وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 0514 - رمضان2 - شهر القرآن - محارم الله ينبغي الابتعاد عن نطاقها لا عن عينها .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

القرآن الكريم هدى و بيان و موعظة و برهان :

 أيها الأخوة الكرام ؛ جرت عادة الخطباء أن يجعلوا خطب رمضان حول الموضوعات التالية : خطبة عن فضل رمضان ، وخطبة عن القرآن ، وخطبة عن الإنفاق ، وخطبة عن موقعة بدر ، وخطبة عن ليلة القدر . ولا أشذّ عن هذه القاعدة ، فخطبة اليوم عن القرآن الكريم .
 أيها الأخوة الكرام ؛ ماذا ورد في القرآن عن القرآن ؟ الله سبحانه وتعالى وصف كتابه بأنه هدى ، وبأنه بيان ، وبأنه موعظة وبرهان ، وبأنه نور وشفاء ، وذكر وبلاغ ، ووعد ووعيد ، وبشرى ونذير ، يهدي إلى الحق وإلى الرشد وإلى طريق مستقيم ، يخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ، ويحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، فيه تبيان لكل شيء ، وهو شفاء لما في الصدور ، وقد قال عليه الصلاة والسلام عن القرآن الكريم :

(( كِتابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ، هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ ، وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا

﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ﴾

 مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ))

 

[الترمذي وقال في سنده مجهول والحارث فيه مقال]

 أيها الأخوة الكرام ؛ والقرآن الكريم فضلاً عن كل ذلك هو مصدر رئيس لمعرفة الله عز وجل ، فالقرآن كلامه ، ومن خلال كلامه نتعرف إليه عن طريق التدبر ، قال تعالى :

﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾

[سورة محمد : 24]

 والسماء خلقه ، ومن خلالها نتعرف إلى الله عن طريق التفكر ، قال تعالى :

﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

[سورة آل عمران : 191]

 والحوادث أفعاله ، ومن خلالها نتعرف إلى الله عن طريق النظر والتأمل .

 

تلاوة القرآن تكون بتطبيقه و فهم معانيه :

 أيها الأخوة الكرام ؛ كتاب الله الذي بين أيدينا من أية زاوية تناولناه هو عبادة ولا شك . أن نقرأه ؛ أن نقرأه قراءة مجودة ، أن نتلوه ؛ أن نتلوه حق تلاوته ، أن نفهمه ، أن نتدبره، أن نطبقه ، ولكن أن تقرأ القرآن من دون أن تطبقه هذا لا يشير إلى إيمانك ، ربما تزهو به ، أن تقرأ القرآن قراءة تنتزع بها إعجاب الآخرين ، هذه القراءة ليست هي التي يقصدها الله عز وجل أن تفهم معانيه ، وأن تعرض هذه المعاني على الناس من دون أن تكون في مستواها هذا لا يرضي الله عز وجل . ما الذي يرضي الله عز وجل ؟ أن تتلوه حق تلاوته ، وتلاوة القرآن حق تلاوته أن تطبقه ، فمثلاً إذا قرأت قوله تعالى :

﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾

[سورة النور: 30]

 أين أنت من هذه الآية ؟ أجب نفسك على هذا السؤال ، والحقيقة قد تكون مرة أيها الأخوة ـ الإنسان العاقل لا يجامل نفسه ، ولا يتملقها ، ولا يعيش في الأوهام ، هذا القرآن الكريم الذي جعله الله لنا هدى وشفاء لما في الصدور ، لا نقطف ثماره إذا تلوناه فقط ، أو إذا تلوناه تلاوة مجودة فقط ، أو إذا حفظناه دون أن نعمل به ، لا نقطف ثماره فنهتدي به إلا إذا طبقناه . اقرأ قوله تعالى :

﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾

[سورة البقرة : 188]

 أين أنت من هذه الآية ؟ إذا تلبس المسلم بأكل أموال الناس بالباطل فأين هو من تلاوة القرآن حق تلاوته ؟

﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾

[سورة البقرة : 190]

 أين المسلم من هذه الآية ؟ وقصر العدل طافح بالمشكلات والدعاوى التي لا تنتهي وفيها أكل لأموال الناس بالباطل ؟

﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾

[سورة البقرة : 221]

 هذا مقياس المسلم في اختيار زوج ابنته ، هل تؤثر المال على الدين ؟ هل تؤثر الغنى على الصلاح ؟ أين نحن من هذه الآية ؟

 

آيات قرآنية تبدأ بلا الناهية لامتحان النفس :

 أيها الأخوة الكرام ؛ لا أحب أن أطيل عليكم ، ولكنني اخترت لكم من بين آيات القرآن الكريم بعض الآيات التي تبدأ بلا الناهية ، إذا استعرضنا هذه الآيات فلنمتحن أنفسنا ، ولنضعها في الموضع الصحيح ، وأن نسلط الضوء على واقعنا من خلال هذه الآية ، قال تعالى:

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾

[سورة البقرة: 11]

 الفساد في الأرض يغضب الله عز وجل ، إخراج الشيء عن طبيعته ، فقد يفسد الشاب ، وقد تفسد الفتاة ، وقد تفسد العلاقة بين الزوجين ، وقد تفسد العلاقة بين الشريكين ، وقد تفسد العلاقة بين أفراد المجتمع ، هذا كله بسبب جهل في الحكم الشرعي ، وبسبب بعد عن الله عز وجل ، فأين نحن من هذه الآية وقد جاءت الآيات مرتبة بحسب سور القرآن الكريم ؟
وأما قوله تعالى :

﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[سورة البقرة: 22]

 هذا الشرك الخفي ، أن تعتمد على غير الله ، وأن ترجو غير الله ، وأن تخشى غير الله ، وأن تتجه لغير الله ، وأن تضع ثقتك بغير الله ، وأن تفعل فعلاً ترضي غير الله .

﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً﴾

[سورة البقرة : 41]

 كما قال الإمام الشافعي :" لأن أرتزق بالرقص أهون من أن أرتزق بالدين" .

﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[سورة البقرة: 42]

 لا تلبس أمراً بأمر آخر ، لا تزين الباطل وتعطيه ثوب الحق ، لا تدخل الأمور ببعضها بعضاً ، لا تجعل الباطل يدخل على الناس وكأنه حق . وهذا ما يفعله بعضهم ، الذي يفتي بلا علم هذا له عند الله إثم كبير ، أما الذي يفتي بخلاف ما يعلم - يعلم الحق ويفتي بغيره - فهذا يتجاوز الحدود التي سمح الله بها إلى منطقة خطرة جداً ، يجعل من جسمه جسراً إلى النار .

 

الابتعاد عن الشيطان و جعل هامش أمان بين الإنسان و حدود الله :

 أيها الأخوة الكرام :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾

[سورة النور : 21]

 النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( إن الشيطان يئس أن يُعبد في أرضكم ، ولكن رضي فيما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم ))

[ الترغيب والترهيب عن سليمان بن عمرو عن أبيه]

 قد تجد بعض المخالفات لا تعبأ بها ، لا تراها كبائر ، تراها صغائر ، إنك إن اقتربت منها فقد اتبعت خطوات الشيطان ، وهل الملمات الكبرى والفواحش الكبرى إلا بسبب خطوة تلتها خطوة تلتها خطوة أوصلت صاحبها إلى الفحشاء ؟

﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾

[سورة الأنعام: 142]

 أيها الأخوة الكرام ؛ آية أخرى في المعنى نفسه :

﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾

[سورة البقرة : 187]

 ينبغي أن تدع بينك وبين حدود الله هامش أمان ، إنك إذا تجاوزت هذه المنطقة الحمراء وقعت في الحرام ، شئت أم أبيت ، دائماً التوجيهات القرآنية تأمرك أن تجعل بينك وبين الحرام منطقة أمان واحتياط . قال تعالى :

﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾

[سورة الأنعام: 142]

﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾

[سورة الإسراء: 32]

﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾

[سورة الإسراء :34]

﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾

[سورة البقرة : 187]

 كل هذه الآيات تحوم حول المعنى نفسه .

 

إنفاق الأموال و عدم أكلها بالباطل :

 و قال تعالى :

﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾

[سورة البقرة : 188]

 ألا يأكل بعض المسلمين أموال بعضهم بالباطل ، ألا يغتصبون ، ألا يأخذون ما ليس لهم ، ألا يعتدون ، وهناك آلاف الطرق ، بل عشرات ألوف الطرق في أكل أموال الناس بالباطل ، فإذا أردنا أن نتلو القرآن حق تلاوته علينا ألا نأكل أموال الناس بالباطل ، علينا أن نقف عند حدود الله ، علينا ألا نقرب حدود الله ، علينا ألا نلبس الحق بالباطل ، ألا نشتري بآيات الله ثمناً قليلاً .
 أيها الأخوة الكرام ؛ وقال تعالى :

﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾

[سورة البقرة : 195]

 قال بعض المفسرين في بعض معاني هذه الآية : لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة بعدم الإنفاق ، إنك إن بخلت ولم تنفق مالك تقرباً إلى الله عز وجل أهلكت نفسك يوم القيامة ، وجئت صفر اليدين .

﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

[سورة البقرة: 224]

(( الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ ))

[ البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ ﴾

  كان الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى يدفع ديناراً ذهبياً عن كل يمين صادقة أقسمها ، عاهد نفسه على ألا يقسم ، وعلى ألا يحلف ، فكان يعاقب نفسه بدفع دينار ذهباً صدقة عن كل يمين حلفها وهو صادق .

 

إنصاف النساء :

 و قال تعالى أيضاً :

﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا﴾

[سورة البقرة : 231]

 هذا الذي يمسك زوجته ، لا يطلقها ، ولا يعطيها حقها ، ولا يعاملها كزوجة من أجل أن تنزل له عن حقوقها ، هذا نهي صريح في نص هذه الآية الكريمة .

﴿وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً﴾

[سورة البقرة : 231]

﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾

[سورة البقرة :232]

 الأب الذي يحرم زوج ابنته من ابنته ليكيد الزوج ، والبنت تخاف منه ، هذا ماذا يفعل ؟ يحرم حقاً طبيعياً للفتاة ، ويحرم حقاً طبيعياً للزوج ، فالإنسان قبل أن يمنع ابنته من زوجها عليه أن يقرأ هذه الآية .

 

قطف ثمار القرآن الكريم لا تكون إلا بتطبيقه و تدبره :

 أيها الأخوة الكرام ؛ مرةً ثانية وثالثة : لا نكون ممن يتلو القرآن حق تلاوته إلا إذا كنا عند أمره ونهيه ، الذي يرفعنا عند الله أن نطبق أمره ، الذي يقربنا من الله عز وجل أن نجعل هذا القرآن حكماً بيننا ، الذي يجعلنا نستحق النصر من الله عز وجل أن يكون هذا الكتاب مطبقاً في حياتنا .
 أن نتلوه ؛ شيء جميل ، وأن نتلوه مجوداً ؛ شيء أجمل ، وأن نحفظه أجمل وأجمل ، لكن المؤمن لا يستطيع قطف ثماره ، وأن يكون هذا القرآن الكريم كما قال الله تعالى : هدى وبيان ، وموعظة وبرهان ، ونور وشفاء ، وذكر وبلاغ ، ووعد ووعيد ، وبشرى ونذير ، يهدي إلى الحق ، وإلى الرشد ، وإلى طريق مستقيم ، ويخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ، إلا إذا طبقناه .
 فيا أيها الأخوة الكرام ؛ إذا أردتم أن ترضوا الله عز وجل ، إذا أردتم أن تتقربوا إليه ، إذا أردتم أن يتجلى عليكم ، أن يلقي في قلبكم السكينة ، أن يلقي في قلبكم النور ، إذا أردتم أن يكون هذا الكتاب إماماً لكم إلى الجنة ، يجب أن تعنوا بتطبيقه ، يجب أن تقرؤوه قراءة تدبر ، وأن تسأل نفسك هذا السؤال دائماً : أين أنا من هذه الآية ؟ هل أنا مطبق لها ؟ هل أنا مقصر؟ هل أطبقها بعض التطبيق أم كل التطبيق أم لا أطبقها ؟ . .

 

تلاوة القرآن حق تلاوته تكون بتطبيق أوامره واجتناب نواهيه :

 أيها الأخوة الكرام ؛ قد تكون الحقيقة مرةً ، والإنسان أميل إلى التماس العذر لنفسه، وإلى محاباة نفسه ، وإلى مدح نفسه ، وهذا منزلق خطير يصل بالإنسان إلى طريق الهاوية ، اسأل نفسك هذا السؤال : هذه الآيات التي تتلوها وأنت في رمضان ، أو تسمعها في صلاة التراويح ، أو إذا سمعت القرآن يُتلى عليك ، اسأل نفسك هذا السؤال : أين أنا من تطبيقه؟ أين أنا من أحكامه ؟ أين أنا من إحلال حلاله وتحريم حرامه ؟ أين أنا من تطبيق أمره وترك نهيه ؟ أين أنا من الخوف من وعيده والرجاء بوعده ؟
 أيها الأخوة الكرام :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾

[سورة البقرة : 264]

 إذا فعلت معروفاً يجب أن تنساه ، وإذا فُعل معك معروف يجب أن تذكره طوال حياتك . هذا شأن المؤمن ، لكن بعض الناس إذا فعل خيراً يظل صباحاً ومساءً ، سراً وعلانية، يمن على الناس بهذا العمل ، فإذا فُعل معه معروف نسيه وكأنه لم يُفعل معه شيء .

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾

[سورة البقرة : 264]

﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾

[سورة البقرة : 267]

 الشيء الذي لا تشتهيه لا تعطه لغيرك ، الشيء الذي لا تتوق نفسك إليه لا تجعله موضوعاً لصدقتك .

﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾

[سورة البقرة : 267]

﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾

[سورة البقرة : 282]

 لو أن حادثاً وقع ، لا يقبل أحد أن يذهب للشهادة ، يقول : هذا شيء متعب ، دعني من وجع الرأس . أين تطبيق هذه الآية :

﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾

[سورة البقرة : 282]

﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾

[سورة البقرة :283]

 إذا أردت أن تتلو القرآن حق تلاوته فعليك بتطبيق أوامره ونواهيه .

﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾

[سورة آل عمران : 28]

 أن تقيم علاقة حميمة مع كافر لا يؤمن بما تؤمن ، لا ينتهي عما تنتهي ، ولا يقدس ما تقدس ، بل يهزأ ويسخر ، وأنت تمحضه كل ودك ، وكل إخلاصك . هذا ليس من صفات المؤمنين .

﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾

[سورة آل عمران : 64]

 العبادة لله وحده . ما الذي أهلك الأمم السابقة ؟ حين اتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله ، فضلوا وأضلوا ، وفسدوا وأفسدوا .

 

تطبيق أحكام الله عز وجل :

 أيها الأخوة الكرام :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾

[سورة آل عمران :102]

 ماذا يعني هذا النهي ؟ يعني أن تكون مسلماً من هذه اللحظة ، وفي كل لحظة ، حتى إذا جاء الموت تكون مسلماً كما يرضي الله عز وجل .

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

[سورة آل عمران :130]

 هذا الذي يستمرئ أكل الربا ، ويقول : أنا قناعتي ذلك . ما قيمة قناعتك أمام حكم الله عز وجل ؟ يقولون هذا عندنا غير جائز ، فمن أنتم حتى يكون لكم عند ؟ . . ما قيمة قناعتك واجتهادك أمام النص القطعي الدلالة الذي لا يحتمل اجتهاداً ولا تفسيراً ولا تأويلاً ؟
 أيها الأخوة الكرام ؛ قال تعالى :

﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾

[سورة آل عمران :196-197]

 لا ينبغي أن تملأ تعظيماً وتقديساً لغير المؤمنين الصادقين .

﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً﴾

[سورة النساء: 5]

 إذا وضعت المال في مكان تُرتكب فيه المعاصي ، ويُرتزق بالمعصية وتقول : هذا عمل ، وهذا استثمار ،

﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ﴾

.

 

جمع الآيات التي تبدأ بكلمة نفي أو نهي و التأمل بها و تطبيقها :

 أيها الأخوة الكرام ؛ آيات كثيرة تبدأ بلا الناهية ، وهي لا يمكن أن تحتويها خطبة، لكنكم إذا قرأتم كلام الله في قرآنه ، أو إذا استمعتم إلى القرآن يُتلى عليكم ، أو إذا استمعتم إلى القرآن في التراويح عليكم أن تقفوا عند هذه المنهيات ، ولا تقفزوا قفزة نوعية في رمضان ، ولا ترقى في رمضان إلا إذا رفعت من مستوى التطبيق ، هذا الذي يرضي الله عز وجل .
 أيها الأخوة الكرام ؛ أرجو الله سبحانه وتعالى أن تتابعوا بأنفسكم هذا الموضوع .

﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾

[سورة الإسراء :34]

﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾

[سورة الأنعام: 151]

﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾

[سورة الأعراف: 31]

﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾

[سورة الأنعام : 121]

 هناك لحوم لا يُذكر اسم الله عليها ، لا تُذبح وفق الشريعة الإسلامية ، نهي واضح.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾

[سورة المائدة: 87]

﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾

[سورة المائدة: 2]

 آيات كثيرة جداً تزيد عن ألف آية ، تبدأ بلا الناهية ، فحبذا لو جعل أحدكم ختمة القرآن بهذه الطريقة ، ليجمع الآيات التي يسبقها أداة نفي ، أو أداة نهي ، لا الناهية ، إذا جُمعت في دفتر صغير ، وقرأها وتملاها فلعلها تهديه إلى سواء السبيل ، هذا الذي يرضي الله عز وجل ، وهذا الذي يرفعنا عند الله عز وجل .
 أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

محارم الله ينبغي الابتعاد عن نطاقها لا عن عينها :

 أيها الأخوة الكرام ؛ يتوهم بعض ضعاف الإيمان من المسلمين أن الخمر ليست محرمة بل هي مكروهة ، أقول : بعض ، وأقول : بعض ضعاف الإيمان ، ولا أعتقد أن أحداً ممن يحضر خطب الجمعة عنده هذه الشبهة ، لكن هناك أناساً كثيرين تُلقى عليهم هذه الشبهة ليس عندهم جواب شاف لها ؛ لأنه لم يرد نص قرآني صريح بأنها محرمة ، كما هي الحال في الميتة ولحم الخنزير .

﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾

[سورة المائدة:3]

 ومع أن هؤلاء قلة ، لكنهم يوقعون الكثرة في حيرة واضطراب ، والكثرة مع أنها ترفض هذه المقولة ، غير أنها لا تملك الجواب الشافي ، وقد طُرح عليّ هذا السؤال في بحر الأسبوع الماضي ، فرغبت أن تعم الفائدة فجعلت من هذا الموضوع الموضوع الفقهي في هذه الخطبة .
 أيها الأخوة ؛ الحقيقة الثابتة أن الله سبحانه وتعالى حينما قال :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

[سورة المائدة: 90]

 دليل التحريم كلمة فاجتنبوه ، كلمة فاجتنبوه أقوى ، وأبلغ ، وأشدّ تحريماً مما لو قال الله : حرمت عليكم الخمرة . تيار كهربائي عالي التوتر ، إذا أردنا أن ننبه الناس للخطر منه هل نقول لهم : ممنوع مس هذا التيار أم ممنوع الاقتراب منه ؟ لأن هذا التيار عالي التوتر يجذب الرجل لمسافة ستة أمتار إليه ، ويجعله فحمة في ثانية واحدة ، فهل من الحكمة أن نمنع مس التيار أم نمنع الاقتراب من التيار ؟ وأيهما أبلغ في المنع أن تقول : ممنوع مس التيار أم ممنوع الاقتراب منه ؟
 أيها الأخوة الكرام ؛ مثال آخر : الحق جلّ جلاله قال لآدم وحواء :

﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾

[سورة البقرة: 35]

 لمَ لم يقل لهما ولا تأكلا من هذه الشجرة ؟ وما الفرق بين أن يقول الله عز وجل ولا تقربا هذه الشجرة وبين أن يقول ولا تأكلا منها ؟
 أيها الأخوة الكرام ؛ محارم الله ينبغي أن نبتعد عن نطاقها ، لا عن عينها ، لأن قربك من المحرم يغريك به ، إذاً لا تقربا هذه الشجرة أبلغ وأشدّ في الاحتياط من أن يقول الله عز وجل : لا تأكلا من هذه الشجرة . لو قال : لا تأكلا ، لكان من الممكن أن يذهب الإنسان إلى هذه الشجرة ، وأن يجلس إلى جوارها ، وأن يتغزل بمحاسنها ، وأن ينظر إلى ثمارها بحسرة ، ولكنه لا يأكل منها ، لكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يبعدهما عن أسباب المعصية ، لأن القرب هو بداية المعصية ،

﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ﴾

.
 أيها الأخوة الكرام ؛ الملاحظ أن أمر النهي في المحرمات جاء في القرآن الكريم على هذه الصيغة :

﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ﴾

[سورة البقرة : 187]

 أي لا تتجاوز الحد الذي رسمه الله . ولكن في المحللات قال :

﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾

[سورة الأعراف: 31]

 فالمحللات جاءت فيها الصياغة مختلفة .
 دليل آخر هو أن الاجتناب جاء في قمة العقيدة ، في قمة الإيمان ، ماذا قال الله عز وجل :

﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا﴾

[سورة الزمر: 17]

 وفي آية أخرى :

﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا﴾

[سورة الحج : 30]

تحريم الخمر في القرآن الكريم :

 تعالوا أيها الأخوة لنناقش معكم منطق هؤلاء الذين يدعون أن الخمر ليست محرمة بل هي مكروهة ؛ لأن الله لم يذكر في القرآن الكريم نصاً صريحاً بأنها محرمة . تعالوا نناقش هاتين الآيتين في منطق هؤلاء .
 يجوز في منطق هؤلاء أن يُعبد الشيطان ، وأن تعبد الأوثان ، فهي ليست محرمة ولكنها مكروهة . ما قولكم ؟ شيء غير مقبول إطلاقاً .
 أيها الأخوة الكرام ؛ لو أن الله سبحانه وتعالى قال : حُرم عليكم الخمر لكان يجوز في هذه الحالة أن يحمل الخمر إلى من يشربه ، ويجوز أن يصنع ، ويجوز أن يتاجر به، ويجوز أن يباع ، ويجوز أن يقدم ضيافة ، ويجوز أن يجلس مع من يشربه . ولكن معنى اجتنبوا أي اجتنب مكاناً يقدم فيه الخمر ، اجتنب أناساً يشربون الخمر ، اجتنب مكاناً تتواجد فيه مع الخمر . لذلك ورد في الحديث الذي رواه أبو داود والحاكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

(( لعن الله الخمر ، وشاربها ، وساقيها ، وبائعها ، ومبتاعها ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وآكل ثمنها ))

[أبو داود والحاكم عن عبد الله بن عمر]

 هذا الكلام الذي استنبطه النبي من قوله تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

[سورة المائدة: 90]

 فالاجتناب أيها الأخوة أبلغ من أن يقول الله عز وجل : حرمت عليكم الخمر .
 أيها الأخوة الكرام ؛ لا أعتقد أن واحداً ممن يرتاد بيوت الله عز وجل يعتقد هذه العقيدة ، لكن أناساً كثيرين طُرحت عليهم هذه الشبهة ، واحتاروا في الإجابة عنها ، فأردت أن يكون معكم سلاح العلم في الرد على هذه الشبهة ، الخمر محرمة في القرآن الكريم في أعلى درجات التحريم ، وأعلى درجات التحريم كلمة فاجتنبوه . .

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

تحميل النص

إخفاء الصور