- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر . وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر . اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين . اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
معرفة النبي و سنته العمليّة باب من أبواب الدعوة إلى الله :
أيها الأخوة الكرام ؛ يقول الله عز وجل :
﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾
يجب أن نعرف رسولنا ، يجب أن نعرف سنته القولية ، يجب أن نعرف سيرته العملية ، يجب أن نعرف شمائله ، يجب أن نعرف أخلاقه ، يجب أن نعرف خصائصه ؛ لأنه قدوتنا ، ولأنه أسوتنا ، ولأنه المثل الأعلى ، ولأنه المشرع ، ولأنه المعصوم ، ولأنه الذي يُوحى إليه ، ولأن كلامه أصل سامٍ من أصول الدين ، فإذا جمعت الناس ، وعرفتهم برسول الله ، فهذا من صلب الدين ، إذا جمعت الناس وبينت لهم شمائله فهذا من صلب الدين ، إذا جمعت الناس وبينت لهم أخلاقه ، هذا من صلب الدين ، إذا جمعت الناس وتلوت عليهم حديثه الشريف الصحيح المنهج القويم ، فهو من صلب الدين .
يا أيها الأخوة الكرام ؛ بادئ ذي بدء يقول الله عز وجل :
﴿ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾
إن قلب النبي وهو سيد الخلق وحبيب الحق يزداد ثبوتاً حينما تتلى عليه قصص أنبياء دونه ، إن قلب النبي في نص هذه الآية :
﴿ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾
يزداد ثبوتاً حينما تُتلى عليه قصص الأنبياء السابقين ، وما تحملوا من مشاقَّ في سبيل الدعوة إلى الله ، إن قلبه يزداد ثبوتاً حينما تُتلى عليه قصص الأنبياء السابقين ، وهم دونه في المقام ، فكيف بمؤمن في آخر الزمان يستمع إلى سيرة سيد الأنام ؟ يستمع إلى أقواله ، يستمع إلى مواقفه ، إلى أحواله ، إلى أخلاقه ، إلى شمائله . .
يا أيها الأخوة الكرام ؛ هذه آية دقيقة جداً يجب أن نحفظها ، نبي كريم هو سيد الخلق يزداد قلبه ثبوتاً لسماع قصة نبي دونه ، مؤمن في آخر الزمان ، لو أنه عرف شمائل النبي ، وأخلاق النبي ، وخصائص النبي ، وتشريع النبي ، ومواقف النبي ، إنه باب من أبواب الدعوة إلى الله ، هذه واحدة .
محبة الله لا تكون إلا باتباع النبي عليه الصلاة والسلام :
الثانية : كل إنسان يستطيع أن يدّعي الحب ، الحب يُدعى . .
كلٌ يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقرُّ لهم بذاك
***
الله جلّ جلاله في عليائه لن يقبل من أحد أن يدّعي حبه إلا بالدليل ، والدليل هو اتباع النبي عليه الصلاة والسلام :
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
دعوى المحبة مرتبطة بتطبيق السنة ، كيف نطبق السنة إن لم نعرفها ؟ كيف نطبق السنة إن لم نجلس على ركبنا نتلقى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ كيف نعرف سنته القولية ؟ كيف نعرف ماذا أحلّ لنا وماذا حرم علينا ؟ بوحي من الله عز وجل .
أيها الأخوة الكرام ؛ إذاً دعوى محبة الله عز وجل لا تقف على قدميها إلا بالدليل، والدليل اتباع النبي عليه الصلاة والسلام ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، مما يقتضي أن نتبع النبي عليه الصلاة والسلام أن نعرف سنته ، هذه ثانية .
طاعة النبي عين طاعة الله :
وثالثة : يقول الله عز وجل :
﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
كلام فيصل ، كلام واضح كالشمس ، كلام رب العالمين ، إن لم يستجب المؤمنون لك ، لسنتك ، لأمرك ونهيك ، لما آتيتهم ، ولما نهيتهم ، إن لم يستجيبوا لك فيقتفوا آثرك ، إن لم يستجيبوا لك فيتبعوا سنتك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ، ماذا يُستنبط من هذه الآية ؟ . . أن اتباع النبي عين اتباع الله ، أن طاعة النبي عين طاعة الله ، أن الاستجابة للنبي عين الاستجابة لله ، ولا زلت أقول وأكرر وأؤكد أن الاستجابة إلى النبي ، وأن طاعة النبي ، وأن تطبيق سنة النبي ، وأن اتخاذ النبي قدوةً يحتاج إلى معرفة سنته ، وسيرته ، سيرته العملية والقولية .
يا أيها الأخوة الكرام ؛ فإن لم يستجيبوا لك يا محمد ، إن لم يطبقوا سنتك ، فاعلم أنما يتبعون أهواءهم :
﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾
يحكموك في حياتك بأن يتصلوا بك ، يأتوا بيتك ، يأتوا مسجدك ، فكيف يحكموك بعد مماتك ؟ يحتكمون إلى سنتك ، يحتكمون إلى منهجك ، يحتكمون إلى ما آتيتهم ، يحتكمون إلى ما نهيتهم عنه ، يحتكمون إلى الوحي غير المتلو الذي جاء على لسانك صلى الله عليك ، هكذا .
أيها الأخوة الكرام :
﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾
هذه الآية قائمة إلى يوم القيامة ، إن اختلف مسلمان ، واحتكما إلى سنة النبي عليه الصلاة والسلام ، ورفضها أحدهما فلا وربك ليس مؤمناً برسول الله ، وليس مؤمناً بالله عز وجل.
ردّ التنازع بين المسلمين إلى الله و رسوله و أولي الأمر :
أيها الأخوة الكرام :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾
قال الإمام الشافعي : أولو الأمر هم العلماء والأمراء معاً ؛ لأن العلماء يعرفون أمر الله ورسوله ، ولأن الأمراء يطبقون أمر الله ورسوله ، جهة تعلم ، وجهة تنفذ ، جهة تبين الشرع ، وجهة تنفذ الشرع ، يقول الله عز وجل :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾
إن تنازعتم مع أمرائكم : أي مع علمائكم ، أو أمرائكم ، من هو الحكم ؟ هو القرآن والسنة ، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله ورسوله . .
معرفة النبي الكريم من صلب الدين :
أيها الأخوة الكرام ؛ لا زلت مع الآيات التي تحضنا على معرفة سيرة رسول الله ، على معرفة سنة رسول الله ، على معرفة أحاديث رسول الله ، على معرفة شمائل رسول الله ، على معرفة أحوال النبي عليه الصلاة والسلام ، هذا شيء ينبغي أن نعلمه على مدى العام ، لا في يوم أو يومين ، ولا في شهر أو شهرين ، شغل المؤمنين الشاغل أن يتعرفوا إلى النبي على مدى العام ، هذا يجعل تذكرنا للنبي عليه الصلاة والسلام من صلب الدين .
أيها الأخوة ؛ قد نحتفل ، وقد نلقي كلاماً غير صحيح ، وقد نشطح شطحات لا ترضي الله ولا رسوله ، وقد نرفع ما ينبغي أن يقف عند حدّ معين ، هذا منكر يجب أن ننكره ، وقد يجري في احتفال المولد في بعض البلدان الإسلامية المنكرات ، واختلاط النساء والرجال ، والتدجيل ، وما إلى ذلك ، هذا منكر يجب أن ننكره ، ولكن لا ينبغي أن يحملنا إنكار منكر على إلغاء الخير كله ، لو أن أستاذاً في كلية الطب تكلم كلاماً غير صحيح ، أنلغي كلية الطب أم نلغي وظيفة هذا المدرس ؟ أن نصحح كلامه ، أن ننصحه ، أو أن نلغي وجوده في الكلية ، أما أن نلغي الكلية كلها فهذا تطرف أيضاً .
من طبق سنة النبي فهو في مأمن من عذاب الله :
أيها الأخوة الكرام ؛ الآية التي ينبغي أن نفهمها فهماً عميقاً هي قول الله عز وجل:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾
المسلمون في بحبوحة من عذاب الله ، المسلمون في أمن من عذاب الله ، مادام النبي عليه الصلاة والسلام بين ظهرانيهم ؛ لأنه إذا كان بين ظهرانيهم فهو يبلغهم ، أما إذا توفاه الله عز وجل ، فكيف نفهم هذه الآية ؟ قال علماء التفسير : نفهمها على الشكل التالي :
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾
أي أن سنتك قائمة في حياتهم ، في بيوتهم ، في أعمالهم ، في تجارتهم ، في زراعتهم ، في صناعتهم ، في كسب أرزاقهم ، في حلِّهم ، في ترحالهم ، في نشاطهم ، في أفراحهم ، في أتراحهم ، في كل شؤون حياتهم ، إذا كانت سنة النبي عليه الصلاة والسلام قائمة مطبقةً موجودةً صارخة في حياتهم ، فالمسلمون في أمان من عذاب الله ، هذه بشارة .
يا أيها الأخوة الكرام ؛ يتألم المسلم أحياناً حينما يرى قوى لا يملك أن يصرفها عنه تتحكم فيه ، لو أنه أقام الإسلام فيما يملك لكفاه الله ما لا يملك ، لو أنه أقام الإسلام فيما يقدر لكفاه الله ما لا يقدر ، لو أنه أصلح نفسه لكفاه الله ما هو خاضع له ، الله عز وجل يقول :
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾
لا يغير ما بهم ، محاطون بقوى كبيرة :
﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾
الآية الكريمة :
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾
لذلك نحن في أمن ، وفي بحبوحة ، وفي بشارة من الله عز وجل أننا إذا طبقنا سيرة النبي ، طبقنا سنة النبي ، واقتفينا أثره ، واتبعنا سيرته ، فنحن في مأمن من عذاب الله ، ولو أراد أعداء المسلمين ما أرادوا إن الله يمنعهم ، أما إن لم نطبق سنة نبينا ، فالله سبحانه وتعالى يسلطهم إذا أهملنا .
ما من شخص أخطر في حياة المسلم من رسول الله :
أيها الأخوة الكرام ؛ لازلنا في الآيات التي تحضنا على معرفة رسول الله ، لا في يوم أو يومين ، ولا في شهر أو شهرين ، ولكن على مدى العام ، وعلى مدى الأعوام ، وعلى مدى الحياة كلها .
ما من شخص أخطر في حياة المسلم من رسول الله ، إنه الإنسان الكامل ، إنه الإنسان الذي لا ينطق عن الهوى ، إنه المعصوم بمفرده ، إنه المشرع ، لست كمسلم مضطراً أن تتبع أحداً إلا النبي عليه الصلاة والسلام ، المسلم الحق شغله الشاغل أن يعرف أمر النبي ونهيه ، فيلتزم الأمر وينتهي عن النهي .
أيها الأخوة الكرام ؛ شيء آخر ، ربنا عز وجل يقول :
﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ﴾
أي أن طاعة رسول الله هي عين طاعة الله ، لا فرق بينهما أبداً ، لمجرد أن تطيع النبي فأنت مطيع لله عز وجل ؛ لأن ذات النبي فانية في محبة الله ، وفي نقل الحق إلى الخلق.
أيها الأخوة الكرام : آية أخرى تشير إلى المعنى نفسه من زاوية أخرى :
﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ﴾
بضمير المفرد ، أي أن إرضاء النبي عين إرضاء الله ، وأن إرضاء الله عين إرضاء النبي ، إن طاعة رسول الله عين طاعة الله ، وإن طاعة الله عين طاعة رسول الله ، والله ورسوله أحق أن يرضوه . .
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً﴾
الله عز وجل لا يعذب أحبابه :
أيها الأخوة الكرام ؛ عودة إلى قوله تعالى :
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
يؤكد هذا المعنى قوله تعالى :
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾
أي إذا طبقتم المنهج الذي جاءكم من عند رسوله لمَ العذاب ؟
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾
والله عز وجل لا يعذب أحبابه ، كما استنبط الإمام الشافعي من قوله تعالى :
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾
أي لو أنه رضي منهم دعواهم لما عذبهم ، لأنه رفض دعواهم لذلك هو يعذبهم ، فمن أحب الله وأحب رسوله فهو في بحبوحة ثالثة من أن يُعذب .
من طبق منهج الله فلن يعذب أبداً :
إلا أن الشيء الذي يبشر قوله تعالى :
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
ما دمت مطبقاً للمنهج لن تُعذب ، فإذا زلت القدم ، إذا أخطأت ، إذا سهوت ، إذا خالفت السنة ، ماذا تفعل ؟ استغفر ، فإن استغفرت فلن تُعذب أيضاً . قيل إن رجلاً سارقاً جيء به إلى سيدنا عمر بن الخطاب ، فأقسم له أنها أول مرة يفعلها ، فقال عمر رضي الله عنه: - ولا أدري من أي شيء استنبط ذلك - كذبت إن الله لا يعذب من أول مرة ، فلما ضيق عليه اعترف أنها المرة الثامنة ، متى يأتي العقاب ؟ . . حينما تبرم قراراً . .
﴿أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾
حينما تفعل خطأ وتقول : ماذا فعلت ؟ أما حينما تفعل وتندم ، حينما تفعل وتستغفر، حينما تفعل حسنة لتمحو بها السيئة ، حينما تفعل وتتصدق ، حينما تفعل وتتوب ، حينما تفعل وتصلي فيغفر الله لك :
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
والآية التي تقول :
﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾
أي كأن الله سبحانه وتعالى يدعونا أن نضع سنة النبي ، أن ندرسها ، أن نتفحصها، أن نعقلها ، أن نفهمها ، أن نستوعبها ، أن نناقشها ، أن نقلبها على وجوهها ، أن نعرف ماذا أمر ، وماذا نهى ، ماذا يحب ، وماذا لا يحب ، هذا أيضاً من دعوة الله لنا .
﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾
طلب العلم لمعرفة منهج النبي و أقواله الصحيحة :
شيء آخر حينما قال الله عز وجل :
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾
إنه الرحمة المهداة ، والنعمة المجزاة . . وفي آية أخرى :
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
ينبغي أن يفرح المؤمن إذا عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا عرف أمره ونهيه ، إذا عرف أخلاقه ، إذا عرف شمائله ، مادامت أيها الأخوة قد أطلت علينا ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم فليكن منهجنا على مدى العام أن نطلب العلم ، لنعرف أقواله الصحيحة ، أن نطلب العلم لنعرف أحواله ، لنعرف أخلاقه ، لنعرف شمائله ، لنعرف أحواله ، ليكون معلماً لنا ، ومشرعاً وقدوة لنا ، ومثلاً .
بطولة المسلم أن يجمع التائهين المقصرين و يعرفهم برسول الله :
أيها الأخوة الكرام ؛ لكن لي ملاحظة ، هذه الملاحظة أننا جميعاً في هذا المسجد وفي كل المساجد ، وأن المسلمين جميعاً المؤمنين بالله ورسوله وكتابه والملائكة واليوم الآخر والقدر خير وشره ، أن المسلمين جميعاً طرف واحدة ، لكن بطولة المسلم لا أن يتحدث إلى هذا الطرف الواحد ، بل أن يجلب من الطرف الآخر إلى صف المسلمين ، فلذلك أعجبني من بعض الأخوة الكرام أنه يجمع أقرباءه الشاردين ، التائهين ، المقصرين الذين لم يطلبوا العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق ، الذين لا تنقلهم أقدامهم إلى بيوت الله أبداً ، هؤلاء الشاردون ، هؤلاء البعيدون ، هؤلاء التائهون ، لهم حق عليك وأنت قريب لهم ، زملاؤك ، أصدقاؤك ، جيرانك ، زملاء العمل ، أقرباؤك الأقربون ، الشاردون ، التائهون ، البعيدون الذين لا يرتادون المساجد ، ولا يطلبون العلم ، مناسبة لطيفة أن تجمعهم ، أن تعرفهم برسول الله ، إما أنت أو من تثق بعلمه ، أن تطعمهم الطعام ، وإطعام الطعام من السنة .
((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ ))
ولقاء السلام ، والصلاة بالليل والناس نيام ، هذا من أفضل الإسلام فإذا جمعت الناس وأطعمتهم الطعام ، وعرفتهم بسيد الأنام ، فقد طبقت أكثر من مئة آية وأنت لا تشعر ، ومع ذلك لا تسمِّ هذا عبادة ، سمّه نشاطاً إسلامياً ، سمّه تطبيقاً لآيات القرآن الكريم ، سمّه تطبيقاً لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، سمّه دعوةً إلى الله ، سمّه إحقاقاً للحق ، سمّه إزهاقاً للباطل ، سمّه إطعاماً للطعام ، سمّه تأليف القلوب .
((المؤمنون بعضهم لبعض نصحة متوادون ولو ابتعدت منازلهم ، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون ولو اقتربت منازلهم ))
الدعوة إلى الله فرض عين :
أيها الأخوة الكرام ؛ يجب أن نعلم علم اليقين - وهذا غائب عن بعض المسلمين - أن الدعوة إلى الله فرض عين ، طالبوني بالدليل :
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
إن لم تتبع رسول الله من أنت إذاً ؟ . . إن لم تكن متبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أنت ؟ هل أنت مسلم ؟ هل هناك مسلم لا يتبع رسول الله ؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله على بصيرة هو ومن اتبعه ، إذاً إذا كنت متبعاً لرسول الله حقاً فادع إلى الله على بصيرة ، ومعنى على بصيرة بالدليل والتعليل .
شيء آخر : ألم يقل الله عز وجل :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
ألم يجعل الله عز وجل التواصي بالحق ربع أركان النجاة ؟ أحد أربعة أركان النجاة التواصي بالحق ، هذه لمن ؟ لكل مسلم ، ولكن لا يحمّل الإسلام المسلم ما لا يطيق ، أنت مكلف أن تدعو إلى الله في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، لا يوجد مؤمن إلى و حوله أشخاص من قرابته ، من زملاء عمله ، من جيرانه ، ممن يلتقي بهم ، هؤلاء الأشخاص يُعد هو نافذتهم الوحيدة إلى الله ، هؤلاء الذين حولك ، أقرب الناس إليك ، أهلك ، أولادك ، إخوتك ، أخواتك ، أولاد إخوتك ، أولاد أخواتك ، جيرانك ، زملاؤك في العمل ، أصحابك ، هؤلاء أنت نافذتهم الوحيدة إلى الله ، إذاً أنت مكلف أن تدعوهم إلى الله في حدود ما تعلم ومع من تعرف .
هذا فرض عين على كل مسلم ، لذلك أيها الأخوة الكرام من أولى ما ينبغي أن يعرفه الناس عن رسول الله أقواله الصحيحة ، وشمائله الكريمة ، وأخلاقه الرضية ، وأحواله الصافية ، هذا أيضاً فرض عين على كل مسلم .
الدين نقل و أخطر ما في النقل صحته :
أيها الأخوة الكرام ؛ شيء آخر ينبغي أن يُقال في هذا الموضوع : نحن نعلم علم اليقين أن القرآن الكريم قطعي الثبوت ، إلا أن الحديث الشريف ليس قطعي الثبوت هو ظني الثبوت ، بعضه صحيح ، بعضه حسن ، بعضه ضعيف ، بعضه موضوع ، بما أن الدين في الأصل نقل ، وبما أن أخطر ما في النقل صحته ، لذلك ينبغي أن تبتعد قدر ما تستطيع عن كل حديث ضعيف أو موضوع ؛ لأنه يخلق بلبلة في عقيدة المسلم ؛ ولأن الأحاديث الضعيفة هي التي تفرقنا ، فإذا دعوتكم إلى معرفة سيرة النبي ، ومعرفة سنته القولية ، فالمقصود ما ورد عن النبي في الصحاح ، دقق في صحة الحديث ، دقق في تخريج الحديث ، لأن هذا العلم دين، فلينظر أحدكم عمن يأخذ دينه ، هناك وضاعون ، هناك كتب كثيرة اشتملت على الأحاديث الموضوعة التي ما أنزل الله بها من سلطان ، يكفينا أن نقول :
((مَن كذب عليَّ مُتعمِّدا فليتبوأ مقعدَهُ من النار ))
يكفينا أن نقول :
(( مَنّ حدّث عنِّي بحديث يُرى أنه كذِب ، فهو أحد الكاذبين ))
لا تقل : لا أعلم ، لا أعلم تُحاسب عليها ، لمَ لم تحقق ؟ لمَ لم تدقق ؟ لمَ لم تسأل أهل الذكر إن كنت لا تعلم ؟ قال تعالى :
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
لمَ تسأل ألف إنسان وإنسان من أجل أن تبيع بيتاً أو من أجل أن تشتري مركبةً ودينك الشيء المصيري الخطير لا تسأل عنه أحداً ؟ لمَ تسأل الخبراء في كل موضوع وشأن الآخرة وشأن الدين لا تسأل أحداً ؟
معرفة سنة النبي القوليّة والعمليّة فرض عين على كل مسلم :
أيها الأخوة الأكارم ؛ إن شاء الله تعالى ستكون هناك بعض الخطب القادمة متعلقة بأخلاق النبي وبشمائله ، أردت أن تكون هذه الخطبة في أساسيات الموضوع ، نحن في أمسِّ الحاجة إلى معرفة سيرة النبي ، ومعرفة سنة النبي ، وأختم الخطبة بالآيتين التاليتين ، حينما قال الله عز وجل :
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾
القاعدة الفقهية الثابتة : ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض ، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ما لا تتم السنة إلا به فهو سنة .
خذوه : فعل أمر يقتضي الوجوب ، وما نهاكم عنه فانتهوا : نهي يقتضي النهي ، من لوازم هذا الأمر أن تعرف الأمر والنهي ، إذاً فرض عليك أن تعرف سنة النبي القولية ، فرض عليك ، فرض عين ، ما ينبغي أن يُؤخذ بالضرورة .
الشيء الثاني حينما قال الله عز وجل :
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾
كيف يكون النبي أسوة حسنة إن لم تعرف سيرته ؟ إذاً معرفة سنته القولية والعملية فرض عين على كل مسلم ، والعام أمامك ، ينبغي أن تحتفل بالمصطلح الشائع ، أو أن تذكر النبي عليه الصلاة والسلام بأقواله وأفعاله طوال العام .
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني . .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
حديث رسول الله يفتح قلوبنا و يصحح ألسنتنا لنصل إلى كلمة التوحيد :
أيها الأخوة الكرام ؛ النبي عليه الصلاة والسلام جاءنا كما ورد في سنن الدارمي :
(( جاءنا ليختن قلوباً غُلفاً ...))
معنى يختن : أي ليزيل ما غطاها من غشاوة حجبت عنها أنوار الحق ، النبي عليه الصلاة والسلام :
(( جاءنا ليختن قلوباً غلفاً ، ويفتح أعيناً عمياً ، ويسمع آذاناً صماً ، ويقيم ألسنةً عوجاً ، حتى يُقال : لا إله إلا الله وحده))
إذاً ماذا يفعل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ يفتح قلوبنا ، يجلو عن قلوبنا الغشاوة ، يفتح عيوننا ، يفتح آذاننا ، يصحح ألسنتنا إلى أن نصل إلى كلمة التوحيد ، إلى أن نصل إلى حقيقة الدين ، قال تعالى :
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
من وصل إلى التوحيد وصل إلى الدين كله ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
أيها الأخوة الكرام :
(( عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا وَجْهُنَا وَاحِدٌ فَلَمَّا قُبِضَ نَظَرْنَا هَكَذَا وَهَكَذَا ))
وجهنا واحد : كل أصحاب النبي يتجهون إلى جهة واحدة . .
(( فَلَمَّا قُبِضَ نَظَرْنَا هَكَذَا وَهَكَذَا ))
فلو أن صحابياً اطلع علينا لرآنا ممزقين ، متفرقين ، مشرذمين ، يعادي بعضنا بعضاً ، يطعن بعضنا ببعض ، هناك جماعات كثيرة تدّعي أنها على حق ، كل فرقة تطعن بالأخرى ، هذا ما آل إليه المسلمون ، نحن في أمسِّ الحاجة إلى أن نتوحد ، إلى أن نتعاون فيما اتفقنا ، إلى أن يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا ، نحتاج إلى أن ننتمي إلى مجموع المؤمنين، نحتاج إلى أن نكون أقوياء متحدين .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عولاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً ، وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .