وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0552 - إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا - ترى أعينهم تفيض من الدمع .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر . وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر . اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين . اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرِنا الحــق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الاستقامة علامة صحة الإيمان :

 أيها الأخوة الكرام ؛ آيات في سورة فصلت أقرأها كثيراً في الصلاة ، تبدأ بقوله تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ *ولاتَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة فصلت: 30-35]

 نقرأ هذه الآيات فنؤخذ بها ، ولكن لو دققنا بها كلمة كلمة لأخذنا بها أكثر مما أخذنا بها إذا قرأناها جملة ، فالله سبحانه وتعالى يصف المؤمنين ، لكن هؤلاء المؤمنين يتميزون بصفتين ، كل صفة منهما شرط لازم غير كاف .

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾

 أي بحثوا ، ونقبوا ، ودرسوا ، وفكروا ، حتى توصلوا أن لهذا الكون إلهاً ، ورباً ، وخالقاً ، فهذا ليس قولاً ، ولكنه قول بعد قناعة وبحث وتنقيب ، والدليل لو كان قولاً لما تبعته الاستقامة . لماذا يقر الناس اليوم بالله ولا يستقيمون على أمره ؟ لماذا يقر معظم الناس اليوم بوجود الله ولا ينصاعون له ؟ لأنهم قالوا : ربنا الله بألسنتهم ، ولم تؤمن بها قلوبهم ، فكلمة قالوا هنا لا تعني أنهم قالوا ، تعني أنهم بحثوا ، ودققوا ، وفكروا، واستوفوا ، واطمأنوا ، وآمنوا ، ثم قالوا كخلاصة لكل هذه الجهود : ربنا الله وعلامة صحة قولهم أنهم استقاموا ، إيمانهم حاصرهم ، إيمانهم ضيق عليهم حتى حملهم على الاستقامة على أمر الله ، لذلك يقول بعض العلماء : إن الإنسان في تعامله مع المحيط الخارجي يتعامل معه وفق قانون ، ما هذا القانون ؟ . . الإدراك ، ثم الانفعال ، ثم السلوك . . فلو وقعت عين أحدنا وهو في بستان على أفعى ، وأدرك أنها أفعى لابد من أن يضطرب ، علامة صحة إدراكه اضطرابه، وإذا اضطرب لابد من أن يسلك سلوكاً هجومياً ، أو دفاعياً ، أو أن يهرب ، علامة صحة انفعاله سلوكه هربه أو قتلها . إذاً في تعاملك مع المحيط ، إدراك ، ثم انفعال ، ثم سلوك ، فربنا سبحانه وتعالى قال:

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾

 علامة أن هذا القول ليس باللسان ، ولكنه بالجنان ، علامة أن هذا القول بعد بحث ، ودراسة ، ودراية ، وتفكر ، وتنقيب ، وتمحيص ، وسؤال ، واستفسار ، واستماع ، بعد أن تيقنت نفوسهم أنه لابد لهذا الكون من خالق ، ولابد لهذا الكون من مربٍّ ، ولابد لهذا الكون من مسيِّر ، عندئذٍ قالوا : ربُّنا الله ، صحة قولهم يؤكده

﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾

 إذاً الإيمان والاستقامة لا ينفع أحدهما من دون الآخر، فكل من يقول : أنا مؤمن والحمد لله ، وليس في عمله استقامة ، لا يغترَّ بهذا الكلام ، لا يغترَّ بهذا الإيمان ، لأنه لا يقدِّم ولا يؤخِّر ، ولا ينفع ولا يرفع . العلماء الذين قالوا لابد لهذا الكون من خالق ، ولم يستقيموا ، ندمهم وحسرتهم وألمهم أشدّ من الذين لم يؤمنوا . .

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾

 هذا مقياس دقيق ، لا تفرح بأن تقول : أنا مؤمن ، لا تفرح بأن تقول للناس : أنا مؤمن بالله ، لابد من الاستقامة بعد الإيمان بالله ، استقامتك علامة صحة إيمانك . .

 

المؤمن في الدنيا في طمأنينة و سلام لا يخاف ولا يحزن :

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ﴾

 هذا هو التجلي ، هذا هو السرور ، هذا هو البشر ، هذه هي الطمأنينة ، هذا هو الاطمئنان ، هذه هي الثقة برضا الله عز وجل ، هذه هي السعادة ، هذه هي سعادة الدنيا ، أن تحس أنك تعرف الله ، أنك مطمئن إلى عدالته ، مطمئن إلى قدرته ، مطمئن إلى تسييره ، مطمئن إلى ربوبيته .

﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾

 علامة ثالثة ؛ إن كنت يا أخي مؤمناً حقاً فهذه هي العلامة الثالثة لا تخافوا مما سيكون ، ولا تحزنوا على ما فات ، دائماً أنت مستبشر ، الزمن في صالحك ، خطك البياني في صعود مستمر ، ولن ينزل هذا الخط إلى أبد الآبدين ، لكن أهل الدنيا قد يصعد خطهم البياني صعوداً مفاجئاً ، ثم يهبط هبوطاً مفاجئاً ، وهذا هو القصم الذي حدثنا الله عنه ، قال تعالى:

﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 44]

﴿أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾

  إذا جاء الموت ، المؤمن وحده لا يخاف مما سيكون بعد الموت ، ولا يحزن على ما خلف من الدنيا ، أما الناس الجهلة فيقولون : مسكين لم يتمتع بشبابه ، ترك بيتاً لم يسكنه ، تزوج ولم يدخل ، هذا الذي يقول : مسكين هو المسكين ؛ لأنه ما عرف ما عند الله ، ما عرف الجنة ، ما عرف طعم القرب .
علامة المؤمن أنه في الدنيا لا يندم على ما فاته ، ولا يخاف مما سيكون ، في طمأنينة ، حتى إذا جاءه الموت لا يخاف ولا يحزن .

 

الجنة جزاء من آمن بالله و استقام على أمره :

﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾

  لا تخافوا مما سيكون ، ولا تحزنوا على ما كان ، وعلى ما فات .

﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

  من نحن ؟ نحن في الدنيا ممن وعدنا الله بالجنة ، اللهم أدخلنا الجنة ، قال تعالى:

﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

[سورة القصص: 61]

﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾

[سورة النساء: 87]

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً ﴾

[سورة النساء: 122]

﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾

[سورة التوبة: 111]

﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾

[سورة التوبة: 51]

 من نحن ؟ . . موعودون بالجنة ، لكنه إذا شارف على الموت ، انقلب الوعد إلى بشارة . . أنت موعود أن يأخذوك إلى نزهة جميلة ، جاء يوم النزهة خبروك : حضر نفسك ، هذه البشرى ، هذا هو البرزخ . .

﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

[ سورة فصلت: 30]

 كنتم توعدون ، والآن أبشروا أنتم على مشارفها .

﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة فصلت:31]

 الولي المحب ، الولي مدبر الأمر . .

 

المؤمن الحق لا يتأسف لقضاء يقضيه الله :

﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾

 أي كل الذي أصابك في الدنيا من الله عز وجل محض رحمة ، محض حكمة ، محض عدالة ، محض عناية ، محض رأفة ، كونك ولدت من فلان وفلانة ، في الزمن الفلاني ، في المكان الفلاني ، من أبٍ غني أو فقير ، كونك تزوجت فلانة ، صالحة أو غير صالحة ، هذا الذي ساقه الله لك في الدنيا ، هو محض خير ، لأن الله ولي الذين آمنوا ، قال تعالى:

﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

[سورة البقرة: 257]

 المؤمن الحق لا يتأسف ، لا يقنط ، لا يتبرم لقضاء الله ، هذا الذي يقضيه الله له كله خير ، لولا هذا المرض لما تبت إلى الله توبة نصوحة ، لولا هذه الزوجة لما عرفت الله عز وجل ، لولا هذا الدخل المحدود لما كنت سبّاقاً إلى الدار الآخرة ، لانشغلت في الدنيا ، قال تعالى:

﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾

[سورة الشورى: 27]

 الله سبحانه وتعالى إذا قنن على عباده الرزق فهو تقنين معالجة لا تقنين عجز:

(( . . . يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))

[ مسلم عن أبي ذر]

مراتب الإيمان و الاستقامة :

1 ـ معرفة الله و الاستقامة على أمره :

 أيها الأخوة الكرام :

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾

[ سورة فصلت: 30-32]

 هذه هي المرتبة الأولى ، المرتبة الأولى أن تعرف الله ثم تستقيم على أمره ، فما المرتبة الثانية ؟ إذا كملت نفسك ، وانضبطت مشاعرك ، واستقام عملك ، بعد أن عرفت ربك ، هذه مرتبة أولى .

2 ـ الدعوة إلى الله عز وجل :

 المرتبة الأرقى منها:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت: 33 ]

 ها قد نجوت ، ها قد طهرت ، ها قد عرفت ، ماذا بقي عليك ؟ . . أن تعرف الآخرين ، أن تنجي الآخرين ، أن تنقذ الآخرين ، أليسوا عباد الله ؟ أليس النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( الخلق كلهم عيال الله ، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ))

[ الديلمي عن أبي هريرة]

 هذا العبد الشارد الشقي ، لو مددت إليه يد المعونة ، ويد العناية ، وذكرته بالله ، وأحسنت إليه فانتشلته من أوحال المعصية ، إلى جنة القربات ، أليس هذا يرضي الله عز وجل؟ لذلك أجمع المفسرون على أن أعلى مرتبة في الدنيا أن تدعو إلى الله عز وجل:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت: 33 ]

 قد يظن أحدكم أن خطباء المساجد ، العلماء في مجالسهم هم وحدهم الدعاة ، ينبغي أن يكون كل مستمع داعية إلى الله عز وجل ، ادعّ أهلك ، ادعّ أقاربك ، ادعّ جيرانك ، ادعّ زملاءك ، ادعّ من تتوسم فيه الخير ، لكن الله سبحانه وتعالى يذكرك ؛ يا عبدي مهما تعلمت ، ومهما تفاصحت ، ومهما نمقت الكلام ، ومهما قرأت ، ومهما لخصت ، ومهما درست، ومهما زينت الكلام ، إن لم يكن لك عمل صالح ، فإن هذه الدعوة لا تجدي ، الناس لا يتعلمون بآذانهم ، يتعلمون بعيونهم :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾

[ سورة فصلت: 33 ]

 أيضاً الدعوة إلى الله والعمل الصالح شرطان غير كافيين ، لابد من توافرهما معاً ، دعوة قويمة ، وعمل طيب ، فلو كان العمل خبيثاً ينطبق قول الإمام علي كرم الله وجهه يقول: " قوام الدين والدنيا أربعة رجال ، عالم مستعمل علمه ، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم ، وغني لا يبخل بماله ، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه ، فلو ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم ، ولو بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا ". إذاً هذا الذي يدعو إلى الله وليس له عمل صالح ، له عمل سيئ .

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾

  المرتبة الأولى إيمان واستقامة ، لكن المرتبة الثانية ليست دعوة واستقامة ، لا . . دعوة وعمل صالح ، العمل الصالح فيه بذل ، فيه تضحية ، فيه إيثار . . المرتبة الأولى آمن بالله واستقام على أمره ، لكن المرتبة الثانية :

﴿ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ ﴾

  استنبط المفسرون والعلماء على أنه يجوز للرجل أن يقول : أنا مسلم أو أنا مؤمن من دون أن يعلق هذا القول بمشيئة الله عز وجل، هذا بحث طويل في كتب الفقه والتفسير ، حول ما إذا كان يجوز أن تقول : أنا مؤمن فقط أو أنا مسلم أم يجب عليك أن تقول أنا مسلم إن شاء الله ؟ بعض العلماء استنبط من هذه الآية أنه يجوز أن تقول أنا مسلم أو أنا مؤمن والحمد لله .

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت: 33 ]

3 ـ الإحسان :

 الفقرة الثالثة :

﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ﴾

  طبعاً لا تستويان ، لماذا ؟ لأن الحسنة تقودك إلى الجنة ، والجنة متعة وسعادة وإقبال إلى أبد الآبدين ، والسيئة تقود صاحبها إلى النار والعذاب إلى أبد الآبدين ، أي من أولى البديهيات أنه لا تستوي الحسنة ولا السيئة ، مستحيل . . في الدنيا إن عمل الإنسان عملاً انتهى به إلى الإعدام ، هذا الذي نراه أقول : هذا من عمل الشيطان ، عمله السيئ قاده إلى الموت ، وفضيحة مع الموت ، وازدراء مع الموت ، وقد يعمل الإنسان عملاً فيقوده إلى الجنة ، ولا تستوي الحسنة ولا السيئة .
 المرتبة الثالثة : مرتبة الإحسان

﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾

  وقفت عند هذه الكلمة ، لم يقل الله عز وجل : ادفع بالحسنة السيئة ، لو أن الأعمال الحسنة مليون درجة ، أنت مأمور أن تفعل أعلاها ، أحسن اسم تفضيل على وزن أفعل ، أي يجب عليك أن ترد على السيئة لا بالحسنة ، ولكن بالتي هي أحسن .

﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾

 هذه مرتبة الإحسان ، كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( أمرني ربي بتسع ؛ خشية الله في السرِّ والعلانية ، كلمة العدل في الغضب والرضا ، القصد في الفقر والغنى ، وأن أصل من قطعني وأعفو عمن ظلمني ، وأعطي من حرمني ، وأن يكون صمتي فكراً ، ونطقي ذكراً ، ونظري عبرةً ))

[زيادات رزين عن أبي هريرة]

 هل في الأرض كلها رجل أشدّ عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي جهل؟ حينما آمن عكرمة بن أبي جهل ، قال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( أتاكم عكرمة مسلماً ، فإياكم أن تسبوا أباه ، فإن سبَّ الميت يؤذي الحي ، ولا يبلغ الميت ))

[الحاكم عن عبد الله بن الزبير ]

﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾

[ سورة فصلت: 34]

 أحد التابعين شتمه رجل وقذع في الشتم ، قال له : إن كنت صادقاً فيما تقول غفر الله لي ، وإن كنت كاذباً فيما تقول غفر الله لك .

﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾

[ سورة فصلت: 34]

 عداوة ، حقد ، ضغينة ، إساءة ، إياك أن تدفع السيئة بالحسنة ، أنت مأمور أن تدفع السيئة بالتي هي أحسن ، بأحسن ما تكون .

﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾

[ سورة فصلت: 34-35]

 إن هذا يحتاج إلى عزيمة ، يحتاج إلى طهارة نفس ، إلى إرادة .

﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾

كلّ إنسان مؤهل لأن يكون داعية في الأرض :

 آية من ثلاث فقرات ، وكل فقرة درجة :

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾

[ سورة فصلت: 30-32]

 المرتبة الثانية:

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾

 هذه صنعة الأنبياء ، هذه الصنعة لا تعلوها صنعة في الأرض ، وكل من يستمع إلى الخطبة مؤهل أن يكون داعية إلى الله ، ليس في الإسلام مراتب كهنوتية ، كلكم يجب أن يكون ولياً لله ، وداعية إلى الله .

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾

[ سورة فصلت: 33-34]

 كلمة حميم تُطلق على المحبين ، على المولهين ، على من ذاب في الآخر ، يجب أن تعامل عدوك كما لو تعامل صديقك الحميم ، محبك الحميم ، من يلوذ بك إن كان حميماً ؛

﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾

 أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

الحكمة من استخدام الله تعالى كلمة تفيض في القرآن الكريم :

 أيها الأخوة الكرام ؛ من أجل أن تتيقنوا وأن يزداد إيمانكم بأن القرآن الكريم من عند الله تعالى ، وليس من عند البشر ، ربنا سبحانه وتعالى ذكر حالة البكاء مرتين في القرآن الكريم فقال:

﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾

[سورة المائدة: 83]

﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾

[سورة التوبة: 92]

 أقف عند كلمة تفيض من الدمع ، لمَ استخدم الله سبحانه وتعالى كلمة تفيض ؟ لأن العين ممزوجة بالدمع ، وهذا الدمع يخرج من غدد دمعية ، يسيل على القرنية من أجل تسهيل مسح العين في الدقيقة ست عشرة مرة ، هل يستطيع سائق سيارة أن يقود سيارته في المطر من دون مساحات ؟ وكلما ارتقى الإنسان جعل لهذه المساحات حركات ثلاث ، حركة سريعة ، لتواجه اشتداد الهطول ، وحركة أبطأ منها ، وحركة نوبية لتواجه الرذاذ ، كذلك الله عز وجل زوَّد العين بالجفنين يمسحان القرنية بشكل نوبي ، من دون أن يكلفك مشقة تحريك الجفنين، حركة الجفنين حركة لا إرادية ، أنت مرتاح ، أنت منهمك في التفكير ، في التعبير ، في العمل ، في الإنجاز ، والجفنان يمسحان القرنية ست عشرة مسحة في الدقيقة ، ولو مُسحت القرنية ست عشرة مسحة في الدقيقة من دون سائل يسهل هذا المسح لتخرشت القرنية ، ولذهب صفاؤها ، وذهبت شفافيتها ، وأصيبت بالالتهاب . . لابد من دمع يسهِّل هذه الحركة ، لكن هذا ليس ماءً عادياً ، إنه ماء مذيب ، ماء قلوي ، لو أن حبة رمل صغيرة دخلت العين لآلمت صاحبها أشدّ الإيلام ، لكن بعد ساعة أو أكثر يذهب أثرها ، أين ذهبت ؟ الدمع أذابها ، يستطيع الدمع أن يذيب حبة الرمل ، الدمع ماء قلوي .
 هذا الماء الذي ينزل من الغدة ويمسح القرنية أين يذهب ؟ . . يذهب إلى قناة دمعية هي أدق قنوات الإنسان ، لا تكاد تُرى ، أين تصب هذه القناة ؟ . . في الأنف ، لماذا في الأنف وليس في الفم ؟ لأنها إذا صبت في الأنف جعلته رطباً ، وإذا جعلته رطباً ، سطوح الأنف سطوح دافئة رطبة ، إذا دخلها الهواء علقت الذرات التي يحملها الهواء غير المرغوب فيها في هذه السطوح ، فيدخل الهواء إلى الرئتين نقياً دافئاً ، لذلك يُعد الأنف أرقى فلتر ، أو أرقى جهاز تسخين في الإنسان ، مجموعة سطوح متداخلة ، ساخنة ، لزجة ، ما الذي جعلها لزجة ؟ . . دمع العين الذي أدى وظيفة في العين ثم انتقل إلى الأنف ليرطبه .
 فما هو البكاء ؟
 البكاء إذا كانت غزارة الدمع الذي ينهمر من الغدد أكثر من طاقة تصريف القناة الدمعية ، ماذا يحصل ؟ يحصل الفيضان ، البكاء في التعريف العلمي : ازدياد إفراز الغدد الدمعية على طاقة تصريف القناة الدمعية ، عندئذ يبكي الإنسان ، وتفيض عيناه بالدموع . لذلك ربنا سبحانه وتعالى استخدم كلمة تفيض :

﴿ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ﴾

[سورة المائدة: 83]

 لذلك النبي الكريم أمرنا أن ننام على شقنا الأيمن ، من نام على ظهره استنشق الهواء من فمه ، وإذا استنشق الإنسان الهواء من فمه تراجعت اللثة ، وأصيبت الأسنان بالنخر ، وربما أصيب برشح دائم ؛ لأن هذا الهواء الذي يدخل إلى رئتيه هواء بارد . .

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، لك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك. اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك. اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً ، وسائر بلاد المسلمين. اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء. اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد من أعطى وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

تحميل النص

إخفاء الصور