وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0161 - الدنيا متاع الغرور - مرض الإيدز
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :

 الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ، ولا اعتصامي ، ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا برُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، وما سمعت أذنٌ بِخَبر .
 اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين ، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

وعد الله .

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ في سورة فاطر آية ، لو تنبَّه الإنسان إلى معناها لحدَثَ في حياته تطوُّر جذري ، لو التفتَ الإنسان إلى ما تعنيه لكان في حياته تغيير شامل ، ربُّنا سبحانه وتعالى يقول :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 5]

 الموت حقّ ، والبرزخ حقّ ، والنّشور حقّ ، والبعث حقّ ، والوقوف بين يدي الله يوم القيامة حقّ ، والجنّة حقّ ، والنار حقّ ، ومعنى الحقّ أنّه لابدّ من أن يقع ، وُقوعه محتّم ، قال تعالى :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾

[ سورة النور الآية : 55]

 وعدُه حق ، الله سبحانه وتعالى وعدَ المُرابي بالمحق ، وبالدّمار ، قال تعالى :

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 276 ]

 وعدَ المؤمن بحياةٍ طيّبة ، قال تعالى :

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النحل الآية : 97 ]

 وعد المعرض بالمعيشة الضّنك ، قال تعالى :

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾

[ سورة طه الآيات :124-126]

الفرق بين الوعد والوعيد .

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ في القرآن وعدٌ ووعيد .

الوعد :

 وعدٌ بالخير لمن استقام على أمره .

الوعيد :

 ووعيدٌ بالسوء لمن حاد عن منهجه .
 والوعد والوعيد لاشكّ محقّقان .

 

وعد الله حق .

 قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 5]

 ما الذي يحجبُ الناس عن أن يكونوا في المستوى الذي أراده الله لهم ؟.
 ما الذي يُبعد الناس عن طريق الحق ؟.
 ما الذي يشغل الناس عن طاعة ربّهم ربّنا سبحانه وتعالى ؟.
 في هذه الآية بيَّن الخطرَيْن الكبيرين اللّذين وراء انحراف الناس عن طريق الحقّ ، قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة فاطر الآية : 5]

 معنى تغرنّكم أيْ لا تظنّوها بِحَجْم أكبر من حجمها ، قد ترى علبةً فخمة فتظنّ فيها شيئًا ثمينًا ، تفتحُ العلبة فإذا فيها شيءٌ رخيصٌ ، ولا قيمة له ، وشيءٌ تافه ، ماذا حدث ؟ أصابك الغرور ، اغْتَرَرْتَ بهذه العلبة ، وهذا مثَلٌ بسيط ، وقد يغترّ الإنسان بالدّنيا ، فيراها بِحجم أكبر من حجمها ، فإذا جاء الوقت المعلوم ، وجاءتْ الساعة تعود الدنيا إلى حجمها ، عندئذٍ يقول :

﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾

[ سورة الفجر الآية : 24]

﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان الآية : 28]

 عندئذٍ تقع الندامة ، قال تعالى :

﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾

[ سورة الزمر الآية : 56 ]

 هذه الحالات ؛ حالات النَّدَم الشديد تُصيب الإنسان حين يُشارك الدار الآخرة ، وحينما يُكشف له الغطاء ، قال تعالى :

﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾

[ سورة ق الآية : 22]

 حينما تتبدّى الحقائق ، فرعون قال ، كما قال تعالى :

﴿ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة يونس الآية : 90]

 لابدّ من لحظةٍ تنكشف لك الحقيقة ، وتعرف الحقّ حقًا ، والباطل باطلاً ، ولكن إن كانتْ هذه اللّحظة عند الموت ، فيا ويْل هذا الإنسان ، لأنّ النفْس عندئذٍ لا ينفعها إيمانها ، قال تعالى :

﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ﴾

[ سورة الأنعام الآية : 158]

 قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة فاطر الآية : 5]

 من أصبح وأكبر همِّه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه ، وشتّت عليه شمْله ، ولم يؤتِهِ من الدّنيا إلا ما قُدِّرَ له ، ومن أصبح وأكبر همّه الآخرة جعل الله غناه في قلبه ، وجمع عليه شمْله ، وأتتْهُ الدنيا وهي راغمة ، لا تغرنّكم الحياة الدنيا ، إذا أصبح أحدكم آمنًا في سربه ، معافًى في جسده ، له قوت يومه فكأنّما حيزَتْ له الدنيا بِحَذافرها ، ليس لك إلا ما أكلْت فأفْنَيْت ، أو لبسْتَ فأبلَيْت ، أو تصدَّقْتَ فأبْقَيت .
 عبدان من عباد الله آتاهما الله مالاً ، وقفا بين يدي الله يوم القيامة ، فقال للأوّل أعطيْتُك مالاً فماذا صنعتَ فيه ؟ قال : يا ربّ ، لم أُنفق منه شيئًا مخافة الفقر على أولادي من بعدي ، قال : ألَمْ تعلم أنّي أنا الرزاق ذو القوّة المتين ؟ إنّ الذي خشيتهُ على أولادك من بعدك قد أنزلتهُ بهم ، أي كانوا فقراء ، ويقول للعبد الثاني ، أي عبدي أعطيتُكَ مالاً فماذا صنعْتَ فيه ؟ يقول هذا العبد : يا ربّ ، لقد أنفقته على كلّ محتاجٍ ومسكين ، لثقتي أنّك خيرٌ حافظًا ، وأنت أرحم الراحمين ، فيقول الله عز وجل : عبدي أنا الحافظ لأولادك من بعدك .
 لا تغرنَّكم الحياة الدنيا ، لا ترَوْنها بِعَين مريضة ، وواحدة ، وبحجمٍ أكبر من حجمها ، لا تُعطوها أهميّة كبرى ، لا تعصوا الله من أجلها ، لا تدعوا فرض صلاةٍ من أجلها ، لا تدعوا مجلس علمٍ من أجلها ، لا تدعوا قراءة القرآن من أجلها ، لا تدعوا الدعوة إلى الله من أجلها ، إن فعلتم ذلك فقد اغتررْتُم بهذا ، وأعطيتُموها حجمًا يزيدُ عن حجمها بكبير ، عندئذٍ تأتي الحسرة والنّدامة عند الموت ، وعندئذٍ يقول العبد : يا ليتني قدَّمتُ لحياتي ، قال تعالى :

﴿ فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾

[ سورة الفجر الآيات : 25-26]

 قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة فاطر الآية : 5]

 حق ، لابدّ يا قُييْس من ساعةٍ تنزلُ بها إلى القبر ، ولا ينزلُ إلى القبر إلا عملك ، فإن كان كريمًا أكرمك ، وإن كان لئيمًا أسْلمك ، إنّ أكْيَسَكم أكثركم للموت ذكرًا ، وأحزمَكُم أشدّكم استعدادًا له ، ألا وإنّ من علامات العقل التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والتزوّد بِسُكنى القبور ، والتأهّب لِيَوم النشور .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ حينما يوضَع الإنسان في القبر أوّل ليلةٍ يقول الله عز وجل : عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقُوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحيّ الذي لا يموت ، قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة فاطر الآية : 5]

 الاقتصاد في المعيشة خيرٌ من بعض التجارة ، إنّ تجارةً تقوم على الربا ، وعلى الكذب ، وعلى الانحراف ، الاقتصاد في المعيشة خيرٌ من بعض التجارة ، لا تعصي الله من أجل الدّنيا ، لا تدع فرائض الله من أجل الدنيا لِتَكن الآخرة أكبر همّك ، ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا يا ربّ ، ولا مبلغ علمنا .
الخطر الأوّل حبّ الدنيا ، والخطر الثاني هو الشيطان .
 الشيطان يلقي في أُذن الإنسان أفكارًا غير صحيحة ، قال تعالى :

﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران الآية : 175]

 قال تعالى :

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء الآية : 27]

 ابن عمر دينك دينك إنّه لحمك ودمك ، خُذْ عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا .
 الشيطان يقول لك : الأمَد إلى الآخرة طويل ، أين أنت ؟ لازلْت شابًّا ، يغرّك بالدّنيا ، مع أنّ الدنيا تغرّ ، وتضرّ ، وتمرّ .
 أيها الإخوة ؛ الشيطان يقول لك : غدًا يُشفعُ لنا عند النبي عليه الصلاة والسلام ، شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام حقّ ، ولكنّها ليْسَت بهذا المفهوم الساذج الذي يفهمه العصاة ، يا فاطمة بنت محمّد ، ويا عباس عم رسول الله ؛ أنقذا نفسيكما من النار ، أنا لا أُغني عنكما من الله شيئًا ، لا يأتيني الناس بأعمالهم ، وتأتوني بأنسابكم ، من يبطئ به عمله لم يُسرع به نسبُه .
 مفهوم الشفاعة لها مفهومٌ آخر ، أرقى من هذا المفهوم الساذج ، أن اعْص الله ، وأشْرك به ، وافعَل كلّ المعاصي ، ثمّ يقول صاحبنا : غدًا يُشفعُ لنا هذا من وسْوسة الشيطان ، هذا من تغرير الشيطان ، قد يقول الشيطان قولاً آخر ، إنّ الله عز وجل لن يُحاسبنا عن هذه الأعمال ، قال تعالى :

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الحجر الآيات : 92-93]

 الكتاب هو مقياس الحقيقة ، ومقياس العقيدة ، لا تعتقد عقيدةً لم ترِد في كتاب الله تعالى ، لا تعتقد عقيدةً مخالفةً لكتاب الله ، هذا من الخطأ ومن الضلال البعيد ، إيّاك أن تغترّ بالدنيا ، وإيّاك أن تسمح للشيطان أن يغرّك بالله ، قد تبدو الآية الثانية بعيدةً عن الأفهام ، قد يأتي إنسان ، ويقول لك : إنّ هذا القاضي الذي لك عندهُ قضيّة إذا أعطيْتهُ مبلغًا من المال يحكم لك ‍! والقاضي فوق ذلك ، فالقاضي نزيهٌ جدًّا ، وعادلٌ جدًّا ، ووقورٌ جدًّا ، فهذا الذي ألقى في أُذنك هذه الكلمة ، قد غرَّك بالقاضي ، وجعلك تظنّ بالقاضي ظنًّا هو منه بريء ، وقد يقول طالبٌ لآخر : هذا المدرّس إذا قدَّمتَ له هديّة يعطيك الأسئلة قبل الامتحان ، والأستاذ فوق ذلك وأنْزَهُ من ذلك ، وأعْدَلُ من ذلك ، فإذا سَمِعَ هذا الطالب لهذا الطالب فقد اغترّ بالأستاذ ، وهو منه بريء ، فأيّ شيءٍ يلقيه الشيطان في أُذن الإنسان عن الله سبحانه وتعالى هو باطل ، ولن يُحاسبنا ، ولن يدقّق علينا ، لن نبقى في النار إلا أيّاما معدودات ! هذه مقولة اليهود ، ونحن أبناء الله وأحبّاؤُه ، قال تعالى :

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾

[ سورة المائدة الآية : 18]

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 5 ]

الخلاصة :

 ملخّص الآية ؛ إيّاكم أن تظنّوا أو أن ترَوا الدنيا بِحَجمٍ أكبر من حجمها ، سيّدنا عليّ كرّم الله وجهه ، جلسَ في مُصلاّه وجعل يبكي ، ويخاطب الدنيا ، ويقول : إليكِ عنّي يا دنيا ، وغُرِّي غيري ي دُنيا ، لقد طلَّقتُك بالثلاث ، لا رجعة لك ، عمرك قصير ، ومجلسك حقير ، وخطرك يسير آه مِن قلّة الزاد ، وبعْد السّفر ، ووحْشة الطريق ، فطلّقها بالثلاث ، من أصبح وأكبر همِّه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه ، وشتّت عليه شمْله ، ولم يؤتِهِ من الدّنيا إلا ما قُدِّرَ له ، ومن أصبح وأكبر همّه الآخرة جعل الله غناه في قلبه ، وجمع عليه شمْله ، وأتتْهُ الدنيا وهي راغمة ، ولا تسمح للشيطان أن يلقي في أذن الإنسان شيئًا مخالفًا لكتاب الله تعالى ، عقيدتك يجبُ أن تأخذها من كتاب الله ، هذه الآية تدور مع الناس في كلّ أحوالهم قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾

[ سورة فاطر الآية : 5 ]

 الشيطان إذا استعصى عليه الإنسان ، معه شِباكٌ فعّالة ، جاء في بعض الأحاديث ، إنّ إبليس طلاّع رصّاد ، وما هو من فُخوخه بأوْثقَ بِصَيْدِهِ من الرّجال في النساء ، أيْ أشدّ فخوخه فعاليّة وخطرًا النّساء ، والنّساء كما قال عليه الصلاة والسلام حبائل الشيطان ، حينما تنزلق القدم ، تكون المرأة حجابًا بين العبد ، وبين الله سبحانه وتعالى ، والدّنيا فانية ، ومتاعها فانٍ .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطّى غيرنا إلينا فلْنَتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتْبعَ نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني .

والحمد لله رب العالمين
***

الخطبة الثانية :
 الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين ، وأشهد أنّ سيّدنا محمَّدًا عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين .

الإيدز :

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ منظّمة الصحّة العالمية قبل يومين قالَتْ : إنّ كلّ الجهود التي يبذلها العالم للقضاء على مرض الإيدز إنّما هي جهود مخفقة ، وما نفعلهُ ، ما هو إلا تبطيءٌ لِسُرعة انتشار هذا المرض ، ربّنا سبحانه وتعالى يقول :

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾

[ سورة المعارج الآيات : 29-31]

 ربّنا سبحانه وتعالى شرع لنا طريقًا نظيفةً واحدةً ، هي طريقة الزواج ، وليس في الإسلام منفذٌ ، ولا قناةٌ لِشَهوة الجنس إلا منفذ الزواج وقناته ، منفذٌ نظيف ، وقناةٌ نظيفة ، تُثْمرُ أُسرةً فيها الوِئام والعطف والمحبّة ، وفيها الأولاد ، ويكبرُ الأولاد ، فيها الأصهار ، والبنات الشابات ، والبنات الأبرار ، إنّ كلّ الخير يأتي من طريق الأُسرة ، وإنّ كلّ الشرّ يأتي من طريق السّفاح ، فالغرب وضعوا الدّين ورؤوا ظهورهم ، وكفروا بشرائع الله سبحانه وتعالى ، وأطلقوا لأنفسهم العنان ، فمارسوا شهواتهم بأيّة طريقةٍ رأوْها ، ليس هناك في حياتهم شيءٌ يُسمّى حرامًا ، أو ممنوعًا ، أو لا يليق ، لذلك دفعوا الثّمَن ، إنّ عدد الإصابات في أمريكا في العام الماضي يزيد عن خمسة عشرة مليون إصابة بالإيدز ، وهذا المرض انتقل إلى أوروبا ، ثمّ إلى اليابان ، وانتقل إلى آسيا ، وهذا المرض سمّاه العلماء انحلال المناعة ، يعني المناعة ذلك الجيشُ الفعّال الذي جهَّزَ الله به أجسامنا ؛ الكريات البيض ، أيُّ جرثومٍ دخل إلى الجسم ، تُسرعُ الكريات البيض ، وتفتك به ، وتحلّل سُمِّيَّتهُ ، وتأخذ عينةً منه ، تحلّله وتصنعُ مصلاً يفتك به !! مخبر ، وحربٌ كيميائيّة في الجسم ، هذا الجيشُ الخِضَم ، والفتّاك ينهار بِفِعل جرثوم الإيدز ، يصبحُ الجسم بلا مناعة ، فرَشْحٌ بسيط يُميتهُ ، جرحٌ بسيط يميته ، سمّاه العلماء انحلال المناعة ، في الغرب ، وفي أمريكا ، وفي اليابان ، وفي بعض دُوَل الشّرق الأقصى من الذّعر والرّعب من هذا المرض لا يوصف ، إنّ حياتهم أصبحَت جحيمًا ، ذكر لي بعضهم أنّ في بعض بلاد أوروبا الغربيّة يعرضون في أجهزة الإعلام كيف يتّق الرّجل الإصابة بِمَرض الإيدز من زوجته ، لأنّ لقاء الزوجة مع غيره شيءٌ طبيعي ، فهذا آخر خبرٍ تقوله منظّمة الصحّة العالميّة : إنّ كلّ الجهود التي يبذلها العالم للقضاء على مرض الإيدز إنّما هي جهود مخفقة ، وما نفعلهُ ، ما هو إلا تبطيءٌ لِسُرعة انتشار هذا المرض .
قال تعالى :

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الإسراء الآية : 32]

 مرض الإيدز أسبابه العلاقات غير المشروعة ، إن كانت مع الجنس نفسه أو مع الجنس الآخر ، هذه العلاقات غير المشروعة كان عقابها في الدنيا قبل الآخرة ، فطريق الزواج هو الطريق النظيف الذي سنّه الله سبحانه وتعالى ، ومن يصبر ، ويتعفّف ، فأكبرُ الظنّ ، وآكدُ الظنّ أنّ الله سبحانه وتعالى يرزقهُ زوجةً تسرُّه إن نظر إليها ، وتُطيعهُ إن أمرها ، وتحفظهُ إن غاب عنها ، والدّنيا كلّها متاع ، وخير متاعها المرأة الصالحة ، هذا النّظام نظامٌ إلهي ، ونظام السّفاح نظامٌ شيطانيّ ، الشيطان يأمر بالفاحشة والاختلاط ، وأسباب الزنا ، والتهتّك ، والتبذّل ، وكلّ ما يُثير الشهوة ، والله سبحانه وتعالى يأمر بالعدل ، والإحسان ، والصّوْن ، والإيمان عفيف عن المحارم ، وعن المطامع .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ استقامتكم على أمر الله لا تحصّلون نتائجها فحسْب ، بل في الدنيا قبل الآخرة ، وهذه النظافة ، وهذه الصحّة التي متَّع الله بها المؤمن هي ثمرةٌ من ثمار استقامته على أمر الله .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ إنّ عقاب الله في الدنيا والآخرة ، وها نحن نرى بأعْيُننا ، ونسمعُ بآذاننا كيف أنّ الله سبحانه وتعالى أنْزَلَ عقابهُ الذي لا يوصَف على أهل الفسْق والفجور والعصيان ، أهل الانحلال ، والميوعة ، وأهل الزنا .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ ربّنا سبحانه وتعالى بأدب رفيع ، وحياء بالغ ، عبَّر عن كلّ انحرافات الناس بكلمة ، قال :

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾

[ سورة المعارج الآيات : 29-31]

 وراء ذلك ؛ أي أيّة طريقة لإشباع هذه الشّهوة خارج بيت الزوجيّة ، والعقاب الصارم ينتظره في الدنيا قبل الآخرة .

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء .
 اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، واصرف عنا شر الأعمال لا يصرفها عنا إلا أنت .

تحميل النص

إخفاء الصور