- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين . اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرِنا الحــق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
العمل أبرز علاج من علاجات الفقر :
أيها الأخوة الكرام ؛ في الخطبة السابقة تحدثت عن فقر الكسل ، عن فقر التسيب، عن فقر الإهمال ، عن فقر عدم الإتقان ، عن فقر الميل إلى الراحة ، وتحدثت عن غنى الكفاية، وبينت أن الفقر خطر على العقيدة ، وخطر على الأخلاق ، وخطر على الفكر الإنساني، وخطر على الأسرة ، وخطر على المجتمع ، وأن الإسلام ينكر أشدّ الإنكار تقديس الفقر ، ليس في القرآن كله ، ولا في الحديث الشريف الصحيح كله ، آية أو حديث تقدس الفقر، وينكر النظرة الجبرية للفقر ، هذا موضوع الخطبة السابقة ولكن ما الحل ؟ . . ما الطريق إلى تلافي الأخطار؟ . .
أيها الأخوة الكرام ؛ يصيب الدعاة أحياناً جانب الحقيقة حينما يصفون الواقع ، وما فيه من مآس ، ويصيب بعض الدعاة جانب الحقيقة الآخر حينما يصفون المثل العليا ، ولكن كيف السبيل إلى التحرك من الواقع السيئ إلى المثالية ؟ كيف السبيل إلى الخلاص ؟ ما المنهج؟ ما الطريق ؟ ما الخطوات العملية ؟ ما البديل ؟
أردت في هذه الخطبة أن أتحدث عن علاج الفقر ، بينت أخطار الفقر واليوم أتحدث لا عن علاج الفقر الذي ورد في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة ، بل عن أحد أبرز علاجات الفقر ، ألا وهو العمل . .
العمل هو السلاح الأول لمحاربة الفقر و جلب الرزق و عمارة الأرض :
أيها الأخوة الكرام ؛ كل إنسان في مجتمع المسلمين مطالبٌ أن يعمل ، مأمور أن يمشي في مناكب الأرض ، ليأكل من رزق الله ، قال تعالى :
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾
جعل لكم الأرض ذلولاً : مذللة ، فيها معادن ، فيها أشباه معادن ، فيها ينابيع ، فيها خصائص للإنبات ، فيها بذور ، فيها كل شيء .
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾
أيها الأخوة الكرام ؛ عرَّف بعضهم العمل أنه ذلك المجهود - جهد مع علم - يقوم به الإنسان وحده أو مع غيره ، لإنتاج غذاء ، أو سلعة ، أو توزيعهما ، أو لإنتاج خدمة يحتاجها الإنسان ، هذه بعض تعاريف العمل .
والعمل هو السلاح الأول لمحاربة الفقر ، هو السبب الأول لجلب الرزق ، هو العنصر الأول في عمارة الأرض التي استخلف الله فيها الإنسان وأمره أن يعمرها ، قال تعالى :
﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾
طلب منكم أن تُعمروها .
أيها الأخوة الكرام ؛ الإسلام يفتح أبواب العمل أمام المسلم على مصاريعها ، ليختار من بين هذه الأعمال ما يميل إليه ، أو ما يملك أهليته . والإسلام لا يسد أبواب العمل في وجه المسلم إلا إذا كان في العمل ضرر على الفرد أو المجتمع ، فأي كسب يصيب المجتمع بالضرر فهو محرم .
كما أن الإسلام لا يفرض على الإنسان عملاً معيناً ، إلا إذا تعين ذلك لمصلحة المجتمع .
أيها الأخوة الكرام ؛ أبلغ مقال قاله عمر بن الخطاب لأحد الولاة ممتحناً ، قال له : ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ قال : أقطع يده ، قال : إذاً فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل بلا عمل فسأقطع يدك ، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم ، ونستر عورتهم ، ونوفر لهم حرفتهم ، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها ، إن هذه الأيدي خُلقت لتعمل ، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً ، التمست في المعصية أعمالاً ، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية .
العقبات التي تحول بين الإنسان و بين العمل :
1 ـ ادعاء التوكل :
أيها الأخوة الكرام ؛ الناتج من العمل يحقق كفاية الإنسان ، وكفاية أهله ، ومجتمعه، ويحقق خدمة المسلمين ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام - ويجب أن نقف ملياً عند هذا الحديث - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ))
شيئان في الحديث علينا أن نعطي الأجير - لم يقل عليه الصلاة والسلام : أعطوا الأجير أجراً ، أعطوا الأجير أجره المكافئ لجهده ، الذي يغطي حاجاته ، أعطوا الأجير أجره - وينبغي أن يُعطى الأجر سريعاً قبل أن يجف عرقه .
أيها الأخوة الكرام ؛ الإسلام عالج كل العقبات التي تحول بين الإنسان وبين العمل، بل إنه عالج البواعث المرضية التي تمنع الإنسان من العمل ، عالج العقبات أزالها ، وصحح المفهومات ، فمن يدعي التوكل وهو لا يعمل :
(( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله : أأعقلها أم أتوكل على الله ؟ - فهم أن التوكل يتناقض مع عقل الناقة أي مع ربطها - أأعقلها أم أتوكل ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : اعقلها وتوكل))
ليس هناك تناقض بين التوكل وبين الأخذ بالأسباب .
(( اعقلها وتوكل ))
تروي كتب السيرة ، سيرة أعلام الإسلام أن شقيق البلخي ذهب في رحلة تجارية وودع صديقه الصوفي إبراهيم بن الأدهم ، ثم إن إبراهيم بن الأدهم فوجئ بأن شقيق البلخي عاد سريعاً من رحلته التجارية ، فسأله عن سبب رجوعه مبكراً ، فقال شقيق البلخي : رأيت في سفري عجباً فعدلت عن الرحلة . قال إبراهيم : ماذا رأيت ؟ قال شقيق : أويت إلى مكان خرب لأستريح قليلاً ، فوجت طائراً كسيحاً أعمى ، فعجبت ، كيف يعيش هذا الطائر الكسيح الأعمى ومن يطعمه في هذا المكان الخرب النائي وهو لا يُبصر ولا يتحرك ? ثم لم ألبث أن رأيت طائراً آخر يحمل له الطعام في اليوم مرات ، حتى يكتفي فقلت : إن الذي رزق هذا الطائر الكسيح الأعمى قادر على أن يرزقني ، فقعدت من ساعتي وألغيت رحلة التجارة . فقال إبراهيم بن الأدهم : عجباً لك يا شقيق ، لمَ رضيت لنفسك أن تكون ذلك الطائر الكسيح الأعمى الذي يعيش على معونة غيره ولم ترض لها أن تكون الطائر الآخر الذي سعى على نفسه وعلى غيره من العميان والكسحاء ؟ أما علمت أن اليد العليا خير من اليد السفلى ؟ . فقام شقيق إلى إبراهيم ، وقبّل يده وقال : أنت أستاذنا يا أبا إسحاق . لمَ أردت أن تكون ذلك الطائر الكسيح الأعمى ، ولم تكن ذلك الطائر الذي يسعى على نفسه وعلى إطعام غيره ، أما علمت أن اليد العليا خير من اليد السفلى ؟ هذه عقبة أولى .
سيدنا عمر رضي الله عنه رأى أناساً يتكففون الناس ، فقال : من أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون ، قال : كذبتم ، المتوكل من ألقى حبةً في الأرض ثم توكل على الله . فكل من يدعي أن العمل يتناقض مع التوكل إنسان جاهل واهم ، بالعكس العمل يتكامل مع التوكل ، عليك أن تأخذ بالأسباب ، وأن تتوكل على رب الأرباب ، التوكل مكانه القلب ، والعمل مكانه الجوارح ، فأنت في جوارحك تعمل ، وفي قلبك متوكل ، وهذا هو الأكمل .
2 ـ الاعتماد على الأحاديث الشريفة و عدم العمل :
أيها الأخوة الكرام ؛ بعضهم يعتمدون على حديث شريف صحيح ، ولا يعملون ، هذا الحديث الشريف الصحيح عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ ، الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا))
تغدو : أي تذهب قبل الغداة ، صباحاً باكراً . وتروح : تعود بعد المغيب .
تغدو خماصاً : أي جائعة ، بطنها فارغ ، وتروح بطاناً : ممتلئة .
أيها الأخوة الكرام ؛ الحديث نفسه يرد على من اتخذه حجة في ترك العمل ، هذا الطائر الذي يغدو خماصاً ، ويروح بطاناً ، لولا أنه غدا لما راح شبعان . الطائر يغدو ؛ على الإنسان أن يسعى ، وليس عليه إدراك النجاح .
الإمام أحمد بن حنبل قيل له : ما تقول فيمن جلس في بيته أو في المسجد وقال : لا أعمل شيئاً حتى يأتيني رزقي ؟ فقال الإمام أحمد : هذا رجل جاهل جعل رزقه من دون سبب، فالله سبحانه وتعالى قال :
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾
وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح :
((جُعل رزقي تحت ظل رمحي))
أيها الأخوة الكرام ؛ قال تعالى :
﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ ﴾
قال بعض المفسرين المعايش : أي أبواب الرزق . هناك أبواب للرزق لا يعلمها إلا الله . الحَرُّ الذي يأتي ، كم مليون إنسان يعيش في العالم على الحرِّ ؟ التكييف ، والتهوية ، والمرطبات ، ومعامل الثلج . ثم يأتي البرد ، كم إنسان في الأرض يعيش على البرد ؟ كم إنسان يعيش على طول الشعر ؟ كم إنسان يعيش على مرض الجسم ؟ الأطباء ، والمستشفيات والتحاليل ، والأجهزة ، وما إلى ذلك . كم من إنسان يعيشون على الجهل ؟ التعليم ، والمدارس وما إلى ذلك . هناك معايش لا يعلمها إلا الله ، أبواب الرزق مفتحة على مصاريعها .
المشي في المناكب سبب للأكل من الرزق :
أيها الأخوة الكرام ؛ لكن النقطة الدقيقة في هذه الخطبة هي أن الأرزاق التي ضمنها الله عز وجل ، وأن الأقوات التي قدرها الله عز وجل ، وأن المعايش التي يسرها الله عز وجل لا تُنال إلا بجهد بشري ، جهد يبذل ، وعمل يؤدى ، لذلك جعل الله المشي في المناكب سبباً للأكل من الرزق ، قال تعالى :
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾
بل إنَّ الله سبحانه وتعالى حينما وصف الأنبياء وصفهم ببشريتهم فقال :
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾
هم مفتقرون في وجودهم ، بل وفي استمرار وجودهم إلى تناول الطعام ، بل إنهم مفتقرون في تأمين الطعام إلى المشي في الأسواق .
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾
فمن مشى أكل ، ومن كان قادراً على المشي ولم يمش كان جديراً ألا يأكل ، هذا هو نظام الإسلام . . من مشى أكل ، ومن كان قادراً على المشي ولم يمش ينبغي ألا ياكل من أجل أن يعمل ، وإليكم الأدلة : سيدنا عمر يقول : لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول : اللهم ارزقني وقد علم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة ، وأن الله تعالى يقول :
﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل المسجد يقول :
((اللهم افتح لي أبواب رحمتك))
أنت في المسجد في أمسِّ الحاجة إلى رحمة الله يلقيها على قلبك ، أنت في حاجة إلى السكينة ، إلى الرحمة ، إلى نور يُقذف في قلبك ، إلى علم يُلقى في ذهنك ، إلى طمأنينة تملأ قلبك ، هذا عطاء المسجد :
((اللهم افتح لي أبواب رحمتك))
أما إذا خرجت من المسجد:
(( اللهم ارزقني طيباً ، واستعملني صالحاً ))
هكذا كان يدعو عليه الصلاة والسلام .
3 ـ التبتل لطاعة الله والانقطاع الكامل لعبادته :
أيها الأخوة الكرام ؛ عقبة ثالثة تحول بين الإنسان وبين العمل ، هي التبتل لطاعة الله والانقطاع الكامل لعبادته ، هناك أناس يدعون العمل من أجل العباد ، وغاب عنهم أن العمل الشريف الشرعي في حدّ ذاته نوع من العبادة ، لذلك قال علماء النحو : إن العطف يقتضي المشاركة ، أنت لا تقول : اشتريت بيتاً وملعقة ، لأن الملعقة لا تكافئ البيت ، تقول: اشتريت أرضاً وبيتاً ، دكاناً وبيتاً ، فالعطف يقتضي المشاركة ، قال تعالى :
﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾
سيدنا عمر رضي الله عنه يقول : ما من حال يأتيني عليها الموت بعد الجهاد في سبيل الله أحبّ إليّ من أن يأتيني وأنا ألتمس من فضل الله . لذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام الترمذي وقال حديث حسن صحيح :
((التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء))
الصادق الأمين . الصدوق : شديد الصدق لا يكذب أبداً . وقد تعجبون ، يبيع ويشتري وهو مع الصديقين والأنبياء والشهداء ؛ لأنه حينما يكون صادقاً وأميناً يكون داعيةً وهو لا يدري .
إن أكبر قطرٍ من أقطار المجتمع الإسلامي والذي يزيد عن مئتي مليون الإسلام وصله عن طريق التجارة ، عن طريق صدق التاجر المسلم ، وعن طريق أمانته ، وقد ورد في الأثر : " إن أطيب المكاسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا ، وإذا ائتمنوا لم يخونوا ، وإذا وعدوا لم يخلفوا ، وإذا اشتروا لم يذموا ، وإذا باعوا لم يمدحوا ، وإذا كان عليهم حق لم يماطلوا ، وإذا كان لهم لم يعسروا ".
((التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء))
هذه التجارة . أما الزراعة فقال عليه الصلاة والسلام :
((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ))
وفي الصناعة ، عَنِ الْمِقْدَامِ رَضِي اللَّه عَنْهم عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
((مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ))
((ومن بات كالاً في طلب الحلال بات مغفوراً له ))
((من أمسى كالاً من عمل يديه أمسى مغفوراً له))
والإمام الشعراني وهو علم من أعلام العلماء ، يفضل الصناع على العباد ؛ لأن نفع العبادة مقصور على صاحبه ، أما نفع أصحاب الحرف فلعامة الناس ، وكان يقول : ما أجمل أن يجعل الخياط إبرته سبحته ، وما أجمل أن يجعل النجار منشاره سبحته . العمل الهادف ، العمل المشروع ، الذي تسلك فيه الطرق الإسلامية المشروعة ، لا كذب ، ولا غش ، ولا تدليس، ولا انحراف ، ولا ابتزاز ، ولا دجل ، ولا استغلال ، العمل الذي في الأصل مشروعاً ، ليس فيه معصية ، بضاعة غير محرمة ، ليست سبباً للفساد . العمل المشروع إن سلكت به الطرق المشروعة فهو من العبادة .
4 ـ توهم التوكل :
أيها الأخوة الكرام ؛ هناك عقبة رابعة : العقبة الأولى توهم التوكل ، العقبة الثانية أن يتوهم الإنسان أن العمل يبعده عن العبادة ، لكن هناك عاملاً آخر هو أن العمل في الجاهلية كان محتقراً ، ومنه المهنة من الهون .
الإمام البخاري فيما يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ))
لو باع الإنسان على الرصيف خضاراً أفضل له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه . يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري :
((مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ فَقَالَ أَصْحَابُهُ : وَأَنْتَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ))
ويقول عليه الصلاة والسلام :
((مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ))
وفي حديث رواه الحاكم :
((إن داود كان زراداً ، وإن آدم كان حراثاً ، وكان نوح نجاراً ، وكان إدريس خياطاً، وكان موسى راعياً))
بل إن علماء المسلمين ، الكبار المشاهير ، منهم البزاز ، والقفال ، والزجاج ، والخراز ، والجصاص ، والخواص ، والخياط ، والصبان ، والقطان . أعلام كبار كانت لهم حرف ، يكسبون منها أرزاقهم .
5 ـ ترك العمل اعتماداً على المساعدات و الزكاة :
هناك عقبة خامسة هي أن أناساً يتركون العمل اعتماداً على المساعدات والزكاة.
النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ قَالَ :
((أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يُقَسِّمُ الصَّدَقَةَ فَسَأَلَاهُ مِنْهَا ، فَرَفَعَ فِينَا الْبَصَرَ ، وَخَفَضَهُ ، فَرَآنَا جَلْدَيْنِ ، فَقَالَ : إِنَّ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا ، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ))
وقال أيضاً :
((لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ))
المرِّة : القوة ـ شاب في ريعان الشباب . سوي : كامل الأعضاء ، يسأل الناس، نقول له : اذهب واعمل . وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة :
((مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ))
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ))
و عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِي اللَّه عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
((الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ))
(( . . . وَلَا يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ))
ملك المـلوك إذا وهب قم فاسألن عن السبب
الله يعطي من يشــاء فقف على حـــدّ الأدب
***
الضرورات تبيح سؤال من وكلهم الله بقضاء حوائج الناس :
أيها الأخوة الكرام ؛ يقول عليه الصلاة والسلام :
((الْمَسَائِلُ كُدُوحٌ ، يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ ، فَمَنْ شَاءَ أَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ ، أَوْ فِي أَمْرٍ لا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا))
معنى الكدح في اللغة الخمش والجرح . هناك ضرورات ، هناك طفل مشرف على الهلاك ، يحتاج إلى عملية جراحية ، ولا يملك الأب ثمنها ، يجب أن يسأل . لك عند أولي الأمر حاجة ، الله وكلهم بقضاء حوائج الناس ، ينبغي أن تسألهم ، استثناء دقيق جداً ، استثناه النبي عليه الصلاة والسلام ؛
((إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ ، أَوْ فِي أَمْرٍ لا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا))
يقول ابن القيم : بالمسألة ظلم في حق الربوبية ، وظلم في حق المسؤول ، وظلم في حق السائل ؛ أما أنها ظلم في حق الربوبية ، فلأن السائل توجه إلى غير الله ، وسأل غير الله. وأما أنها ظلم في حق المسؤول ، فقد أوقعته في مشقة البذل ، أو لوم المنع . وأما أنها ظلم في حق السائل ، فالإنسان يظلم نفسه حينما يسأل غير الله . ألم يقل الإمام علي كرم الله وجهه: " والله واللهِ ، مرتين ، لحفر بئرين بإبرتين ، وكنس أرض الحجاز في يوم عاصف بريشتين ، ونقل بحرين زاخرين بمنخلين ، وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين ، أهون عليّ من طلب حاجة من لئيم لوفاء دين ".
السعي إلى غنى الكفاية و التواضع :
أيها الأخوة الكرام ؛ هذا الموضوع موضوع حيوي جداً يقول عليه الصلاة والسلام :
((إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ))
تحدثنا في الخطبة السابقة عن فقر الكسل ، هناك فقر القدر ، فقر القدر حكمة بالغة ، لو كُشف الغطاء لاخترتم الواقع .
إن من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر ، فإذا أغنيته أفسدت عليه دينه . مقاومته هشة ، لمجرد أن يملك المال يعصي الله عز وجل . هذا فقر القدر ، له موضوع آخر ، وله بحث آخر ، وله تفصيلات أخرى ، حديثنا اليوم عن فقر الكسل ، عن فقر التسيب ، عن فقر الإهمال ، عن فقر عدم الإتقان ، عن فقر الميل إلى الراحة ، وإذا طلبنا الغنى فهو غنى الكفاية لا غنى الترف ، غنى التواضع لا غنى الاستعلاء .
((يا عائشة إِذَا أَرَدْتِ اللُّحُوقَ بِي فَلْيَكْفِكِ مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ ، وَإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الْأَغْنِيَاءِ ، وَلَا تَسْتَخْلِقِي ثَوْبًا حَتَّى تُرَقِّعِيهِ))
يقول سيدنا عمر : من دخل على الأغنياء خرج من عندهم وهو على الله ساخط .
فعلينا أن نسعى إلى غنى الكفاية لا غنى الترف ، غنى التواضع لا غنى الاستعلاء، غنى الشكر لا غنى الكفر .
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
هدي الإسلام في معالجة الفقر :
أيها الأخوة الكرام ؛ روى أصحاب السنن عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ فَقَالَ :
((أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ ؟ قَالَ : بَلَى ، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ ، قَالَ : ائْتِنِي بِهِمَا ؟ قَالَ : فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَقَالَ : مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ ؟ قَالَ رَجُلٌ : أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ ، قَالَ : مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ؟ قَالَ رَجُلٌ : أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ وَقَالَ : اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودًا بِيَدِهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ))
أيها الأخوة الكرام ؛ قصة سمعتموها ، لكن لو حللناها لوجدنا فيها العجب العجاب ، النبي عليه الصلاة والسلام ما عالج هذه المشكلة أن هذا الأنصاري بحاجة إلى المال ، ما عالجه بعطاء محدود مؤقت . . وأناس كثيرون يسألهم سائل يعطونه خمسمئة ليرة ، وجبتين ، ثلاث انتهت ، النبي عليه الصلاة والسلام ما عالج الفقر بعطاء محدود لمرة واحدة ، كما أنه ما عالجه بالوعظ ؛ اصبر ، إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب . . جائع . .
لابد من حلّ واقعي ، لم يُعالج بالوعظ والإرشاد ، ولم يُعالج بالعطاء المحدود المؤقت ، وعرف النبي صلى الله عليه وسلم أن القلق لا يدفع إلى الإنتاج ، قال : اشتر بدرهم طعاماً وانبذه لأهلك ، من أجل أن يطمئن قلبه ، حينما يكتفي الأهل بالطعام والشراب والكساء والدفء ينطلق الإنسان إلى العمل ، النبي واقعي ، قال : اشتر بدرهم طعاماً وانبذه لأهلك ، ثم انطلق إلى عملك ، واشتر بالدرهم الثاني قدوماً وائتني به ، وبيده الشريفة شدّ النبي عليه عوداً .
أولاً : عملنا النبي صلى الله عليه وسلم من خلال هذا الحديث أن يستخدم الإنسان كل ما عنده من طاقات ولو صغرت . . حلس وقعب ، ليس في بيته شيء إلا حلساً وقعباً ، وأن يستنفذ الإنسان كل ما يملك من حيل وإن كانت ضئيلة .
وعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن كل عمل يجلب رزقاً حلالاً هو عمل شريف ، افعله وارفع رأسك ، العار أن تعصي الله ، العار أن تحتال على الناس ، العار أن تكذب عليهم، العار أن تخون أمانتهم ، ليس العار أن تعمل ، أي عمل شريف يكسبك رزقك .
احتطاب ؛ قطع أعواد ، حملها على الظهر ، وبيعها في الطريق ، عمل لا يقبله أحد ، هو عند رسول الله عمل شريف . ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام حينما تولى بنفسه شدّ العود علّم أولي الأمر من بعده أن تهيئة الأعمال من أولى واجبات أولي الأمر . . من أولى واجبات أولي الأمر تهيئة الأعمال وتزويج الشباب ، قال تعالى :
﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
مهمتان كبيرتان ، بل إن المشكلة الأولى في العالم هي البطالة ، البطالة في أمريكا وأوربا ، لأنه بالعمل يُملأ الفراغ ، بالعمل يرفع الإنسان رأسه ، بالعمل يكسب رزقه ، بالعمل يتزوج ، بالعمل يحل مشكلة البيوتات التي فيها عشرات الفتيات من دون زواج .
ثم إن النبي عليه الصلاة السلام علمنا أن كل عمل ينبغي أن يتوافق معه الإنسان ، قال له : لا أرينك خمسة عشر يوماً . . أي جرب ، والإنسان إذا أراد أن يستخدم ، أو أن يعمل يأخذ فرصة تجريب ، لعله يوافقه ، لعله لا يوافقه .
أيها الأخوة الكرام ؛ وبعد هذا جاء الدرس النظري ، قال :
((إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ))
هذا هدي الإسلام في معالجة الفقر .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، لك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك. اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك. اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً ، وسائر بلاد المسلمين. اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء. اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد من أعطى وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .