك هناك فَتْوى وهناك تَقْوى، وأنا أقول لكم: أَيُّ مَعْصِيَةٍ إلا وهناك مَن أفْتى بِها على طول الزَّمن، ولكن العِبْرة بالتَّقْوى لا بالفَتْوى، والعِبْرة بِهذا المُفْتي الصَّغير الذي في صَدْرِك، اسْتَفْتِ قلبَك وإن أفتاك المُفتون وأفْتَوْكَ.
 معنى لآتٍ ؛ فأنت عليك أن تعْمل أمَّا المُكافأة فقد يأتيك بعضُها في الدنيا ؛ نفَحات وتَوْفيقات، ولكنَّ الدنيا بِمُجْمَلِها لا تعْدِل عند الله جناح بعوضَة، ولو كانت تعدلها ما سقى منها الكافر شرْبَة ماء، والله أعطى المُلْك لِسَيِّدِنا سليمان وهو يُحِبّه، وأعطاه لِفِرْعون وهو لا يُحِبُّه فهل يُعَدُّ المُلْك مِقْياسًا ؟ لا، وأعطى المال لِقارون، ولِسَيِّدنا ابن عوف، فهل يُعَدُّ المال مِقْياسًا ؟ إنَّ هذه الدنيا عرَضٌ حاضِر يأكل منه البر والفاجِر، والآخرة وَعْدٌ صادِق يحكم فيه ملِكٌ عادِل، فأحيانًا الإنسان إذا جاءَهُ العَطاء مُبَكِّرًا جلَسَ وتوانى عن مُتابعة السَّيْر، فالله عز وجل يُعالِجُ النَّفس مرَّةً بالحِجاب ومرَّةً بالوَصْل وأخرى بالقَطْع ومرَّةً بالتَّجلي، ومرَّة بالتَّوفيق وأخرى بالتَّعسير، ومرَّة بالحِفظ وأخرى بالابْتِلاء ؛ كُلُّ هذا مِن أجْل أن تَصِل إلى القبر كَيَوْمَ ولَدَتْكَ أُمُّك، لذلك قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربِّه: وعِزَّتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أُحِبُّ أن أرْحَمَهُ، إلا ابْتَلَيْتُهُ بِكُلِّ سيِّئَةٍ كان عَمِلَها ؛ سُقْمًا في جَسَدِهِ أو إقْتارًا في رِزْقِهِ، أو مصيبَةً في مالهِ أو ولَدِه، حتَّى أبْلُغَ منه مثل الذَّر، فإذا بَقِيَ عليه شيء شَدَّدْتُ عليه سَكَرات الموت حتَّى يلقاني كَيَوم ولَدَتْهُ أمُّه.
 فعن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ:

 

(( مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيَّبِ تُزَفْزِفِينَ قَالَتِ الْحُمَّى لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا فَقَالَ لَا تَسُبِّي الْحُمَّى فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ ))

 

[ رواه مسلم ]

 فَكُلّ ما يُصيبُ المؤمن مِن مكْروهات هي كَفَّارات، ضُغوط وهُموم وأحْزان، ومُصيبة في مالِهِ وولَدِهِ وزوْجَتِهِ، ومُصيبة اجْتِماعِيَّة أو مادِيَّة أو صِحِيَّة ؛ كبيرة أو صغيرة، آجِلة أم عاجِلَة، وسابِقَة أم لاحِقَة كُلُّ مُصيبَةٍ تُصيبُ المؤمن هِيَ كفَّارةٌ له، ومَحْوُ خطايا، لذا المصائب للمؤمن مُكَفِّرات، وللعاصي عُقوبات.
 قال تعالى:

 

﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)﴾

 

(سورة العنكبوت)

 الله عز وجل عزيز، مَعنى عزيز ؛ أنَّه ليس مِن أوَّل الوهلة ينفَتِحُ الباب، ولكنَّهُ يُحِبُّ أن يمْتَحِنَ صِدْقَكَ.

أخْلِقْ بِذي الصَّبْر أن يحْظى بِحاجَتِهِ  ومُدْمِنِ القرْعِ للأبواب أن يَلِجَ
***

 يَمْتَحِنُكَ بالصلاة، وبِتِلاوَة القرآن، وبِخِدْمة الخَلْق، إلى أن يرى فيك الصِّدْق والإلحاح، عندَئذٍ يقْبَلُكَ، ويفتح لك أبوابه، هو سَمعَ دُعاءَك وعَلِمَ حالَك، وسوف يُفْتَحُ عليك في الوقْت المناسب، وما عليك أن تفرِض عليه، وصَلَّيْتَ ولم تشْعُر بِشَيء ! لا عليك المُهِمّ أن تُصَلِّي في الوقت المناسب وأتْقِن الصلاة واسْتَقِم، فأنت أدِّ الذي عليك، واطْلُب من الله الذي لك، فالله تعالى له حِكمة، فقد يتجلَّى على قلبك خارج الصلاة، وقد يُبكيك وأنت خارج الصلاة، وأحيانًا تقرأ القرآن فَتَزْكو نفْسُك، فالحال رِزْق من الله، ولكنَّهُ مَرْبوط بالاسْتِقامة والعمل الصالح والدليل، قوله تعالى:

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا(110)﴾

[سورة الكهف]

 ولكن قال تعالى عندها:

 

﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾

 

[سورة العنكبوت]

 الظاهر كأنَّ الآيتين لا علاقة لهما ولكن في الفحوى هناك علاقة كبيرة جدًا، أن ترْجو لِقاء الله دون أن تُجاهِد لن تَصِل إليه، قال تعالى:

 

﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(6)﴾

 

[سورة العنكبوت]

 دائِمًا اتَّهِم نفْسَك وهناك مليون ومليون قِصَّة تُؤَكِّد هذا، إذا أصابَكَ ما تكْرهُهُ فالله غنيٌّ عن تعْذيبِك، وغنيٌّ عن إفْقارك وإمْراضِك، وإنْزال الهمّ به، فإذا نزَلَ الهمّ والمرض والغمّ أو الفقْر، فكما قال تعالى:

 

﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ(30)﴾

 

[سورة الشورى]

 وإذا فَهِمْتَ على الله قَطَعْتَ أربعة الأخماس إليه، فأحَدُ أصحاب المعامل كان يبيع الألبسة وجاءهُ أحد الإخوة ليشْتري منه خمسة قِطَع فقال له هذا: أنا لا أبيع المُفَرَّق، أنا أبيع بالجُملة، واعْتبر هذا إهانة له ! فقال لي صاحب المعمل هذا: والله ثلاثة وعشرون يومًا ما دخل مصنعي أحدٌ !! لما فَعَلْتُهُ مع هذا الأخ، أدَّبَهُ الله، قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) ﴾

 

[سورة العنكبوت ]

تحميل النص

إخفاء الصور