وضع داكن
16-04-2024
Logo
الخطبة : 0627 - الفقر1 - معالجة الفقر في المجتمع الإسلامي عن طريق الروابط الأسرية - الإصابة بالعين .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر.
 وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرِنا الحــق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

معالجة ظاهرة الفقر في المجتمع الإسلامي :

 أيها الأخوة الكرام: ظاهرة الفقر في المجتمع الإسلامي ظاهرة ينبغي أن تُعالج، ولمنهج الإسلام القويم طرائق فعالة في علاج هذه المشكلة الكبيرة، فمن الوسائل الفعَّالة أن الإسلام حثّ المسلم على العمل المتقن، على العمل الجاد، وأيضاً جعل الزكاة جزءاً من حلّ لهذه المشكلة، بل إن كفالة بيت مال المسلمين علاج آخر لمشكلة الفقر، ثم إن الصدقات الاختيارية والإحسان التطوعي أيضاً من جملة هذه الحلول، وهذه الخطبة محورها كفالة الموسرين من الأقارب، هذا أحد الحلول الإسلامية لمشكلة الفقر.
 الأصل الأصيل في شريعة الإسلام، أن يحارب كل امرئ الفقر بسلاحه هو، وسلاح الإنسان المسلم السعي والعمل، لكنْ ما ذنب العاجزين الذين لا يستطيعون أن يعملوا ؟ ما ذنب الأرامل اللواتي مات عنهن أزواجهن ولا مال لهن ؟ ما ذنب الصبية الصغار والشيوخ الكبار ؟.. ما ذنب المرضى والمقعدين ؟.. ما ذنب من أصابتهم الكوارث فأفقدتهم رزقهم أو منعتهم من الكسب ؟.. أيتركون للفقر المدقع فيدوسهم بحوافره!!
 إن الإسلام عمل على إنقاذهم، وعمل على مواساتهم، وعلى تأمين حاجاتهم الضرورية، وعمل على إغنائهم من ذلّ السؤال، وأول ما شرعه لذلك- هذا موضوع الخطبة- تضامن أعضاء الأسرة الواحدة، هذا جزء لا يتجزأ من المنهج الإلهي، في معالجة قضية الفقر.
 الزكاة لها خطبة خاصة، وكفالة بيت مال المسلمين له خطبة خاصة، والسعي والعمل له موضوع خاص، والصدقات الاختيارية، والصدقات التطوعية، لها بحث خاص، واليوم نتحدث عن موضوع محدد تضامن أعضاء الأسرة الواحدة.

التضامن الأسري أحد حلول مشكلة الفقر :

 لقد جعل الإسلام ذوي القربى متضامنين، متكافلين، يشد بعضهم أزر بعض، يحمل قويهم ضعيفهم، يكفل غنيهم فقيرهم، ينهض قادرهم بعاجزهم، فإن العلائق بينهم أشد قوةً، وبواعث التعاطف والتراحم والتساند أوثق عروةً، لما بينهم من الرحم الواصلة، والقرابة الجامعة، هذه هي الحقيقة الكونية التي أيدتها الحقيقة الشرعية، قال تعالى:

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾

[سورة الأنفال: 75]

 لقد أكّد الإسلام حق ذوي القربى، وحثّ في آيات كتابه وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم على برهم، وصلتهم، والإحسان إليهم، وتوعد من قطع رحمه، أو أساء إلى ذوي قرباه، بالعذاب الشديد، فمن الآيات الكريمة قوله تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾

[سورة النحل: 90]

 نصاً.. آيةٌ ثانية:

﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً ﴾

[ سورة النساء: 36]

 وبذي القربى بعد الوالدين.. الآية الثالثة:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾

[ سورة النساء: 1]

 الآية الرابعة:

﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ﴾

[ سورة الإسراء: 26]

 الآية الخامسة:

﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

[ سورة الروم: 38]

 خمس آيات في كتاب الله العزيز تحث المؤمن على أن يبر ذوي القربى، هذا ما يُسمى بالتضامن الأسري، وهذا أحد حلول مشكلة الفقر.

 

حقّ القريب على قريبه :

 وأما السنة المطهرة فعن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه الذي رواه البخاري ومسلم:

(( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ))

[ متفق عليه عن أَنَس بْن مَالِكٍ]

 وفي حديث آخر متفق عليه عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ ))

[ متفق عليه عن عائشةٍ]

 وفي حديث ثالث يقول عليه الصلاة والسلام لمن سأله من أبرُّ:

((قَالَ: أُمَّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، وَمَوْلَاكَ الَّذِي يَلِي ذَاكَ حَقٌّ وَاجِبٌ، وَرَحِمٌ مَوْصُولَةٌ ))

[ انفرد به أبو داودعن كليب بن منفعة عن أبيه عن جده منفعة]

 آيات كثيرة، وأحاديث صحيحة، تحث كلاً منا على أن يتفقد أهله، على أن يصل أهله، على أن يصلهم، أن يزورهم، وأن يتفقد أحوالهم، وأن يمد لهم يد العون، ثم ليأخذ بيدهم إلى الله عز وجل. هذه النصوص تؤكد أن للقريب على قريبه حقاً، أكثر من غيره من الناس، لما بينهما من روابط النسب، والرحم، فما هو هذا الحق ؟..أي هل يُعقل أن يكون هذا الحق أن تتصل به هاتفياً وتسأله عن صحته فقط ؟.. هل يُعقل أن يكون هذا الحق أن تزوره في العيد ؟.. أنت في بحبوحة ما بعدها بحبوحة، وهو في فقر مدقع، أيعقل أن تكون صلة الرحم أن تطل عليه في السنة مرةً واحدة وتسأله عن صحته وانتهى الأمر ؟!.. أهذه هي صلة الرحم ؟ !. هذه النصوص تؤكد أن هناك حقاً يجب أن ترعاه، وأن هناك واجباً عليك يجب أن تؤديه.
 نقطة دقيقة جداً إذا كان القريب يرث قريبه بعد موته فيغنم، فمن العدل أن ينفق عليه عند عجزه فيغرم، والغرم بالغنم. ربنا عز وجل يقول:

﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ﴾

[ سورة الإسراء: 26]

 حقه.. له عليك حق، يا أيها الموسرون، لأقربائكم الفقراء حقٌ عليكم، بل إن الفقهاء يقولون: لا تُقبل زكاة مسلم وفي أقربائه محاويج، يجب أن يبدأ الغني بأقربائه، من أجل تحقيق ما يُسمى بالتضامن الأسري وهو أحد الحلول الناجحة لمعالجة مشكلة الفقر.

 

المفهوم الحقيقي لصلة الرحم :

 أسمع - أيها الأخوة - عن أخوة كرام، كرام كرام، لا يدعون شاباً في أسرهم إلا ويتعهدونه، بتأمين عمل له، وبيت له، وزوجة صالحة، هذا من أعظم الأعمال، ولو أن كل أسرة التفتت إلى فقرائها، إلى ذوي الحاجة فيها فكفتهم، كانت هذه الأسرة عند الله في شأن خاص.
 قال بعضهم: وقد أخطأ في هذا القول: آت ذا القربى حقه أي ينبغي ألا تدع زيارته، أجاب أحد العلماء الكبار وهو ابن القيم فقال: " أي قطيعة أعظم من أن يراه يتلظى جوعاً و عطشاً؟ ويتأذى غاية التأذي بالحر والبرد ولا يُطعمه لقمة، ولا يسقيه جرعة، ولا يكسوه ما يستر عورته، ويقيه الحرَّ والبرد، ولا يُسكنه تحت سقف يظله، وهو أخوه وابن أمه وأبيه، أو عمه صنو أبيه، أو خالته التي هي أمه.. " ألا تستمعون إلى أسر، بعض أفرادها يتمتعون ببحبوحة ما بعدها بحبوحة، وبعض أفرادها الآخرين يتضورن جوعاً ؟ أهذه أسرة يحبها الله ؟ !. أهذه أسرة يرضى الله عنها؟.. إنسان يحار في إنفاق المال، وإنسان يحار في تأمين غرفة يزوج بها ابنه في أطراف دمشق..
 أيها الأخوة الكرام: إياكم أن تفهموا أن صلة الرحم أن تذهب إلى قريبك في العيد، يقدم لك ضيافة، وتسلم عليه، وانتهى الأمر، وأنت في بحبوحة ما بعدها بحبوحة وانتهى الأمر، وهو في فقر مدقع، ليست هذه صلة الرحم، وهذه الصلة لا يقبلها الله عز وجل، إن لم نتراحم، إن لم نتعاون، إن لم نتكاتف، إن لم نتضامن.. والله لولا أنني سمعت عشرات القصص، في هذه البلدة الطيبة أن أغنياء ينسون أقرب الناس إليهم، هم في واد، وأقربائهم في واد، لا يلين لهم قلب، ولا يتحركون بالمساعدة، مع أن الله سبحانه وتعالى كما سمعتم في خمس آيات محكمات، وفي أحاديث صحيحة، ترقى إلى أعلى مستوى، يحثنا ربنا جلّ جلاله، ونبينا عليه أتمّ الصلاة والتسليم على معاونة الأقارب، كم أطرب حينما أستمع إلى أسرة شكلت لجنة لتفقد أحوال أفرادها، هناك طالب يحتاج إلى قسط جامعي، هناك شخص يحتاج إلى عملية جراحية، هناك شاب يزمع الزواج، لو أن أغنياء كل أسرة شكلوا مجلساً، وتفقدوا أحوال أفراد أسرهم، لكانوا عند الله مرضيين.
 يقول ابن القيم:" إن لم تكن هذه قطيعة، فإنا لا ندري ما هي القطيعة المحرمة، والصلة التي أمر الله بها" النبي صلى الله عليه وسلم قد قرن حق الأخ والأخت بالأب والأم، كم من أبٍ يموت، ويدخل أولاده المحاكم، يتنافسون على حطام الدنيا، على شيء يسير، لا يرحم بعضهم بعضاً؟؟ كم من أسرة، فيها قطيعة من عشرين عاماً سببها البخل وسببها القسوة وسببها قطيعة الرحم؟؟

اقتران حق الأخ و الأخت بالأم و الأب :

 يا أيها الأخوة الكرام: لقد قرن النبي صلى الله عليه وسلم حق الأخ والأخت بالأب والأم فقال:

(( أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك فأدناك ))

[ أحمد عَنْ أَبِي رِمْثَةَ]

 لذلك أجمع فقهاء المسلمين بالإجماع على أن الزوج يُجبر على الإنفاق على زوجته، وأن الوالد يُجبر على الإنفاق على ولده الصغير، وعلى ابنته الأنثى، والابن يُجبر على الإنفاق على والديه، واختلفوا بعد ذلك في بقية فروع الأقرباء.. الزوج على زوجته، والابن على أبيه، والأب على ابنه.. بل إن القاضي له سلطة في إجبار القريب على أن ينفق على قريبه، أما الصلة ديناً فهي واجبة بإجماع الفقهاء، أما الصلة شرعاً فواجبة في عامود النسب، وموضع اختلاف في بقية الأقرباء. أبو داود رحمه الله تعالى أورد في سننه حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

((أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يارسول الله من أبر ؟ قَالَ: أُمَّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، وَمَوْلَاكَ الَّذِي يَلِي ذَاكَ حَقٌّ وَاجِبٌ، وَرَحِمٌ مَوْصُولَةٌ ))

[ انفرد به أبو داودعن كليب بن منفعة عن أبيه عن جده منفعة]

 وروى النسائي عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ قَالَ:

(( قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ))

[النسائي وأحمد عن طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ]

 وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ:

(( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة]

 لو أن كل أسرة رعت هذه الأحاديث، وتفقهت في أحكام هذه الأحاديث، وطبقت هذه الأحاديث، والله لكنا في حال غير هذا الحال.

 

أطيب الكسب كسب الإنسان ثم كسب ابنه :

 وعن معاوية القشيري قال:

((يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُ؟ّ قَالَ: أُمَّكَ، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمَّكَ، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمَّكَ، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبَاكَ ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ ))

[ الترمذي عن معاوية القشيري]

 رواية ثانية عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ ))

[ النسائي عن عائشة]

 أي أطيب شيء تأكله أن تأكل من كسبك، أو من كسب ابنك لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( أنت ومالك لأبيك ))

[ أحمد وابن ماجة عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ]

 من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم، فكلوه هنيئاً مريئاً :

((قَالَ: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا يَقُولُ فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ ))

[ متفق عليه عن جابر]

 موضوع دقيق جداً في هذا البحث قال تعالى:

﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾

[ سورة البقرة : 233]

 وعلى المولود له أي على الأب،وعلى الوارث مثل ذلك، أوجب الله تعالى على الوارث مثل ما أوجب على المولود له.

 

أحكام بعض أصحاب رسول الله حول النفقة :

 لننتقل الآن إلى أحكام بعض أصحاب رسول الله.. سيدنا عمر رضي الله عنه حبس عصبة صبي على أن يُنفقوا عليه الرجال دون النساء، حبس: أي سجن عصبة صبي على أن ينفقوا عليه.
 ويقول سعيد بن المسيب: جاء ولي يتيم إلى عمر بن الخطاب، فقال: أنفق عليه؟ ثم قال: لو لم أجد إلا أقصى عشيرته لفرضت عليهم. وعن زيد بن ثابت إذا كان أمٌّ وعمٌّ، فعلى الأمِّ بقدر ميراثها، وعلى العم بقدر ميراثه..
 لو أن طفلاً يحتاج إلى ألف ليرة بالشهر، له أمٌّ وله عمٌّ، لو أن هذا الطفل مات وترك إرثاً، من يرثه؟ بقدر نصيب أمه تنفق عليه في حياته، وبقدر نصيب عمِّه ينفق عليه في حياته.
 وقال العلماء: ولا يُعرف لعمر رضي الله عنه وزيد رضي الله عنه مخالفٌ من الصحابة البتة..
 إن من أشدّ المذاهب تشدداً في موضوع الإنفاق مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى، أبو حنيفة رحمه الله تعالى يرى أن النفقة تجب على كل ذي رحم محرم لذي رحمه، فإن كان من عامود النسب، ما معنى عامود النسب ؟.. الآباء مهما علوا، والأبناء مهما نزلوا.. فإن كان من عامود النسب، أي الأولاد وأولادهم، والآباء وآباؤهم، وجبت نفقتهم مع اتحاد الدين واختلافه، أي ولو كانوا كفاراً، أي تجب على المسلم نفقة أبيه ولو كان كافراً، وتجب على الأب الإنفاق على ابنه ولو كان كافراً، وإن كان من غيرهم لم تجب إلا مع اتحاد الدين.
 ومن شروط وجوب النفقة - أيها الأخوة - فقر من تجب له نفقته، فإن استغنى بمال أو كسب، لم تجب نفقته، لأنها تجب على سبيل المعونة والمواساة، وأن يكون للمنفق فضل مالٍ ينفق عليهم زائد على نفقة نفسه وزوجته وعياله، لما روى الترمذي عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(( ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ))

[ الترمذي عن جابر]

الإنفاق بمعناه العام :

 السؤال الآن - أيها الأخوة - ماذا يعني الإنفاق ؟.. الحقيقة الإسلام لحكمة بالغة لم يقدر حدّاً معلوماً لا يتجاوزه من المال، فإن الناس كما قال العلماء تختلف حاجاتهم باختلاف الزمان والمكان والحال والعرف، والمنفقون تختلف قدراتهم المالية ما بين موسر مبسوط له في الرزق وبين متوسط الحال، الإسلام راعى قدرة المنفق، وحاجة المنفق عليه، وأن تُسد هذه الحاجة بالمعروف، والمعروف ما تقره الفطرة السليمة والعقول الرشيدة وعرف الفضلاء من الناس، قال تعالى:

﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾

[ سورة الطلاق: 7]

 آية ثانية:

﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ ﴾

[ سورة البقرة: 236]

﴿َ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾

[ سورة البقرة: 233]

 وأما مع شيء من التفصيل فقد أورد العلماء أن النفقة تعني أن تقدم له الغذاء والماء والكسوة في الشتاء وفي الصيف، والمسكن وما يتبعه من مرافق، ومن ماء وكهرباء، وأثاث وفراش، وأن تزوج من تاقت نفسه إلى الزواج، هذا من الإنفاق الواجب، ثم أن تنفق على زوجته وعياله، ثم أن تؤمن له خادماً إن كان يعجز عن خدمة نفسه، وأضاف العلماء بعد أن أصبح للطب قواعد واضحة ثم أن تعالجه إذا مرض فإن في ترك المعالجة تعذيباً له.. ما دام المرض واضحاً، والتشخيص سهلاً، والدواء معروفاً، فلا بد من معالجته.
 غذاء وماء وكسوة صيفاً وشتاءً، ومسكن وما يتبعه، وتزويج من يتوق للزواج، والإنفاق عليه وعلى زوجته وأولاده، وأن تؤمن له خادماً إن عجز عن خدمة نفسه، وأن تعالجه إذا مرض.. هذا مضمون الإنفاق. النبي عليه الصلاة والسلام في موضوع المعالجة يقول:

(( تداووا عباد الله فإن الله تعالى لم ينزل داء إلا وقد أنزل له شفاء ))

[الحاكم عن أسامة بن شريك مرداس الأسلمي ]

 أيها الأخوة الكرام: هذا موضوع كل ما أرجوه من الله عز وجل أن ينقلب من كلام يُلقى على الناس إلى واقع ملموس، فكل إنسان عليه أن يتفقد أقرباءه، أن يتفقد ذوي رحمه، أن يتفقد من يمت إليه بصلة، فلو فعلت كل أسرة هذا لكان المسلمون في حال غير هذا الحال.
 أيها الأخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الإصابة بالعين :

 أيها الأخوة الكرام: موضوع يظنه الناس من ضلالات العوام، وهو الإصابة بالعين يقول الله عز وجل:

﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ﴾

[سورة القلم: 51]

 يقول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم:

(( العين حق ))

[ مسلم عن ابن عباس]

 وفي صحيح الجامع الصغير:

(( العين تدخل الرجل في القبر، و الجمل في القدر ))

[ الجامع الصغير عن جابر]

 ربنا عز وجل يقول:

﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾

[ سورة الفلق: 1-5]

 من هنا قال عليه الصلاة والسلام:

(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ]

 لأنك إن صاحبت غير مؤمن حسدك، وقد تؤذيك عينه، إن صاحبت غير مؤمنٍ أساء إليك:

﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ﴾

[سورة التوبة: 50]

 ماذا فعل قارون؟ خرج على قومه بزينته.

﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾

[سورة القصص:81]

 ورد في بعض الكتب العلمية أن سيدة في ليننغراد، في الاتحاد السوفيتي سابقاً، أجريت عليها تجربة فريدة، فقد تمّ فحصها بالأشعة غير المرئية، للتأكد من أنها لا تُخفي حتى في داخلها أي مؤثر تستطيع الاستعانة به في تجربتها، ثم بدأت التجربة، وأجلست هذه السيدة على رأس مائدة، وفي وسطها بوصلة عادية، اختُبرت بكافة الوسائل، بوصلة تعمل بشكل منتظم، وهذه السيدة ركزت عينيها على هذه البوصلة وأشارت بيديها، وامتقع لونها...
 ثم أخذت هذه المرأة تدير الإبرة بحركة عينيها كيف تشاء، ولقد صُورت هذه التجربة وعممت على المراكز العملية، لأن العين حق.
 بل إن هناك سيدة من الصين، إذا نظرت إلى شيء جامد كسرته، علم بعد ذلك أنها ينطلق من عينها شحنة خاصة، من أشعة إكس، يكفي نظرتين متتابعتين لتحطيم جسم صلب، فالعين حق، تضع الجمل في القدر والرجل في القبر، وربنا عز وجل يقول:

﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾

[ سورة الفلق: 5]

﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ﴾

[ سورة القلم:51]

 والنبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح يقول:

(( العين حق ))

[ مسلم عن ابن عباس]

 وفي صحيح الجامع الصغير:

(( العين تدخل الرجل في القبر، و الجمل في القدر ))

[ الجامع الصغير عن جابر]

 يُستفاد من هذه الحقيقة أنه لا ينبغي أن تصاحب إلا مؤمناً، وينبغي ألا يأكل طعامك إلا تقي، لأن غير المؤمن وغير التقي يحسدك، وقد تكون له عين نفاذة.

الحاسد لا يؤثر في المحسود إلا إذا كان المحسود غافلاً عن الله :

 حقيقة أخرى تضاف إلى هذه الحقيقة ؛ الحاسد لا يؤثر في المحسود إلا إذا كان المحسود غافلاً عن الله عز وجل، فإذا كان مستعيذاً بالله من شر حاسد إذا حسد، لا يؤثر فيه الحسد.
 هؤلاء الذين يعرضون على الناس بيوتهم، وأثاث بيوتهم، ويتحدثون عن أولادهم، وعن شهاداتهم، وعن بناتهم، وعن حظوظهم الرائعة، وعن دخلهم الكبير، وعن سياحتهم، وعن إنفاقهم في سياحتهم، هذه عادة لا ينبغي أن يفعلها المسلم، إن كنت في بحبوحة فاشكر الله عز وجل دون أن تُشعر الآخرين أنهم دونك، إن كنت في بحبوحة فلا تستعلي على خلق الله، لعلك تجد فيهم حسوداً، فيكون من هذا الحسد شر كبير.. لعلك تكون غافلاً بعض الغفلة، وهذا الذي تتحدث إليه عن رحلتك، وعن إقامتك في الفنادق، وعن تجارتك العريضة، وعن دخلك الكبير وعن، وعن، قد يصيبك بالعين، والعين حق، وقد وردت فيها آيتان وحديثان، وتجربتان علميتان، فالمؤمن ينبغي أن يؤلف لا أن يفرق، أن يجلب القلوب إليه لا أن ينفر الناس منه، فالحديث عن الذات، وعما حول الذات، من ممتلكات، هذا ينفر القلوب، إن جلستم في مجلس فاذكروا الله عز وجل:

((ما جلس قوم في مجلس لم يذكروا الله فيه إلا قاموا عن أنتن من جيفة حمار))

[أبو داود عن أبي هريرة رضي اللّه عنه ]

 هناك أناس لا يلاحظون قد يكون في الجلسة فقير و من ذوي الدخل المحدود، وهو يتحدث عن دخله، وعن تجارته، وعن إمكاناته، وعن حظوظه الدنيوية، وكأن الآخرين صخر.. إنسان يتمنى أن يكون مثلك له مشكلة يعاني منها، لا تستفزه، لا تُشعره أنه فقير:

(( إِن كنتِ تريدين الإِسراعَ واللُّحوقَ بي فَلْيَكْفِكِ من الدنيا كزاد الرَّاكب، وإِيَّاك ومُجالسةَ الأغنياء، ولا تَسْتَخْلِقي ثَوبا حتى تُرَقِّعيهِ ))

[الترمذي عن عائشة أم المؤمنين ]

 وقال عمر رضي الله عنه:" من دخل على الأغنياء- والمقصود الأغنياء غير المؤمنين- خرج من عندهم وهو على الله ساخط" .
 لا تصاحب من لا يرى لك مثلما ترى له، هذه حقيقة ينبغي أن نعيها.

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك. اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، مولانا رب العالمين. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً، وسائر بلاد المسلمين. اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء. اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب، اللهم صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك، ونبتلى بحمد من أعطى وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء.
 اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين.
 اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.

 

تحميل النص

إخفاء الصور