وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0484 - الهجرة1 ، المعنى الحقيقي للهجرة - الدروس المستفادة من الهجرة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بخبر ، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم ، وارض عن صحابته الكرام يا رب العالمين .

اتباع النبي وتطبيق سنته دليل عملي على محبة الله :

 أيها الأخوة الكرام ؛ قبل بضعة أيام مرت ذكرى هجرة النبي عليه الصلاة والسلام، وهناك حقائق دقيقة يجب أن نستنبطها من هذا الحدث الضخم الذي يعد من أكبر أحداث الدعوة الإسلامية .
 أيها الأخوة الكرام ؛ تتميز حياة النبي عليه الصلاة والسلام عن حياة العظماء من القادة والمصلحين ، بأن كل ما فيها من أقوالٍ أو أفعالٍ أو إقرارٍ أو مواقف ، كل هذا يعد تشريعاً وقدوةً ، لأن الله قد عصمه من أن يخطئ في أقواله ، وفي أفعاله ، وفي مواقفه ، فهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، لذلك أمرنا الله جل جلاله بالأخذ عنه بأنه معصوم ، معصوم في أقواله ، معصوم في أفعاله ، معصوم في إقراره ، معصوم في مواقفه ، لذلك أمرنا الله جلّ جلاله أن نأخذ عنه ، وسنته القولية والفعلية والسكوتية - إن صح التعبير - تعد تشريعاً قال تعالى :

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

[سورة النجم: 3-4]

 وقال تعالى :

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

[ سورة الحشر : 7 ]

 وجعل الله جلّ جلاله اتباع النبي عليه الصلاة والسلام ، وتطبيق سنته ، دليلاً عملياً على محبة الله ، علامة حبك لله اتباع سنة رسول الله ، قال تعالى :

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة آل عمران : 31 ]

للنبي مهمتان كبيرتان ؛ مهمة التبليغ و مهمة القدوة :

 لذلك يستنبط علماء السنة أن للنبي عليه الصلاة والسلام مهمتين كبيرتين ، الأولى مهمة التبليغ .

﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾

[ سورة المائدة : 67 ]

 والمهمة الثانية هي مهمة القدوة والأسوة ، قال تعالى :

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾

[ سورة الأحزاب : 21 ]

 إذاً مهمتان التبليغ والأسوة ، وفرضان عينيان على كل مسلم أن يعرف سنته القولية ليأخذ عنه ، وليعرف سنته العملية ليقتدي بها ، هذه مقدمة لموضوع الهجرة .

 

موقف النبي من الظروف و الأحداث ينبغي أن يقفه الإنسان دائماً ليؤكد إنسانيته :

 أيها الأخوة ؛ حقيقة ثانية : وهي أن الظروف التي أحاطت بالنبي ، والأحداث التي واجهها النبي عليه الصلاة والسلام هي ظروفٌ وأحداثٌ خلقت وقدرت بعناية تامة ، ولحكمة بالغة ، ليقف النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها الموقف الكامل الذي يعد تشريعاً ، والذي ينبغي أن يقفه الإنسان في أي مكان وزمان ليؤكد إنسانيته وليحقق غاية وجوده .
 أيها الأخوة الكرام ؛ هذه الظروف التي أحاطت بالنبي عليه الصلاة والسلام ، وتلك الأحداث التي واجهت النبي عليه الصلاة والسلام من شأنها أن تتكرر ، بسبب أن طبيعة النفس الإنسانية واحدة ، قال تعالى :

﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَة﴾

[ سورة الأعراف : 189 ]

 وبسبب أن معركة الحق والباطل ، ومعركة الخير والشر ، ومعركة الإيمان والكفر، معركة قديمةٌ ومستمرة ، وبسبب أن الإنسان هو الإنسان في أي زمان ومكان ، إنه يكرر نفسه ، في ارتفاعه وفي انحطاطه ، في قوته وفي ضعفه ، في إيمانه وفي كفره .
 لذلك الظروف التي أحاطت بالنبي ، والأحداث التي واجهها النبي هذه أحداث تتكرر ، في كل زمان ومكان ، لذلك خلقها الله لحكمة بالغة ، ولعناية تامة ، ليقف النبي منها موقفاً كاملاً ، يعد منهجاً لنا في حياتنا إلى أن نلقى الله عز وجل .
 لذلك أيها الأخوة ؛ إن الموقف الذي وقفه النبي في الأحداث والظروف يريدنا الله عز وجل أن نقف مثلها في كل زمان ومكان ، هذه حقيقة ثانية .

 

إيثار الجانب الأسمى إذا تنازعت في الإنسان النوازع الأرضية والنداءات السماوية :

 وأما الحقيقة الثالثة : فهي أن الإنسان فطر على حب الأرض التي وجد فيها ، والتعلق بالمعالم التي لابست نشأته ، وحينما ينتزع الإنسان من بيئته التي ترعرع فيها ، ويخرج من أرضه التي أحبها ، تتمزق نفسه ، ويعظم همه ، وربما آثار الموت على هذا الخروج ، الذي هو اقتلاع له من الجذور ، قال تعالى :

﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُم﴾

[ سورة النساء : 66 ]

 والإنسان أيها الأخوة مكلف أن يعبد الله عز وجل ، من خلال معرفته ، ومعرفة منهجه ، ومن خلال أدائه فروض العبودية من صلاة وصيام وحج ، ومن خلال التزامه الأمر والنهي ، ثم من خلال الأعمال الصالحة التي هي ثمن سعادته في الآخرة الأبدية ، قال تعالى :

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات : 56 ]

 والآن إذا وجد الإنسان في أرض حالت قوى الشر بينه وبين أن يستجيب لنداء فطرته في عبادة ربه ، وبين أن يصغي لصوت العقل في تطبيق منهج خالقه ، وهو من الضعف بحيث لا يستطيع أن يقنع هذه القوى بالكف عنه ، ولا أن يقف في وجهها ، فيلزمها أن تقف عند حدها ، ماذا يفعل الإنسان في هذه الحالة ؟ أيخسر سعادته الأبدية من أجل النوازع الأرضية ؟ قال تعالى :

﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً * وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾

[ سورة النساء : 97 ـ 100 ]

 إذاً لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، صحيح أن الإنسان يشد إلى أرضه ، وإلى بيئته ، وإلى مسقط رأسه ، ولكن الله كلفه أن يعبده ، وخلقه لجنة عرضها السموات والأرض، فإذا تعارض حب الإنسان لمكان نشأته مع عبادة ربه ينبغي أن يهاجر في سبيل الله ، هذا هو الدرس الأول من الهجرة ، الإنسان أيها الأخوة إذا تنازعت فيه النوازع الأرضية والنداءات السماوية عليه أن يؤثر الجانب الأسمى والأبقى فلا أحد يستطيع أن ينجيه ، ولا عذر له فيما يرديه .

 

حقيقة الهجرة :

 أيها الأخوة الكرام ؛ إن الهجرة في حقيقتها موقف نفسي قبل أن تكون رحلة جسدية، إنها هجران للباطل وانتماء للحق ، إنها ابتعاد عن المنكرات ، وفعل للخيرات ، إنها ترك للمعاصي ، وانهماك في الطاعات ، إنها انتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام ، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري عن ابن عمر أنه قال :

(( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ))

[ البخاري عن ابن عمر]

 أيها الأخوة ؛ حقيقة الهجرة حركة في سبيل الله ، دققوا في هذه الآية :

﴿وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا﴾

[ سورة الأنفال : 72 ]

 الانتقال من مكة إلى المدينة هو المعنى التاريخي والضيق للهجرة ، لكن الانتقال من دار الكفر إلى دار الإيمان هو المعنى الواسع للهجرة ، لكن الابتعاد عن أهل المنكر نوع من الهجرة ، لكن الانسحاب من مجتمع الرذيلة نوع من الهجرة ، لكن لزوم جماعة المؤمنين وترك جماعة الكافرين نوع من الهجرة ، لكن عبادة الله في الهرج نوع من الهجرة ، لكن لزوم المساجد والابتعاد عن أماكن الفسق والفجور ، نوع من الهجرة ، الهجرة لها معنى ضيق وقع في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ، ولها معنى واسع يسع كل زمان ومكان .

الدروس المستفادة من الهجرة :

1 ـ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق :

 أيها الأخوة الكرام ؛ إذا كان باب الهجرة من مكة إلى المدينة قد أغلق بعد الفتح ، إذ لا هجرة بعد الفتح كما قال عليه الصلاة والسلام ، فإن باب الهجرة مفتوح بين كل مدينتين تشبهان مكة والمدينة زمن الهجرة ، بل إن أبواب الهجرة من مجتمع الكفر إلى مجتمع الإيمان مفتوحة على مصاريعها إلى يوم القيامة ، بل إن عبادة الله في زمن كثرت فيه الفتن ، واستعرت فيه الشهوات ، وعمّ فيه الفساد ، إن عبادة الله المخلصة والصادقة في هذه الأجواء الموبوءة تعد هجرة خالصة إلى الله ورسوله ، يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي الصحيح :

(( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ))

[مسلم عَنْ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

 أيها الأخوة الكرام ؛ هذا هو الدرس الأول من دروس الهجرة الأحداث الكبرى التي وقعت في عهد النبي إنما هي أحداث وقعت لحكمة بالغة ، ولأنها أحداث تتكرر إلى يوم القيامة، ولأن موقف النبي منها هو موقف المشرع ، لذلك النبي في مواقفه كان مشرعاً لنا ، درس كبير آخر من دروس الهجرة .

 

2 ـ الأخذ بالأسباب و التوكل على الله :

 أيها الأخوة الكرام ؛ من خلال الخطة المحكمة الذي رسمها النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تؤكد هذه الخطط أن استحقاق التأييد الإلهي لا يعني التفريط قيد أنملة في استجماع أسباب النصر ، وتوفير علله ، لقد وضع الني صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطة محكمة لهجرته ، حيث كتم تحركه وقصده ، واستأجر دليلاً ذا كفاءة عالية ، واختار غار ثور الذي يقع جنوب مكة تضليلاً للمطاردين ، وحدد لكل شخص مهمة أناطها به ، فمن واحد لتقصي الأخبار ، ومن آخر لمحو الآثار ، وثالث لإيصال الزاد ، ثم أنه كلف سيدنا علي كرم الله وجهه أن يرتدي برده ، ويسجى على سريره تمويهاً على المحاصرين ، الذين أجمعوا قتله .
 أيها الأخوة : لقد أعدّ النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكل أمر عدته ، ولم يدع مكاناً للحظوظ العمياء ، لقد اتخذ الأسباب وكأنها كل شيء في تحقيق النجاح ، ثم توكل على الله لأنه لا قيام لشيء إلا بالله ، إن هذه التدابير التي اتخذها النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كثرتها ، ودقتها ليس صادرة عن خوف شخصي ، بل هي طاعة لله عن طريق الأخذ بالقوانين التي قننها، والسنن التي سنها ، وتشريعاً لأمته من بعده ، ثم إنه في الوقت نفسه لم يعتمد عليها ، بدليل أنه كان في غاية الطمأنينة حينما وصل المطاردين إلى الغار ، هذا هو الموقف الكامل ، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، وأن تتوكل على الله لأنه لا قيام لشيء إلا به ، كأن السلوك الكامل طريق على جانبه واديان ، فمن لم يأخذ بالأسباب سقط في وادي المعصية ، ومن أخذ بالأسباب واعتمد عليها سقط في وادي الشرك ، وعليك أيها الأخ الكريم أن تفعل ما فعله النبي ، أن تأخذ بالأسباب في كل شيء ، في عملك ، في تجارتك ، في زواجك ، في حركتك ، في كل نشاطاتك ، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، وأن تعتمد على الله وكأنها ليست بشيء ، هذا الموقف الدقيق لا يحسنه إلا الموحد ، لا يحسنه إلا المؤمن الكامل ، لأنهما مزلقان خطيران ، الأول أن تزل قدمك في وادي الشرك ، فتأخذ بالأسباب وتعتمد عليها ، وتنسى الله عز وجل ، والمذلة الثانية ألا تأخذ بها لفهم ساذج في التوكل ، هذا خطأ وهذا خطأ .
 أيها الأخوة الكرام ؛ حينما فهم المسلمون الأوائل التوكل هذا الفهم الصحيح رفرفت راياتهم في مشارق الأرض ومغاربها ، واحتلوا مركزاً قيادياً بين الأمم والشعوب ، واليوم إذا أراد المسلمون أن ينتصروا على أعدائهم ، وأن يستعيدوا دورهم القيادي بين الأمم لينشروا رسالة الإسلام ، رسالة الحق والخير والسلام ، عليهم أن يستوعبوا جيداً هذا الدرس البليغ الذي علمنا إياه رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خلال هجرته ، وهو أن التوكل أخذ بالأسباب من دون الاعتماد عليها، وافتقار إلى تأييد الله وحفظه وتوفيقه من دون تقصير في استجماع الوسائل .
 أيها الأخوة الكرام ؛ هذا الدرس يمكن أن تستفيد منه في عملك ، يمكن أن تستفيد منه في تجارتك ، يمكن أن تستفيد منه في تربية أولادك ، يمكن أن تستفيد منه في بناء مستقبلك، هذا الدرس يمكن أن تستفيد منه في صحتك ، خذ الأسباب وتوكل على الله ، توكل من دون أخذ بالأسباب شيء ساذج وفهم سطحي للتوكل ، التوكل محله القلب ، والأخذ بالأسباب محلها الجوارح ، هذا هو الدرس الثاني ، التي تعلمنا إياه الهجرة الشريفة .

 

3 ـ ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منها في دينه و دنياه :

 وتعلمنا الهجرة ثالثاً ، من خلال النتائج الباهرة التي حققها المهاجرون أنه من يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة ، وأنه ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوض الله خيراً منه في دينه ودنياه ، وأنه من شغلته طاعة الله عن تحقيق مصالحه أعطاه الله خير الدنيا والآخرة ، وقد ورد في الحديث القدسي :

((عبدي أنت تريد وأنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما تريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد ، ومن آثر آخرته على دنياه ربحهما جميعاً ، ومن آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً ))

[ورد في الأثر]

 أيها الأخوة ؛ قصة تجسد هذه الحقيقة الثالثة ، قدم رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة ، يقول عقبة بن عامر الجهني : قدم رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وأنا في الفلوات أرعى غنيمات لي ، فما إن تناهى إلي خبر قدومه حتى تركتها ومضيت إلى رسول الله لا ألوي على شيء ، فلما لقيته قلت له : يا رسول الله تبايعني ؟ قال : فمن أنت ؟ قلت : أنا عقبة بن عامر الجهني ، قال : أيما أحب إليك تبايعني بيعة أعرابية أم بيعة هجرة ؟ قلت : بل بيعة هجرة ، وكنا اثني عشر رجلاً ممن أسلم نقيم بعيداً عن المدينة ، لنرعى أغنامنا في بواديها، فقال بعضنا لبعض : لا خير فينا إذا نحن لم نقدم على رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً بعد يومٍ ليفقهنا في ديننا ، أي هذا الذي يضن بوقته عن أن يحضر مجلس علمٍ ، يتعلم فيه أحكام دينه ، يتعلم فيه كتاب الله ، يتعلم فيه سنة رسول الله لهو الخاسر الأكبر ، لا خير فينا إلا لم نقدم على رسول الله يوماً بعد يومٍ ليفقهنا في ديننا ، ويسمعنا مما ينزل عليه من وحي السماء ، فليمضِ كل يوم واحداً منا إلى يثرب ، وليترك غنمه لنا فنرعاها له ، فقلت : اذهبوا أنتم إلى رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واحداً بعد آخر ، وليترك لي الذاهب غنمه لأنني كنت شديد الإشفاق على غنيماتي من أن أتركها لأحد ، أي كان تعلقه بغنيماته - وهو تصغير تقليل - أشد من تعلقه بطلب العلم ، ثم طفق أصحابي يغدو الواحد تلو الآخر على النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ويترك لي غنمه ، أرعاها له ، فإذا جاء أخذت منه ما سمع ، وتلقيت عنه ما فقه ، لكنني ما لبثت أن رجعت إلى نفسي وقلت : ويحك يا عقبة ، أمن أجل غنيمات لا تسمن ولا تغني تفوت على نفسك صحبة رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأخذ عنه مشافهة من غير واسطة ؟ ثم تخليت عن غنيماتي ومضيت لأصحب رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
 أيها الأخوة الكرام ؛ لم يكن عقبة بن عامر الجهني يخطر له على بال أنه حينما اتخذ هذا القرار الحاسم الحازم أنه سيغدو بعد عقد من الزمان عالماً من أكابر علماء الصحابة ، و قارئ من شيوخ قرائها ، وقائداً من قواد الفتح المرموقين ، ووالياً من ولاة الإسلام المعدودين ، ثم لم يكن ليخطر له على بال أيضاً وهو يتخلى عن غنيماته ، ويمضي إلى رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سيكون في طليعة الجيش الذي يفتح أم الدنيا دمشق ، ويتخذ لنفسه داراً بين رياضها النضرة ، ولم يكن يخطر له على بال أنه سيكون أحد القادة الذين سيفتحون مصر ، وأنه سيغدو والياً عليها ، ويتخذ لنفسه فيها داراً في سفح جبلها المقطم ، وبعدها اشترك هذا الصحابي الجليل في قيادة حملة بحرية ، تخلى عن غنيماته ، وصحب رسول الله ، وآثر الآخرة على الدنيا ، ماذا سيكون حاله لو بقي متعلقاً بغنيماته ، كان سيكون مهملاً في ثنيات الأشخاص الذين جاؤوا إلى الدنيا وغادروا ولم يذكرهم أحد ، ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوض الله خيراً منه ، في دينه ودنياه .
 أيها الأخوة الكرام ؛ هذا الصحابي الجليل اشترك في قيادة حملة بحرية لفتح جزيرة رودس في البحر الأبيض المتوسط ، ورد في الحديث القدسي أنه :

((من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين ))

[ من الدر المنثور عن عمر بن الخطاب ]

 أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

تلخيص للدروس المستفادة من الهجرة :

 أيها الأخوة ؛ الدرس الأول من دروس الهجرة أنه إذا تعارضت نوازع الأرض مع نداءات السماء ينبغي أن تلبي نداءات السماء ، ينبغي إذا تعارضت مصالحك المادية مع عبادتك لله عز وجل أن تؤثر العبادة لله عز وجل ، لأن هذه الدنيا فانية ، وأن الآخرة فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فالخاسر هو الذي يضحي بآخرته من أجل دنياه ، أما إذا لم تتعارض فهذا شيء مطلوب أيضاً ، أما إذا تعارضت طاعتك لله مع مصالحك الدنيوية فعليك أن تؤثر طاعتك لله عز وجل ، هذا هو الدرس الأول .
 والدرس الثاني : يجب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء في النجاح ، ثم يجب أن تتوكل على الله وكأن الأخذ بالأسباب ليس بشيء ، هذا موقف دقيق .
 والدرس الثالث : ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ، وهذه الدروس نستفيد منها كل يوم بل والله كل ساعة ، في حياتك الشخصية ، في شأن صحتك، وفي شأن أسرتك ، وفي شأن عملك ، وفي شأن نشاطاتك ، وفي شأن حياتك الدنيا ، درس أول: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ودرس ثان : خذ الأسباب وتوكل على رب الأرباب ودرس ثالث : ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه ، هذا هو المعنى الذي يمكن أن يستفاد من الهجرة .

الهجرة في سبيل الشيطان :

 لكن البلاء كل البلاء أن يهاجر الإنسان هجرة عكسية ، أن يكون في بلد تقام فيه شعائر الدين ، أن يكون في بلد طافح بمجالس العلم ، أن يكون في بلد فيه بقية حياء ، فيه بقية أخلاق ، فيه ترابط أسري ، أن يكون في بلد يذكره بربه ، من أجل مصالحه المادية يدع كل هذه الخيرات ليكون في مجتمع بعيد كل البعد عن الله ، من أقام مع المشركين برئت منه ذمة الله.
 أيها الأخوة ؛ الهجرة في سبيل الشيطان كيف ؟ حينما يرفض المرء الحق وأهله وينضم إلى الباطل وأهله ، هذه هجرة في سبيل الشيطان ، حينما يؤثر المرء الدنيا الفانية على الآخرة الباقية ، هذه هجرة في سبيل الشيطان ، ولو بقي في بلده ، إذا آثر الدنيا الفانية على الآخرة الباقية ، حينما يفضل الرجل مصالحه على مبادئه ، وحاجاته على قيمه ، حينما تكون الهجرة ابتغاء دنيا يصيبها الرجل ، أو ابتغاء مال وفير يحصله على حساب مصيره الأبدي، حينما تكون الهجرة بذلاً للخبرات والطاقات لأعداء المسلمين ، وحينما تكون الهجرة إضعافاً للمسلمين ، وتقوية لأعدائهم ، حينما تكون الهجرة هروباً من تحمل المسؤولية ، وفراراً من البذل والتضحية ، حينما تكون الهجرة تمكيناً للعدو من سلب خيرات الأرض ، حينما تكون الهجرة من بلد تقام فيه شعائر الدين إلى بلد فرغت منه كل القيم ، حينما تكون الهجرة تضييعاً للعرض ، يذهب الرجل إلى بلد غربي يعجبه فيه أشياء كثيرة ؛ البيوت رخيصة مقسطة على ثلاثين عاماً ، الأسعار رخيصة ، البلاد خضراء ، يؤخذ بهذا ، فإذا كبرت بناته وصاحبن أناساً لا يستطيع أن ينظر إليهن ، عندئذ تقع الخصلة في قلبه : إذا أردت إنفاذ أمرٍ فتدبر عاقبته ، لذلك هذا الذي يقيم في بلد أجنبي ، وينشأ أولاده على الفسق والفجور والإباحية والتهتك والزنا وشرب الخمر ، لا يحتمل وجوده عندئذ .
 أيها الأخوة الكرام ؛ حينما تكون الهجرة تضييع للعرض والدين ، وكسباً للدرهم والدينار عندئذ تكون الهجرة في سبيل الشيطان .
 أيها الأخوة الكرام ؛ قصة تعرفونها جميعاً قصة جبلة بن الأيهم الذي جاء مسلماً وداس بدوي من فزارة طرف ردائه فشكاه إلى عمر ، قال له سيدنا عمر : أرض الفتى لا بد من إرضائه ما زال ظفرك عالقاً بدمائه أو يهشمن الآن أنفك وتنال ما فعلت كفك ، قال : كيف ذاك يا أمير هو سوقة وأنا عرش وتاج ؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً ؟ قال له عمر : نزوات الجاهلية ورياح العنجهية قد دفناها ، أقمنا فوقها صرحاً جديداً ، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً ، قال له : كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز ، أنا مرتد إذا أكرهتني ، فقال عمر : عنق المرتد بالسيف تحز ، عالم نبنيه كل صرح فيه بشبا السيف يداوى وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى ، هذه القصة تعرفونها جميعاً ، أما تتمتها ماذا فعل جبلة ؟ ارتد عن دينه ، وأخذته العزة بالإثم وأبى أن يخضع لحكم الله ، وتسلل في جنح الظلام من المدينة متوجهاً نحو الشمال ، لينضم إلى أعداء المسلمين ، ويمضي عمره في المعاصي والآثام ، ثم دنا أجله ، عندما دنا أجله تقطع قلبه على ما فعل فقد باع عينه الصحيحة بالعور ، فقال وكان شاعراً :

يا لـيـت أمي لم تلدنـي و لـيتنـــــــي  رجعت إلى القول الذي قاله عمــــــــــر
ويا ليتني أرعى المخاض بـقفــــــــرة  و كنت أسيراً في ربيعة أو مـــــــــــضر
و يا ليت لي بالشام أدنى معيـــشة  أجالس قومي ذاهب السمع و البصـر
***

 هذا هو الندم الشديد الذي أكل قلبه .

 

الأبوة رسالة و مسؤولية و أمانة :

 أيها الأخوة الكرام ؛ ما من إنسان يغادر بلد المسلمين إلى بلد الكفر تعجبه الدنيا ، تعجبه المركبات ، تعجبه البيوت ، تعجبه التجارات ، إلا وسيندم ندماً يقطع قلبه حينما يكبر أولاده ، ويرى أنه مجتث من جذوره ، ويرى أنه غريب لا يعرف أحداً ، ويرى أنه جنى على أولاده ، ماذا كان يفعل الجاهليون ؟ كانوا يئدون البنات ، و وأد البنت قتلها ، وقد قال تعالى :

﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾

[ سورة التكوير : 8 ـ 9 ]

 دققوا في قوله تعالى :

﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾

[ سورة البقرة : 191 ]

هذا الذي يطلق لابنته العنان كي تفسق وتفجر ، لأنها في بلد لا يرعى حرمة لشيء ، هذا الذي يفعل هذا مع ابنته ، يكون قد فعل بنص القرآن الكريم أشد من قتلها ، فتنها عن دينها ، جعلها تسقط في حمأة الرذيلة .
 فيا أيها الأخوة الكرام : الأبوة رسالة ، والأبوة مسؤولية ، والأبوة أمانة ، وقد ورد في بعض الأحاديث ، أنه يوم القيامة يستحق الابن دخول النار فيقول : يا رب لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي ، لأنه كان سبباً فيما فعلت ، فقبل أن تتخذ قراراً حاسماً بانتقالٍ من بلد إلى بلد تذكر مصير أولادك ، مصير بنات ك، مصير أسرتك ، التي أناطها الله بك .
 أيها الأخوة الكرام ؛ إني داعٍ فأمنوا :

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

تحميل النص

إخفاء الصور