وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 7 - سورة الأحزاب - تفسير الآية 72 مُقَوِّمات حَمْل الأمانة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية الكريمة الثانِيَة والسَّبْعون مِن سورة الأحزاب وهي قوله تعالى:

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً(72)﴾

(سورة الأحزاب)

 لعلَّ هذه الآية مِن أخْطَر آيات القرآن الكريم التي تُحَدِّد هَوِيَّة الإنسان ومِن خِلال هذه الآية يتبدَّى أنَّ الإنسان هو المَخْلوق الأوَّل، لذلك أُمِرَتْ الملائكة أن تسْجُدَ له، والإنسان كما قال الإمام عليّ كرَّمَ الله وجْهه رُكِّبَ مِن عَقْلٍ وشَهْوةٍ، بينما رُكِّبَ الحيوان مِن شَهْوَةٍ ولا عقْل ورُكِّب الملَكُ مِن عقْل دون شَهْوة، أما الإنسان فَرُكِّب مِن كِلَيْهِما فإن سَما عَقْلُهُ على شَهْوَتِهِ أصبَحَ فوق الملائكة، ومِن هنا يُعَدُّ المؤمن أرْقى مِن الملائِكَة أما إذا خان الأمانة وضَيَّعَها يُعَدُّ أسْوَء مَخْلوقٍ على الإطلاق، فأيُّ حَيوان تَحْتَقِرُهُ، فالإنسان الكافر أسْوَءُ منه، والدليل قول الله عز وجل:

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ(6)﴾

 

[سورة البينة]

 أيْ شَرُّ ما برءَ الله، فأنت بين أن تكون خَيْرَ ما برءَ الله، وبين أن تكون شرَّ ما برءَ الله، فالإنسان يُتَذَبْذب من أعلى مرْتبة إلى أدْناها من مرتبة الملائكة إلى مرتبة دون الحَيوان !
 أيها الإخوة، قال تعالى:

 

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً(72)﴾

 

[سورة الأحزاب]

 النُّقْطة الدقيقة في هذه الآية أنَّ الله تعالى خلق الخلْق لِيُسْعِدَهم، لكنَّ السَّعادة تَحْتاج إلى أهْلِيَّة، ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام:

((اللَّهم إنَّا نسألك موجِبات رحْمتِك؟))

 فأنت يُمْكن أن تعْطي الزَّهْرة مِن الماء ما تتحمَّل، ولو عندك عشرة إنش، ولك زهرة لطيفة وصببْتَ هذا الماء على هذه الزَّهْرة لسَحَقْتَها، فالعَطاء يتناسَب لا مع المُعْطي، ولكن مع طاقة الآخِذ، فالله تعالى خلَقَ الخَلْق لِيَرْحَمَهم، ولكن هناك رحْمة عالِيَةٌ جدًا عرضَها على المخلوقات، مَخْلوق تُوضَعُ فيه شَهوات ويُعطى عقْل وفِكْرة، ويُعْطى له منهَج، ويُكَلَّف بِأمْر ونَهْيٍ، فإذا نجَحَ صار مُؤَهَّلاً لِسعادة تفوق أيَّةَ سعادة !ّ هذا هو مَفْهوم الأمانة، فالله عز وجل عرضَ على المخلوقات مرْتبةً مِن النَّعيم لا تفوقها مرْتبة، إلا أنَّ هذه المرتبة تحتاج إلى جُهْد، فلو أنَّ أبًا كان له محلّ، وكان له خمْسة أولاد، وقال لهم: مَن أراد أن يأتي للمَحلّ فليَأتي وله خمْسة آلاف ومن درسَ وتحصَّل على البورد أُعْطيه الملايين ! ودخْلُهُ يُصبِح بالملايين، فَهذِه المرتبة تحتاج إلى دِراسَة وجُهْد وبذْل طاقة، فالإنسان رضِيَ أن يتحمَّل الأمانة، فأنت لِكَوْنِكَ إنسان يجب أن تعلم عِلْمَ يقين أنَّ الله تعالى في عالم الذرّ عرض عليك أن تكون إنسانًا وقَبِلْتَ فجاءَ بِكَ إلى الدُّنيا.
 الآن مُقَوِّمات حَمْل الأمانة ؛ الكَون، فالكَوْن مُسَخَّر للإنسان، قال تعالى:

 

﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(13)﴾

 

[سورة الجاثية]

 لأنَّك حَمِلتَ هذه الأمانة، ورضيتَ أن تكون المَخْلوق الأوَّل، وقبِلْتَ أن تتحمَّل مُخاطَرَة النَّجاح والرُّسوب، سُخِّرَت لك السَّماوات والأرض بِما فيها هذه الأولى
 الثانيَة ؛ أنَّك مُنِحْتَ نِعْمة العَقْل، فالعَقْل قُوَّة إدْراكيَّة يتمتَّعُ بها الإنسان وَحْدهُ، وأُعْطيتَ فِطْرةً تتوافق مع الدِّين فحينما تَحيد عن الدِّين تَحُسّ بالانْقِباض ؛ الشُّعور بالنَّقْص، والشُّعور بالذَّنْب، والكآبة، هذه كُلُّها الفِطْرة السليمة التي فُطِرْتَ عليها، قال تعالى:

﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) ﴾

[سورة الشمس]

 فهذه النَّفْس حينما سوَّاها ألْهَمَها طريق سَعادتِها، وطريق شَقائِها فإذا سَلَكَتْ طريق سَعادَتِها ألْهَمَها أنَّها على الطريق الصحيح، وإن سلَكَتْ طريق شَقائِها ألْهَمَها أنَّ على الطريق المُشْقي، فهذه هي أخْطَر آيةٍ مُتَعَلِّقة بالإنسان، قال تعالى:

 

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً(72)﴾

 

[سورة الأحزاب]

 سائق سيارة يتقاضى بالشَّهْر خمسة آلاف، لو حدث معه حادِث يُبَلِّغ صاحب السيارة، فهو ليس مسؤولا، أما قائِد الطائرة يأخذ بالشَّهر مائتان ألف لأنَّه إن أخْطأ يقولون: مات جميعُ رُكَّابِها، فالدَّخْل على قدَر المسؤوليَّة فهذا المخلوق جاء إلى الدنيا، وقد رَضِيَ أن يحْمِل الأمانة، ورَضِيَ أن تودَعَ فيه الشَّهوات، وهل هناك إنسان ليس له شهوة في النساء، ولا في المال، فهذه شهوة قويّة، ولكن هناك منهج وهناك عقل وفكر وكون وفطرة، وهناك أمر ونهي، فالمقومات الكونُ لأنَّ الكون يدلُّ على الله وعلى وجوده وكماله ووحدانيته، والعقل أداة معرفة، والفطرة تكشف لك خطأك، قال تعالى:

﴿بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14)﴾

[سورة القيامة]

 فالكون والعقل والفطرة، والشهوة هي القوة المُحرِّكة، ولماذا الجماد لا يرقى إلى الله؟ لأنَّه لا شهوة له، أمَّا أنت فطاقة تشتهي النساء و المال والمنصب، و هذه شهوات أودعها الله فيك مِن أجل أن ترقى بها إلى ربِّ الأرض والسماوات، فالشهوة هي الطريق إلى الله و لو لم نَشْتهِ لمن نذنب فلا نُكرَّم عند الله عز وجل، وإذا لم نذنب كنا جمادا فكيف نرقى عند الله ؟ و ربُّنا عز وجل أودع فينا الشهوات لنتحرَّك من خلال منهج الله، وليس كلُّ امرأة لك الحقُّ في النظر إليها، أما هناك امرأة لك الحق أن تنظر إليها، قال تعالى:

 

﴿"بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ(86) ﴾

 

[سورة هود]

 فلذلك ورد في الحديث القدسي " أحبُّ الطائعين و حبِّي للشاب الطائع أشدُّ، و أحب الكرماء، وحبي للكريم الفقير أشدُّ، و أحب المتواضعين وحبي للغنيِّ المتاضع أشدُّ، وأبغض العصاة وبغضي للشيخ العاصي أشد، و أبغض المتكبرين و بغضي للمتكبر الفقير أشد، وأبغض البخلاء وبغضي للغنيِّ البخيل أشد، لما الله تعالى ينظر إلى شاب يتَّقد بالشَّهوات ولكن يضْبطها وِفق منهج الله يقول: اُنْظروا عَبْدي ترك شَهْوته مِن أجلي، فالبُطولة كما قال سيِّدنا يوسف ؛ قال تعالى:

 

﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ(23)﴾

 

[سورة يوسف]

 فالإنسان لمَّا يُسايِر شَهْوتَهُ يسْقُط أما إذا خالفها يرْقى، وإنَّ اتِّباع الهَوى هوان

 

وا خَجْلتي مِن عِتاب ربِّي  إذا قال لي: أسْرَفْتَ يا فــلان
إلى متى أنت في المعاصي  تسير مُرخَى لك العِنــــان
عندي لك الصلح وهو بِرِّي  وعندك السيف والسّنــــان
ترضَى بأن تنقضي الليالي  وما انْقضَت حرْبُكَ العَـــوان
فاسْتحي من كتاب كريـم  يُحصي به العَقل واللِّســـان
واسْتَحي مِن شيبةٍ تراهـا  في النار مَسْجونة تُهــــانُ
***

 وقال الشاعر:

 

 

إلى متى أنت باللَّذات مَشْغول  وأنت عن كُلِّ ما قدَّمْتَ مسؤول
***

 قال: عبدي كبرتْ سِنّك وانْحَنى ظَهْرك، وضَعُف بصرُك، وشاب شَعْرك، فاسْتحِ مِنِّي فأنا أسْتحي منك، ومن دخل في الأربعين دخل في أسْواق الآخرة، فهذه الآية:

 

 

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً(72)﴾

 

[سورة الأحزاب]

 فلأنَّك مِن بني البشر عُرِضَت عليك الأمانة في عالم الذَّر، وقَبِلْتَ أن تَحْمِلَها.
 الله تعالى حينما حمَّلَكها، أعْطاكَ مُقَوِّماتِها، أوَّل مُقَوِّم الكَونُ، فَكُلّ ما في الكون يدُلّ على الله، وأعْطاكَ العَقْل ؛ قُوَّة أدْراكِيَّة، وأعْطاكَ الفِطْرة كَمِقْياسٍ نَفسي، قال تعالى:

 

﴿ بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14)﴾

 

[سورة القيامة]

 لا يوجدُ إنسان يحيد عن المنهج الصحيح إلا وينْقبِض، فالمرض المُنْتشِر في العالم الغربي، مع تَفَلُّتِهم هو الكآبة ! ما هي الكآبة ؟! تَعذيب الفِطرة لدى الإنسان، لمَّا يزْني الإنسان بِفَتاة، فهِيَ كانت طاهِرَةً فأفْسَدَها، هذا له فِطْرة تُعَذِّبُهُ في أعْماقِهِ ‍! لو فرضْنا أنَّ أبًا ترَكَ عشْرة ملايين، ومات وترك خمسة أولاد، وأحد الأولاد اسْتطاع أن يأخُذَها كُلَّها، واشْترى بيتًا فخْمًا وفرشَهُ بالأثاث، صَدِّقوني في أعْماقِهِ يوجَدُ انْهِيار ؛ لأنَّهُ يعْلَمُ أنّ هذا المال مال إخْوَتِهِ، وقد اغْتصَبَهُ فمهما بدى لك مَظْهر المُنْحَرِفِ فَخْمًا، فهذا له انْهِيار داخلي، وهذا الانْهِيار هو تَعذيب الفِطْرة والكآبة، لذلك تَجِد معظَم الناس الذين يأكلون أموال الناس بالباطل لهم كآبة، بُيوتهم فخْمة، ولكنَّهم بعيدون عن السُّرور ! أما الدَّخْل الحلال يُعْطي صاحِبَهُ سُرورًا كبيرًا جِدًّا، فأنا أذْكر أنَّني دَخَلتُ إلى مزْرعة كبيرة جدًا إلا أنّ صاحِبَها دَخْلُهُ ليس كما ينبغي ! صَدِِّقوني ؛ هذه المَزْرعة كأنَّ أشْجارَها تلْتَهِبُ نارًا ! هذه مِن أموال الناس، مَن أكلَ مالاً حرامًا عُذِّب به في الدنيا والآخرة، قال تعالى:

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً(72)﴾

[سورة الأحزاب]

 الآن سؤال: هل كان هذا الإنسان ظَلومًا وجَهولاً حينما حمَلها ؟ الجواب: لا، فلو عَرَضوا عليك مَنْصِبًا رفيعًا يحْتاج إلى دُكتوراه وأنت ذَكِيّ وقلتَ: أنا له، ودرسْتَ، فلَسْتَ مُخْطئًا، فلو أنَّ أباك عرض عليك أفْخَم بيتٍ على أن تنال شَهادة البورد، وأنت شاب في مُقْتَبَل الحياة، ولك طاقاتِك، هل إذا قبِلْتَ هذا العرْض ظالمٌ ؟ قال تعالى:

 

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً(72)﴾

 

[سورة الأحزاب]

 فالآية لها معنيان: أنّ هذا الإنسان حينما قَبِلَ عرْض الأمانة لم يَكُن ظالمًا ولا جَهولاً، أما إذا قَبِلَ حمْلها، ولم يُؤَدِّها كان ظلومًا جهولاً وهذا شيء يَحْصل ؛ فقد يُرْسِلُ الأب ابنه إلى أوروبا لِنَيل الدُّكتوراه وفي كلّ شَهر يبْعث له ألف دولار، وبعد خمسة سنوات ؛ لا شَهادة ولا عِلْم فالابن لمَّا قَبِلَ عَرْض والدِهِ ما كان ظَلومًا جَهولاً، أما لمَّا خيَّب ظنَّ والدِهِ كان ظلومًا جَهولاً.
 إذًا نحن في امْتِحان، فإذا عرفْنا مَن نحن ؟ أنت المَخلوق الأوَّل وأنت الذي سُخِّرَت له السَّماوات والأرض، وكلّ المَخلوقات في خِدْمَتِك وإذا الله تعالى قنَّن عليك، فَتَقْنين الله تعالى تَقْنينُ تأديب لا تَقْنين عَجْز، وقد ذكرتُ لكم أنَّهم عقدوا في أحد البلاد قديمًا مؤتَمَرًا يدرسون فيه كميَّة الحديد الموجودة الآن، وتوصَّلوا إلى أنَّ هناك كمِّيَة تكفي ستِّين سنة وكان المؤتمر سنة ألف وتسعمائة وعشرة ! معنى ذلك أنَّ سنة السَّبعين ينعدم الحديد، ثمّ اكْتُشِفَ أنَّ خُمس الكرة الأرضِيَّة تحوي الحديد ! فإذا قنَّن الله فهذا تقْنين تأديب، والكون كلّه مُسَخَّر لك، وهناك مِياهٌ كافِيَة ومزْروعات، ونحن في بلدِنا الطيِّب أنتَجنا ثلاثة ملايين قَمح وحاجتنا مليون قَمح فقط ! فالأمر بيَدِ الله، يبسط ويقبض، لذا الإنسان لا يعبأ بِكلام المُثبِّطين ؛ انْفِجار سُكَّاني، ونَقْص الموارِد، وجفاف المياه وحرب المياه،و حرب القَمح، هذا كُلُّه يُقال لنا كَي يشُدَّ هذا أعْصابنا دائِمًا، أما الله تعالى إذا أعْطى أدْهَش.
 فالمُلَخَّص، لِكَونِك إنسان قَبِلْتَ حمْل الأمانة، وأنت المخلوق الأوَّل وما العقل والفِطْرة والشَّهوة وحُرِيَّة الاخْتِيار، وما الكون والشَّرْع إلا مُقَوِّمات حَمْل الأمانة، لذلك قالوا: مَن عرف نفْسَهُ عرف ربَّه ! يجب أن تعرف مَن أنت ؟ قالوا: مِن الناس مَن يدْري بأنَّه يدْري فهذا عالِمٌ فاتَّبِعوه، ومنهم لا يدْري بأنَّه لا يدْري فهذا شَيطانٌ فاحْذَروه، أما أن تكون على هامِش الحياة، وتعيش لأجل الأكل والشرب و الشَّهوة أنت أكبر من هذا أيُّها الإنسان، إلا أنَّه أحْيانًا الإنسان يضَعُ نفْسَهُ مَوْضِعًا صغيرًا، فأنت لك مُهِمَّة تفوق دَخْلك ومكانتَكَ في المُجتمَع.

 

تحميل النص

إخفاء الصور