وضع داكن
25-04-2024
Logo
الخطبة : 0049 - متى يطبق الإنسان الإسلام .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :

 الحمد لله نحمده ، و نستعين به و نسترشده و نعوذ به من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لك ، إقراراً بربوبيته و إرغاماً لمن جحد به و كفر ، و أشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق و البشر ، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلي وسلم و بارك على سيدنا محمد و على آله و أصحابه و ذريته و من تبعه ذي إحسان إلى يوم الدين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

معنى الغرور ؟

 أيها الإخوة ؛ في مستهل الحديث عن المنهج التفصيلي الذي يرقى بالنفس الإنسانية إلى مستوى الشرع الحنيف الذي وعدتكم بالحديث عنه في الخطب القادمة ، أشير إلى حقيقة أساسية وهي ؛ أن الإسلام معناه الإذعان والاستسلام لأوامر الله عز وجل ، لذلك لا يحق لأحد أن يدعي أنه مسلم ما لم يلتزم بالشريعة الإسلامية ، فيأتمر بما أمر الله به ، وينتهي عما نهى عنه ، أما قول معظم الناس وهو متلبسون بالمعاصي ( أنا مؤمن ، والإيمان بالقلب ولا عبرة بالمعاصي التي نرتكبها ، المهم أننا لا نؤذي أحداً ، ولا نأخذ مال أحد ، والله غفور رحيم ) !.
 أيها الإخوة ؛ هذا قول مرفوض ، لأنه تغرير من الشيطان ، قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾

[سورة لقمان الآية:33]

 والغرور هو الشيطان .

تعصي الإله وأنت تظـهر حبه  ذاك لعمري في المقال بديــع
لو كان حبك صــادقاً لأطعته  إن المحب لمن يحـب يطيع

مشكلة الجهل في فهم حقيقة الدين .

 أيها المؤمنون ؛ عدم التقيد بأوامر الدين ظاهرة متفشية في العالم الإسلامي ، فلو تساءلنا ؟!!
 لماذا لا يطبق الناس أوامر الدين ؟
 ولماذا لا يحرصون على الأخذ بسنة رسول الله ؟
 ولماذا لا تهزهم آيات القرآن الكريم ؟ ولا تثيرهم أحاديث النبي الكريم؟
 أغلب الظن أنهم يتوهمون ، أو يخيل إليهم أن أوامر الدين لا تتفق وروح العصر ، ولا تنسجم مع العقل ، ولا تستجيب للتغيرات الاجتماعية ، وهم يحسبون أن عصرهم عصر العلم ، عصر النور ، عصر النظم الوضعية والحريات الفكرية ، والنمو الاقتصادي والرفاه المادي ، وتطبيق الإسلام معناه إلغاء هذه الحضارة ، وحرمان من هذا الرفاه ، وعودة إلى عصر البداوة ، عصر الخشونة .
 أيها الإخوة ؛ إن من يعتقد بهذا يكشف للناس جهله ، المطبق بحقيقة هذا الدين الإلهي الذي ارتضاه الله لعباده ، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية فإنه يفتقد الدافع إلى تطبيق الإسلام .
 أيها الأخ الكريم ؛ اسأل نفسك هذا السؤال :
 متى أطبق نصيحة ما ؟ ..
 وأنا سوف أجيب عنك إنك لا تطبق نصيحة إلا إذا وجدتها منطقية ، معقولة ، واقعية ، تعود عليك بالخير الكبير ، أو تصرف عنك الشر المستطير ، لذلك ترى الناس في أمور دنياهم سريعي الاستجابة لكل نصيحة تعود عليهم بالنفع القريب الملموس .
 الأراضي ترتفع أسعارها ، لذلك ترى الناس متسابقين إلى تملكها ليستمروا بها أموالهم ، وسوف تفتقد هذه المادة أو تلك ، لذلك يسرع الناس إلى تخزينها ، فالإنسان منطقي يحرص على منفعته ، ويسعى إليها ولو بذل أشق الجهود ولكن الإنسان يتوهم أن منفعته في المال ، أو الولد ، أو الجاه والسلطان ، لذلك لا يكترث بصحته النفسية ، وسعادته الروحية ، ونهايته المحتومة .
 والآن لو رأينا أوامر الدين منطقية ، معقولة ، واقعية تعود علينا إذا طبقناها بالخير العميم ، والمنفعة العاجلة والآجلة ، وتكسبنا أمناً وسكينة ورضىً وتجنبنا القلق ، والمزالق والمخاطر ، لَمَا تلكأ أحد في تطبيق الشرع الحنيف .
إذاً أين تكمن المشكلة ؟..
 المشكلة هي في الجهل .. معظم الناس يجهلون حقيقة هذا الدين الإلهي ولا يعرفون ما نطوي عليه تطبيق هذا الدين من خير عميم ، ولا يدركون الخطر الكبير الذي يحدق بمن يخرق تعاليم رب العالمين ، لذلك قال الله تعالى :

﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾

[ سورة فاطر الآية : 28 ]

 وعالم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ، وكل الناس هلكى إلا العالمين ، وليس مني إلا عالم أو متعلم ، وكن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً ولا تكن الخامسة فتهلك ، وتفكر ساعة خير من عبادة ستين عاماً ، وليلة القدر خير من ألف شهر .
 يؤكد أحد علماء النفس أن تعالم الإنسان مع بيئته ومحيطه إنما يتم وفق القانون التالي ؛ إدراك فتأثر فسلوك ... ومعنى هذا أن الإنسان يدرك الشيء إدراك صحيحاً ، فينفعل بهذا الإدراك ، فيسلك سلوكاً ما إيجابياً أو سلبياً .
 فعلامة الإدراك الصحيح الانفعال وعلامة الانفعال الصحيح الاستجابة السلوكية .
 يرى أحدنا حشرة مؤذية وسامة ، يراها فيدرك خطرها إدراكاً صحيحاً فيأخذه نوع من الانفعال ، وانفعاله هذا يدفعه إلى سلوك ما سلبي أو إيجابي هروب منها أو توجه إلى قتلها .
 ويرى طفل صغير هذه الحشرة فلا يدرك خطرها على حياته ، لذلك لا نفع من رؤيتها ، وبالتالي لا يسلك إثر هذه الرؤية أي سلوك ، إذً عدم التأثر والاستجابة دليل على أن الإدراك ليس صحيحاً .
 ولو طبقنا هذه القاعدة على الدين لوجدنا :
 أنه محال على إنسان يدرك إدراكاً صحيحاً أن أوامر الدين في صالحه ولا يطبقها .
 ومحال على إنسان يدرك إدراكاً صحيحاً أن نواهي الدين مهلكة له ولا يجتنبها .
 ومحال على إنسان يعلم أن الجنة حق ولا يعمل لها ، وأن النار حق ولا يسعى لاجتنابها .

 

الشرع ينهى عن اختلاط الرجل بالنساء.

 ولنضرب على ذلك مثلاً ديننا الإسلامي ينهى عن اختلاط الرجل بالنساء ، والناس لم يدركوا حكمة هذا النهي ، ولا خطورة الوقوع فيه ، بل يرون أن عدم الاختلاط لا يتناسب مع هذا العصر ، فالمرأة تحررت وخرجت من بيتها وشاركت الرجل في آماله ونشاطاته ، لذلك يجب ألا نحيطها بالشكوك والرجال ازداد وعيهم وتثقفت عقولهم ، فلا ينبغي أن نتهمهم بسوء النية لذلك يمارس الناس الاختلاط في معظم نشاطاتهم وحفلاتهم ، وزياراتهم وسهراتهم ، وفي كل مناسبة يبدي النساء ما عندهم من مفاتن ، وما يقدرون عليه من زينة ، وتزداد الصلات بين الأصدقاء والزوجات متانة ، ويزداد النفور بين الأزواج استفحالاً ، وكثيراً ما يؤدي الاختلاط إلى الطلاق أو الخيانة ، وإذا لم يؤد إليهما أدى إلى فساد العلاقة بين الزوجين ، فالرجل متعلق بغير زوجته ، يحس بغصة في لحقه وحرقة في قلبه والمرأة كذلك ولو علم الرجل أن الاختلاط سيحرمه من زوجته التي يحبها وأم أولاده التي يحرص على سعادتهم ، ولو علم الرجل أن الاختلاط سيوقعه في حرج كبير حينما يكتشف أن زوجته لا تحبه ، أو تخونه ، إذا علم حكمة عدم الاختلاط وخطورة خرقه ، لما أقدم على ما أقدم عليه .

أوامر الدين ليست حجزاً لحريتنا ولكنها ضمانا لسلامتنا.

 أيها الإخوة ؛ أوامر الدين ليست حجزاً لحريتنا ، ولكنها ضمان لسلامتنا ، وإذا ظن أحدكم أنني أبالغ والمقدمات التي أوردتها لا توصل إلى هذه النتائج فليذهب إلى قصر العدل ، وليطلع على الدعاوي المرفوعة إلى المحاكم الشرعية ، وعندها يتأكد من أن معظم المشكلات التي تهدد كيان الأسرة وتسبب في شقاء أفرادها إنما وجدت بسبب مخالفة هذه الشريعة الغراء .
 فيا أخي المؤمن ؛ إذا أردت أن تمتلك دافعاً قوياً إلى التمسك بتعاليم الدين وأن تشعر بخوف شديد من الوقوع في المعاصي فتفقه في الدين واطلب العلم طلباً حثيثاً ، واذكر ما في هذا القرآن من حكمة وخير وعندها ترى الحق حقاً فتتبعه ، والباطل باطلاً فتجتنبه .
 أو كما قال .
 أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وصلوا ما بينكم وبين ربكم تسعدوا ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .

والحمد لله رب العالمين
***

الخطبة الثانية :

 

 الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم .

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء .
 اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، واصرف عنا شر الأعمال لا يصرفها عنا إلا أنت .

تحميل النص

إخفاء الصور