وضع داكن
19-04-2024
Logo
موضوعات مختلفة في العقيدة - الدرس : 10 - النصف من شعبان - المولد .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

المؤمن الحقيقي مع الله دائماً :

 أيها الأخوة المؤمنون، في مناسبة النصف من شعبان أردت أن يكون هذا الدرس حول هذه المناسبة وغيرها من المناسبات لننطلق من حقيقة ونصل إلى هدف نبيل.
 أكثر الناس في هذه المناسبات، السابع والعشرون من رجب، الخامس عشر من شعبان يطرحون أسئلةً كثيرةً جداً على الدعاة إلى الله، هل شرع صيام هذا اليوم أو قيام هذه الليلة وما الحكم الشرعي في ذلك؟
 أنا أريد أن أضع بين أيديكم الحقيقة التالية، المؤمن والذي يسير في طريق الإيمان والذي صحت عقيدته وصحت رؤيته واستقام أمره، مؤمن ليس في حياته ما يسمى بالمناسبات، كل لياليه ليلة النصف من شعبان، وكل لياليه ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، وكل أيامه عيد، ليس هذا من باب الكلام الإنشائي، لا يوجد عند المؤمن تفلت وفي هذه المناسبات ينضبط، هذا شيء غير وارد إطلاقاً، هو منضبط في كل الأوقات وفي كل الشهور وفي كل الليالي وفي كل المناسبات، في هذه المناسبة لعله يرفع بعضاً من عبادته يرفع الوتيرة قليلاً، أما أنه يوجد تفلت، تسيب، عدم التزام، عدم انضباط، في هذه الليلة نقومها ونصوم نهارها، هذا ليس وارد في حياة المؤمنين الصادقين ولا في حياة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
 يوجد في بعض الكتب النقدية في الأدب ما يسمى بشاعر مناسبات، لكل مناسبة له قصيدة وكأن هذا حرفة له، أما الشاعر الحقيقي يعبر عن مشاعره دائماً، والمؤمن الحقيقي مع الله دائماً.

لا بدّ من أن نراعي شيئين في الدين ألا نضيف عليه شيئاً وألا ننتقص منه شيئاً :

 نحن إذا عددنا أن العبادات الأصل فيها الحظر ولا تشرع عبادة إلا بنص، أما الأشياء الأصل فيها الإباحة ولا يحرم شيء إلا بنص، هذه قاعدة خطيرة جداً، العبادات من صلاة، وصيام، وحج، وزكاة، من صلاة نافلة ومن صيام نفل، كل العبادات فرائض ونوافل هذه عبادات الأصل فيها الحظر ولا تشرع عبادة إلا بنص.
 أكثر شيء مطروق بين المسلمين أو بين أطراف المسلمين قضية المولد الاحتفال بعيد المولد، كلكم يعلم أيها الأخوة أن النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح يقول:

((عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ يَقُولُ: مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْهُ فَلا هَادِيَ لَهُ إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ ثُمَّ يَقُولُ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ السَّاعَةَ احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ وَعَلا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ كَأَنَّهُ نَذِيرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ مَسَّاكُمْ ثُمَّ قَالَ: مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعاً فَإِلَيَّ أَوْ عَلَيَّ وَأَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ))

[مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ]

 من أجل أن يستمر الإسلام كما بدأ لا بد من أن نراعي شيئين ألا نضيف عليه شيئاً وألا ننتقص منه شيئاً، إن أردت إسلاماً كإسلام الصحابة، إن أردت ديناً كالدين الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، إن أردت أن يستمر هذا الدين بصفائه، بخصائصه المتألقة، بحقائقه، بثمراته اليانعة، فليكن هذا الدين كما كان على عهد رسول الله.
 كيف نضمن هذا الدين كما كان على عهد رسول الله؟ بأن نقف موقفاً حازماً ومتشدداً من أن نضيف عليه شيئاً، أو من أن نحذف منه شيئاً، كلمة التجديد كلمة براقة تتوق لها النفس، ولكن أوضح لكم ماذا يعني التجديد في الدين؟ أحياناً الأمثلة تعطي أدق الأفكار، عندنا في الشام بناء محطة الحجاز كلكم يعرفه، هذا البناء مضى عليه عقود كثيرة حتى صار أسود اللون، قبل سنوات عدة كما أذكر جرت لهذا البناء عملية تنظيف حديثة جداً عن طريق الرمل، يوجد جهاز يدفع الرمل في قوة كبيرة هذا الرمل ينتزع من الحجر كل ما علق بالحجر وليس منه هذا هو التجديد، هذا هو التجديد، كل شيء علق على هذا الحجر من تراكم الأيام والليالي من دخان وغبار وغازات معينة، من ألوان، كل شيء علق على هذا الحجر وليس منه انتزعناه فعاد الحجر كما بني أول مرة هذا هو التجديد في الدين.

 

التجديد في الدين :

 التجديد في الدين لا يعني أن نضيف شيئاً لأن هذا الدين ليس من صنع البشر، البشر يخطئ ويصيب، أي شيء من صنع البشر نجدده بالتعديلات، نضيف عليه، نحذف منه، نشذبه، نهذبه، كم من كتاب بين أيديكم مكتوب عليه تهذيب ابن كثير، لماذا التهذيب؟ الأصل غير مهذب، يوجد روايات ضعيفة، قصص باطلة، يوجد أشياء غير صحيحة، نصوص موضوعة، مبالغات، فجاء مؤلف وقال: تهذيب ابن كثير، تهذيب سيرة ابن هشام، معنى هذا أنه من صنع البشر يعتريه الخطأ والزلل، فتهذيبه أن ننزع منه ونحذف منه ما ليس موافق للكتاب والسنة، هذا ممكن مع عمل صنعه بشر، أما مع دين من عند خالق البشر لا يجوز أن يكون التجديد إضافةً ولا حذفاً، أعمال البشر تجدد بالإضافات والحذف، لأن الإنسان غير معصوم.
 يقول بعض الأدباء: ما كتبت كتاباً إلا قلت في غد لو بدل هذا لكان أحسن، لو أضيف هذا لكان يستحسن، لو حذف هذا لكان أفضل، وهذا من أعظم العبر، إذاً نخلص إلى أن كل شيء من صنع البشر يجدد بالحذف منه أو بالإضافة عليه إلا ما كان من عند الله، التجديد بما يتعلق بدين الله أن تزيل عنه ما ألحق به مما ليس منه هذا هو التجديد، تصوروا بناء الحجاز بعد أن أجري عليه التجديد، أي أزيل عنه كل ما لحق به ما ليس منه، هذا هو التجديد.
 فلذلك إذا فرضنا أن هناك موالد تقام في بعض البلاد الإسلامية فيها كل المعاصي والآثام، فيها كل الموبقات هل هذا هو الدين؟ هل تعتقد أن هذا الدين أن يقف إنسان ويرتدي ثوب فضفاض وأن يدور حول نفسه إلى درجة غير معقولة، فإذا بهذا الثوب كالمظلة ويرافق هذه الحركات الالتفافية موسيقا وأناشيد هذا هو الدين؟ هكذا فعل أصحاب رسول الله؟ تذهبون إلى بعض البلاد الدين هو ضرب شيش، وأكثرهم والله أعلم لهم حال مع الله لا يرضي، الدين ضرب شيش، الدين رقص، الدين أناشيد، ولائم.
 الدين طاعة لله عز وجل، النقطة الدقيقة تصور نهر، تصور نبع الفيجة، أو بردى اذهب إلى النبع تجد ماءً عذباً، فراتاً، صافياً، متألقاً اذهب إلى الغوطة الشرقية وانظر إلى الماء، أسود اللون، جاءته رواسب غير صافية فاختلطت به، أنت إذا أردت الدين الصحيح عد إلى ينابيعه، عد إلى أصله، عد إلى هذا القرآن الكريم الذي بين أيدينا وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة التي هي بيان لما في الكتاب الصحيح.

الحق دائماً بين طرفين والفضيلة بين رذيلتين وكل ما كان في الوسط هو الاعتدال :

 أيها الأخوة، إذاً نحن في موضوع المولد مثلاً هناك من يقول: المولد بدعة ويحاربون المولد، وهناك من يفعلون في المولد ما لا يعقل من اختلاط، من حركات، من كشف عورات، من تجاوزات، أين الحق؟
 الحق العبادات الشعائرية الأصل فيها الحظر ولا تشرع عبادة إلا بنص، أما الأشياء الأصل فيها الإباحة لا يحرم منها شيء إلا بنص هذه قاعدة.
 إنسان أراد أن يقيم مولداً لا يوجد مانع، جمع الناس وقام أحد الدعاة إلى الله وألقى خطبةً عن شمائل النبي عليه الصلاة والسلام، عن أخلاقه، عن رحمته، عن عدله، عن علمه، عن محبته لأصحابه، عن حرصه على أمته، شيء جميل جداً وزعت الحلوى والضيافة، ليس هذا محرماً، إذا قلنا الاحتفال في المولد عبادة فهو بدعة، أما إذا عرفنا الناس بالله ما فعلنا شيئاً، بالعكس فعلنا شيئاً طيباً، لا تقل المولد عبادة قل ننطلق من قوله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾

[ سورة آل عمران:123 ]

 المؤمن الصادق يعرف الناس برسول الله، ننطلق من قوله تعالى:

﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة هود:120 ]

 فإذا كان قلب النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق، سيد ولد آدم، يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه فلئن نزداد نحن إيماناً بسماع قصة النبي من باب أولى، فإذا جمع الناس وذكروا بشمائل النبي وقدمت لهم بعض الضيافات ما فعلنا شيئاً، هذا هو الاعتدال، هذا هو الحق بين تفرقين، هذه هي الفضيلة بين رذيلتين، هذا هو الكمال بين نقيصتين، والحق بين طرفين، فالذين أقاموا النكير وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها لأنك احتفلت بعيد المولد تفرقوا، والذين جعلوا من هذا الاحتفال مناسبة للمعاصي والآثام والغناء، والرقص، وكشف الحرمات، وكشف العورات، هؤلاء تطرفوا، والحق دائماً بين طرفين، والفضيلة بين رذيلتين، وكل ما كان في الوسط هو الاعتدال.

 

للبدعة معنيان؛ بدعة لغوية و بدعة في الدين :

 نحن لا بد لنا من منهج نسير عليه، لأن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، أحياناً حديث ليس له أصل يخلق مشكلة لا تنتهي، وأنا أقول لكم أيها الأخوة هذه الحقيقة لو اكتفينا في النصوص الصحيحة ما اختلفنا أبداً، ما من شيء يجمع الأمة كأن نكتفي بالنصوص الصحيحة لأن هذا العلم دين والدين أساسه النقل وأخطر ما في النقل صحة النقل، أيضاً هناك نصوص غير صحيحة وتحكيم للعقل غير مشرع له، فتجد إنساناً ينطلق من عقل فقط، فينظر بعقله يرفض ويقبل، هذا منهج خطير باسم الدين، وإنسان آخر يقبل أي نص مهما يكن تالفاً أو موضوعاً أو ضعيفاً، فالذي يقبل أي نص تطرف، والذي يحكم العقل تطرف.
 لذلك أيها الأخوة: أردت في أمور العبادات ألا تشرع عبادة إلا بنص، لو أن إنساناً صام يوم غد لا يوجد مانع، لكن لا على أنه عبادة، لو إنسان قام في إحدى الليالي ليس عليه شيء، ولكن حينما يأتي بنص ضعيف ويلزم الناس في صيام ذلك اليوم أو قيام تلك الليلة والنص غير صحيح، أو ضعيف، أو لا يرقى إلى مستوى الصحة هذا تطرف في الدين، نحن نريد أن نعود بالإسلام إلى أصله إلى ينابيعه، نحن أمام مناسبات كثيرة، الإسراء والمعراج، النصف من شعبان، في محرم، في عاشوراء، لا بد من أن نتأكد من صحة النص، لأن العبادة أساسها النص، أما الأشياء أساسها الإباحة، والتحريم يحتاج إلى نص.
 شيء لا يغيب عن أذهانكم طالما تحدثنا عن البدعة، أيها الأخوة البدعة لها معنيان، هناك بدعة لغوية وهناك بدعة في الدين، البدعة اللغوية أي كل شيء جديد، هذا التكبير لم يكن على عهد النبي، هذه الإضاءة لم تكن على عهد النبي، هذا الفرش في هذا المسجد لم يكن على عهد النبي، هذا الماء الساخن للوضوء في الشتاء لم يكن على عهد النبي، هذا الماء البارد في الصيف لم يكن على عهد النبي، كل هذا المسجد بدع ولكن هذه البدع لغوية، أي شيء حسن لم يكن من قبل، كبرنا الصوت، لطفنا الجو، يسرنا السبل، أضأنا المصابيح، هذه بالمعنى اللغوي بدع لكن البدعة في اللغة لا شيء عليها، إلا أن العلماء قالوا: البدعة في اللغة محكومة بشيء؛ هي موقوفة على نوع استخدامها، لو فرضنا بدعة لم تكن على عهد رسول الله لكنها متوافقة مع الأمر والنهي، لا يوجد مانع، بدعة لم تكن على عهد رسول الله لكنها تصطدم مع قواعد الشرع.

البدعة اللغوية موقوفة على نوع استخدامها أما البدعة في الدين فمرفوضة كلياً :

 أوضح مثل أضعه بين أيديكم موضوع التصوير في الحفلات ولاسيما تصوير الحفلات النسائية، حرمة ما بعدها حرمة أن ألتقط صوراً ملونةً متحركة لنساء مسلمات في عرس هن كاسيات عاريات، وأن يعرض هذا الفيلم على الرجال ليعرف كل رجل من هذه ومن تكون فلانة، هذه محرمة أشد التحريم، لو أنك استخدمت مسجلة لسماع درس علم لا شيء عليها، لسماع قرآن لا شيء فيها.
 البدعة اللغوية موقوفة على نوع استخدامها، أما البدعة في الدين فمرفوضة كلياً، السبب الدين أتمه الله كما قلت في أول الدرس، هذا الدين من عند الله والله عز وجل كل ما عنده كامل كمالاً مطلقاً، أية إضافة على الدين اتهام ضمني له بالنقص، وأي حذف من الدين اتهام له بالزيادة، فأنت حينما تحذف أو حينما تضيف تتهم هذا الدين مرتين، تتهمه بالنقص أو تتهمه بالزيادة، وتتهم ما عند الله من كمال مطلق، والآية الكريمة التي تعرفونها جميعاً:

﴿ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة المائدة: 3 ]

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾

  والإكمال نوعي والإتمام عددي، قضايا الدين تامة من حيث العدد، طريقة المعالجة كاملة من حيث النوع، أي تفكير أن تضيف على الدين شيئاً فقد وقعت في منكر شديد، لأننا إذا سمحنا لإنسان أن يضيف شيئاً جديداً كنا في آخر الزمان مع ألف دين، مع مليون دين، والدين واحد.
 كيف يبقى الدين واحداً؟ إن لم نضف عليه شيئاً، كيف نحافظ على وحدة الدين؟ إن لم نحذف منه شيئاً، الفرق الإسلامية ما أسباب فرقتها وتشعبها وكثرتها؟ أنهم اعتمدوا نصوصاً غير صحيحة، الأصل الكتاب والسنة، فإذا جئنا بحديث موضوع أو حديث ضعيف صار هناك من يؤمن بهذا الحديث وأخذ خط، وخط ثاني، وخط ثالث ضاع الدين قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾

[ سورة الأنعام:159 ]

للدين كليات ثلاثة؛ كلية تعليمية معرفية وكلية سلوكية وكلية جمالية :

 أيها الأخوة الكرام، لازلت أقول لكم لا بد من أن نتمسك بهذا المنهج الذي جاء به النبي، كنت أقول دائماً الدين فيه كليات ثلاثة، كلية تعليمية معرفية، وكلية سلوكية، وكلية جمالية، يوجد شيء اسمه تطرف، وشيء اسمه تفوق، لو أخذت خطاً واحداً واعتنيت به على حساب الخطين الآخرين فهذا هو التطرف، لو جمعت الخطوط الثلاثة هذا هو التفوق.
 النبي عليه الصلاة والسلام من حيث العلم في أعلى درجة، من حيث الالتزام والسلوك في أعلى درجة، من حيث الاتصال بالله في أعلى درجة، الكلية الأولى معرفية، والثانية سلوكية، والثالثة جمالية، فالإنسان إذا تحرك على هذه الخطوط معاً تفوق، أما إذا اكتفى بخط واحد تطرف لأنه أخذ من الدين بعضه والدين شيء متكامل.
 يوجد شيء اسمه وحدة عضوية، جسم ما ممكن أن تقطع الرأس وتكتفي بالجسم، الرأس متكامل مع الأعضاء لأن حركات الأعضاء متعلقة بالدماغ، نقول يوجد وحدة عضوية في الجسم لا يمكن أن تلغي جهاز، إن ألغيت أحد الأجهزة تعطلت باقي الأجهزة، يوجد وحدة، وانسجام، وترابط عضوي في جسم الإنسان، وكذلك الدين.

((هذا دين ارتضيته لنفسي ولن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه.))

[رواه الرافعي عن أنس]

 فلا يتفوق في هذا الدين إلا من أحاطه بكل جوانبه، والمشكلة التي يعانيها المسلمون أن كل جماعة أخذوا زاوية من الدين واعتنوا بها كثيراً على حساب كليتيه الثانيتين فهناك من اعتنى بالفكر على حساب القلب، وهناك من اعتنى بالقلب على حساب الفكر، هناك من اعتنى بالسلوك على حساب القلب والفكر معاً، فلا بد من أن نتحرك على الخطوط الثلاثة لهذا الدين.

 

لا بدّ من جمع الكليات معاً من أجل أن نقطف ثمار هذا الدين :

 

 يوجد شيء أيضاً يمكن أن يضاف إلى هذه الحقيقة وهو أن الإنسان لا يستطيع أن يقطف ثمار هذا الدين بخط واحد، أي خط وحده يوجد معه مضاعفات خطيرة، لو الإنسان اكتفى بإصلاح قلبه ولم يعتني بعقله، ولم يعتني بسلوكه، يزيغ سريعاً، القلب سريع التحول، لو اعتنى بعقله سريعاً ولم يعتني بقلبه صار هناك تصحر، لو اعتنى بسلوكه ولم يعتني بعلمه صار جهل، لا بد من أن تجمع الكلية المعرفية مع الكلية السلوكية مع الكلية الجمالية من أجل أن تقطف ثمار هذا الدين.
 أيها الأخوة نحن مقبلين على شهر الصيام، الحقيقة أن شهر الصيام موسم سنوي الإنسان يمكن أن يتألق في هذا الشهر إلى أعلى درجة وهذا دورة مكثفة، أحياناً يقول: العناية المشددة، أنت يمكن أن تكون في هذا الشهر في دورة مكثفة جداً، وممكن أن تقفز في هذا الشهر قفزة نوعية إن شاء الله تعالى، ونحن الآن في النصف من شعبان وباقي أسبوعين إذا يوجد مشكلات يمكن أن تعمل تعكير أثناء الصيام إما أن تحلها الآن وإما أن تلجئها إلى ما بعد العيد، اجعل من هذا الشهر شهر صفاء، شهر حب، شهر تفرغ، الإنسان إذا ما اقتطع وقت لصفائه لا يقطف ثمار هذا الدين، فنحن يوجد شيء، لو أن الإنسان انطلق بسرعة، واحد رمضان يبلغ السرعة العالية، أما إذا انطلق في واحد رمضان إلى أن تزداد سرعته يكون مضى أسبوع، الآن إذا في مشكلة، أعمال، علاقات شائكة، الآن حاول في هذين الأسبوعين أن تحلها من أجل أن تكون جاهزاً ومنطلقاً إلى الله بسرعة عالية في أول رمضان فلعل الله سبحانه وتعالى يعتقنا في هذا الشهر الكريم من النار.
 يوجد شيء دقيق الإنسان عنده عدة مداخلات، فإذا ما ضبطها كلها معاً لا يجد للعبادة طعم، إذا في تفلت في النظر هذه العبادة لا تقطف ثمارها، إذا في تفلت في القول هذه العبادة لا تقطف ثمرتها، إذا في تفلت في المباحات هذه العبادة لا تقطف ثمرتها، لا بد من الضبط، والإنسان يهيئ نفسه قبل أن يأتي رمضان لكي يكون في أول رمضان في درجة من التأهب أو درجة من الجاهزية العالية.

بعض ما ورد من النصوص عن بعض الليالي الفضيلة :

 أضع بين أيديكم ما ورد من النصوص لترقى إلى مستوى الصحة عن هذه الليلة كما وعدتكم في أول الدرس:

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَطَّلِعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلا لاثْنَيْنِ مُشَاحِنٍ وَقَاتِلِ نَفْسٍ ))

[أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]

 معنى ذلك أن هذه الليلة كما ورد في هذا النص مناسبة لأن يغفر للعبد ذنبه، الحقيقة مغفرة الذنب شيء كبير جداً، المغفرة تغطي الماضي كله، أنت الآن تبت إلى الله جيد، شيء طبيعي جداً الإنسان يصحو ومع الصحوة يوجد توبة، والتوبة أول طريق الإيمان، بصراحة الله عز وجل لا يمكن أن ينظر إلى إنسان ويتجلى عليه ويرحمه إلا إذا أعلن توبته، فالتوبة شيء أساسي.
 صعد النبي المنبر عليه الصلاة والسلام فقال: آمين، صعد الدرجة الثانية فقال: آمين، صعد الدرجة الثالثة فقال: آمين، فقالوا: يا رسول الله علام أمنت؟ قال: جاءني جبريل فقال لي:

((...رغم أنف امرئ دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يغفر له...))

[البزار عن أنس بن مالك]

 أنت تظن قضية سهلة أن تخرج من كل ذنوبك كيوم ولدتك أمك، سهل أن يكون عليك ملايين الديون، ذهبت إلى التاجر فوجدت مئة واثنتين وثلاثين صفحة كلها مسحوبات، عليك ثمانية ملايين ونصف، قال: سوف أسامحك بها ونفتح صفحة جديدة هذه قليلة الإنسان.

(( عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. ))

[متفق عليه عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ]

(( عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَفَضَّلَهُ عَلَى الشُّهُورِ وَقَالَ: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. ))

[النسائي عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ]

 أنت لا تعرف ما معنى المغفرة؟ أي الماضي كله؛ ستون سنة، أربعون سنة، فيها أخطاء، فيها انحرافات، فيها تقصيرات، ممكن الماضي كله بلحظة يطوى وتعفى من المحاسبة. إذا رجع العبد إلى الله نادى مناد في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله.

 

شهر رمضان يجب أن يكون شهر عبادة خالصة لله عز وجل :

 

 

 يوجد أخ كريم سألني: الله قبل توبتي؟ حينما يقبل الله توبتك يملأ قلبك فرحاً، يملأ قبلك طمأنينة، يشعرك أنه قبل توبتك، يشعرك أنه أحبك، الإنسان أن تقبل توبته وأن يغفر ذنبه وأن يطوى الماضي بكلمة فشيء جميل جداً، ونحن أمام هذا الشهر الكريم، شهر التوبة، شهر المغفرة، شهر كتاب الله، شهر الإنفاق، شهر الصلح مع الله، دائماً يوجد عندنا شيء اسمه قفزة نوعية، العاصي يقفز في هذا الشهر إلى الاستقامة، المستقيم إلى العبادة الراقية، والذي في عبادة راقية إلى عبادة شهودية، كل إنسان له مقام عند الله في هذا الشهر، ففي هذا الشهر هناك قفزة نوعية.
 هذا الشيء يثلج الصدر، الشام بلد مبارك، نحن في رمضان أمام عرس، عرس بالمعنى الحقيقي، الإنسان يهيئ نفسه قبل رمضان بأسبوعين يهيئ علاقاته، يعمل خلوة، برنامج دقيق، النقطة الدقيقة أن أصل العبادة أنت مخلوق للعبادة، يوجد شخص إذا فرغ من عمله يصلي التراويح، لا ليس هذا القصد، الأصل صلاة التراويح، إذا عندك وقت آخر تفعل به ما تشاء. الأصل أن تقيم الشعائر، فنحن يوجد فرصة أنا أعتقد أنها ثمينة جداً، رغم أنف عبد أدرك رمضان ولم يغفر له فإن لم يغفر له فمتى؟!
 أما الناس تجد عندهم انحراف خطير، إكراماً لهذا الشهر الفضيل يقيم حفلة استثنائية، وإكراماً لهذا الشهر الكريم يقوم بأشياء لا ترضي الله عز وجل، وكله تحت غطاء إكراماً لهذا الشهر الكريم.
 إكراماً لهذا الشهر الكريم عليك أن تتوب إلى الله، وأن تطيعه، أول شيء في هذا الدرس طبعاً بعد هذا التمهيد الطويل، أنك أمام فرصة لا تقدر بثمن وهي أن تحوز مغفرة الله عز وجل في هذا الشهر، وأنا أريد أن نبدأ رمضان بسرعة عالية، لا أن نبدأه بسرعة ابتدائية تتزايد، لا من الآن صفي نفسك، يوجد أعمال لا تحل في رمضان، فيها مشاحنة، فيها مشكلة، الأمور العويصة دعها إلى ما بعد العيد، أو أنجزها في هذين الأسبوعين واجعل من هذا الشهر شهر عبادة خالصة لله عز وجل. إذاً قال عليه الصلاة والسلام:

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَطَّلِعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلا لاثْنَيْنِ مُشَاحِنٍ وَقَاتِلِ نَفْسٍ ))

[أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]

قم ما شئت أن تقوم وصم ما شئت أن تصوم ولكن العبرة أن تجعل حياتك كلها طاعة :

 عن علي بن أبي طالب قال: قال عليه الصلاة والسلام:

((عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: أَلا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ أَلا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ أَلا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ أَلا كَذَا أَلا كَذَا حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ ))

[ابن ماجه عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ]

 هذا الحديث لا يرقى إلى مستوى الصحة، لكن هذا الذي يفعله الناس مبني على هذا الحديث، على كلٍ أن تقوم الليل لا شيء عليك، أما أن تجعله عبادة وتلزم الناس بها وليس هناك نص قوي، هذا غير مقبول، أن تصوم النهار لا شيء عليك، صيام النافلة في أي يوم لا شيء عليك، لكن أن تجعله عبادة ملزمة هذا الذي لا نحب أن يكون فيه عدم تقيد في المنهج.
 أيها الأخوة، يوجد تسع كتب صحيحة لم أجد إلا هذه الأحاديث فقط وليست في البخاري ومسلم إلا في ابن ماجة، ومسند كتاب أحمد. الصيام مقبول والقيام مقبول، كن معتدلاً، قم ما شئت أن تقوم وصم ما شئت أن تصوم ولا شيء عليك ولكن العبرة أن تجعل حياتك كلها طاعة، أنا كما قلت أول الدرس قضية المناسبات أنه يوجد تفلت، تقصير، لا يوجد التزام، هؤلاء يعتنون بالمناسبات عناية فائقة، وهي منافس لهم صغيرة، أما المؤمن الصادق أيامه كلها استقامة، أيامه كلها إقبال على الله عز وجل، هذا الذي يرقى بالإنسان، والحقيقة أن الإنسان من دون تراكم لا يرقى، ومضات متباعدة لا تصنع منه مؤمناً، أما المتابعة حتى في العلم الذي يقرأ بالشهر صفحتين لا يصبح عالماً، إن لم تقرأ كل يوم عشرات الصفحات بل مئات لا تغدو عالماً، فالحركة البطيئة جداً، المتباعدة، غير المرتبة، غير النظامية هذه لا تصنع شيئاً، تصنع تطلعات، تصنع تمنيات، لكن لا تصنع إيماناً قوياً.
أيها الأخوة، كما قال عليه الصلاة والسلام:

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. ))

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 قام أي صلى التراويح، الإنسان ممكن أن يخفف من المناسبات الأسرية هذه يمكن أن تعيقه عن صلاة التراويح، اجعل المناسبات بعد رمضان.

 

إذا ضعف العلم بين الناس صار رمضان طقوساً بعد أن كان عبادات ترقى بالإنسان :

 إذا الإنسان عكف في بيته والتزم صلاته، والتزم نظاماً دقيقاً جداً، طبعاً الإنسان إذا دعي إلى ولائم قد تفسد الولائم عليه منهجه ونظام حياته في رمضان، وقد تعيقه عن صلاة التراويح، لأن أكثر الناس يعدون من الإكرام أن يلزموك بأن تأكل، والأكل الكثير قبل التراويح يعيق الصلة بالله عز وجل، فهذا الذي أريد أن أذكركم به؛ أنكم مقدمون على شهر هو فرصة ثمينة جداً للصلح مع الله، أو قفزة نوعية، والذي ألح عليه دائماً أن القفزة النوعية تستمر، تماماً كالدرج، جاء رمضان صعد درجة، صعود مستمر، من لم يكن في زيادة فهو في نقصان، والمغبون من تساوى يوماه، أما هذا الصعود والهبوط فغير مقبول، لا يوجد تقدم والنبي وصف المنافقين أنهم إذا صاموا رمضان هم كالناقة حبسها أهلها ثم أطلقوها لا تدري لا لمَ عقلت ولا لمَ أطلقت؟!
 لا يليق بالمؤمن أن تكون عباداته طقوس، أكثر الناس يسهرون حتى قبيل السحور، يتسحرون وينامون، أين صلاة الفجر؟ الأصل أنه يوجد سهرة واختلاط، مسلسلات، وأشياء مفرحة، أحياناً يأكلون الطعام في أماكن عامة حيث الاختلاط والتفلت وما شابه ذلك، طبعاً أنا لا أخاطب أناساً يفعلون ذلك، هذا ما يفعله عامة الناس أما الملتزمون في المساجد لهم بيوتهم ولهم التزامهم واتصالهم بالله عز وجل، ولكن إذا ضعف العلم بين الناس صار رمضان طقوس، عادات، تقاليد، فولكلور، شيء شعبي، من تراث الأمة، كان عبادة ترقى بالإنسان إلى أعلى عليين، كان عبادة تنجيك من عذاب النار، كان عبادة تسمو بها، صار طقس، طعام خاص، احتفالات خاصة، والشيء العجيب أن استهلاك المواد الغذائية برمضان يفوق حد الخيال، الله أراد في هذا الشهر أن تقلل من الطعام، والناس يستهلكون من الطعام أضعافاً مضاعفة، أي عكسوا النهار إلى الليل، كان يأكل من الصباح وحتى المغرب، صار يأكل من المغرب وحتى الصباح عملية عكس، وهذا كله بعد عن فقه الصيام، إن شاء الله أنا في دروس قادمة أتحدث عن ما قاله العلماء في الصيام وآثاره الجسمية، أي عملية صيانة الجسد صيانة سنوية، طبعاً هذا الجوع يسبب تجريح في الأمعاء، يوجد زوايا فيها تعفنات، الله أرادك في رمضان أن تأكل أكلاً معتدلاً في هذا الشهر، الاحتفالات كلها في رمضان، السهرات الرمضانية كلها في رمضان، فهذا شيء يتناقض مع العبادة، أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينجينا من هذا، أن تكون بيوتنا في رمضان بيوت إسلامية طبعاً وبعد رمضان.
 أنا ضد أن يفعل الإنسان شيء في شهر ثم يدعه، ما ارتقى إطلاقاً، الذي بدأت به الدرس المسلم ليس إيمانه إيمان مناسبات، إيمان مستمر، إيمان مناسبات ويعود بعدها إلى ما كان عليه، أما الإيمان المستمر في كل الأيام في رمضان، في كل الأيام في شعبان، كل الأيام في التاسع والعشرين من رجب، هذا هو وضع المؤمن، أرجو الله سبحانه وتعالى أن يحقق هذا المراد إنه سميع مجيب.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور