وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة السجدة - تفسير الآيتان 15-16 الكبر.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، الآية ا لخامسة عشرة و السادسة عشرة من سورة السجدة وهي قوله تعالى:

﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ(15)﴾

[ سورة السجدة ]

 أيُّها الإخوة، آية أخرى تقول:

 

﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ(50)﴾

 

[سورة المرسلات]

 كأنَّ الله سبحانه وتعالى يرسم لنا طريقًا واحدًا إجباريًّا لمعرفته، فبأيِّ حديث بعد الله وآياته يؤمنون ؟ في الحقيقة، الإنسان كما كنتُ أقول كثيرًا إذا لم يعرف الآمرَ و عرف الأمرَ تفنَّن في التفلُّت مِن أمره أمَّا إذا عرف الآمر ثمَّ عرف الأمر تفانى في تطبيق أمره، الجنَّة تحتاج إلى طاعة، والطاعة لا تكون إلاَّ بمعرفة الآمِر، فإذا أغفلنا معرفة الآمِرَ، فأغلبُ الظنِّ أن لا نُطيع الله عز وجل، لأنَّ شرفَ الأمر بشرَف الآمر، فالإنسان لا يُعدُّ مؤمنا بآيات الله إلاَّ إذا كانت حالتُهكما هي هذه الحال، إذا تُلِيت عليه خرَّ ساجدًا،والسجود له معنيان، له معنى ظاهري مثل أن يكون الإنسان واقفًا فسجد، هذا شكلٌ ظاهري، أمَّا السجود الحقيقي أن تخضع نفسُه لعظمة خالقها و قد ورد في الحديث القدسي: ليس كلُّ مُصَلٍّ يصلّي، إنَّما أتقبَّل الصلاةَ لِمَن تواضع لعظمتي، وقد ورد في القرآن الكريم:

 

﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30)ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31)ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33)﴾

 

[ سورة الحاقة ]

 لِمَ ؟ قال تعالى بعد ذلك:

 

﴿إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33)﴾

 

[ سورة الحاقة ]

 ما قال الله: إنه كان لا يؤمن بالله " و سكت، و غالب الظنِّ أنَّه كان يؤمن بالله، و لكن، بالله العظيم، فما عظَّم الله و ما عظَّم أمره، فما أطاعه، فاستحقَّ النار،، فكأنَّ التركيز على الإيمان بالله العظيم، الذي يحتاج إلى معرفة خلقه، لذلك:

 

﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ(15)﴾

 

[ سورة السجدة ]

 فحالته النفسية أنَّه خضع لله عز وجل، ما تقول في مجرَّةٍ تبعد عنَّا ثلاثمائة ألف مليار سنة ضوئية، فهذا الذي خلق الكون هو نفسه الذي أنزل القرآن، فبقدر ما تتأمَّل في السماوات و الأرض و بقدر ما تقف عند دقائق صنعة الله عز وجل و عجيب قدرته تستطيع أن تعظِّمه، و أن توَحِّده و أن تنصاع لأمره،

 

﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ(15)﴾

 

[ سورة السجدة ]

 الكِبْرُ أيُّها الإخوة ما هو ؟ أحد الصحابة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحدُنا يحبُّ أن يلبس الثياب الحسن أهذا كبْر؟
 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

(( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ))

 

[رواه مسلم]

 بطر الحق أن ترُدَّ الحق و تستكبر عن الحق، أمَّا المؤمن تحت الحق خاضعٌ له، فنفسُ غيرِ المؤمن تُعظِّم صنعة الإنسان، لكنَّ نفس المؤمن تعظِّ صنعة الواحد الديَّان، نفس المؤمن ممتلئة بتعظيم صنعة الله، فلذلك إذا أعطاك المؤمن آيات في حياتنا و في النبات وفي الحيوان وفي الطعام والشراب هذا من تعظيم المؤمن لربِّه، وليس كلُّ مُصلٍّ يصلي، إنما أتقبَّل الصلاة لمَن تواضع لعظمتي وكفَّ شهوته عن محارمي و لم يُصِرَّ على معصيتي و أطعم الجائع وكسى العريان ورحم المُصاب و آوى الغريب، كلُّ ذلك لي، أي مخلصًا، فهؤلاء المؤمنون الصادقون الذين قال الله عنهم:

 

﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ(15)﴾

 

[ سورة السجدة ]

 ومعنى سبَّحوا ؛ قال العلماء: نزَّهوا و مجَّدوا و صلُّوا، نزَّهوا الله عن كلِّ ما لا يليق به، هذا جزءٌ من التسبيح، ثمَّ مجَّدوا الله بأسمائه الحسنى و أفعاله و كمالاته وهذا من التسبيح ثمَّ اتصل به وهذا من التسبيح، نزَّه ومجَّد واتَّصل، وسبَّحوا بحمد ربهم" وكلمة بحمد ربهم تعني أنَّ كلَّ ما فعله الله يُحمَد عليه فالكون كلُّه تجسيدٌ لفضل الله، لكن قد يقول أحدُكم: والمصائب و الأمراض و المجاعات والزلازل والبراكين و القهر ؛ أشياءٌ مخيفة قال تعالى:

 

﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ(65)﴾

 

[ سورة الأنعام ]

 الحقيقة أنَّ كلَّ ما في الكون يدعو إلى أن تحمد الله عز وجل، لكنَّ المصائب لها تفسير بسيط كنتُ ذكرتُه سابقًا، وهو أنَّ هذه السيَّارة لماذا صُنعت في الأصل ؟ مِن أجل أن تسير، أليس الأمر كذلك ؟ هل يُمكن أن تُلغِيَ المحرِّك من السيَّارة ؟ و يبقى اسمها سيَّارة ؟ لا صُنِعتْ مِن أجل أن تسير، لماذا زُوِّدت بالمكابح ؟ والمكابح تتناقض مع سرِّ صنعتها، لأنها توقفها لسلامتها، والمصائب كلُّها يمكن أن تشبِّهها بالمكابح، فسعيًا وراء سلامة الإنسان تأتيه المصائب تكبح جِماحه ومعصيته و كِبْره وغفلته وتفلُّتَه، لهذا سمَّاها الله عزوة جل في كتابه بالنِعم الباطنة، قال تعالى:

 

﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ(20)﴾

 

[ سورة لقمان ]

 أكثر الناس الذين اصطلحوا مع الله والذين أقبلوا عليه و نعموا بقربه لعلَّ اصطلاحهم معه بسبب مصيبة ساقها الله لهم، وقد قيل: رُبَّ ضارَّةٍ نافعة، وقال ابن عطاء الله السكندري: رُبَّما أعطاك فمنعك و رُبَّما منعك فأعطاك، ومنعُ الله عينُ العطاء، هذه الآية الكريمة لو تأمَّلها الإنسان، قال تعالى:

 

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(216)﴾

 

[ سورة البقرة ]

 في القصص المأثورة أنَّ رجلاً من أهل المدينة تزوَّج امرأةً فلمَّا دخل عليها لم تُعجِبه، فقضى ليلته الأُولى وفي صبيحة اليوم الأوّل من عرسه هام على وجهه متألِّمًا أشدَّ الألم مِن هذه المرأة التي لم تكن في مستوى طموحه، ويبدو أنَّ هذه المرأة صالحة وذكية، قالت له كلمة: يا فلان قد يكون الخير كامنًا في الشر " يعني إذا توهَّمتَني شرًّا فقد يكون الخير فِيَ، غاب هذا الزوج عن المدينة عشرين عامًا هائمًا على وجهه، ثم عاد إلى المدينة، و السُّنة أن يصلِّيَ قبل دخول بيته، فدخل إلى المسجد فإذا درسٌ فيه، فحلَّق حول المدرِّس أُلوف، سأل مَن هذا؟فقالوا له: هو مالك بن أنس، فعرف أنَّه ابنه، فقال: يا سيِّدي قل لأُمِّك: إنَّ بالباب رجلاً يقول لكِ: قد يكون الخير كامنا في الشر، قالت: يا بُنَيَّ هو أبوك، فأحيانًا الإنسان يتزوَّج امرأةً لا تعجبه فيرزقه الله منها الذريَّة الصالحة، فالإنسان عليه أن يستقيم و الباقي على الله و الاستسلام لله مُريحٌ كثيرًا، ولا بُدَّ أن تعرف أنَّ زوجتك قدرُك أولادُك قدرُك و حرفتك قدرُك، وليس في الإمكان أبدعُ ممَّا كان، مرَّة دخل إنسان على رجل رفيع فقال: أنت قدرُنا، إمَّا أن نصبر عليك و إمَّا أن تصبر علينا، و أولادك وزوجتك ومَن حولك هو قدَرُك، فلمَّا يوقن الإنسان أنَّ الله حكيم و رحيم، وهذه الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء و منزل طرَحٍ لا منزلُ فرح، ومَن عرفها لم يفرح لرفاه ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دارَ بلوى و جعل الآخرة دار عُقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببًا وجعل عطاء الآخرة مِن بلوى الدنيا عِوضًا , يأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي، هذا هو الاستسلام لله عز وجل.

 

﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ(15)﴾

 

[ سورة السجدة ]

 ثم قال تعالى:

 

﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)﴾

 

[ سورة السجدة ]

 الإنسان يكون نائمًا نوما عميقًا على فراش وسيم في غرفة دافئة مطمئنًّا، ثم يؤذِن للفجر فينزع اللحاف عنه و يستيقظ، وهو معنى تتجافى، هذا المعنى الضيِّق، فالإنسان إذا أراد أن يصلِّيَ الفجر في وقته فعليه أن يستيقظ، طبعًا الجسد يدعوه إلى أن يبقى نائمًا، والمعنى الواسع لهذه الآية هو عدم الرُكون إلى الدنيا، هناك إنسان يحبُّ أن يرتِّب أموره أكثر مِن المعقول فيعتني عناية بالغة، حتَّى يُفاجأُ بمَلَك الموت على الأبواب، فالدنيا تغُرُّ وتضُرُّ و تمُرُّ، وهي مغامرة يجعل فيها الإنسان كلَّ مكتسباته، ويقولون: لا تضع البيض كلَّه في سَلَّة واحدة، فالغافل عن الآخرة وضع كلَّ مكتسباته في الدنيا فهذا مُقامر ومُغامِر،قال تعالى:

 

﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)﴾

 

[ سورة السجدة ]

 لا يَركن للدنيا، لأنَّ الإنسان أحيانًا إذا تحصَّل على بيت جديد ترك دروس العلم، حتَّى يفرح بهذا البيت الجديد، لأنَّ استراتيجيَّته سرورُه أمَّا المؤمن فاستراتيجيتُه العمل الصالح،

 

﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)﴾

 

[ سورة السجدة ]

 لا يركن، لأنَّ الركون إلى الدنيا خطير، فالإنسان يرتاح للملذَّات و الطعام و النعيم و النساء وينسى الآخرة حتَّى يأتيه الموت فجأةً فيُقلِق راحته، قال تعالى:

 

﴿فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ(45)﴾

 

[ سورة الطور ]

 المعنى الضيِّق ؛ النائم استيقظ لِيُصلِّي، والمعنى الواسع ؛ أن لا يركن إلى الدنيا و لا يطمئِنُّ لها، مرَّةً مِنَ المرات كنتُ في منطقة جميلة عند صديق له بيتًا فخمًا، فقال لي: هنا كان والدي، والبيت فيه كلَّ ما لَذَّ وطاب، المسبح والمناظر على سفح البحر، بموقع لا يُوصَف، مُزوَّدة بكل أشجار الفاكهة، ثم قال لي: جاءتْهُ أزمة قلبية فمات هنا والدي فتركتْ هذه القصة في نفسي أثرًا، أنتَ في أجمل مكان و تأكل ألذَّ الطعام و تجلس مع مَن تحب، فهل يدوم لك هذا ؟أبدًا لا يدوم، فعليك أن تبحث عن عمل ينفعك عند لقاء الله عز وجل،

 

﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)﴾

 

[ سورة السجدة ]

 لا يركنون إلى الدنيا، قال تعالى:

 

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا(28)﴾

 

[ سورة الكهف ]

 ومِن السهل أن تطمع في رحمة الله، ومن السهل أن تخافه، ولكنَّ المؤمن يطمع ويخاف، يرجو رحمة ربه و يخاف عذابه، فإذا زاد الطمع في الرحمة فقد يتكاسل الإنسان و يقعد، وإذا زادت الخشية، فقد يقع في اليأس، والله عز وجل يُقلِّب المؤمن بين الرجاء و الخوف، والمؤمن الصادق يدعو ربَّه خوفًا وطمعًا، ولو علمتَ ما ينتظر المؤمن مِن نعيم لَما يئِس من جنَّته أحدٌ، ولو علمتَ ما ينتظر الكافر من الجحيم لما طمع في رحمته أحدٌ، وقد قال سيَّدُنا عمر: لو علمتُ أنَّ الله منْزِلٌ أنَّه سيعذِّب واحدًا مِن خلقه لظننتُ أنَّني أنا، و لو علمتُ أنَّ الله سيرحم واحدًا مِن خلقه لظننتُ أنِّي أنا " هذا مِن شدَّة خوف المؤمن و مِن شدَّة رجائه، و قال أيضًا: ليتَ أمَّ عمر لم تلد عمرَ " و نحن نقول: الحمد لله الذي ولدتْ أمُّ عمر عمرَ، قال تعالى:

 

﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)﴾

 

[ سورة السجدة ]

 واللهِ إنَّه وصفٌ جامعٌ مانعٌ، إذا ذُكِّر بآيات ربِّه خرَّ ساجدا سجودَ تعظيم يُنزِّه الله عمَّا لا يليق به و يمجده و يتصل به، و لا يستكبر عن عبادته و لاعن طاعته و لا يركن إلى الدنيا و يدعو ربَّه خوفًا وطمعًا و ينفق ممَّا رزقه الله، فهذه الصفات أُدرُسها وحلِّلها ثم انظُر مدى انطباقها عليك فإذا وجدتَ انطباقًا فاحْمَدِ الله عز وجل على أنك مؤمن و إذا لم تجدْ انطباقا فتحرَّكْ نحو الانطباق. اخترتُ هذه الآية لأن فيها وصفًا دقيقًا للمؤمن، يسبِّح و ينزِّه ويمجِّد و يتَّصِل ويحمد الله عز وجل و لا يستكبر عن عبادته و لا يركن إلى الدنيا و يدعو ربَّه خوفًا و طمعًا وينفق ممَّا رزقه الله هذا هو المؤمن، حتَّى لا يدَّعي أنَّه مؤمن وهو ليس كذلك، فعليه بقراءة هذه الآية ولتَكنْ له شعارًا.

 

تحميل النص

إخفاء الصور