وضع داكن
20-04-2024
Logo
علم القلوب - الدرس : 26 - طلب العلم 5 - التوحيد
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

على الإنسان أن يعبد الله فيما أقامه وفي الظرف الذي وضعه فيه :

 قيل: "عشرة أشياء قبيحة, ومن عشرة أصناف من الناس أقبح؛ فالحرص على طلب الدنيا قبيح, ومن العلماء أقبح", لأن سيدنا علي يقول: "قوام الدين والدنيا أربعة رجال: عالم مستعمل علمه, وجاهل لا يستنكف أن يتعلم, وغني لا يبخل بماله, وفقير لا يبيع آخرته بدنياه؛ فإذا ضيّع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم, وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره, فقوام الدين والدنيا أربعة رجال؛ منهم العالم المستعمل لعلمه, فإن لم يستعمل علمه, زهد الناس بالعلم, ونفرهم منه".
 فالحرص على طلب الدنيا قبيح ومن العلماء أقبح, والكبر قبيح وفي الفقراء أقبح, - إنسان فقير ينبغي أن يكون متواضعاً؛ فقير ومتكبر ويرد الصاع صاعين!, لو إنسان أحب أن يقدم له شيئاً يتراجع فوراً-, والجور قبيح, ومن الأمراء أقبح, -الجور من إنسان قوي, ليس بحاجة لجور-.
 هذا يدلنا أن الإنسان يجب أن يعبد الله فيما أقامه, وفي الظرف الذي وضعه فيه, وفي الوقت الذي أظله؛ فأقامك قوياً, أعظم صفة بالقوي أن ينصف الضعيف, أقامك غنياً, أعظم صفة بالغني أن ينفق المال, أقامك عالماً, أعظم صفة أن تعلم الناس العلم, هويتك هكذا, أقامك امرأة, أعظم صفة بالمرأة أن تحسن تبعل زوجها وأودلاها, هذا فيما أقامك, في الظرف الذي وضعك فيه.
 عندك ضيف, أول عبادة إكرام الضيف, عندك مريض, أول عبادة معالجة المريض، في الزمن الذي أظلك -وقت الفجر وقت صلاة, يوم العيد يوم إفطار, ليس يوم صيام مثلاً, الساعة الثانية عشرة والنصف يوم الجمعة يجب أن تكون في المسجد, كل وقت له عبادة خاصة, والمؤمن يعبد الله فيما أقامه, وفيما وضعه, وفيما أظله-.

 

المؤمن واضح يبتعد عن كل الصفات القبيحة :

 لذلك: الجور قبيح, ومن الأمراء أقبح؛ -لأن الأمير عبادته الإنصاف، إنصاف الضعيف-, والكذب قبيح, وبين الأصدقاء أقبح, -شخص يكذب؛ على قوي, على ظالم خوفاً, الكذب حرام في كل الحالات؛ لكن متى يشتد؟ إذا كان بين من يثق بك وبين من يمحضك الود وتكذب عليه.
 "كفى بها خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق وأنت له به كاذب".
 وقلة الحياء قبيح, ومن ذوي الأحساب أقبح, - إنسان معروف من أسرة كريمة, تربى تربية سليمة, قليل الحياء!, لو أن قلة الحياء من عامة الناس, من دهماء الناس, إنسان سوقي, إنسان ليس معروفاً لا بأسرة, ولا بنسب, مقبول, أما إنسان قليل الحياء, وهو من نسب رفيع!! فهذا يتناقض مع نسبه-.
 الشح قبيح, وفي الأغنياء أقبح, - إنسان حجمه المالي ثمانمئة أو تسعمئة مليون, عنده موظف, صار عنده خطأ أثناء العمل, احترق وجهه من الدرجة الثالثة, فأخذوه إسعافاً إلى مستشفى خاصة, كلفه الإسعاف ثلاثة آلاف وثمانمئة ليرة, يعمل درساً, قبيح, نحن ليس عندنا مصاريف عالية, خذه إلى مستشفى عامة, موظف عندك, وأثناء العمل أصيب بحرق من الدرجة الثالثة, وتتكلم و حجمك تسعمئة مليون, استكثرت ثلاثة آلاف على موظف عندك, يخدمك....!!.
 أي أبشع من إنسان غني بخيل لا يوجد, فالشح قبيح, وفي الأغنياء أقبح, والضحك قبيح, ولكن من الحكماء أقبح, - أي الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده, الضحك كالملح في الطعام, إذا زاد عن حده, انقلب إلى ضده-, والغدر قبيح, ولكن من أهل الديانة أقبح".
 الغدر فوق صفات المؤمنين, حتى الإيماء ليس من صفات الأنبياء.
 إنسان النبي أمر بقتله, فقال له أحدهم: "لو أنك أومأت إلينا, قال: ما كان لنبي أن يومئ في غدر".
 تغمز عليه! المؤمن واضح.
 ورد حديث في الأثر:

((أحب ثلاثاً, وحبي لثلاث أشد؛ أحب الطائعين وحبي للشاب الطائع أشد,- شاب يغلي غلياناً, يغض بصره, من جامع إلى جامع-, أحب المتواضعين وحبي للغني المتواضع أشد, أحب الكرماء وحبي للفقير الكريم أشد, وأبغض ثلاثاً, وبغضي لثلاث أشد؛ أبغض المتكبرين, وبغضي للفقير المتكبر أشد, أبغض البخلاء, وبغضي للغني البخيل أشد, أبغض العصاة, وبغضي للشيخ العاصي أشد))

التوحيد يجمع القلوب و يطمئن الإنسان :

 سئل الجنيد -رحمه الله تعالى-: "أي شيء أحسن في كلام العبد؟ قال: الدعوة إلى الله بلسان التوحيد لجميع العالمين".
 التوحيد يجمع القلوب, والتوحيد يطمئن الإنسان, والتوحيد يريح الإنسان إذا علم أن الأمر بيد الله, لو رأيت الأمر بغير يد الله, الإنسان وضعه صعب جداً؛ إنسان لئيم, قوي, معه سلاح.
 الآن ما يجري في العالم اليوم, إذا لم تدخل التوحيد في فهمك للأمور, شيء لا يحتمل, جهة معها سلاح قوي جداً, أي نقطة في العالم مكشوفة بالأقمار الصناعية, مكشوفة بدقة؛ هنا معمل, هنا ثكنة, هنا مصفاة نفط, هنا بيت سكني.
 والله! هناك أشياء سمعتها مرة: إنسان قدم لي مجلة أجنبية, فيها تحقيق عن تصوير بالأقمار الصناعية, أول رسمة: الأرض بكاملها من القمر, والشكل معروف, أي صارت الرسمة مطروقة, يوجد على أول رسمة مربع صغير, في أحد أطراف الأرض, هذا المربع كبرناه في الرسمة الثانية, فوجدنا أمريكا وقسم من المحيط الهادي, يوجد على المربع الصغير على الشكل الثاني أيضاً مربع صغير, كبرناه في الرسمة الثالثة, ظهرت فلوريدا وما حولها من بحار, يوجد على الرسمة الثالثة أيضاً مربع صغير, كبرناه, ظهر رصيف ميناء في فلوريدا, عليه مربع صغير كبرناه, ظهر رصيف ميناء وإلى جانبه مرج أخضر, ونقطة سوداء على هذا المرج, ضمن مربع صغير كبرناه, ظهر إنسان مستلق على ظهره, يقرأ قصة, وبيده ساعة, وإلى جانبه صحن فيه ثلاث تفاحات, هذا من الفضاء الخارجي.
 فإذا كان من الممكن أن نصور إنساناً, يمكن لو دققت أعرف عنوان القصة من فوق. فإذا كان أي منطقة في العالم مغطاة بالأقمار الصناعية, نعرف رقم السيارة أحياناً, وأي مكان في العالم, لا تحتاج إلى شجاعة, تركب الطائرة, عليها شاشة رادار, وهناك محرك كمقود الدراجة, وهناك إشارة ضرب, مرسوم مثلاً معمل كبير, نضع الإشارة فوق المعمل, نضغط على الزر, يتفجر المعمل.

 

فهم الأمور من دون توحيد يؤدي إلى الانتحار :

 الإنسان إذا نسي التوحيد نسي أن الله بيده كل شيء, نسي أن الفاعل هو الله, وجد إنساناً أنانياً, خبيثاً, مادياً, لئيماً, قلبه كالصخر, لا يوجد عنده أي معنى من معاني الإنسانية, ومعه قوة مخيفة, فهم الأمور من دون توحيد يؤدي إلى الانتحار. فالتوحيد قضية سهلة جداً:

﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾

[سورة الزمر الآية:62]

﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾

[سورة الأعراف الآية:54]

﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾

[سورة الفتح الآية:10]

﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً﴾

[سورة يونس الآية:24]

 بالتوحيد تحل كل مشاكلنا, بالتوحيد ترتاح نفسك, لا يوجد عندك مشكلة, لا يوجد عندك قلق, أنا خلقني الله عز وجل, وأمري بيده فقط, لم يسلمني لغيره.

 

الأقوياء عصي بيد الله :

 كلمة أقولها لكم, -لا تأخذوها علي-: إذا سلمك لغيره لا يستحق أن تعبده, أصبح معك حجة: يا رب! أنت سلمتني لإنسان, أنا مضطر أن أعبده, حتى أتخلص من شره, إذا سلمك لغيره, لا يستحق أن تعبده. إنه قال:

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

[سورة هود الآية:123]

 معاني التوحيد ولاسيما في هذه الأزمنة الصعبة نحن في أمس الحاجة إليها, ألا ترى مع الله أحداً؛ لا يوجد غير الله, بيده كل شيء, هؤلاء الأقوياء عصي بيد الله.
 سألوا تيمورلنك: "من أنت؟ قال: أنا غضب الرب".
 إذا غضب الله على جهة يسلط عليها أحد الأقوياء الذين معهم أشياء تافهة.
 التوحيد نحن بحاجة ماسة إليه, لا تفهم شيئاً من دون توحيد, لا تنزل إلى وحل السياسة, التوحيد مريح, ابق مع الله, والأمر بيده:

﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

[سورة الشورى الآية:12]

 إذا كان:

﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾

[سورة الأنعام الآية:59]

 الصاروخ ليس داخلاً في الآية, إذا كان:

﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾

[سورة الأنعام الآية:59]

 طبعاً الصاروخ من باب أولى إذا الشيء مدمر.
 أحياناً تسمع أشياء بعيدة عن التوحيد, هذا الصاروخ يدمر تدميراً مخيفاً.
 هناك خطة جديدة: القنبلة لا تتفجر أثناء رميها، لو تفجرت لكان الملجأ في مأمن, هي خارقة, بعد ذلك تتفجر؛ خارقة حارقة, تنزل, تخرق مترين إسمنت مسلح, تصل لوسط الملجأ, تنفجر في الداخل, تميت تسعمئة شخص في آن واحد, هذا الذكاء البشري بقي في التدمير.

 

من أدى الذي عليه لله نال السلامة و الحفظ و السعادة :

 لذلك: بالتوحيد ترتاح:

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

[سورة هود الآية:123]

﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾

[سورة الزمر الآية:62]

﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾

[سورة الزخرف الآية:84]

 في الأرض يا رب أنا عليّ أن أطيعك, فإذا أطعتك أديت الذي علي, بقي الذي لي؛ بقي لك عنده السلامة, بقي لك عنده أن يسعدك, وأن يسلمك, وأن يحفظك, وأن يكرمك, استقيموا.

 

أحسن شيء في كلام العبد الدعوة إلى الله بلسان التوحيد لجميع العالمين :

 الإنسان يتابع الأخبار؛ لكن لا يوجد عنده شيء مدمر, لا يوجد عنده شيء ساحق, المشرك شركاً خفياً يسمع أموراً معزوة إلى البشر اللؤماء, يتحطم, يقول لك: بركت, لم أعد أستطع الوقوف, أما المؤمن فيرى أن الأمر بيد الله عز وجل:

﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا﴾

[سورة آل عمران الآية:146]

 معنوياته عالية, بسبب التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
 سئل الجنيد -رحمه الله تعالى-:"أي شيء أحسن في كلام العبد, قال: الدعوة إلى الله بلسان التوحيد لجميع العالمين, ونشر آلاء الله في مجالس الذاكرين, وغلبة الثناء عليه عند أهل المحبة من خصوص الخائفين, وتفريج كرب المكروبين, الذين في قلوبهم موضع نظر رب العالمين".
 ابن عباس يقول: "علماء هذه الأمة: رجلان؛ رجل أعطاه الله تعالى علماً, فبذله للناس, ولم يأخذ عليه, طمعاً بما عند الله, ولم يشتر به ثمناً قليلاً؛ فذلك يصلي عليه طير السماء, وحيتان الماء, ودواب الأرض, والكرام الكاتبون-أي: أجمل شيء أن تبذل العلم الديني في سبيل الله, ألا تأخذ عليه أجراً- يقدم على الله تعالى يوم القيامة سيداً شريفاً, حتى يوافق المرسلين, ورجل آتاه الله علماً في الدنيا فضن به على عباده".
 أحياناً يلفت نظري في الكتب, حق النشر لكل مسلم ألّف كتاباً, ولك حق النشر لكل مسلم, مسموح لكل إنسان أن يأخذ هذا النص, وأن يطبعه من دون أن يرجع للمؤلف, علم شرعي؛ من برنامج عن الحديث الشريف, تقريباً هناك ألف كتاب يُوزَّع مجاناً, من دون أن يكون هناك حماية, وأساليب.
 العلم الديني إذا بذل بلا ثمن, شيء رائع جداً, "ورجل آتاه الله علماً في الدنيا, فضن به على عباده".

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور