وضع داكن
18-04-2024
Logo
الخطبة : 0560 - صلاة الجمعة 2- اتخاذ الله وليا وثمار الولاء لله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :

 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر. وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر. اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

ارتباط القضايا التي عالجها القرآن الكريم بسلامتنا و سعادتنا :

 أيها الأخوة الكرام: ربنا جل جلاله في القرآن الكريم يقول:

﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ﴾

[سورة المائدة : 3]

 القضايا التي عالجها القرآن الكريم، والتي بينتها السنة المطهرة، تامة من حيث العدد، وكاملة من حيث طريقة المعالجة.
 أيها الأخوة الكرام: أي موضوع ورد في القرآن الكريم، آية قضية وردت في القرآن الكريم، متعلقة تعلقاً شديداً في سلامتنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة، وإن أي موضوع لم يرد في كتاب الله لا يرتبط بسعادتنا وسلامتنا في الدنيا والآخرة، لا سلباً ولا إيجاباً، لذلك أردت من هذه المقدمة أن أصل إلى أن كل موضوع عالجه القرآن الكريم، أو أي قضية احتلت مساحة في القرآن الكريم، مهما كانت تلك المساحة صغيرة، فإن هذا الموضوع أو تلك القضية متعلقة بسلامتنا وسعادتنا ومستقبلنا في آخرتنا أشد التعلق. مثلاً حينما قال الله عز وجل:

﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾

[سورة النور: 30]

 هذا أمر إلهي ورد في كتاب الله، إذاً له أمر خطير في سلامتنا وسعادتنا ومستقبل حياتنا. موضوع الخطبة اليوم صلاة الجمعة، إنها قد احتلت سورةً بأكملها، وفي هذه السورة يقول الله عز وجل:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[سورة الجمعة: 9]

 أيها الأخوة الكرام: الأمر الذي يُصدر بقوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

  أي يا من آمنتم بي، يا من أقررتم بوجودي، يا من أقررتم بكمالي، يا من أقررتم بوحدانيتي، ماذا بقي عليكم؟ أن تبحثوا عن الأمر والنهي.

صلاة الجمعة مع خطبتها هي العبادة الوحيدة التعليميّة في الإسلام :

 أيها الأخوة الكرام: إن جلّ ما يشغل بال المؤمن الأمر والنهي، بعد أن آمنت بالله لا ينبغي أن يشغل بالك إلا شيء واحد، ماذا أمر وعن أي شيء نهى؟ لأنك بعد أن عرفت الله لابد من أن تطيعه، لابد من أن تقيم منهجه، لابد من أن تتقرب إليه بما أمرك، وأن تبتعد عما عنه نهاك وزجرك، فلذلك الأمر الذي يُصدر بقوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

 أي أنتم آمنتم بالله، آمنتم بكماله المطلق، آمنتم بحكمته، آمنتم برحمته، آمنتم بأنه خلقكم ليسعدكم، هذا أمر الله عز وجل، نفذوا أمره.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ﴾

[ سورة الجمعة: 9 ]

 إن المؤذن حينما يؤذن ويقول: حي على الصلاة حي على الفلاح، إنه ينادي المسلمين ليأتوا إلى بيت الله عز وجل، ولكن صلاة الجمعة أيها الأخوة لها مكانة خاصة في الإسلام، إنها عبادة كالصيام والحج، ولكن عبادة صلاة الجمعة هي عبادة تعليمية، فالإنسان من دون علم جاهل، ومع الجهل هناك انحراف، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، فصلاة الجمعة ولا سيما خطبتها هي العبادة الوحيدة في الإسلام التعليمية، لذلك قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الجمعة: 9 ]

 لو وقفنا عند كلمة فاسعوا، السعي إلى الشيء أن تأخذ بأسبابه، قال تعالى:

﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾

[سورة الإسراء: 19]

 إن أردت أن تصبح طبيباً ينبغي أن تسعى لهذه الرتبة العلمية، لا تسعى لها بأن تؤدي الامتحان، تسعى لها بأن تأخذ أسبابها الأولى، بأن تنال الدرجات العلى في الشهادة الثانوية، وأن تدرس، وأن تحضر، وأن تناقش، وأن تذاكر، وأن، وأن.. فقال تعالى:

﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾

 أي أنت محتاج إلى أن تعد نفسك لخطبة الجمعة، محتاج إلى أن تكون نظيفاً، محتاج إلى أن تكون مستريحاً، محتاج إلى أن تكون مهيئاً لسماع الخطبة.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾

[ سورة الجمعة: 9 ]

(( عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِي اللَّه عَنْهم قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ قَالُوا بَلَى قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى ))

[ الترمذي عن أبي الدرداء]

 أن تذكر الله، أو أن تستمع إلى ذكر الله، أن تذكر لماذا خلقت؟ لماذا أنت على وجه الأرض؟ ماذا ينبغي أن تعمل؟ ما الحلال؟ ما الحرام؟ ما سرُّ وجودك؟ ما غاية وجودك؟ من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ هذه أسئلة كبيرة أين تجدها؟.. لا تجدها في الأسواق، ولا في المكاتب التجارية، ولا في عيادات الأطباء، ولا في مكاتب المحامين، لا تجدها إلا في بيوت الله، لماذا أنت خُلقت؟ ما المنهج الذي ينبغي أن تسير عليه؟.. إنَّ خطبة الجمعة هي العبادة التعليمية.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الجمعة: 9 ]

يوم الجمعة يوم عيد و إقبال على الله :

 هناك وهم كبير عند معظم المسلمين أنه لمجرد أن يدرك مع الإمام الركوع في الركعة الثانية فقد صلى الجمعة، أين الخطبة؟ أين الذي قيل في هذه الخطبة؟ أين الآيات التي شُرحت؟ أين الأحاديث التي فُصلت؟ أين الموعظة التي ألقيت؟ أين العبرة التي استنبطت؟..
 فاسعوا: أي أن تأخذ الأسباب، قال تعالى:

﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾

[سورة الأعراف : 31]

 يوم الجمعة يوم عيد، بمعنى أنه ينبغي أن تعود فيه إلى الله، بمعنى ينبغي أن تنسلخ من هموم الدنيا، من هموم كسب الرزق، من هموم المعاش، من العلاقات الاجتماعية، هذا يوم عبادة، يوم ذكر، يوم إقبال على الله، يوم تلقي العلم، يوم تعليم العلم.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾

[ سورة الجمعة: 9 ]

 إن أعلى نشاط يحقق الربح هو البيع، وقد قال العلماء: ذكر الله البيع ولم يذكر الشراء، لأن كل بيع معه شراء من الطرف الآخر، وأن البيع محبب، وأن في البيع تحقيقاً للرزق، ورزق الإنسان يأتي بعد وجوده، الإنسان حريص على وجوده، وحريص على رزقه، والبيع يشكل أعلى نشاط في كسب الرزق، هذا النشاط العالي في كسب الرزق ينبغي أن تدعه كي تسعى إلى ذكر الله، هذا الذي قاله ربنا سبحانه وتعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

[ سورة المنافقون: 9 ]

حرص الإنسان على السلوك الذي ينفعه بعد انقضاء الزمن :

 أيها الأخوة الكرام: اللهو هو أن تشتغل بالخسيس عن النفيس، الموضوعات التي تنتهي عند الموت من الدنيا، والموضوعات التي تبدأ بعد الموت من الآخرة، والإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، انظر أيها الأخ الكريم إلى نشاطك في الحياة الدنيا، أي نشاط تنتهي ثمراته عند الموت هو من الدنيا، والدنيا فانية، وزائلة، تغرُّ وتضرُّ وتمرُّ، وأي نشاط؛ طلب علم، تلاوة كتاب، معرفة سنة، معرفة حكم شرعي، أي نشاط أن تلتقي بإخوانك المؤمنين، أن تتعاون مع إخوانك على البرِّ والتقوى، أي نشاط يوصلك إلى الله عز وجل، وتبدأ ثماره في الدنيا وبعد الموت هو من الآخرة، ينبغي أن تحرص على هذا النشاط، ينبغي أن تحرص على سلوك ينفعك بعد انقضاء الزمن؛ لأنك في الأصل زمن.
 كلمة فاسعوا إلى ذكر الله: هيئ نفسك، أنت إذا أردت أن تقابل عظيماً تهيئ نفسك قبل ساعات، إن أردت أن تلقي محاضرةً، أو أن تصغي إلى محاضرة ثمينة، ومصيرية في حياتك، تنام ساعات قبل أن تستمع إلى المحاضرة، كي تكون نشيطاً، مهيئاً للسماع. كلمة فاسعوا إلى ذكر الله تشمل أن تكون مرتاحاً، وأن تكون صافياً، وأن تكون فارغاً من كل الهموم، وأن تكون مطمئناً، وأن تكون نظيفاً، وأن تكون في زي حسن..

﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾

[سورة الجمعة: 9]

خطبة الجمعة لمعرفة الله و الاتصال به :

 أيها الأخوة الكرام: شيء دقيق جداً، يقول الله عز وجل:

﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[سورة الجمعة: 9]

 خالقنا، ربنا، الخبير، الذي خلقنا، الذي خلقنا لنعبده، يقول لنا:

﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾

  أن تسعوا إلى ذكر الله، أن تذروا البيع، أن تأخذوا أسباب هذه العبادة التعليمية.

﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

 إن توهم الإنسان أن عقد صفقة مكان صلاة الجمعة هو خير له فهو جاهل، جاهل، جاهل، لأن الله تعالى يقول:

﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

 خير لكم من كسب المال، من البيع، من الشراء، من اللهو، من المتع

﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

 الذي يؤكد أنك تعلم أنك ترى بقلبك أن طلب العلم وأداء العبادات خير من الدنيا وما فيها، ولن تصل إلى الله إلا إذا وضعت الحظوظ والمصالح تحت قدمك.

﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

.
 يروى أن سيدنا عمر رضي الله عنه حينما طُعن قبل أن يموت غفا ثم صحا، ماذا قال؟ ماذا قال عملاق الإسلام بعد أن صحا وبعد أن طُعن؟ قال: هل صلى المسلمون الفجر؟. لا خير في دين لا صلاة فيه .
 أيها الأخوة: ينبغي أن تعلم أو أن تعرف مع من تتصل، خطبة الجمعة من أجل أن تعرف الله، فإذا صليت ووقفت بين يديه كان هذا الوقوف صحيحاً، وكان هذا الاتصال محكماً.

﴿ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾

[سورة الجمعة: 9]

الإنسان بين حالين :

 أيها الأخوة الكرام: الإنسان بين حالين، إما في بيت من بيوت الله، وإما يبغي فضل الله، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا دخل المسجد قال: "اللهم افتح لي أبواب رحمتك " ورحمة الله في بيته هي ضيافته، قد لا تشعرون بشيء في المسجد، ولكن رحمة الله حينما يقربك من جلاله، حينما يلقي في قلبك نوراً من أنواره، حينما يطمئنك، حينما يفقهك، حينما يسددك، حينما يحفظك، حينما يحفظ لك أولادك وأهلك ومالك، حينما يلقي في قلبك الحكمة وهي أثمن شيء على الإطلاق، هذه هي رحمة الله. رحمة الله أن تكون حكيماً، رحمة الله أن تكون حليماً، رحمة الله أن تكون سديداً في أقوالك، حكيماً في أفعالك.

﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾

[سورة الجمعة: 9]

 لكن وأنت تبتغي من فضل الله، ينبغي أن تذكر الله كثيراً لئلا تزل القدم، لئلا تنحرف، لئلا تغتر بالدنيا، لئلا تغتر بمالها، لئلا تغتر بما فيها من متع رخيصة.

﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾

 أي اعلموا لماذا أنتم في الدنيا؟ اذكروا أمر الله دائماً، اذكروا حكمته دائماً.

﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

[سورة الجمعة: 9]

من أطاع الله أتته الدنيا و هي راغمة :

 أيها الأخوة الكرام:

﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾

 من طلب العلم، ومن سماع العلم، ومن تعليم العلم، ومن تطبيق العلم، ومن التقرب إلى الله عز وجل، قل ما عند الله حينما تؤدون هذه العبادة على الوجه الأكمل

﴿ قُلْ مَا عِنْدَ اللَّه خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾

 أي إن انصرفتم عن عبادة أمركم الله بها إلى تحصيل مال، الله وحده هو الرزاق، هو الذي يرزقكم من حيث لا تحتسبون، هو الذي يرزقكم وأنتم لا تشعرون، هو الذي يرزقكم ويبارك لكم برزقكم، ينمي لكم أرزاقكم، يحفظ لكم أموالكم، إن أطعت الله عز وجل تأتيك الدنيا وهي راغمة، وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه.
 أيها الأخوة الكرام: سورة من سور القرآن الكريم احتلت مساحة في كتاب الله عنوانها سورة الجمعة، وهذه الصلاة التي تؤدى يوم الجمعة مع الخطبة عبادة من أجلّ العبادات.

التبكير إلى صلاة الجمعة :

 أيها الأخوة ما جاء في السنة:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 قرّب بدنة: أي قرّب جملاً، أي ينبغي أن تبكِّر، و ينبغي أن تسمع الخطبة من أولها.
 أيها الأخوة الكرام: الخطب موضوعات تُلقى على الناس، أحياناً مفتاح الموضوع في مقدمته، إن تأخرت قليلاً ولو دقائق و فاتك مفتاح الخطبة تستمع إلى نصوص، وإلى شروح ولكن لا تعقل محور الخطبة، ولا أبعادها التي أرادها الخطيب، فلذلك أن تأتي في الساعة الثانية من بدنة إلى بقرة، في الساعة الثالثة من بقرة إلى كبش، في الساعة الرابعة من كبش إلى دجاجة، في الساعة الخامسة من دجاجة إلى بيضة، فإذا صعد الخطيب المنبر وبدأ يخطب رُفعت الأقلام، وطويت الصحف، وجلست الملائكة يستمعون الذكر.

يوم الجمعة يوم عيد للمسلم و لأهله :

 أيها الأخوة الكرام: وقد روى ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(( إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ وَإِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ ))

[ابن ماجه عن ابن عباس]

 هذا يوم عيد، بعض المسلمين الغسيل، والتنظيف، وترتيب البيت، وكل الأمور المزعجة يفعلونها يوم الجمعة، أنت كمسلم هذا اليوم يوم عيد، ينبغي أن يشعر أهل البيت أنهم في أحد أيام الأعياد، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ وَإِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ ))

[ابن ماجه عن ابن عباس ]

 هذا الحديث رواه ابن ماجه في سننه.
 أيها الأخوة الكرام: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((نَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ إِلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة]

 لا ينبغي أن تصوم في هذا اليوم، إنه يوم عيد لك ولأهلك ولأولادك، وأجلّ ما في هذا العيد سماع خطبة الجمعة، وأداء صلاة الجمعة، سماع خطبة الجمعة هو الحد الأدنى من طلب العلم، الحد الذي يسمح لك أن تقف على قدميك، الحد الذي يسمح لك ألا تقع في معصية، الحد الذي لابد منه، الحد الذي يُعد فرضاً عينياً على كل مسلم، ما ينبغي أن يعلم بالضرورة يمكن أن تتعرف عليه في صلاة الجمعة، حتى الصيام نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن تصوم يوماً قبله ويوماً بعده.

يوم الجمعة أفضل أيام المسلم :

 شيء آخر في هذا اليوم أيها الأخوة الإمام البخاري يروي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ:

(( فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا ))

[ البخاري عن أبي هريرة]

 أي مهما سألت الله عز وجل، إذا صادفت هذه الساعة مسلماً قائماً يصلي، يسأل الله شيئاً، فالله سبحانه وتعالى يتكفل أن يجيب دعوة هذا السائل مهما تكن.
 أيها الأخوة الكرام: عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ أَيْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَام ))

[النسائي عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ]

 لذلك علمنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال قولوا:

((اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَاتَكَ وَرَحْمَتَكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ، مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، إِمَامِ الْخَيْرِ، وَقَائِدِ الْخَيْرِ، وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ، اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ))

[ ابن ماجه عن عبد الله بن مسعود]

 أي أن تصلي على النبي يوم الجمعة، إذا وسعت المفهوم أن تدرس سيرته، أن تبحث في شمائله، في أخلاقه، في سنته القولية، سنته الفعلية، في إقراره، أن يكون قدوة لك، أن تقتدي به، أن تجعله إمامك، أن تجعله قدوتك، أن تجعله مثلك الأعلى.. في يوم الجمعة، إنه الرسول القرآن الذي يمشي، الكون قرآن صامت، والكون قرآن ناطق، والنبي قرآن يمشي، لذلك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّم:

(( أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ مَشْهُودٌ تَشْهَدُهُ الْمَلَائِكَةُ وَإِنَّ أَحَدًا لَنْ يُصَلِّيَ عَلَيَّ إِلَّا عُرِضَتْ عَلَيَّ صَلَاتُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا قَالَ قُلْتُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ وَبَعْدَ الْمَوْتِ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ فَنَبِيُّ اللَّهِ حَيٌّ يُرْزَقُ ))

[ابن ماجه عن أبي الدرداء]

بشارة من بشارات الجمعة :

 أيها الأخوة الكرام: بشارة من بشارات الجمعة، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو هريرة عنه:

(( الصَّلَوَاتِ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ ))

[مسلم عن أبي هريرة]

 أي أنت عندما تأتي إلى الجمعة تصلي، وتدعو، وتقبل، وتعاهد، وتتوب، تشعر أن الله سبحانه وتعالى محا عنك ما كان قبل الجمعة، طبعاً ما لم تُرتكب الكبائر؛ الهفوات، الأشياء الصغيرة، هذه كلها تُمحى من جمعة إلى جمعة، ومن رمضان إلى رمضان، ومن صلاة إلى صلاة .

(( الصَّلَوَاتِ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ ))

[مسلم عن أبي هريرة]

شأن صلاة الجمعة :

 ولكي تعلموا أيها الأخوة شأن صلاة الجمعة يقول عليه الصلاة والسلام:

((لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْظُرَ فَأُحَرِّقَ عَلَى قَوْمٍ بُيُوتَهُمْ لَا يَشْهَدُونَ الْجُمُعَةَ ))

[مسلم وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ]

 ويقول عليه الصلاة والسلام:

(( مَنِ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 أيها الأخوة الكرام: هذا الموضوع له تتمة إن شاء الله تعالى نعالجها في الأسبوع القادم إن شاء الله.
 أيها الأخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني..

* * *

الخطبة الثانية :

 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

من حضر الجمعة و هو مشغول بمصالحه حضر كجسم لا كقلب :

 أيها الأخوة الكرام: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا، قَالَ وَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةِ وَزِيَادَةٌ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَيَقُولُ: إِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ))

[أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وأبي هريرة]

 ويقول عليه الصلاة والسلام:

((يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ رَجُلٌ حَضَرَهَا يَلْغُو وَهُوَ حَظُّهُ مِنْهَا وَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَدْعُو فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا فَهِيَ كَفَّارَةٌ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾))

[أبو داود عَنْ عبد الله بن عمرو ]

 يلهو بهموم الدنيا، حضرها وهو شارد، حضرها وهو لا ينتبه إلى ما قيل في الخطبة، وقد تسأل إنساناً حضر خطبة: ماذا قال الخطيب؟ يقول لك: والله لا أذكر شيئاً، هذا الذي ذكره النبي حضرها وهو يلغو..وهو حظه منها، ما استفاد شيئاً، ماذا قال آنفاً؟.. المشغول بهموم الدنيا، المشغول بمصالحه، المشغول بماله، هذا يحضر كجسد لا كقلب، ولا كنفس، ولا كروح.

((وَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَدْعُو فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ- الدعاء ليس وقته في أثناء صلاة الجمعة ولا أثناء خطبتها - وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا فَهِيَ كَفَّارَةٌ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾))

[أبو داود عَنْ عبد الله بن عمرو ]

 أيها الأخوة الكرام: مرةً ثانية: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

((مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ، ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا، قَالَ وَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةِ وَزِيَادَةٌ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَيَقُولُ: إِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ))

[أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وأبي هريرة]

صلاة الجمعة كفارة فيما بينها وبين التي تليها :


 أيها الأخوة الكرام: بقي في هذا الموضوع حديثان، الأول:

((عن عبد اللَّهِ بْن عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ ))

[ مسلم عن عبد اللَّهِ بْن عُمَرَ]

 وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام:

(( مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ))

[الدرامي عن أبي الجعد الضمري]

 هي العبادة التي تصلك بالعلم، تصلك بالحقائق، تصلك بكتاب الله، بحديث رسول الله، بأحكام الفقه، بسيرة رسول الله.
 أيها الأخوة الكرام: أختم الخطبة بالآية الكريمة:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا ﴾

 خذوا الأسباب، هيئوا أنفسكم، نظفوا أجسادكم، اغتسلوا، تعطروا، البسوا أحسن ثيابكم، لا تتخطوا رقاب الناس في المسجد، لا تؤذوا المسلمين، لا تفرق بين اثنين، إن فعلت هذا، كانت صلاة الجمعة كفارةً فيما بينها وبين التي تليها، أو فيما بينها وبين التي سبقتها.

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك. اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، مولانا رب العالمين. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك. اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً، وسائر بلاد المسلمين. اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء. اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب. اللهم صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك، ونبتلى بحمد من أعطى وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء. اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين. اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

تحميل النص

إخفاء الصور