- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر . وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر . اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين . اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
طريق العلم قد يوصل إلى الجنة و السعادة في الدنيا و الآخرة :
عباد الله اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنت مسلمون ، في الخطبة السابقة بدأت بشرح حديث شريف من صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ))
وتتمة الحديث:
((وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ))
أيها الأخوة الكرام ؛ من سلك طريقاً : ماذا تعني هذه الكلمة في هذا الحديث ؟
العلماء شرَّاح هذا الحديث يقولون : من سلك طريقاً السلوك المادي ، أي خرج من بيته ومشى إلى بيت من بيوت الله ، سلك سلوكاً مادياً بقدميه :
((وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا))
يلتمس من خلال هذا الذهاب أن يتعرف إلى الله ، أن يتعرف إلى أحكام دينه ، أن يتعرف إلى كلامه . وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا . ارتدى ثيابه وخرج من بيته ، وسار في الطريق . الطريق المؤدي إلى بيت من بيوت الله .
أيها الأخوة الكرام ؛ وبعضهم قال : قد يعني الحديث السلوك المعنوي . أي من حفظ ، ومن قرأ ، ومن ذاكر ، ومن درس ، ومن أعاد ، ومن تابع الأمر ، ومن تأمل ، ومن فكر . بعضهم قال : السلوك المادي إلى بيت من بيوت الله من أجل أن تعرف عن كلام الله شيئاً ، من أجل أن تعرف عن سنة النبي شيئاً ، من أجل أن تعرف أحكام دينك ، أحكام الحلال والحرام ، من سلك طريقاً بقدميه ، يريد من هذا الطريق أن يصل إلى بيت من بيوت الله ، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة . فليعلم أن هذا الطريق الذي يطؤه بقدميه ، ربما أوصله إلى الجنة ، إلى سعادة الدنيا والآخرة .
والمعنى الثاني : أنه من حفظ العلم ، ومن درس العلم ، ومن ذاكر العلم ، ومن قرأ العلم ، ومن تفهم العلم ، ومن تأمل فيما يقرأ . أيضاً هذا هو السلوك المعنوي .
رتبة العلم أعلى الرتب وهي الحاجة العليا في الإنسان :
إذاً ما معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام ؟
((سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ))
قال شرَّاح الحديث : الله سبحانه وتعالى يسهِّل له العلم الذي طلبه . هناك قصة مثيرة جداً يرويها العلماء وهي قصة واقعية ؛ أن رجلاً في مصر أراد أن يطلب العلم وهو في الخامسة والخمسين ، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب ، تعلم القراءة والكتابة ، وتعلم قراءة القرآن ، وحفظ القرآن ، وطلب العلم ، وما مات إلا شيخ الأزهر ، مات في السادسة و التسعين .
معنى سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ أي سهل الله عليه هذا العلم .
لعل أول العلم فيه صعوبة ، لكنه إذا سلكه صادقاً يصبح أكبر متعة في حياته . ما من رتبة يرقى بها الإنسان كرتبة العلم ، ورتبة العلم أعلى الرتب ، وهي الحاجة العليا في الإنسان ، وهذه الحاجة إذا طلبتها أكدت إنسانيتك ، أكدت أنك من بني البشر ، أكدت أنك المخلوق الأول ، وأنك المخلوق المكرم ، وأنك المخلوق المكلف ، ارتفعت بطلب العلم من مستوى الحيوانية إلى مستوى الإنسانية ، لأن الله سبحانه وتعالى خصّ الإنسان بهذه القوة الإدراكية ، وما خصّ الإنسان بهذه القوة الإدراكية إلا ليتعرف إلى الله . ما أمرنا أن ندعوه إلا ليستجيب لنا ، ما أمرنا أن نتوب إلا ليتوب علينا . ما أودع فينا هذه القوة الإدراكية إلا من أجل أن نتعرف عليه .
((من سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّة ))
إما أن يسلك هذا الطريق بقدميه ، أو بمركبته ، أو بمركبة عامة .
((مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّة ))
ومن قرأ العلم في بيته ، ومن تفهم العلم ، وجلس مع إخوانه يذكر حقائق العلم ، تدارس العلم ، حفظ العلم ، تفهم العلم ، تعمق في فهم العلم ، راجع العلم ، ذاكر العلم ، أيضاً هذا هو المعنى الآخر .
العلم بالله و بشريعته يمتع وينفع ويسعد صاحبه في الدنيا والآخرة :
أيها الأخوة الكرام ؛ الله جلّ جلاله يسهل له هذا العلم . ربما كان هذا العلم على من لا يريده صعباً ، ربما كان طلب العلم على من لا يريده كأن تحفر جبلاً بإبرة ، أما الذي يطلبه بصدق وإخلاص فيجعل الله له متعة وسعادة ما بعدها سعادة . لذلك لا تعجب من هؤلاء الذين يعكفون على طلب العلم ويمضون الساعات الطوال في قراءة القرآن ، وفي فهمه ، وفي درسه ، وفي تعليمه ، إنهم منغمسون في سعادة لا يعرفها إلا من ذاقها .
على كل هؤلاء الذين يتعلمون علوم الدنيا يغرقون في متعته . مطلق العلم يمتع الإنسان ، لكن هناك علماً ممتعاً ، وهناك علماً ممتعاً نافعاً ، وهناك علماً ممتعاً نافعاً مسعداً في الدنيا والآخرة . العلم بالله والعلم الديني هو العلم الممتع والنافع والمسعد في الدنيا والآخرة . ربما كانت علوم الدنيا تمتع وتنفع صاحبها في الدنيا ، ولا تنفعه في الآخرة ، وربما كان بعض العلوم لا يمتع لكنه ينفع ، بعض العلوم تنفع لكنها لا تمتع ، لكن العلم بالله ، والعلم بشريعته يمتع ، وينفع ، ويسعد صاحبه في الدنيا والآخرة .
((وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ))
بعضهم قال : أنت إذا عرفت الحقيقة ، وأنت تحب نفسك حباً جماً بسبب حبك لذاتك ، ومعرفتك للحقيقة تلتزم منهج الله عز وجل ، فإذا عرفت الحقيقة سلكت طريق الحق ، وهذا الطريق يؤدي بك إلى الجنة . وقد يقول أحدهم : إن هذا الحديث مقتبس من قوله تعالى :
﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾
الله جلّ جلاله في عليائه ييسر على قارئ القرآن قراءته ، وييسر على متدبره تدبره، وييسر على متفهمه تفهمه ، وييسر على مطبقه تطبيقه . الله جلّ جلاله حينما يعلم أن هذا العبد صادق في طلب العلم ييسر له العلم . بل إن بعضهم قال : إن الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى قرأ حديثاً عن رسول الله هو الذي عطفه إلى العلم ، وكانت عطفته تلك سبب سعادته، وإسعاد خلق كثيرين . هذا الحديث:
(( من طلب العلم تكفل الله برزقه ))
ليس معنى هذا أنه يأتيه رزق من السماء كمعجزة ، أو كرامة ، ولكن معنى هذا أن الله سبحانه وتعالى يوفقه في عمله توفيقاً بحيث يبقى له وقت مديد يطلب فيه العلم .
نية طالب العلم تحدد تيسيره أو تعسيره :
أيها الأخوة الكرام ؛ معنى الحديث : هل من طالب علم فيعان عليه . النبي صلى الله عليه وسلم روى عن ربه الحديث القدسي :
((فَإِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفُ اللَّيْلِ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جَلَّ وَعَزَّ فَقَالَ : هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيبَهُ؟ ))
وهذا الحديث بهذا المعنى ، أي هل من طالب علم فأعينه على طلبه ؟ هل من طالب علم أجعل له هذا الطلب طريقاً إلى الجنة ؟ لكن العلماء يقولون : إن هذا العلم الديني ؛ العلم بالله ، والعلم لشرعه لا يتيسر لطالبه إلا إذا ابتغى به وجهه الكريم ، وابتغى به أن ينتفع به في دنياه وأخراه ، وابتغى به مرضاة الله عز وجل ، نية طالب العلم هي التي تحدد تيسيره أو تعسيره .
طلب العلم سبب للهداية والهداية سبب للسلوك القويم :
أيها الأخوة الكرام ؛ طلب العلم سبب للهداية ، والهداية سبب للسلوك القويم ، والسلوك القويم سبب لدخول الجنة .
شيء آخر في الحديث : أنت قد تطلب العلم ، وتجتهد ، وتمضي الوقت في طلبه ، وتسلك الطريق إلى بيوت الله ، وتقتطع من وقتك الثمين وقتاً ، ربما كان وقت راحتك ، ربما كان وقت جلوسك مع أهلك وأولادك ، ربما كان وقت نزهتك ، تقتطع من وقتك الثمين وقتاً تطلب فيه العلم ، فالله سبحانه وتعالى يعطي أضعافاً مضاعفة ، قال :
((من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم ))
وقالوا : إن من ثواب الحسنة الحسنة .
﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾
﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾
وقال بعضهم : من طلب العلم سهل الله له به طريقاً إلى الجنة . أي أنه إذا سار على الصراط اجتازه مسرعاً إلى الجنة . من كان قد طلب العلم في الدنيا ونفعه هذا العلم في طاعة الله عز وجل ، وفي التقرب إليه ، فهو يوم القيامة إذا سار على جهنم على الصراط المستقيم اجتازه مسرعاً كلمح البصر . سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ، هذا من معاني الحديث.
ويقول بعضهم : العلم الحقيقي يدل على الله تعالى . لماذا دعا النبي صلى الله عليه وسلم وقال :
(( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ))
دخل النبي على بعض أصحابه ، فرآهم متحلقين حول رجل ، فقال : من هذا ؟ وهو يعلم من هذا ، سؤال العارف ، فقالوا : نسابه ، قال : وما نسابه ؟ فقالوا: يعلم أنساب العرب . فقال عليه الصلاة والسلام:
((ذلك علم لا ينفع من تعلمه ، ولا يضر من جهل به ))
كان عليه الصلاة والسلام يقول :
(( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ))
دقق أن لك مكتبة كبيرة جداً ، وعليك امتحان حاسم ، وفي هذه المكتبة كلها كتاب واحد هو الكتاب المقرر لهذا الامتحان ، فهل من العقل أن تقرأ كتاباً آخر ؟ لابد من أن تصطفي ، لابد من أن تقرأ الكتاب الذي تنتفع به في دنياك وأخراك ، لابد من أن تطلب العلم النافع ، العلم الذي يقيك الزلل ، العلم الذي يعرفك بالله عز وجل .
العلم النافع هو العلم الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه :
أيها الأخوة الكرام ؛ العلم الحقيقي يدل على الله تعالى ، فمن سلك طريق العلم مخلصاً غير منحرف وصل إلى الله . وصل إلى الله معرفةً ، ووصل إلى الله اتصالاً .
وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا . والطريق الحقيقي إلى الله هو العلم ، فمن تعلم العلم الحقيقي مخلصاً غير منحرف نقله العلم إلى الله عز وجل ، نقله نقلة معرفة ، ونقله نقلة صلة بالله عز وجل . قال بعضهم: لا طريق إلى معرفة الله ، والفوز بطاعته ، والوصول إلى رضوانه وبلوغ قربه ، ومجاورته في الآخرة ، إلا بالعلم النافع ، الذي بعث الله به رسله ، وأنزل به كتبه . لا سبيل إلى معرفة الله ، ولا إلى الفوز بطاعته ، ولا إلى الوصول إلى رضوانه ، ولا إلى بلوغ قربه ، ولا إلى مجاورته في الآخرة إلا بالعلم النافع الذي بعث الله به رسله ، وأنزل به كتبه .
هذا العلم النافع سماه الله نوراً . ألست بحاجة ماسة - وأنت تمشي في ظلمات بعضها فوق بعض - إلى نور كشاف يكشف لك الطريق ؟ يكشف لك معالم الطريق ؟ يكشف لك الحفر المخيفة ؟ يكشف لك النتوءات والأكمات ؟ يكشف لك الوحوش الضارية ؟ وأنت في طريق غابة ليلاً ألست بحاجة إلى نور يكشف لك الحقائق ؟ الله جلّ جلاله سمى العلم الذي جاء به الرسل نوراً ، قال تعالى:
﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
والنبي عليه الصلاة والسلام من بيانه الرائع البليغ أنه شبه حملة العلم من أمته في الأرض كالنجوم المتألقة في السماء . ففي المسند عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة ، ومادام العلم باقياً في الأرض ، فالناس في هدى ، وبقاء العلم ببقاء حملته ، فإذا ذهب حملته ومن يقوم به وقع الناس في الضلال ))
انتزاع العلم بقبض العلماء :
أيها الأخوة الكرام ؛ في الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
((إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمُ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، فَإِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ))
العلم يُنتزع بقبض العلماء . إذاً علينا أن نربي أولادنا على طلب العلم ، علينا أن نهيئ الدعاة إلى الله عز وجل ، لأن حاجة الناس إلى العلم كحاجتهم إلى الهواء ، به يحيون ، وبه يسعدون ، وبه يستقيمون ، وبه يصلون إلى الله عز وجل ، فلا بد من تجديد الدعاة إلى الله. يجب أن نفكر جدياً أن نربي أولادنا على طلب العلم ، يجب أن نطمح في أن يكون أبناؤنا دعاةً إلى الله عز وجل ، يجب أن نربيهم التربية الشرعية .
أيها الأخوة الكرام ؛ النبي عليه الصلاة والسلام استعاذ من يوم يرفع فيه العلم ، فقيل : يا رسول الله كيف يذهب العلم وقد قرأنا القرآن وأقرأناه نساءنا وأبناءنا ؟ كيف يُنزع العلم بيننا و كتاب الله نتلوه ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : هذه التوراة والإنجيل ماذا تغني عنهم ؟ فسئل عبادة بن الصامت عن هذا الحديث فقال : لو شئت لأخبرتك ، أول علم يُرفع من الناس الخشوع في القلب ؛ لأن العلم علمان ، أحدهما ما كان ثمرته في قلب الإنسان ؛ العلم بالله ، المقتضي لخشيته ، ومهابته ، وإجلاله ، والخضوع له ، ومحبته ، والخوف منه ، ورجاؤه ، والدعاء له ، والتوكل عليه . هذا هو العلم النافع ، أن تتعرف إلى الله من خلال الكون ، من خلال أفعاله أن تتصل به ، أن تتوكل عليه ، أن تخشع له ، أن ترجو ما عنده ، أن تخشى عذابه ، أن تثق به ، أن تحبه ، أن تؤثره على كل شيء ، إذا عرفت الله وأقبلت عليه ذلك العلم النافع .
ابن مسعود يقول :" إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم" .
أما إذا وقع العلم في القلب فرسخ فيه ونفع . وقال الحسن : العلم علمان علم على اللسان فذلك حجة الله على ابن آدم ، وعلم في القلب فذلك العلم النافع . العلم الذي على اللسان أيها الأخوة هو حجة الله لك أو عليك ، أول ما يُرفع من العلم النافع ، وهو العلم الذي يخالط القلوب ، ويطهرها ، ويبقى علم اللسان فيتهاون الناس به فلا يعملون بمقتضاه ، لا حملته ولا غيرهم ، ثم يذهب هذا العلم الذي على اللسان بذهاب حملته ، فلا يبقى إلا القرآن بالمصاحف وليس ثم من يعلم معانيه ، ولا حدوده ، ولا أحكامه ، ولا حلاله ، ولا حرامه .
الجلوس في المساجد لتعلم القرآن ومدارسته وتعليمه :
أيها الأخوة الكرام ؛ يجب أن يدخل في برنامجنا جميعاً طلب العلم ، لأن العلم حياة القلوب ، والعلم خير من المال ؛ لأن العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق . مات خزَّان المال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة .
تتمة الحديث:
((وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ ))
أول حقيقة نستفيدها من هذه الفقرة من هذا الحديث ، أنها تدل على ندب الجلوس في المساجد لتعلم القرآن ، ومدارسته ، وتعليمه . ففي صحيح البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((خيركم من تعلم القرآن وعلمه ))
خيركم على الإطلاق ولا أحد أخير من هذا الذي طلب العلم وعلمه . قال بعضهم من التابعين : هذا الحديث هو الذي أقعدني في مقعدي هذا في المسجد . ما الذي جعلك أن تجلس على ركبتيك ؟ ربما كان الجلوس في البيت مريحاً أكثر ، على فرش ومتكئات وطنافس ، الذي جعلك تجلس على ركبتين في المسجد هو هذا الحديث :
((خيركم من تعلم القرآن وعلمه ))
أيها الأخوة الكرام ؛ يتوهم بعضهم أحياناً أن حضور الخطبة هي طلب العلم . الخطبة من أجل أن تقنعك بطلب العلم ، ألا ترى أن بعض الناس يعرضون البضاعة في واجهات محلاتهم ، من أجل أن يغرون المشاة في الدخول إلى المحل والشراء منه ؟ إن حضور الخطبة وحدها لا تكفي لطلب العلم ، طبيعة الخطبة لا تحتمل التفاصيل ، ولا الأحكام الفقهية ، ولا التعليلات ، ولا الأدلة ، لابد من عرض سريع ، وعرض موجز ، لكن طلب العلم شيء وأن تحضر خطب في الأسبوع مرة واحدة شيء آخر .
سئل ابن عباس : أي العلم أفضل ؟ قال : ذكر الله ، وما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتعاطون فيه كتاب الله فيما بينهم ، ويتدارسونه إلا أظلتهم الملائكة بأجنحتها ، وكانوا أضياف الله ماداموا على ذلك حتى يخوضوا في حديث غيره . هم أضياف الله ، وهذا يؤكده الحديث القدسي :
((إن بيوتي في الأرض المساجد ، وإن زوارها هم عمارها ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني ، وحق على المزور أن يكرم الزائر ))
يقول الله عز وجل في الحديث القدسي :
((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي . . . ))
من ذكر الله نزلت عليه السكينة وغشيته الرحمة و حفته الملائكة :
((....وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ))
هذه السعادة التي لا تُوصف ، هذه السكينة سمّها إن شئت التجلي ، سمّها إن شئت الطمأنينة ، سمّها إن شئت التفاؤل ، سمّها إن شئت الراحة ، هذه هي السكينة ، سكينة الله. وغشيتهم الرحمة . أي سُهلت أمورهم ، هم في مساجدهم والله في حوائجهم ، السكينة سعادة نفسية ، لكن الرحمة أشمل . قد توفق في عملك ، قد توفق في تجارتك ، قد توفق في اختيار زوجتك ، قد توفق في شراء مأوى يؤويك ، قد توفق في تربية أولادك ، هذه رحمة الله ، فأنت إذا اقتطعت من وقتك وقتاً تذكر الله فيه في المسجد ، نزلت عليك السكينة الطمأنينة ، وغشيتك الرحمة ، أي عمَّتك أنت وأهلك وأولادك . وحفتهم الملائكة . أي إذا سهوت الملك يذكرك ، وإذا ضللت الملك يرشدك ، وإذا عملت الخير الملك يطمئنك ، الملك أصبح في خدمتك يدعوك إلى الله ، يحضك على الإقبال عليه .
من ذكره الله رفع ذكره بين الناس :
آخر شيء : وذكرهم الله فيمن عنده . أما إذا ذكر الله العبد فهذا ذكر عظيم ، لقول الله عز وجل :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
قال بعضهم في تفسير هذه الآية : ذكر الله أكبر من ذكرك له .
((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ))
يرفع الله ذكرك بين الناس . وفي صحيح مسلم :
((إن لأهل الذكر أربعة ، تتنزل عليهم السكينة ، وتغشاهم الرحمة ، وتحف بهم الملائكة ، ويذكرهم الرب فيمن عنده ))
قال :
((يا موسى أتحب أن أكون جليسك ؟ - فصعق هذا النبي الكريم- قال : كيف أكون جليسك يا رب ؟ قال : أما علمت أنني جليس من ذكرني ، وحيثما افتقدني عبدي وجدني ))
ربط الدرجات في الآخرة بالأعمال لا بالأنساب :
تتمة الحديث :
((وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ))
الله جل جلاله ربط الدرجات في الآخرة لا على الأنساب ، بل على الأعمال ، قال تعالى :
﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾
قد تقع عين الأم على ابنها ، تقول له : يا بني ألم أجعل لك صدري سقاء وبطني وعاء وحجري وقاءً ؟ فهل من حسنة يعود عليّ خيرها اليوم ؟ يقول الابن لأمه يوم القيامة : ليتني أستطيع ذلك يا أماه إنما أشكو مما أنت منه تشكين .
أيها الأخوة الكرام ؛ لما أنزل الله قوله تعالى :
﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾
جمع النبي الناس وقال لهم : يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله إني لا أغني عنكم من الله شيئاً .
(( يا عباس عم رسول الله ، يا فاطمة بنت محمد ، أنقذا نفسيكما من النار ، أنا لا أغني عنكما من الله شيئاً ))
(( من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه ))
(( لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم ))
وقد ورد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((إن أهل بيتي هؤلاء يرون أنهم أولى الناس بي ، وليس كذلك ، إن أوليائي منكم المتقون ، من كانوا وحيث كانوا ))
وهذا يؤكد قول النبي :
((أنا جد كل تقي ولو كان عبداً حبشياً ))
لعمرك ما الإنسان إلا بدينـــــه فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
لقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك النســـــيب أبا لهب
***
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الحكمة التي أرادها الله من ذكر قصة آسيا امرأة فرعون في القرآن الكريم :
أيها الأخوة الكرام ؛ آية كريمة تلفت النظر وهي قوله تعالى :
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾
ما الحكمة التي أرادها الله عز وجل من ذكر هذه القصة بشكل سريع ؟
الحقيقة أن هذه القصة السريعة - امرأة فرعون صديقة ، قال عليه الصلاة والسلام :
((كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ....ِ))
منهم امرأة فرعون آسيا - هذه القصة السريعة في القرآن الكريم .
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾
تدل على حقيقة كبرى ، وهي أن للمرأة أصالة في مجال عقيدتها ، أي أنها ليست تابعة لأحد في عقيدتها كائناً من كان ولو كان هذا الأحد فرعون ، الذي ادعى الألوهية ، وعبَّد بني إسرائيل ، أليس هذا تكريماً للمرأة ؟ أية امرأة الآن تقول : هكذا يريد زوجي ، تقترف المعاصي لأن زوجها ضغط عليها قليلاً ، أو ازور عنها قليلاً ، أو هددها بالطلاق قليلاً ، فترتكب المعصية إرضاءً له . أما آسيا . فرعون الذي قال : أنا ربكم الأعلى ، والذي عبَّد بني إسرائيل ، والذي ذبح أبناءهم ، واستحيا نساءهم ، لم يستطع أن يُخضع امرأته في عقيدته .
معنى ذلك أن المرأة مستقلة استقلالاً تاماً في عقيدتها ، وفي دينها ، وفي علاقتها بربها عن زوجها ، إن أمرها زوجها بالخير هذا شيء رائع ، إن أمرها بالصلاة ، إن أمرها بالحجاب ، إن أمرها بالتقوى ، جمعت الحسنيين ، أما إذا أمرها بمعصية فهي مستقلة في عقيدتها وفي دينها وفي علاقتها بربها عن زوجها ، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، والله سبحانه وتعالى يكرمها ، ويؤيدها ، يحفظها ويلقي في قلب زوجها احترامها ، وإكبارها ، وهيبتها ، وربما أخذت بيده إلى الله .
آلاف الأزواج الذين اهتدوا على أيدي زوجاتهم . إيمان الزوجة القوي ووقفتها الصلبة تلين قلب زوجها .
أيها الأخوة الكرام ؛ هذه المرأة ، امرأة فرعون ، عزفت عن جاه الألوهية الكاذبة ، وعن نعيمها الملفق ، وآثرت الجنة ، وهي مغيبة عنها ، ولا ضمانة لها إلا أن الله أخبر بها ، ووعد بها المؤمنين .
أيها الأخوة الكرام ؛ المرأة العاقلة إذا رأت زخرف الدنيا ، إذا رأت مباهج الدنيا ، إذا رأت نعيم الدنيا ، تنظر إلى الجزاء الذي وعد الله به من يعصيه ، وتنظر إلى الثواب الذي وعد الله به من يطيعه . لذلك الخطأ الكبير أن تنظر إلى الدنيا وحدها ، إن نظرت إليها وحدها تغريك ، أما إذا ضممت إليها الحساب في الآخرة ، ضممت إليها المسؤولية ، ضممت إليها العذاب الشديد ، أو الجنة التي وعد الله بها المؤمنين ، إذا ضممت الآخرة إلى الدنيا ، لا تؤخذ ببهرج الدنيا ، ولا بنعيمها ، ولا بشهواتها .
أيها الأخوة الكرام ؛ قصص القرآن ما أرادها الله قصصاً ، أرادها قوانين ، عرَّفنا بالحقائق تعريفاً مباشراً في آيات ، وتعريفاً غير مباشر في آيات ، فهذه القصة تبين أن المرأة - وأقول مطلق المرأة ، أية امرأة - أودع الله فيها العقل والاختيار الصحيح ، فهي مستقلة في عقيدتها ، وفي دينها ، وفي علاقتها بربها عن زوجها ، إذا أمرها بمعصية ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، أما إذا أمرها بالطاعة فقد جمعت الحسنيين .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .