وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطبة : 0232 - متى تطيب نفس الإنسان ؟ - السيرة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا برُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بِخَبر ، اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

نفسُ الإنسان لا تطيب إلا بالاستقامة على أمر الله :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ في الخطبة السابقة تحدَّثتُ عن مصير الإنسان حينما وقفنا عند أواخر سورة الزمر ، قال تعالى :

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً﴾

[سورة الزمر : 71]

 وقوله تعالى :

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً﴾

[سورة الزمر : 73]

 وكيف أنّ الملائكة يقولون لهؤلاء المؤمنين حينما يُساقون إلى الجنّة سوق تكريم :

﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾

[سورة الزمر : 73]

 إنّ هذا السَّلام في الجنّة كان ثمنهُ أنّكم طِبتُم .
 فيا أيها الأخوة المؤمنون ؛ متى تطيبُ نفسُ الإنسان ؟ إذا استقام على أمر الله ، وإذا طاب عمله ، وإذا حسُن عمله ، تطيبُ نفسه ، فإذا طابتْ نفسهُ كانتْ مؤهّلةً بِفَضْل الله عز وجل لدُخول الجنّة ، ولن يستقيم الإنسان على أمْر الله تعالى ، ولن يحْسُن عمله ، ما لمْ تصِحّ عقيدتهُ ، فالخلل في العقيدة ينعكسُ على السُّلوك ، إما انحرافًا ، وإما تقصيرًا .
 فيا أيها الأخوة المؤمنون ؛ لابدّ من أن تصِحّ العقيدة ، لابدّ من أن يكون الإنسان في العقيدة الصحيحة التي يجبُ أن تُعلمَ بالضرورة ، فقد يتبادر للإنسان الغافل الجاهل أنّ الإنسان قد خُلِقَ عبثًا ، هذا المعنى إذا تصوَّر الإنسان أنّ الله سبحانه وتعالى خلق الخلْق عبثًا بلا هدفٍ كبير ، بلا حكمةٍ بالغة ، فإنّه ينحرفُ في سُلوكه ، ويضلّ في حياته ، ولا يسعى إلى هدفٍ معيَّن لأنّه يعتقد خطأ أن الله سبحانه وتعالى أنّما خلق الخلْق عبثًا ، لهذا جاءتْ آيات القرآن الكريم لِتَنْفيَ هذه الفكرة الخاطئة ، فقال تعالى :

﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 115]

 العبث أن يُخلق الخلْق بلا هدف كبير ، أهكذا ظننْتُم ؟ أنّما خلقناكم عبثًا وأنّكم إلينا لا ترجعون ، قال تعالى :

﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾

[ سورة المؤمنون : 116]

 تعالى الله أن يخلق الخلق عبثًا ، تعالى الله أن تنفيَ عن خلقه الهدف الكبير .

 

الخلل في العقيدة ينعكسُ على السُّلوك انحرافًا أو تقصيرًا :

 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ هناك هدفٌ كبير خُلِقْنا من أجله ، خلقتُ السموات والأرض ، ولم أعيَ بِخَلقهنّ ، خلقتُ لك السموات والأرض من أجلك ، وخلقتُك من أجلي ، وربّنا سبحانه وتعالى في آيةٍ أخرى ينفي أن يخلق الإنسان سُدى هكذا ، فيقول تعالى :

﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾

[ سورة القيامة : 36]

 المحسِنُ لا يُجازى ، والمسيء لا يُعاقب ، المنفق لا يكرّم ، والبخيل لا يؤاخذ ، أهكذا ؟ في الحياة قويّ وضعيف ، وغنيّ وفقير ، وصحيح ومريض ، وجميلٌ ودميم ، أهكذا تنتهي الحياة من دون حساب ؟ ومن دون جزاء ؟ من دون أن يُثاب المحسن ؟ من دون أن يُعاقب المسيء ؟ من دون أن يكرّم الكريم ؟ من دون أن يُحاسب البخيل ؟ قال تعالى :

﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾

[ سورة القيامة : 36]

 هذا الذي يعتقد أنّ الله سبحانه وتعالى خلق الخلْق عبثًا في عقيدته فسادٌ كبير ، وفسادُ عقيدته ربّما أدّى إلى فساد عمله ، فلا ينحرف الإنسان عن طريق الحقّ إلا لِفَسادٍ في عقيدته ، قال تعالى :

﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 115]

 إن لم يكن ذلك كذلك فما هو الهدف الكبير الذي خُلقنا من أجله ؟ ألا يجدرُ بنا أن نبحث عن هذا الهدف ؟ أفي الأرض كلّها شيءٌ يعلو على فهْم هذا الهدف ؟ أفي نشاطنا وحركاتنا وسكناتنا كلّ ما نفعل في الدّنيا هدفٌ يعْلو على فهم هذا الهدف ؟ قال تعالى :

﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 115]

 وفي الآية الثانية قال تعالى :

﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾

[ سورة القيامة : 36]

 هكذا من دون حساب ، من دون مسؤوليّة ، من دون تَبِعَة ، من دون جزاء ، من دون أن يكون مُدانًا ، لماذا كان يوم الدِّين - يوم الدِّين أي يوم الجزاء - من دون أن يحكم الله بين العباد ؟ من دون أن يفصِلَ بينهم ؟ قال تعالى :

﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى* فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾

[ سورة القيامة : 36-40]

 بلى ، يا ربّ أنت قادرٌ على أن تُحييَ الموتى ، فيجبُ أن نعتقد أنّ هذا الخلْق العظيم وراءهُ هدفٌ عظيم ، وأنّ هذا الإنسان سيُحاسبُ على كلّ حركةٍ وسكنة ، سيُحاسبُ على إحسانه ، وسيُحاسبُ على إساءته .

 

الهدف من خلق الإنسان :

 هناك شيءٌ آخر ، يقول الله سبحانه وتعالى :

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً﴾

[ سورة ص : 27]

 والشيء الباطل هو الشيء الزائل ، فالإنسان خُلِقَ لِيَبقى ، وربّما يفنى على وجه الأرض ، ولكنّ الله سبحانه وتعالى خلقهُ لِيَبقى في جنّة عرضها السموات والأرض ، ليس خلْقُ الإنسان باطلاً ، بمعنى أنّ الهدف من خلقه أن يخلد في جنّة يدوم نعيمها ، أو أن يدفعَ ثمن انحرافه في نارٍ لا ينفذُ عذابها قال تعالى :

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً﴾

[ سورة ص : 27]

 هذا الذي يعتقد أنّ الحياة تنتهي عند الموت ، وينتهي مع الموت كلّ شيء فلا يُحاسبُ المحسن ، ولا يُعاقب المسيء ، ولا يغتني الفقير ، ولا يفتقر الغني ، هذا الذي يعتقد الموت نهاية الحياة في عقيدته زَيَغ خطير ، وهذا الزّيغ الخطير يؤدّي به إلى انحرافٍ في العمل، أو تقصير فيه . قال تعالى :

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾

[ سورة ص : 27]

 هؤلاء الذين كفروا من لوازم كفرهم أنّهم يعتقدون أنّ الحياة هي كلّ شيء ، وفيها كلّ شيء ، فالسعيد من كان فيها قويًّا غنيًّا ، والشقيّ من كان فيها ضعيفًا فقيرًا ، قال تعالى :

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴾

[ سورة ص : 27]

 إذًا الله سبحانه وتعالى لم يخلق الخلْق عبثًا ، ولم يخلق الإنسان سُدًى ، ولم يخلق ما في السموات والأرض باطلاً .
 والآية الأخيرة قوله تعالى :

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء : 16]

 لم يُخْلق الخلْق عبثًا ، ولا سُدى ، ولا باطلاً ، ولا لعبًا ، هذه الكلمات الأربع تصبّ في حقلٍ واحدٍ ، أيْ خلْقٌ بلا هدف ، خلقٌ طارئ ، خلْقٌ ينقضي مع انتهاء الحياة ، قال تعالى :

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء : 16-17]

 ما دام هناك حياةٌ ، وموتٌ ، وألَمٌ ، وشقاءٌ ، ومرضٌ ، وفيضانٌ ، وزلزالٌ ، وموجاتٌ من الفقْر ، وجوائح ، ونكبات ، ومآسي ، هذه كلّها خُلِقَتْ لِهَدفٍ كبير ، لمْ تُخْلق عبثًا، قال تعالى :

﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء : 17]

الحكمة من خلق السموات و الأرض و خلق الإنسان :

 أيها الأخوة الأكارم ، مادام خلق السموات والأرض ، وخلق الإنسان ، وخلق كلّ شيء ليس عبثًا ، ولا سُدى ، ولا باطلاً ، ولا لعبًا ، ولا لهوًا ، فلماذا خلق الله السموات والأرض؟ ولماذا خلق الإنسان ؟ يأتي الجواب في قوله تعالى :

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾

[ سورة الحجر ]

 فالحقّ أيها الأخوة ، ليس عبثًا ، وليس سُدى ، والحقّ ليس باطلاً ، والحق ليس لعبًا ، والحق ليس لهوًا ، فسَّرَ بعض العلماء الحقّ بأنّه الشيء الثابت ، وبأنّه الشيء الهادف ، خلق الله السموات والأرض ، وخلق الإنسان لهَدَفٍ كبير ، فمعرفة الهدف شيءٌ خطير .
 آياتٌ أخرى تتحدَّث في موضوع يتَّصل بهذا الموضوع ، يقول الله سبحانه وتعالى:

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾

[ سورة إبراهيم: 32-34]

 السموات والأرض مسخَّرة للإنسان ، مياه الأمطار مسخّرة للإنسان ، إخراج الثمرات مسخّرة للإنسان ، الفلْك يجري بأمره مسخّر للإنسان ، الشمس والقمر مسخَّراتٌ للإنسان، الليل والنهار مسخّر للإنسان ، قال تعالى :

﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾

[ سورة إبراهيم :34]

 وفي آية أخرى قال تعالى :

﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ﴾

[ سورة النحل : 12]

 وفي آية أخرى ، قال تعالى :

﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً ﴾

[ سورة النحل : 14]

 وفي آية رابعة ، قال تعالى :

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ﴾

[ سورة الحجّ : 13]

 وفي آية خامسة ، قال تعالى :

﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾

[ سورة لقمان : 20]

 هذه الآية الأخيرة تشملُ كلّ شيء ، هذه المجرات التي تقدّر بمليون مليون مجرّة ، وهو أحدثُ رقم ، وفي كلّ مجرّة مليون مليون نجم ، هذه المجرات ، وهذه السموات والأرض ، هذه الكواكب السيارة ، المجموعة الشمسيّة ، دربُ التبّانة ، الأرض وما عليها من بحار ، ومن أطيار ، ومن أسماك ، ومن جبال ، هذه كلّها مُسخَّرةٌ للإنسان .

 

تسخير السموات و الأرض للإنسان لمعرفة الله و السعادة بقربه :

 أُعيد على أسماعكم هذه الآية الأخيرة ، قال تعالى :

﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾

[ سورة لقمان : 20]

 آيةٌ أخرى تشبهها ، قال تعالى :

﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

[ سورة الجاثية : 13]

 ما من شيءٍ خلق على وجه الأرض - ما بين السماء والأرض- إلا وهو مسخّر للإنسان ، فمن أنت أيّها الإنسان ؟ من أنت أيّها الإنسان حتى تُسخّر لك السموات والأرض ؟ حتى تُسخَّر لك المجرات ؟ حتى تُسخَّر لك الشّمس ؟ حتى يُسخّر لك القمر ؟ من أنت حتى تُسخّر لك الجبال وما فيها من مياه ، وما على الأرض من أنهار ، ومن سهول ، ومن أطيار ، ومن رياحين ، ومن أزهار ، ومن نباتات ، ومن محاصيل ؟ من أنت أيها الإنسان ؟ لا شكّ أنّ هذا الإنسان الذي سُخِّرَ له كلّ ما في السموات والأرض ، سُخِّر له كلّ ما في السموات والأرض هو الإنسان الذي كرّمه الله سبحانه وتعالى ، جعلهُ أعلى مخلوقاته ، قال تعالى :

﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾

[ سورة الإسراء : 70]

 الآيات الأولى تنفي أن يكون الخلْق عبثًا ، تنفي أن يكون الخلق سُدًى ، تنفي أن يكون الخلْق لعبًا ، تنفي أن يكون الخلق باطلاً ، تنفي أن يكون الخلق لهوًا ، والآيات الثانية تؤكّد أنّ كلّ ما خلقه الله سبحانه وتعالى مُسَخَّرٌ للإنسان ؛ قال :

أتَحْسبُ أنّك جرمٌ صغير  وفيك انطوى العالم الأكبر ؟
***

 خلقت السموات والأرض من أجلك ، فلا تتْعَب ، وخلقْتُكَ من أجلي فلا تلعب ، فبِحَقّي عليك ، لا تتشاغل بما ضمِنتهُ لك عمّا افْترضْتُهُ عليك ، لماذا خلق الله الإنسان ؟ جاء أعرابيّ إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، قال : يا رسول الله ، جئتك لِتُعلّمني من غرائب العلم ، فقال عليه الصلاة والسلام : وماذا صنعْت في أصل العلم ؟ قال : وما أصلُ العلم ؟ فقال : هل عرفت الربّ ؟ كأنّ معرفة الله سبحانه وتعالى ، وطاعته ، والتقرّب إليه هو الهدف الكبير من وُجود الإنسان على وَجه الأرض ، هل في المخلوقات مخلوقٌ حقّق الهدف الذي أراده الله سبحانه وتعالى ؟ نعم ، إنّه النبي عليه الصلاة والسلام ، إذا درسنا سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ، وإذا وقفنا على دقائق حياته ، إذا تعرَّفنا على شمائله ، إذا اقْتفيْنا سنّته ، إذا طبّقنا شريعته ، نكون في طريق تحقيق الهدف الذي خُلقنا من أجله ، ها هو ذا شهر بيع يُطلّ علينا ، وها هو ذا عيد المولد النبويّ الشريف يُطلّ علينا أيضًا ، إنّ الاحتفال بعيد المولد النبويّ الشريف ليس أن تقيم الحفلات ، ولا أن تأكل ما لذّ وطاب ، ولا أن تتكلّم كلامًا مألوفًا معادًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، الأمْر أخطرُ من ذلك ، أنت على وجْه الأرض لمْ تخلق عبثًا ، بل سُخِّرَت لك ما في السموات والأرض ، لماذا سُخِّرَتْ لك ؟ من أجل أن تعرفهُ ، ومن أجل أن تعبدهُ ، ومن أجل أن تسْعَدَ بقُربِهِ .

 

العبادة طاعة طوعية :

 لذلك حينما قال الله سبحانه وتعالى :

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات : 56]

 فسَّرَ بعض العلماء العبادة بأنّها طاعةٌ طَوْعِيَّة ، تسبقها معرفةٌ يقينيّة ، تفضي إلى سعادةٍ أبديّة ، وفي العبادة أشياء ثلاثة هي ؛ طاعة الله عز وجل ، ولكنّ هذه الطاعة ليْسَت قسريّة ، الإنسان قد يُطيعُ إنسانًا قهرًا ، وقسْرًا ، ولكنّ العبادة لا ترقى إلى مستواها الذي أراده الله إلا أن تكون طاعةً طوعيّة ، لهذا يقول الله سبحانه وتعالى :

﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾

[ سورة البقرة : 256]

 طاعةً طَوْعِيَّة ، لن تُطيع الله عز وجل ، ولن تستقيم على أمره ، ولن تنضبط بالسُّلوك النبويّ الشريف ، ولن تقف عند حُدوده ، ما لم تعرفهُ ، إذا عرفتَ الآمِر تُطَبّق الأمْر، وحينما نتعرّف إلى الأمر قبل الآمِر يكون الزّيغ ، وتكون الحِيَلُ الشَّرعيّة ، وتكون الانحرافات ، ويكون التقصير ، ويكون النّفاق ، ويكون الظاهر والباطن ، أما إذا عرفْت الآمر قبل أن تعرف الأمْر ، عندها تقف عند حدّك ، وتعرف الهدف من خلقك .
 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ الطائفتان من الآيات الكريمة ، الأولى تنفي أن يكون الخلق عبثًا ، وتنفي أن يكون الخلْق باطلاً ، وتنفي أن يكون الخلق لهْوًا ، وتنفي أن يكون الخلْق لعبًا ، وتنفي أن يكون الخلْقُ سُدًى ، والآيات الثانية تؤكّد أنّ كلّ ما في السموات والأرض جملةً وتفصيلاً ، ما كبُرَ في أعْيُنِكُم ، وما صغُر ، ما كان جليلاً ، وما كان حقيرًا ، ما كان مؤذيًا ، وما كان نافعًا ، ما كان كبيرًا ، وما كان صغيرًا ، كلّه مسخَّرٌ للإنسان ، وأنت لماذا خُلقْت ؟ خُلقْت كي تعرف الله سبحانه وتعالى ، وكي تعبدهُ ، من أجل أن تسعد بِقُربِهِ .

 

من أراد أن يعرف نفسهُ فليتعرّف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم :

 فيا أيها الأخوة المؤمنون ؛ هذه الأفكار ، هذه المنطلقات النظريّة - إن صحّ التعبير - هذه الفلسفة لن تكون مجديةً ما لم يكن إنسانٌ من بني البشر ، من ذات جلدتنا ، من بني جلدتنا ، من ذات جبلّتنا ، لا بدّ من أن يكون إنسانٌ قد تمثّلَتْ فيه كلّ هذه المعاني ، ولابدّ من القدوة الحسنة ، ولابدّ من الأُسْوَة الصالحة ، ولابدّ من المثَل الذي يجب أن يُحْتذى ، لهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام هو المثل الأعلى ، وهو الأُسْوة الصالحة ، وهو القُدْوة الحسنة ، فمن أراد أن يعرف نفسهُ ، فليتعرّف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، إنّه الإنسان الأوّل الذي حقّق الهدف من وُجوده ، إنّه الإنسان الذي كان محمودًا في الأرض ، ومحمودًا في السماء، إنّه الإنسان الذي جاء إلى الدنيا ، وخرج منها ، وقد ربِحَ فيها ربْحًا لا حدود له ، كم من إنسانٍ يولدُ ويموت ويعيشُ على هامش الحياة ؟ يعيشُ ليأكل ، أو يعيشُ لِيَنغمسَ في الملذّات، ويأتي الموت ، ويُنهيه ، وكأنّه لم يكن و يبقى العذاب الأبديّ ، لهذا ورد في بعض الأثر أنّه ما من بيتٍ إلا وملكُ الموت يقف فيه في اليوم خمس مرات ، فإذا رأى أنّ العبد قد انقضى أجله ، وانقطع رزقهُ ، ألقى عليه غمّ الموت فغَشِيَتْهُ سكراتهُ ، فمِنْ أهل البيت الضاربة وجهها ، والصارخة بِوَيلِها ، فيقول ملك الموت : فيم الجزع ؟ وممّ الفزع ؟ ما أذهبتُ لواحد منكم رزقًا ، ولا قرَّبت له أجلاً ، وإنّ لي فيكم لعَوْدة ، ثمّ عودة ، حتى لا أُبقي منكم أحدًا ، فو الذي نفسُ محمّد بيده ؛ لو يرَوْن مكانه ، أو يسمعون كلامه ، لذَهِلوا عن ميِّتهم ، ولَبَكَوا على أنفسهم ، إذا سارَتْ الجنازة تُرَفْرف روح هذا الميّت فوق النّعْش ، تقول : يا أهلي ، يا ولدي لا تلعبنّ بكم الدّنيا كما لعِبَتْ بي ، جمعتُ المال مما حلّ وحرم ، فأنفقتهُ في حلّه وفي غير حلّه ، فالهناء لكم ، والتَّبعة عليّ .
 أيها الأخوة المؤمنون ؛ إذا تعرّفنا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فإنّما نتعرّف إلى أنفسنا ، لماذا خُلقنا على وجه الأرض ؟ إذا تعرّفنا إلى سيرته فكأنّما نتعرّف إلى المنهج الذي ينبغي أن نسير عليه ، إذا تعرَّفنا إلى أخلاقه فكأنّما نتعرّف إلى الأخلاق التي ينبغي أن نتحلّى بها ، إنّ التعرُّف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم شيءٌ أساسي في حياة المؤمن ، ليس ترفًا، وليس من باب تحصيل الزّيادة أن نتعرّف إلى النبي عليه الصلاة والسلام إنّه الإنسان الأوّل ، والإنسان الكامل ، إنّه الإنسان الذي حقّق الهدف الأكبر من وُجود الإنسان على وجه الأرض ، قال تعالى :

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾

[ سورة الأحزاب : 21]

قراءة الأحاديث الشريفة وشمائل النبي منهج لنا :

 ذِكْرُ الله تعالى ذكرًا كثيرًا علامة الصِّدْق ، لأنّ المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً ، فمن كان يرجو الله واليوم الآخر ، وذكر الله كثيرًا ، يكون النبي عليه الصلاة والسلام أُسْوةً حسنةً له ، لذلك قراءة الأحاديث الشريفة ، قراءة السنّة النبويّة المطهّرة ، وقراءة شمائل النبي عليه الصلاة والسلام والتعرّف عليها ، هذا منهج لنا ، من هنا قال سيّدنا سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه : " ثلاثةٌ أنا فيهنّ رجل ، وفيما سوى ذلك فأنا واحدٌ من الناس ، ما سمعتُ حديثًا من رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلا علمْتُ أنّه حقّ من الله تعالى " أي أنت إذا قرأت حديثًا عن رسول الله صحيحًا ، وفيه توجيه في طريقة البيع والشّراء ، أتَأخذُ به أم تراه لا يتناسبُ مع هذا العصْر ؟ إن رأيْت أنّ هذا الحديث الذي فيه تَوجيهٌ دقيق في طريقة البيع والشّراء ، إذا رأيت في هذا التوجيه توجيهًا لا يتناسب مع هذا العصر فأنت لا تعرف رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وأنت لا تعرف نفسك من باب أولى ، وإن رأيت أنّ هذا التوجيه ليس من عند رسول الله ، بل هو حقّ من الله تعالى ، من الخالق ، عندئذٍ تأخذ به ، وتسْعد بهذا التطبيق ، هذه الأحاديث النبويّة الشريفة لا ينبغي أن تقرأ لِنَطَّلِعَ عليها ، يجبُ أن تُقرأ ، وأن تُدرَّس ، وأن تفهَم لِنَأخذ بها ، وإلا ما احتفلنا بِمَولد هذا النبي العظيم ، هذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلّم رسَمَ لنا منهجًا ، وسنّ لنا سنّة ، وأعطى لنا طريقةً يجبُ أن نسير عليها حتى نسْعد بِحياتنا ، ونسعد بآخرتنا .
 حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطّى غيرنا إلينا فلْنَتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتْبعَ نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

التعرف إلى السنة النبوية الشريفة :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ حينما قال الله سبحانه وتعالى :

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾

[ سورة الأحزاب : 21]

 فالنبي عليه الصلاة والسلام لابدّ من أنّه ذاق كلّ شيءٍ يمكن أن يذوقه الإنسان في الدنيا ، ووقفَ الموقف الأكْمَل في أخلاقه ، وفي سُلوكه ، وفي أقواله ، وفي أعماله ، فكانتْ أقواله سنّة ، وكانتْ أعماله سنّة ، وكان إقرارهُ سنّة ، وكانَتْ صفاته سنّة ، لهذا تعرَّف السنّة النبويّة المطهّرة بأنّها ما صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم من قولٍ ، أو عملٍ ، أو إقرار، أو صفة ، صفاته سنّة ، إقراره سنّة ، أقواله سنّة ، أفعاله سنّة ، فالله سبحانه وتعالى أذاقهُ طعْم الفقْر ، دخل بيته يومًا فلمْ يجِد شيئًا ، فقال : إنِّي صائم ، وأذاقهُ طعم الغنى ، سألهُ رجلٌ : لمن هذا الوادي يا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ فقال : هو لك ، قال : أتهزأُ بي ؟ فقال : لا ، هو لك فقال : أشهد أنّك رسول الله تُعطي عطاء من لا يخشى الفقر . أذاقه تعالى طعْم النَّصْر فدخل مكَّةً فاتحًا ، مكّة التي ائْتمرَتْ عليه ، وأخْرجَتْهُ ، وائْتمرَت على قتله ، قال : ما تظنّون أنِّي فاعلٌ بكم ؟ قالوا : أخٌ كريم ، وابن أخٍ كريم ، قال : اذهبوا فأنتم الطّلقاء . وأذاقه طعم القهْر في الطائف ، فقال : يا ربّ ، إنِّي أشكو إليك ضعف قوّتي ، وقلّة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا ربّ المستضعفين إلى من تكلني ؟ إن لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا أُبالي ، ولك العتبى حتى ترضى ، لكنّ عافيتَكَ أوْسَعُ لي . أذاقه تعالى طعْمَ موت الولد ، ما زاد على أن قال : إنّ العَين لتَدْمع ، وإنّ القلب ليحزن ، ولا نقول ما يُسخط الربّ ، وإنّا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون . وحديث الإفك الذي أرجفهُ في المدينة أناسٌ حول السيّدة عائشة رضي الله عنها ، ماذا فعل ؟ وقفَ الموقف المشرّف ، وقفَ الموقف الهادئ ، وقفَ الموقف الذي يليق بالإنسان .
 أيها الأخوة المؤمنون ؛ لو تتبَّعتم سيرته صلى الله عليه وسلّم ، تتبَّعتم حياته ، تتبعتم أقواله ، تتبعتم أفعاله لرأيتم فيه المثَل الأعلى ، لذلك إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، إن كنتم ممّن تذكرون الله تعالى كثيرًا ، إن كنتم ممّن ترجون الله والدار الآخرة ، عندئذٍ يكون النبي عليه الصلاة والسلام قدوةً لكم ، وأُسْوةً ، ونِبراسًا ، ومثلاً ، وهذه هي حقيقة الاحتفال بِذِكرى المولد النبوي الشريف ، أن تتّخذ من هذا النبي العظيم قدوةً ، أُسْوةً ، ونِبراسًا ، ومثلاً، وأن تجعل من أقواله ، وأفعاله ، ومن إقراره ، ومن صفاته ، ومن مواقفه ، ومن أحواله مثلاً أعلى لك في حياتك ، فلذلك يجبُ أن نتعرّف إلى السنّة النبويّة المطهّرة ، احضروا مجالس العلم التي فيها حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، تعرّفوا إلى أقواله ، يقول عليه الصلاة والسلام : " لا تقل لو أني فعلت كذا وكذا ، ولكن قل قدّر الله وما شاء فعل ، فإنّ كلمة لو تفتح عمل الشيطان . . ."
 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ لو ألغينا من حياتنا كلمة لو ، كما وجّهنا النبي عليه الصلاة والسلام ، كيف تكون حياتنا ؟ إنّ كلّ الآلام ، وكلّ المتاعب ، وكلّ الأحاسيس المؤلمة، إنّ كلّ المآسي ، سببها أن تطرح كلمة لو كما لو أنّها صحيحة ، لا تقل لو أني فعلت كذا وكذا، ما تعلّمت العبيد أفضل من التوحيد ، قال تعالى :

﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾

[ سورة الشعراء : 213]

 كلمة لو تنفي التوحيد ، لو أنِّي فعلتُ كذا لكان كذا ، لو لم أفعل كذا لكان كذا ،
 ولكن قل قدّر الله وما شاء فعل .
 أرجو الله سبحانه وتعالى في الخطب القادمة أن يكون فيها بعض من أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام ، وشمائله حتى تكون أُسوةً لنا نتأسّى بها في حياتنا .

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَنا فيمن تولَيت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تهلكنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

تحميل النص

إخفاء الصور