وضع داكن
19-04-2024
Logo
طريق الهدى - الحلقة : 10 - مظاهر ضعف الإيمان 1 - القلب السليم هو القلب الذي لا ينطوي على مساوئ خلقية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمة الإيمان والإسلام، وكفى بها نعمة، وأفضل الصلاة، وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 أيها الإخوة المستمعون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم، ونستهل وإياكم لقاءاً جديداً ضمن برنامج طريق الهدى، أرحب بفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، أهلاً ومرحباً بكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 الأستاذ:
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
 المذيع:
 وعدنا في اللقاء الأخير أن نتناول موضوع ضعف الإيمان عند بعض المسلمين، ولضعف الإيمان مظاهر وأسباب، وأيضاً هناك علاجات، وأيضاً هذا المنهج المنطقي الموضوعي لكل طرح، ما هي مظاهر ضعف الإيمان ؟
 الأستاذ:
 بسم الله الرحمن الرحيم، أستاذ زياد، جزاك الله خيراً على هذه الندوات، قبل أن ندخل في مظاهر ضعف الإيمان لابد من مقدمة أساسية، الله عز وجل يقول:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾

(سورة آل عمران)

 هناك من يتقي الله، وهناك من يتقي الله حق تقاته، قال بعض العلماء: أن تطيعه فلا تعصيه، وأن تذكره فلا تنساه، وأن تشكره فلا تكفره، وفي آية ثانية:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)﴾

 

(سورة الأحزاب)

 هناك من يقول لك: أحس بقسوة في قلبي، قلب قاس كالصخر، يقول لك: لا أجد لذة في العبادات، لا أشعر بلذة في الصلاة، تنتابني خواطر كثيرة، هناك من يقول: أشعر أن إيماني في الحضيض، هناك من يقول: أقرأ القرآن فلا أتأثر بقراءته، هناك من يقول: من السهل أن أقع في معصية، ليس هناك حواجز منيعة بيني وبين المعصية، هناك من يقول: مقاومتي هشّة لا تصمد أمام إغراء ولا أمام ضغط، هناك من يقول: سئمت هذا المستوى المتدني من إيماني، هذه يقولها بعض الناس، وكأنهم يشكون ضعف إيمانهم، إنهم يحسون أنهم ليسوا في المستوى المطلوب، ليسوا كما يتمنى المؤمن، ليست صلاته كما يرضى، ولا صيامه، ولا حجه، ولا زكاته، ولا طريقة حياته، هذه مقولات يقولها عامة المسلمين، وكأنهم يعبرون عن ضعف إيمانهم، الحقيقة أن الأمر يعود إلى القلب، يقول سيدنا عمر: " تعاهد قلبك "، والآية الكريمة:

 

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾

 

(سورة الشعراء)

 سليم من الشبهات، ومن الشهوات، ومن الضغائن، ومن رعونات النفس، ومن الضلالات والانحرافات.
 المذيع:
 هل أجمع المفسرون على تفسير واحد للقلب السليم ؟
 الأستاذ:
 القلب السليم هو القلب الذي لا ينطوي على مساوئ خلقية، لا حقد، ولا ضغينة، ولا كبر، ولا حسد، ولا انحراف، ولا دناءة، القلب السليم خال من كل رذيلة، متصف بكل فضيلة، فيه رحمة، وعدل، وإنصاف، وتواضع، وحب، وإخلاص، وصدق.
 المذيع:
 وقبل ذلك كله العامل الأساسي هو الإيمان.
 الأستاذ:
 من ثمار الإيمان القلب السليم، ومن نتائج البعد عن الله القلب المنحرف، بل إن كل أمراض القلب هي أعراض لمرض واحد، وهو الإعراض عن الله، كل أمراض القلب أعراض لمرض واحد، هو البعد عن الله، فالكمالات كلها مجتمعة في القلب إذا اتصل بالله، والنقائص كلها ينطوي عليها القلب إذا أعرض عن الله عز وجل.

 

﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)﴾

 

(سورة الماعون)

﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾

(سورة القصص)

 هناك اثنينية، إن لم نكن على طرق الحق فنحن على طريق الباطل، إن لم نستجب لله استجبنا لأهوائنا.
 المذيع:
 ذكرتم بعض الشكاوى، لنقُلْ: لا يجد لذة في العبادات، ولا يتذوق حلاوة الإيمان، ولا يجد الخشوع في الصلاة، وفي قراءة القرآن، من السهل الوقوع في المعصية، مقاومته هشة، هذه كلها مظاهر ضعف الإيمان.
 الأستاذ:
 الحقيقة قال الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى: إذا صليت فلم تشعر بشيء، إذا تلوت القرآن فلم يقشعر جلدك، إذا ذكرت الله لا تفيض عيناك بالدموع فحالتك خطيرة، القلب مغلف، يوجد حجاب كبير بينك وبين الله، إن صليت فلم تشعر شيء، إن ذكرت الله فلم تفض عيناك بالدموع، إن قرأت القرآن ولم يقشعر جلدك، فهناك حالة خطيرة في إيمانك، نحن نقول: من مظاهر ضعف الإيمان الوقوع في المعاصي، وارتكاب المحرمات، وكل معصية تدعو إلى أخرى، مهما بدت هذه المعصية صغيرة لو أقمت عليها لنقلتك إلى أكبر منها، فإذا الإنسان في الحضيض، صخرة متمكنة في قمة الجبل، لو أزحتها عن موقعها لا تستقر إلا في القاع، فكل إنسان يتساهل في مقدمات المعاصي يصل إلى نهاياتها، وهذا في القرآن موجود، يقول تعالى:

 

﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾

 

(سورة الإسراء)

 لم يقل: ولا تزنوا، قال:

 

﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾

 لأن هناك معاصٍ لها وهج، كيف أن التيار العالي له قوة جذب فلابد له من هامش كبير بينك وبينه، لو دخلت إلى هذا التيار لجذبك، لذلك المعاصي لها أماكن محرمة، يجب أن تبقي بينك وبين المعصية هامش أمان آمن، وإلا جذبتك المعصية، من علامات ضعف الإيمان أن هذه المنطقة المحرمة، وهذا الهامش ينعدم، فإذا أنت والمعصية وجهاً لوجه، والحقيقة أن المعصية الصغيرة إذا أصررت عليها تنقلب إلى كبيرة لقول النبي عليه الصلاة والسلام:

 

(( لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار ))

(ورد في الأثر)

 الآن، الإخوة المستمعون، حينما يجد الإنسان مقاومته هشة، سريع الوقوع في المعصية، تأخذه الشهوة سريعاً، تمضي به إلى حيث تريد، فينبغي أن يعلم أن في إيمانه ضعفاً شديداً، وأول مظاهر هذا الضعف الوقوع في المعصية، والمشكلة أن الإنسان إذا وقع في معصية، وألفها تصبح جزءاً من عاداته، ينتقل إلى أشد منها كي يجاهر بها، ثم يفتخر بها، ثم يحض الناس عليها، ثم يرى من لا يفعلها ليس من بني البشر، أرأيت إلى هذا التدرج ؟ من وقوع في معصية، إلى استمرار فيها، إلى ألفة لها، إلى قبول لها، إلى الازدهار، بها إلى الفخر، بها إلى الدعوة إليها، هذا التدرج.
 العلماء قالوا: الإنسان فيه فاعلية شديدة، فإذا مشوا في طريق الحق أول خطوة تنقله إلى أعلى، وإلى ما شاء الله، أما إذا مشى في طريق الباطل فكل بركة في هذا الطريق الهاوي تنقله إلى درك أعمق منه، إلى أن يصل إلى قاع الهاوية.
 تماماً كما لو أن إنساناً يمشي إلى طريق عريض، ويركب مركبة، لو حرف المقود ميليمتراً واحدا، وثبت هذا الانحراف فمصيره في الوادي، أما لماذا هي صغيرة ؟ لأن إصلاحها سهل، لو حرف المقود درجة، أما الكبيرة فأن تحرف المقود فجأة تسعين درجة، فالإنسان يسقط في الوادي.
 المذيع:
 فضيلة الشيخ، هل من تعريف دقيق للمعصية الصغيرة، ومن ثَمَّ للكبيرة ؟
 الأستاذ:
 تحدث العلماء عن الكبائر، فحينما يلعن الله من يفعل شيئاً فهذا كبيرة، المعصية إذا اقترنت باللعن فهي كبيرة، إذا اقترنت بوعيد الله بجهنم فهي كبيرة، الظلم: ظلمات يوم القيامة، إيذاء الناس: ملعون من فرق بين أم وابنها، فالعلماء وجدوا أن الكبائر تزيد على سبعين كبيرة، وقد جمعها الإمام الذهبي في كتابه الرائع اسمه الكبائر، وبعضهم جعلوها سبعة، العبرة أن العمل الذي يقيم حجاباً كبيراً بينك وبين الله، كأن تعتدي على عرض، أو على دم، أو على مال، كل عمل فيه عدوان على حقوق الآخرين هو من الكبائر، كأن تهدر كرامة إنسان، كأن تغتابه، أن تحقره، فالكبيرة أساسها العدوان، وتعلمون أن هناك ذنبًا لا يغفر، وهو الشرك، وهناك ذنب لا يترك، ما كان بينك وبين العباد، لأن حقوق العباد مبنية على المشاححة، وحقوق الله مبنية على المسامحة.
 وهناك أستاذ زياد وهْمٌ كبير يقع فيه المسلمون، يتوهمون أنهم إذا حجوا بيت الله الحرام عادوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم ! لا، هذا مقيد فيما بينك وبين الله فقط، أما فيما بينك وبين العباد الذنوب لا تغفر إلا بحالتين، بالأداء، أو المسامحة، أما في رمضان من صام رمضان، وقامه إيماناً واحتساباً، من حج بيت الله الحرام، من تاب توبة نصوحاً، هذا يجبُّ فيما بينك وبين الله، أما فيما بينك وبين العباد فابد من أن يؤدَّى، أو أن تستسمح من هذا الذي له عليك حق، هذه واحدة.
 المذيع:
 لقد عرفت الكبيرة، المعاصي الصغيرة التي إذا أصر عليها...
 الأستاذ:
 انقلبت إلى كبيرة، كما لو ثبت المقود المنحرف على طريق عريض عن يمينه واد سحيق، وعن يساره واد سحيق، لو ثبت انحراف المقود درجة واحدة لنقلك هذا الانحراف إلى الوادي السحيق، أما لماذا هو صغيرة ؟ لأن إصلاحها يسير، تستغفر ينتهي الأمر، واحد تكلم كلمة فيها سخرية، يا رب، استغفر، واعتذر من صديقه، لكن لو قتل، القتل كبيرة، لأن هناك دية، وهناك دماء، وهناك أسرة تشردت، وهناك إنسان أزهقت روحه، فالصغيرة إصلاحها سهل.
 المذيع:
 وهل الاستغفار مجرد القول: أستغفر الله، وأتوب إليه ؟
 الأستاذ:
 مع عقد العزم على ألا يعود إلى هذا الأمر، ومع قلب حاضر عزيمة ألا تعود إلى هذا الذنب، وبقلب خاشع حاضر، وبتوبة معلنة، هذا هو الاستغفار.
 بالمناسبة، نحن دائماً في بحبوحتين، في بحبوحة إقامة منهج رسول الله، لقول الله عز وجل:

 

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾

 

(سورة الأنفال)

 وفي بحبوحة الاستغفار.

 

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾

 بحبوحتان رائعتان، مادمت على المنهج فَلن تعذب.
 عن مُعَاذٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ:

 

((يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ ؟ قَالَ: لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا ))

(صحيح البخاري)

 ما دمت عابداً لله فلك عند الله حق، أنت في بحبوحة الطاعة، هذا معنى قوله تعالى:

 

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾

 

 أي سنّتك مطبقة فيهم، وفي تجارتهم، وأتراحهم، وأفراحهم، وإقامتهم، وسفرهم، وعلاقاتهم المالية، والاجتماعية، مادامت سنّة النبي مطبقة في حياة المسلمين فهم في مأمن من عذاب الله.

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ﴾

 وهذه العبارة من أشد أنواع النفي، وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، البحبوحة الثانية:

 

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾

 

 لمجرد أن تعلم أن لك ربًّا يغفر، يا رب، سامحني، يا رب تب علي، يا رب، اغفر زلتي، يا رب، استر عورتي، يا رب، اقبل توبتي، بقلب مخلص، صادق، متضرع، متذلل، وفي نيتك ألا تعود لهذا الذنب، فربك غفور رحيم.
 عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله:

(( أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ))

(للإمام جلال الدين السيوطي)

 المذيع:
 هذه في باب النوافل، وكثرة الطاعات، من لم يجد لذة في الطاعات فهناك ضعف في إيمانه.
 الأستاذ:
 هناك مشكلة، ما هو الثواب ؟ الثواب أنت صليت لوجه الله خالصاً، أو أنفقت مالك لوجه الله، أو خدمت مخلوقاً لوجه الله، هذا العمل الخالص يسعد إلى الله، ما هو الثواب: أن يعود عليك من الله سكينة راحة سعادة، شعور بالتفوق.
 المذيع:
 هذا هو الشعور الذي يجب أن يتوقعه المسلم المؤمن، هذه نتيجة عمله، ومن لم يجد نتيجة فهناك مشكلة.
 الأستاذ:
 هناك مشكلة إما في إخلاصه، أو في إتقان هذا العمل، أي يؤديه غير مخلص أو غير متقن.
 بالمناسبة، العلماء أجمعوا على أن العمل لا يقبل إلا بشرطين: إلا إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، كلا الشرطين لازم غير كاف، لا يكفي أن يكون عملي لوجه الله خالصاً، وليس مطابقاً للسنة، كما أنه لا يكفي أن يكون عملي مطابقاً للسنة، ولا أبتغي به وجه الله، شرطان لازمان، كل منهما غير كاف وحده، لابد من الصواب، أي وفق السنة، ولابد من الإخلاص بهذا يكون العمل، وأي عمل فيه مطابقة للسنة وإخلاص لله فلابد من أن يعود عليك من الله ما يثلج صدرك، وما يقر قلبك، وما يملأ نفسك حضوراً وسعادة.
 المذيع:
 من مظاهر ضعف الإيمان كثرة الوقوع في المعاصي، الصلوات الخمس كفارات لما بينهم، ما هي الذنوب التي تكفّر ؟
 الأستاذ:
 الحديث ما لم ترتكب الكبائر، الصلوات الخمس كفارة لما بينهن ما لم ترتكب الكبائر، كلمة ليست في مكانها، نظرة ليست وفق منهج الله، تأتي الصلاة الثانية ففيها استغفار، ويوجد مع الصلاة شحنة، والحقيقة يوجد مع العبادات شحنات، الصلاة الصحيحة شحنة روحية، تماماً كما تشحن هذه البطارية فيتألق الضوء، وحينما يضعف شحنها يضعف الضوء، وحينما تفقد الكهرباء كلياً ينطفئ الضوء، وأنت كالضوء، كلما شحنت الإيمانية تألق هذا المصباح، كل صلاة شحنة إلى التي بعدها.
 كل صلاة من الصلوات الخمس شحنة روحية إلى ما بعدها، أما خطبة الجمعة فشحنة من الأسبوع إلى الأسبوع، أما صيام رمضان فشحنة من العام إلى العام، أما الحج فشحنة العمر، فكل شحنة بقدر المسافة بينها وبين التي تليها، تكون قوية أو ضعيفة.
 المذيع:
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ ))

 فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، لذة في الطاعة، خشوع في العبادات، وسكينة في القلب، وطمأنينة، وراحة، واتكال على الله حق اتكال.
 الأستاذ:
 قال تعالى:

 

﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)﴾

 

(سورة المائدة)

 المذيع:
 لا التواكل، كثير من النتائج إذا صح التعبير والثمرات لقوة الإيمان، ما هي المظاهر الأخرى لضعف الإيمان ؟
 الأستاذ:
 من هذه المظاهر الشعور بقسوة القلب، يقول الله عز وجل:

 

﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

 

(سورة الزمر)

 الإنسان إن شعر بقسوة في قلبه لا يلين ولا، يرقّ لبائس، ولا لسائل، يشعر أنه ينبغي أن يعيش وحده، أن يأكل وحده، أن يشرب وحده، أن يسكن وحده، أن يبني مجده على أنقاض الناس، أن يبني غناه على فقرهم، أو قوته على ضعفهم، هذا الذي يقسو قلبه لا يرقّ لبائس، ولا لمسكين، ولا لفقير، ولا لضعيف، ولا لمظلوم، هذا مظهر صارخ من ضعف الإيمان، إنه قسوة القلب.

 

﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾

 

(سورة البقرة)

 صاحب القلب القاسي لا يتأثر بالموت، ولا بالمصيبة، وقد قالوا: من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر.
 سيدنا عمر بن عبد العزيز دخلت عليه فاطمة، فرأته يصلي، ويبكي، قالت له: ما الذي يبكيك ؟ قال: دعيني وشأني، أصرت عليه، قال: فكرت في اليتيم البائس، والفقير الجائع، وصاحب العيال الكثير، والدخل القليل، وابن السبيل، والشيخ الكبير، والمرأة الأرملة، فعلمت أن الله سيحاسبني عنهم جميعاً، وأن خصمي دونهم رسول الله e، فلهذا أبكي.
 في قلبه رقة وعطف، لا يستطيع أن يعيش وحده، ويتنعم وحده، أن يرى الآخرين جائعين، أو عرايا، أو بائسين، أو مرضى، فالمؤمن يبذل كل ما في إمكانه ليعم الخير على جميع الناس، رقة قلبه، ورحمة الله في قلبه أحد مظاهر قوة إيمانه، وقسوة قلبه أحد مظاهر ضعف إيمانه، آية دقيقة: يقول الله عز وجل:

 

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾

 

(سورة آل عمران)

 مادام الله عز وجل أودع في قلب المؤمن رحمة عالية المستوى فهذا المؤمن يلين للآخرين، وترقّ له مشاعره.

 

﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾

 

(سورة آل عمران)

 كأن هذه الآية فيها قانون رائع، بسبب رحمة استقرت في قلب النبي صلى الله عليه وسلم كان ليناً لهم، فلما كان ليناً لهم اجتمعوا حوله، ولو كان فظاً غليظ القلب لانفضوا من حوله، رحمة، لين، التفاف، قسوة، غبطة، انفضاض، أحد أسباب تجمع الناس حول إنسان مؤمن أن قلبه رقيق، مشكلتهم مشكلته، ما يؤلمهم يؤلمه، ما يسعدهم يسعده، ما يفرحهم يفرحه، هذا الذي يعيش للناس، شتان بين من يعيش للناس وبين الذي يعيش الناس له، فرق كبير وبونٌ شاسع بين من يسخّر كل ما آتاه الله لخدمة الخلق، وهذا ما فعله الأنبياء، أعطوا كل شيء، ولم يأخذوا شيئاً، بينما الأقوياء أخذوا كل شيء، ولم يعطوا شيئاً، وشتان بين أن تعطي، وأن تأخذ.
 المذيع:
 فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، نتابع غداً بإذن الله تعالى الحديث عن مظاهر ضعف الإيمان، أشكركم، وأشكر الإخوة المستمعين لحسن إصغائهم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور