وضع داكن
27-04-2024
Logo
الخطبة : 0398 - سلسلة الأخلاق4 ، العدل - أمراض القذارة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
  الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكُّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلَّى الله عليه وسلم رسولُ الله ، سِّيدُ الخلق والبشر ، ما اتَّصلت عينٌ بنظر ، أو سمعت أذنٌ بخبر ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذرِّيته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهمَّ ارحمنا فإنك بنا راحم ، ولا تعذِّبنا فإنك علينا قادر ، والطف بنا فيما جرت به المقادير ، إنك على كل شيء قدير ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا ، و انفعنا بما علَّمتنا و زدنا علماً ، و أرنا الحق حقاً وارزقنا اتِّباعه ، و أرنا الباطل باطلاً و رازقنا اجتنابه ، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

الخلق القويم :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ لازلنا في موضوع لصيق بالدين ، بل هو من ألصق الموضوعات بالدين ، إنه الخلق القويمُ ، لأن الله جلَّ في علاه حينما وصف النبيَّ عليه الصلاة والسلام ما وصفه إلا بالخلق العظيم ، قال تعالى :

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم: 4]

 وحينما سئل النبي عليه الصلاة و السلام عن الإيمان فأجاب معرِّفاً الإيمان تعريفاً جامعاً مانعاً قاطعاً ، فعَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ :

((الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ))

[ مسلم عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ]

 والذي لفت النظر في المؤمن حسنُ خلقه ، و الذي يجعل الناسَ يدخلون في دين الله أفواجا تحلِّي المؤمنين بالأخلاق الحسنة ، لأن الذي يظهر ، والذي يلفت ، والذي يجلب هو حسن الخلق ، و قد بدأتُ موضوعاً كبيراً جداً ، ألا وهو حبُّ الحق و إيثارُه ، و تفرَّع عن هذا الموضوع الصدقُ و الكذبُ ، و الوفاء بالعهد و الشهادة الحقة ، وهناك موضوعات كثيرة كلُّها تنطوي تحت هذه السمة العظيمة من سمات المؤمن ، ألا وهي حبُّ الحق و إيثارُه ، ومن هذه الأخلاق التي يجب أن يتحلَّى بها المؤمن ، بل إنها من لوازم المؤمن ، بل إنها إذا تخلَّفت عنه فقد ضاع إيمانُه ، إنها صفةُ العدل .

 

العدل أصل من أصول الدين :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ في العلاقات بين الناس ، في العلاقات المادية ، في العلاقات غير المادية ، في حركة الإنسان من خلال نشاطه المهني ، أو نشاطه الاجتماعي ، لابدَّ من محاككة بين الإنسان و بين أخيه الإنسان ، في كل نشاطات حياته ، في القرآن الكريم ميزانٌ دقيق للعدل ، فإذا طبَّقه المؤمن كان مستقيماً ، وإن لم يطبِّقه المؤمنُ كان منحرفاً ، و الشيء الذي ينبغي أن نفهمه هو أن الدين عند بعض الناس قد اختُصِر في هذه الصلوات التي يؤدِّيها الإنسانُ خمس مرات في اليوم ، أو في صيام رمضان ، أو في حج البيت ، أو في أداء الزكاة ، أما حقيقة الدين ، أما جوهر الدين ففي تلك العلاقات الكثيرة اليومية التي يقيمها الإنسان مع أخيه الإنسان ، هذه العلاقات يجب أن تُبنى على العدل ، إذا كنت مؤمناً حقًّا ، فكل علاقاتك ، وكل نشاطاتك ، وكل صِلاتك بينك وبين أخيك الإنسان ينبغي أن تُبنى على العدل الذي هو أصلٌ من أصول هذا الدين .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ عرَّف بعضُهم العدل بأنه إعطاءُ كل ذي حق حقَّه أو إعطاء كل ذي حق ما يعادل حقَّه ويساويه ، دون زيادة أو نقصان ، للزوجة حق ، للأم حق ، للجار حق ، للولد حق ، لهذا الذي يشتري منك له عندك حق ، هل نصحته ؟ هل أعطيته مقابل ما دفعه لك ؟ أم أوهمته بنوعية من هذه البضاعة هي أعلى بكثير من البضاعة التي قدَّمتها له ؟ كلُّ مخلوق له عندك حق ، الهرة في البيت لها عندك حق ، حتى الحيوان الذي يؤذي له عندك حق ، يجب أن تقتله دون أن تعذِّبه ، فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ : ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ))

[مسلم عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ]

 حتى هذه الشاة التي تذبحها ، والتي سمح الله لك أن تذبحها ، والتي سُخِّرت لك ، رأى النبي عليه الصلاة و السلام رجلاً يذبح شاةً أمام أختها فغضب عليه الصلاة و السلام فقال: تريد أن تميتها مرتين ، هلا حجبتها عن أختها ؟

 

العدل إعطاء كلّ ذي حقٍّ حقَّه دون زيادة أو نقصان :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ طبيعة الحياة الدنيا هي مدرسة ، وهي دارُ تكليف ، وهي دار عمل ، و هي دار ابتلاء ، لذلك ما إن تولد حتى تنشأ من حولك الحقوق ، حق الأم ، سئل عليه الصلاة و السلام عن أعظم النساء حقاً على الرجل ، قال : أمك ، فلما سئل مرة أخرى عن أعظم الرجال حقاً على المرأة ، قال : زوجها .
 فيا أيها الأخوة الأكارم ؛ أحيانا يجنح الإنسان إلى حق على حساب حق ، يؤدِّي حقّ أمه على حساب حق زوجته ، أو يؤدِّي حق زوجته على حساب حق أمه ، أو يؤدي حق جيرانه على حساب أولاده ، المؤمن يعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه دون زيادة أو نقصان ، وهذا هو العدل .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ أضرب لكم مثلاً من الأمثلة الموضِّحة ، المالُ الذي بين يديك هذا تعلَّقت به حقوق كثيرة ، من هذه الحقوق أنت ، أحقُّ الناس بهذا المال أنت الذي اكتسبته ، فلك حقٌّ به كبير ، فإذا اعتديت على كسب الآخرين فقد اعتديت على حق كبير من حقوقهم ، هذا المال اكتسبه هذا الإنسان بجهده وعرق جبينه ، ومن طريق مشروع ، فبطريقة أو بأخرى ، بأسلوب أو بآخر ، بالتهديد أو بالمخادعة ، إذا أخذت هذا المال الذي هو كسبه بشكل حلال فقد اعتديت على أكبر حقوقه ، لأن المال كما يقولون شقيق الروح ، فأول أصحاب الحقوق في هذا المال حقُّ من اكتسبه ، و ثاني أصحاب الحقوق حقُّ الذين تجب على صاحبه نفقتهم ، حق الزوجة و الأولاد و الأم ، أنت حينما تكسب المالَ ، و حينما تكسب المئات و الألوف ، إياك أن تتوهم أن هذا المال هو لك ، هو لك ولزوجتك ولأولادك ، ولأمك التي هي بحاجة إليك ، ولأبيك العاجز ، ولجيرانك ، ولفقراء المسلمين ، هناك حقوق معلَّقة بهذا المال ، ولن تكون مسلماً حقًّا ، ولن تكون مؤمناً حقاً إلا إذا أدَّيت الحقوق إلى أصحابها ، فأن تعيش في بحبوحة أنت دون زوجتك أو دون أولادك ، فهذا ظلمٌ للزوجة والأولاد ، أن تعيش في بحبوحة دون والديك اللذين ربّياك ونشَّآك فهذا ظلم للحقوق .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ حق أصحاب النفقة الواجبة عليك ، هذا حق ثابت ، وحق الجماعة التي حوله ، وحق الفقراء والمساكين ، لذلك يقول الله عز وجل يوم القيامة : " أن يا عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ قال : يا رب لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي ، يقول الله عز وجل : ألم تعلم بأني الرزَّاق ذو القوة المتين ؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلتُه بهم ، ثم يقول لعبد آخر : أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ قال : يا رب أنفقته على كل محتاج و مسكين ، لأنك خيرٌ حافظاً ، وأنت أرحم الراحمين ، قال : يا عبدي أنا الحافظ لأولادك من بعدك " و قد نرى رأي العين كيف أن إنساناً مات غنيًّا ، وافتقر أولادُه من بعدده ، وكيف أن إنساناً آخر أدَّى الحقوق أداءً تاماً ، وكيف أن الله جل في علاه تولَّى رعاية أولاده من بعده ، فكانوا ملءَ السمع و البصر .

 

الله عز وجل حدّد الحقوق و أعطى أصحاب الحقوق حقوقهم :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ من حدَّد هذه الحقوق ؟ من أدى حقَّ الزوجة حقها و أعطى حق الأولاد حقهم ؟ وأعطى الجيرانَ حقهم ؟ وأعطى الفقراء حقَّهم ؟ إنه الحقُّ ، إنه الله ، من أسمائه أنه الحق ، لأن وجوده حقٌّ ، ولأنه واجبُ الوجود ، و لأنه يحق الحق ، ولأنه يظهر الحق ، اللهُ جل في علاه هو الذي أعطى أصحاب الحقوق حقوقهم ، هذا يبدو جليًّا في آيات المواريث ، إنه أعطى لكل قريب حقّه من هذا الإرث ، من هذه التركة ، من هذا المال ، فهذا الذي يريد أن يلعب بدين الله ، أن يحرم البنات ، أن يعطي زيداً دون عبيد ، أن يجزل لفلان ، ويقتِّر على فلان ، خلاف آية المواريث ، وخلاف منهج الله عز وجل ، إنه ليس عادلاً ، و بالتالي يلقى اللهَ وهو عليه غضبان .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ يشبِّه من يعمل في دائرة الحقوق الحقَّ بالميزان ، فإذا وُضِع في كفَّته الأولى حقُّ شخص ما فرجحت هذه الكفة طاشت الكفةُ الثانية ، أي ارتفعت ، و لن يعود الميزانُ إلى اتِّزانه إلا إذا وضعت في الكفة الثانية عطاء يكافئ هذا الحق ، فإذا كان العطاءُ الموضوع في الكفة الطائشة مساوياً للحق الذي وُضع في الكفة الأولى عادت إشارةُ الميزان إلى الصفر ، أي ظهر العدلُ في هذا الميزان ، لذلك يتَّخذ من يعمل في حقل القضاء شعاراً لهم هو الميزان .

عين الظلم المناداة بالمساواة بين الناس دون النظر إلى جهدهم وإخلاصهم :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ هناك شبهة خطيرة جداً قد ينادي بها بعضُ الناس ، وهي تنقلهم إلى أبشع أنواع الظلم ، حينما يُنادى بالمساواة المطلقة بين الناس ، هذه المساواة في ظاهرها برَّاقة ، لكن في حقيقتها تدمِّر كلَّ شيء ، فكيف نسوِّي بين المحسن والمسيء ؟ كيف نسوي بين المجدِّ و الكسول ؟ كيف نسوي بين المتقِن وغير المتقن ؟ كيف نسوِّي بين الأمين والخائن ؟ كيف نسوي بين الصدوق والكاذب ؟ كيف بين نسوي من يعلم ومن لا يعلم ؟ كيف نسوي بين من يعمل ومن لا يعمل ؟ كيف نسوي بين من يبتزُّ أموال الناس وبين من يصدقهم و ينصحهم ؟ اللهُ جل في علاه يقول في آيات كثيرة :

﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾

[ سورة الزمر: 9 ]

 و قال تعالى :

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾

[ سورة السجدة: 18 ]

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

[ سورة القصص: 61]

 و قال تعالى :

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة الجاثية: 21 ]

 حينما يقع الإنسان ضحية شبهة أنه يجب المساواة بين الناس جميعاً على اختلاف جهدهم ، و على اختلاف نشاطهم ، و على اختلاف تضحياتهم ، وعلى اختلاف ما قدَّموه لمجتمعهم ، إذا ساويت بين الناس جميعاً مساواة بلهاء عمياء من دون تقدير دقيق لجهد الناس ، ولتضحياتهم ، ولإخلاصهم ، ولإتقانهم أعمالهم ، ولما يقدمون لمجتمعهم من خدمات فقد ضحَّينا بركنٍ كبير من أركان المجتمع .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ أيُعقل أن يأتي مدرٍّسٌ ليجري فحصاً دقيقاً للطلاب بأسئلة كثيرة منوَّعة ، ويكتب الطلابُ على أوراق الإجابة كتابات تتناسب مع جهدهم ، ومع فهمهم ، ومع سهرهم الطويل ، ثم يأتي هذا المدرِّس ليعطي علامةً واحدة لكل هؤلاء الطلاب بدعوى أنه يحب العدل ، و يحب المساواة ؟ هذا هو عين الظلم ، أن يستوي المجدُّ مع الكسول ، ومن سهر الليالي مع من نام الليالي ، أن يستوي من قرأ قراءة عميقة جادَّة ، وبين من قرأ الكتاب تصفُّحاً ، هذا هو عين الظلم إذا ناديت بالمساواة بين الناس مساواة بلهاء دون أن تنتظر إلى جهدهم ، وإنجازهم ، وإخلاصهم ، وكدِّهم ، وعرق جبينهم ، وسهرهم .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ أيمكن أن يكون الوزنُ وحده مقياس الذهب و الحجر ؟ أيمكن؟ نقول : هذا الحجر وزنُه مئتا غرام ، و هذا الذهب وزنه مئتا غرام ، هل هما سيان ؟

 

في القرآن تبيان و ميزان لكل شيء :

 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ دقِّقوا في الآيات الكريمة التي أنزلها الله جل في علاه في قرآنه الكريم ، قال تعالى :

﴿اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾

[سورة الشورى: 17]

 هذه آية ، و آية أخرى : يقول الله عز وجل :

﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ﴾

[سورة الحديد: 25]

 قال بعضُ المفسِّرين : بالمعجزات الدالَّة على صدق رسالته ، قال تعالى :

﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾

[سورة النحل: 89]

 توضيحاً لأصل الخلق ، توضيحاً للمعاد بعد الحياة ، توضيحاً لأسماء الله الحسنى، توضيحاً لمهمَّة الرسل ، قال تعالى :

﴿وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾

[سورة الحديد: 25]

 الميزان أن الله جل في علاه أعطى في القرآن الكريم كلَّ ذي حق حقَّه ، أعطى الأم حقها ، أعطى الأبَ حقه ، أعطى الأولاد حقهم ، وأعطى الجيران حقَّهم ، أعطى المسلمين حقهم على إخوانهم ، ففي القرآن تبيان ، وفيه ميزان ، لذلك قال الله عز وجل :

﴿وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾

[سورة الحديد: 25]

تشريع الله الحقوق و الواجبات لتتفرغ نفوسنا لمعرفته :

 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ لأن الإنسان يبقى في الدنيا إلى فترة محدودة ، لأن عمرَ الإنسان قصيرٌ ، و لأن مهمَّته خطيرة ، و لأنه جاء إلى الدنيا ليعرف اللهَ عز وجل ، جاء إلى الدنيا ليتقرَّب إليه ، حكمةُ ربنا جلّ في علاه من وضع الشريعة السمحاء ، وإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه أن تتفرَّغ لمعرفة الله ، و لعبادته ، لأنك إذا ظَلمت أو ظُلِمت دخلت في متاهة طويلة ، إذا أكلت حقَّ غيرك ، وإذا أُكِل حقُّك تدخل في بُعد شديد عن سرِّ وجودك ، فما شرع اللهُ لنا الحقوق، وما شرَّع لنا الواجبات ، ولا وضع هذا الميزان الدقيق الذي يعطي كلَّ ذي حق حقَّه إلا لتتفرَّغ نفوسُنا للمهمة الأساسية التي خُلقنا من أجلها ، ألا وهي معرفة الله ، وعبادته تمهيداً لسعادتنا الحقة في الدنيا ، وإلى أبد الآبدين .

 

حاجة ميزان الحق إلى قوَّة تحميه و تدعمه :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ آيةٌ دقيقة جداً ، قال تعالى :

﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ﴾

[سورة الحديد: 25]

 جاء الأنبياءُ و قالوا : نحن رسلُ الله ، ما الدليل ؟ أعطاهم اللهُ المعجزات ، هذه بيِّنات تؤكِّد أنهم صادقون فيما يقولون ، قال تعالى :

﴿وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ﴾

[سورة الحديد: 25]

 كتابٌ فيه كلُّ شيء ، تفسير للكون ، تفسير للحياة ، تفسير لحقيقة الإنسان ، تفسير لما ينبغي ، وما لا ينبغي ، لمهمة الإنسان في الدنيا ، هذا الكتاب ، قال تعالى :

﴿وَالْمِيزَانَ﴾

 إذا مات الإنسان أعطِ الأم ، وأعط الولد ، وأعط الأب ، و أعط كذا ، في العلاقات ، في القرض ، في الوديعة ، في كل حركاتك اليومية ، هناك تعاملٌ ، فجاء القرآنُ الكريم ، وقنَّن هذا التعاملُ بميزان الحق ، وما قيمة هذا الميزان لولا أنه يحتاج إلى قوَّة تحميه ، وقوة تدعمه ، قال تعالى :

﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾

[سورة الحديد: 25]

 هذا هو المؤيِّد القانوني ، أنزل الكتاب ، أرسل الرسل ، أيَّدهم بالمعجزات ، أنزل الكتاب ، أنزل الميزان الدقيق ، ليقوم الناس بالقسط ، و من يأبى ، قال تعالى :

﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾

[سورة الحديد: 25]

 لذلك قالوا : إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن . لذلك قالوا : مهمة العلماء تبيين الحق ، نقلاً عن الأنبياء ، و مهمة الأمراء تنفيذ الحق ، جهةٌ تبيِّن ، وجهة تنفِّذ ، فإذا فسد العلماءُ والأمراءُ فسدت الأرض ، " إذا كان أمراؤكم خياركم ، وأغنياؤكم سمحاؤكم ، وأمركم شورى بينكم ، فظهر الأرض خير من بطنها ، وإذا كان أمراؤكم شراركم ، وأغنياؤكم بخلاؤكم ، و أمركم إلى نساؤكم فبطنُ الأرض خير لكم من ظهرها " .

 

تقصّي أدق دقائق العدل :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ إلى القرآن الكريم ، آية دقيقة أو آيتان دقيقتان ، يقول الله عز وجل مخاطباً المؤمنين - و لا تنسوا أن الله سبحانه وتعالى يخاطب الناسَ عامةً بأصول الدين ، يدعوهم إلى معرفة الله ، يدعوهم إلى عبادته ، لكنه يخاطب المؤمنين الذين آمنوا به ، وآمنوا برسوله ، و آمنوا بكتابه ، يخاطبهم بفروع الدين ، قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾

[سورة النساء: 135]

 قال : كونوا قوامين ، قوامين جمع مفردها قوَّام ، ومعنى قوّام صيغة مبالغة من قائم، لا يكتفي ربُّنا عز وجل أن نكون قائمين بالقسط ، بل ينبغي أن نكون قوَّامين بالقسط ، أي أن نكون متحمِّسين إلى الحق إلى أقصى درجة ، لم يقبل منا أن نكون قائمين بالقسط ، نقول : فلان قائم بعمله ، قائم بمهمته ، قائم بوظيفته ، قائم بأداء الحقوق ، الله عز وجل أرادنا أن نكون قوَّامين بذلك ، أي نتقصَّى أدقَّ دقائق العدل ، الإمام أبو حنيفة النعمان كان يقف في ظل دار يتحدَّث مع رجل ، فتنحَّيا إلى الشمس فلما قيل له : لماذا لم تبق في الظل ؟ قال : هذا البيت مرهون عندي ، وإني أكره أن أنتفع بظله ، هكذا ، قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ﴾

[سورة النساء: 135]

القوامة و الشهادة يجب أن تكون بالعدل و لله :

 الإنسان متى يظلم ؟ متى يجنح إلى الظلم ؟ متى يحبُّ أن يأخذ ما ليس له ؟ متى يحب أن يأخذ حق الآخرين ؟ لعله ينطلق بهذا من حبِّه لنفسه ، من أنانيته ، من إفراطه لحبِّ ذاته ، قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾

[سورة النساء: 135]

 يجب أن تحكم بالعدل ، ولو أصاب العدلُ نفسَك ، أو أصاب أحدَ والديك ، أو أصاب أقربَ الناس إليك ، هذا هو موقف الإيمان ، لذلك قال عليه الصلاة و السلام ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا :

(( أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا))

[البخاري عن عائشة ]

 قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾

[سورة النساء: 135]

 شبهة خطيرة يضعها الشيطانُ أمامكم ، فلان فقير مسكين ، يجب أن نعطيه فوق حقِّه ، يجب أن نأخذ حقَّ هذا القوي ، لا ، موضوع القوة والضعف ، والغنى والفقر لا علاقة له بالحق ، الحق شيء ، والغنى والفقر شيء آخر ، قال تعالى :

﴿إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا﴾

[سورة النساء: 135]

 إياكم أن يحملكم الهوى ، إن أحببتم أنفسكم ، أو أحببتم والديكم ، أو جنحتم للظلم بدافع أن هذا فقير ، وأن هذا غني ، هذا كلُّه مرفوض ، قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا﴾

[سورة النساء: 135]

 الآية الثانية ؛ قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ﴾

[سورة المائدة: 8]

 ما هذا التبديل ؟ قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ﴾

[سورة النساء: 135]

 الآية الثانية ، قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ﴾

[سورة المائدة: 8]

 من تبديل هاتين العبارتين أو تبديل ترتيبهما يتَّضح أن كلاًّ من القوامة و الشهادة يجب أن تكون بالعدل و لله ، القوامة و الشهادة يجب أن تكون بالعدل و لله ، هناك من يعدل لغير الله ، يخشى على سمعته ، يخشى على لياقته ، يتمنى أن يرتقي إلى منصب أعلى فيحكم بالعدل ، هذا العدل لا يبتغي به وجهَ الله ، يجب أن تبتغي بالعدل وجه الله ، ويجب أن يكون العدلُ مطلقاً ، بمعنى أن تكون قوَّاماً .

 

وجوب الأخذ بالعدل :

 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ آية ثانية من الآيات الدقيقة الدالة على وجوب الأخذ بالعدل ، قال تعالى :

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾

[سورة النحل: 90]

 أمرٌ كما أنه أمرك بالصلاة ، وأمرك بالصيام ، وأمرك بالحج ، وأمرك بالزكاة ، الخالقُ نفسُه ، والإلهُ نفسه ، والقرآن نفسه ، قال تعالى :

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾

[سورة النحل: 90]

 هناك قضايا يسعُها الإحسانُ ، فأنت كما أنك مأمور بالعدل مأمور بالإحسان قال تعالى :

﴿وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾

[سورة النحل: 90]

العدل ظاهرةٌ من ظواهر تطبيق الحق :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ العدل ظاهرةٌ من ظواهر تطبيق الحق ، تعريف العدل : القيم التي جاء بها القرآن ، الحقوق التي أقرَّها القرآن ، الموازين التي جاء بها القرآن ، تطبيقُها هو العدل ، و عدمُ تطبيقها هو الظلم ، العدل ظاهرة من ظواهر تطبيق الحق ، فإذا أقرَّته الأحكام و الشرائع كان نظاماً ، وإذا أحبَّته القلوبُ كان خلقاً ، وإذا طبَّقته القلوبُ خوف العقاب صار عادةً، وإذا اتَّبعته النفوسُ المؤمنة ابتغاء رضوان الله صار عبادة ، فالعدل تطبيق للحق ، فإذا جاءت به القوانين و الشرائع صار قانونا ، و إذا طُبِّق خوف العقاب صار عادة ، و إذا طُبق رغبة لما عند الله من ثواب صار عبادةً ، و الأولى أن تعدل ابتغاءَ رضوان الله ، الأولى أن تعدل حتى يرضى الله عنك ، الأولى أن تعدل ليكون عدلُك ذُخراً لك عند الله يوم القيامة ، الأولى أن تعدل كي يحبَّك الله ، فلذلك ورد في الأثر : " عدل ساعة خير من عبادة سبعين عاماً ".
عدل ساعة ، أن تعدل بين أولادك ، أن تعدل بين خصمين ، أن تعدل بين جارين، أن تنصف الناسَ من نفسك .

المجالات التي يُطبَّق فيها العدلُ :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ من المجالات التي يُطبَّق فيها العدلُ مجالُ الولاية العامة ، سيدنا عمر يقول : " لو تعثرت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها ، لِم لمْ تصلح لها الطريق يا عمر ؟" سيدنا عمر كان يقول : " ليت أمَّ عمر لم تلِد عمر ، ليتها كانت عقيماً " و كان إذا عيّن والياً كان يقول له : " ماذا تفعل إذا جاءك الناسُ بسارق أو ناهب ؟ فيقول : أقطع يده ، فيقول عمر رضي الله عنه : إذًا فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك ، إن الله قد استخلفنا خلقه لنسُدَّ جوعتهم ، و نستر عورتهم ، و نوفِّر لهم حرفتهم ، فإذا وفَّينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها ، إن هذه الأيدي خُلقت لتعمل فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً ، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية " هذا أكبرُ جانب من جوانب العدل ، ففي الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ))

[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 لذلك قيل : " العدل حسن لكن في الأمراء أحسن ، و الورع حسن لكن في العلماء أحسن ، والحياء حسن لكن في النساء أحسن ، والتوبة حسنة لكن في الشباب أحسن ، والسخاء حسن لكن في الأغنياء أحسن ، والصبر حسن لكن في الفقراء أحسن " .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ إذا كنتَ معلِّما في صف ، وولَّيت على هؤلاء طالباً ، و ليس أخيرهم ، وليس أفضلَهم ، فقد خُنت اللهَ ورسوله ، و قِس على هذا كلَّ شيء ، من ولَّى رجلاً على عشرة و فيهم من هو أفضل منه فقد خان الله ورسوله ، لذلك سيدنا عمر كان يقول لمن يعيِّنه : " خُذ عهدك ، وانصرف إلى عملك ، و اعلم أنك مصروف رأس سنتك ، و أنك تصير إلى أربع خِلال ، فاختر لنفسك ، إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلناك لضعفك ، وسلَّمتك من معرَّتنا أمانتُك ، و إن وجدناك خائناً قوياً استهنا بقوتك و أوجعنا ظهرك و أحسنَّا أدبك ، و إن جمعت الجُرمين ، جمعنا عليك المضرتين ، وإن وجدناك أميناً قوياً زِدناك في عملك و رفعنا لك ذكرك ، و أوطأنا لك عقبك ، أخذاً من قوله تعالى :

﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾

[سورة القصص: 26]

 أيها الأخوة الأكارم ؛ القضاء أيضاً مجالٌ واسع لتحقيق العدل ، لذلك حجرٌ ضجَّ بالشكوى إلى الله عز وجل قال : " يا ربي عبدتك خمسين عاماً ، وتضعني في أسِّ كنيف ؟ قال: تأدَّب يا حجر إذ لم أجعلك في مجلس قاضٍ ظالم " ، القضاء أيضاً مجال واسع لتحقيق العدل .
 الشهادة ، إذا أدَّيت الشهادة على وجهها ، فهذا مجال آخر من مجالات تحقيق العدل ، الكتابة بالعدل ، قال تعالى :

﴿وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ﴾

[سورة البقرة: 282]

 معاملة الزوجات ينبغي أن يكون بالعدل ، معاملة الأولاد ، اعدلوا بين أولادكم ، و لو في القُبل ، هكذا قال عليه الصلاة والسلام ، العدل في الكيل و الميزان ، العدلُ في الأنساب ، أن تنسب طفلاً لغير أبيه ، فهذا أشنع أنواع الظلم ، العدل في الإصلاح بين الناس ، إذا نُصِّبتَ حَكماً بين تاجرين أو بين خصمين ، أحدهما يلوذ بك ، أحدُ القضاة فيما يرويه التاريخ دخل على الخليفة العباسي فيما أذكر و قال له : " لا أريد هذا المنصب ، قال له : لِم؟ ما الذي جدَّ ؟ و ما الذي بدا لك ؟ قال : و اللهَ قبل يومين طُرِق بابي ، فلما فتحه الغلام رأى رجلاً معه طبق من رُطب باكوري ، و كنت معروفاً بين الناس أنني أحب الرطب في بواكيره، فسألته : من أعطاك هذا الطبق ؟ قال : رجل ، قلت : صِفه لي ؟ قال : صفته كذا وكذا قال : رُدّه له ، هذا أحد الخصوم عندي - كان قاضياً - قال : في اليوم التالي لما حضر الخصمان تمنَّيت أن يكون الحق مع هذا الذي قدَّم الطبق ، مع أنني رددته ، فكيف لو قبلته ؟ هكذا كان السلف الصالح يتحرَّى العدل بأدقِّ تفاصيله.

 

الحق لا علاقة له بالكراهيّة والحبّ :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ الآية الكريمة قال تعالى :

﴿وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾

[سورة الشورى: 15]

 أي أُمرت لتطبيق هذه الشريعة السمحاء كي أعدل بينكم ، و قال تعالى :

﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾

[سورة البقرة: 283]

 و قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾

[سورة المائدة: 8]

 تحدثت عن هذه الآية قبل قليل لكن من تتمتها ، قال تعالى :

﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾

[سورة المائدة: 8]

 الإنسان متى يظلم ؟ بدافع الحب لنفسه أو لأولاده أو لوالديه أو لأقرب الناس إليه، أو بدافع البغض و الشنآن ، فربُّنا عز وجل نهانا عن أن يكون الهوى سبباً في الظلم أو عن أن يكون البغضُ والشنآن ، والشنآن أشدّ أنواع البغض ، أشد أنواع الكراهية ، قال تعالى :

﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾

[سورة المائدة: 8]

 اعدلوا مع أعدائكم ، لأنكم إذا توهَّمتم أن ظلم أعدائكم يرضي اللهَ فأنتم واهمون ، إن إحقاق الحق حتى مع أعدائكم إنه أقرب للتقوى ، قال تعالى :

﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾

[سورة المائدة: 8]

 هو يراقبكم ، عبد الله بن رواحة رضي الله عن هذا الصحابي الجليل بعثه النبيُّ عليه الصلاة والسلام إلى أهل خيبر ليأخذ شيئاً ، جرى اتِّفاقٌ بينهم وبين النبي عليه الصلاة والسلام ، فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم في الكميات ، اسمعوا ماذا قال لهم ، قال : " و اللهِ لقد جئتكم من عند أحبِّ الخلق إليَّ ، من عند رسول الله ، ولأنتم أيها اليهود أبغض إليَّ من القردة و الخنازير ، وما يحملني حبي إياه و بغضي لكم على ألا أعدل بينكم " ، ومع ذلك حبي الشديد لرسول الله ، وبغضي الشديد لكم لا يحملني على ألا أعدل بينكم ، رجل سـأل سيدنا عمر : أتحبني ؟ قال : و اللهِ لا أحبك ، قال : أيمنعك بغضُك لي أن تعطيني حقي ؟ قال : لا و الله ، حقك واصل إليك ، فقال : " إنما يأسف على الحب النساء " ، أنت وشأنك ، لكن الحقَّ لا علاقة له بالكراهية والحب ، قال تعالى :

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾

[سورة النساء: 58]

 المريض أمانة في عنق الطبيب ، هل نصحته ؟ الموكِّل أمانة في عنق المحامي، الطالب أمانة في عنق المدرس ، صاحب المشروع أمانة في عنق المهندس ، هل أعطاه الدراسات الكافية أم ضاعف كمية الحديد لينام مطمئناً و جعله يدفع مئات الألوف ؟ هل أدَّيت ما عليك من حق ؟ حتى البائع هذا الشاري أمانة في عنقك هل صدقته ؟ هل نصحته ؟ حينما قال سيدنا ابن رواحة : و اللهِ لقد جئتكم من عند أحبِّ الخلق إليَّ ، من عند رسول الله ، ولأنتم أيها اليهود أبغض إليَّ من القردة و الخنازير ، و ما يحملني حبي إياه ، و بغضي لكم على ألا أعدل بينكم فقالوا : بهذا قامت السموات ".
الآية الكريمة ، قال تعالى :

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ﴾

[سورة النساء: 58]

العدلُ صفة لازمة من صفات المؤمنين :

 أما ختام الآية ، قال تعالى :

﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾

[سورة النساء: 58]

 أي إن لم تحكموا بالعدل بين الناس فالله يسمع صوت المظلومين ، و إن سكتوا يعلم أحوالهم ، سميعاً بصيراً ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ :

((اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ))

[البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ]

 و في رواية أخرى :

(( اتقوا دعوة المظلوم ولو كان كافراً فإنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَينَ اللهِ حِجَابٌ ))

[ متفق عليه عن عبد الله بن عباس ]

 أيها الأخوة الأكارم ؛ يجب أن تعلم علم اليقين أن الصفة اللازمة لإيمانك أن تكون منصفاً ، حتى في علاقاتك الاجتماعية ، حتى في معاملتك لزوجة ابنك ، هل تعاملها كابنتك ؟ حتى في معاملة موظَّف عندك ، هل تعامله كابنك ؟ هكذا ، فلذلك العدلُ صفة لازمة من صفات المؤمنين ، ومتى خرج الإنسان عن العدل لقي الله وهو عليه غضبان ، ولا ينفعه لا إيمانُه ، ولا صلواته ، ولا عباداته من الله شيئاً .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، و اعلموا أن ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا ، و سيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلنتَّخذ حذرنا، الكيَّس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت ، و العاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ، و الحمد لله رب العالمين .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أمراض القذارة :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ من الإحصاءت الطريفة والخطيرة التي أجرتها إحدى المؤسسات العلمية المعنية بشؤون الصحة على مستوى العالَم كله ، هذه الإحصاءات التي تبيِّن أن الذي جاء به النبيُّ عليه الصلاة و السلام ما هو إلا وحيٌ يوحى ، قال : أمراض القذارة التي تنتقل عن طريق تلوُّث اليدين ، وتلوث الماء والطعام ، فتصيب الجهاز الهضمي بأبلغ الأضرار هي كما يلي ، على مستوى العالم هناك ثلاثون مليون إصابة بالحمى التيفية ، و ستمئة مليون إصابة بالنزلات المعوية ، ومئتان وخمسون مليون إصابة في الديزنتري ، وسبعة ملايين إصابة بالكوليرا ، وخمسة ملايين إصابة بالتهاب الكبد الوبائي ، ومئة و أربعون مليون إصابة بالنزلات المعوية ، كل عام في العالم ، و أنه يذهب ضحية هذه الأمراض ثلاثة ملايين إنسان كلَّ عام ، هذه لا ندري بها ، نحن ندري أخبار الحروب وأخبار الزلازل و أخبار سقوط الطائرات و الحروب الأهلية ، أما هذه الأرقام ثلاثة ملايين إنسان يموتون كل عام فبسبب قذارتهم ، وبسبب مخالفتهم لاتِّباع السنة ، قال : نصف هؤلاء من الأطفال نتيجة - هذا التقرير بالضبط - عدم الاهتمام بنظافة اليدين ، وغسلهما قبل الطعام ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ :

(( قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ بَرَكَةَ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ بَعْدَهُ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ للنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ))

[الترمذي عَنْ سَلْمَانَ]

 ووضوء الطعام غسلُ اليدين قبل الطعام ، و غسل الفم ، غسل اليدين من السنة ، في التقرير هكذا جاء ، ثلاثة ملايين إنسان يموتون كل عام ، نصفهم من الأطفال بسبب عدم الاهتمام بنظافة اليدين ، وغسلهما قبل الطعام ، و تلوث المياه والطعام ، وعدم الاهتمام بالاستنجاء ، أي بالنظافة التامة قبل قضاء الحاجة ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ))

[البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ]

 لأنه من أحد أسباب العدوى التنفُّس في الإناء ، و قد قال عليه الصلاة و السلام :

((أبن القدح عن فيك))

[أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ]

 ومن أكل التراب فقد أعان على قتل نفسه ، أي من أكل فاكهة دون أن يغسلها كأنه أكل التراب فقد أعان على قتل نفسه ، وكان عليه الصلاة و السلام : لا يشرب من إناء فيه ثُلمة، أي مشعور ، لأن هذه الثلمة تحتوي الجراثيم ، و أمرنا بقص الأظافر ، وأمرنا بدلك البراجم ، رؤوس الأصابع ، و إذا أتى أحدكم الخلاء فلا يتمسَّح بيمينه ، لأن يمينه يأكل بها ، ويصافح الناس بها ، فإذا تمسح بيمينه فقد نقل العدوى إلى الناس كلهم ، هذا من توجيهات النبي ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((لَا تَبُلْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ تَغْتَسِلُ مِنْهُ))

[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

((اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ قِيلَ مَا الْمَلَاعِنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْ يَقْعُدَ أَحَدُكُمْ فِي ظِلٍّ يُسْتَظَلُّ فِيهِ أَوْ فِي طَرِيقٍ أَوْ فِي نَقْعِ مَاءٍ ))

[ أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]

 هذه توجيهات النبي ، قبل أن يكون هناك علم الجراثيم ، و علم الأمراض المعدية ، هذا تقرير منظمة تعنى بالصحة على مستوى العالم ، ولا تهتم إطلاقاً بأمر الدين تقول : ثلاثة ملايين إنسان يموتون كل عام ، ولا ندري بهم نحن ، يموتون بسبب عدم نظافة اليدين ، وعدم غسلهما الأيدي قبل الطعام ، وعدم الاهتمام بالاستنجاء ، فقد جاء هذا الدينُ الحنيف ليبيِّن للناس الصراط المستقيم ، وإن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ، وإن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين . الدعاء

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور