وضع داكن
18-04-2024
Logo
طريق الهدى - الحلقة : 13 - مظاهر ضعف الإيمان4 - الرياء وعدم التأثر ، كيف يحذر المسلم منها.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمة الإيمان والإسلام، وكفى بها نعمة، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 أيها الإخوة المستمعون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نتابع وإياكم هذا اللقاء، أرحب مجدداً بفضيلة الدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي، أهلاً ومرحباً بكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 الأستاذ:
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
 المذيع:
 فضيلة الشيخ، نتابع الحديث عن مظاهر ضعف الإيمان، وهي كثيرة، ومتعددة، ومتشعبة، نقف عند تفاصيلها لنحرر منها، وكي يتجنبها المؤمن المسلم، آخر ما توقفنا عنده هو عدم التأثر بآيات الله البينات في القرآن الكريم، الإعراض، أو الغفلة عن ذكر الله سبحانه وتعالى، هل هو مظهر من مظاهر ضعف الإيمان ؟ وأفضل الذكر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قول لا إله إلا الله محمد رسول الله.
 الأستاذ:
 حينما وصف الله المنافقين بماذا وصفهم ؟

﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً﴾

(سورة النساء)

 بماذا أمر المؤمنين ؟ قال تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41)﴾

 

(سورة الأحزاب)

 فالأمر لا ينصب على الذكر، بل على كثرة الذكر، والمنافق يذكر الله لكنه يذكره قليلاً، إذاً من مظاهر ضعف الإيمان ضعف ذكر الله، ألم يقل الله عز وجل:

 

﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)﴾

 

(سورة المعارج)

 كيف أصلي أنا دائماً ؟ العلماء وجهوا هذه الآية توجيهاً لطيفاً، قالوا: حينما تدعو الله عز وجل في بيتك، في عملك، في الطريق، حينما تقوم بإنجاز عمل، أو تأكل، أو تنتهي الطعام، أو تنام الليل مطمئناً، أو تستيقظ صحيحاً، النبي عليه الصلاة والسلام لكل شأن في حياته ذكر، إنسان استيقظ، جاهيزيته كاملة، لا يشكو مرضاً، قوته في جسمه، يتمتع بسمعه وبصره، كان عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ يقول:

((... فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ ))

[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 أنت تستيقظ لصلاة الفجر، غيرك في الملهى يبقى حتى بعد الفجر، فهذا الذكر والدعاء والاستغفار والمناجاة كلما استمرت كنت أقرب إلى الله عز وجل، أنت ضعيف، لكنك بالله قوي جداً، وأنت لا تعلم لكنك، بالله من أعلم العلماء، وأنت لا تملك الحكمة، لكنك بمعونة الله أحكم الحكماء، فلا يكفي أن نصلي هذه الصلوات الخمس، لابد من اتصال بين الصلوات، إنه الدعاء والذكر.
 المذيع:
 تصفون، أو تعرفون ذكر الله بأنه الأدعية والأوراد، كل هذه الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأدعية الواردة في القرآن الكريم، إلى ما هنالك من دعاء صالح يدعو به المسلم، ويناجي به ربه، البعض قال: ذكر الله هو الصلاة !
 الأستاذ:
 هذا رأي بعضهم.
 المذيع:
 ولكن يجب علينا في كل حركاتنا وسكناتنا أن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون لنا ذكر لله عز وجل عندما نصبح وعندما نمسي.
 الأستاذ:
 أنت إذا خرجت من البيت وقلت:

(( اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ ))

[الترمذي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد عن أم سلمة]

 كنتَ في حماية الله.
 المذيع:
 أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، وباقتناع وبتدبر، وبتفكر بهذه الكلمات، وليس هكذا.
 الأستاذ:
 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ لَهُ قِيَامُ نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ لَهُ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ ))

(سنن الترمذي)

 ما قولك ؟ أنت في ذمة الله ! في عناية الله، إنك بأعيننا مادمت ذاكراً لله.
 ابن آدم، اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فُتّك فاتك كل شيء.
 إذا ذكرت الله كثيراً امتلأ قلبك غنى، وامتلأ قلبك قوة وشجاعة، وحكمة ويقيناً بما عند الله عز وجل.
 من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه، المؤمن يبتغي حوائجه بعزة الأنفس، الذكر لله عز وجل يجعلك متألقاً، تذكر الله إذا خرجت من بيتك، وتذكره إذا عدت إلى بيتك، قد تنشأ مشكلة، تخاصم زوجتك أسابيع وأسابيع، أحياناً هذه مشكلة تافهة، أحياناً الشيطان يريد أن يوقع بين المرء وزوجته، فإذا دعا المؤمن ربه يدخل المؤمن بيته حكيماً.
 عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(( إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يُذْكَرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، فَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ ))

(سنن أبي داود)

 كل الليل في مشاكل وخصومات

(( إِذَا دَخَلَ فَلَمْ يُذْكَرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، فَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ))

 بيت فيه خصومات، ونكد، وكلمات قاسية، وصدام وبُعد، وبيت فيه قرب، أنت بالذكر تقوم بعمل جليل، يا رب، أعني يا رب، انصرني يا رب، ألهمني الصواب، اللهم إني أعوذ بك من حولي وقوتي، ومن علمي، وألتجئ إلى حولك وقوتك وعلمك، يا ذا القوة المتين.
 مستحيل أن تستعيذ به، ثم يخذلك، أن تطلب منه، ثم لا يعطيك، أن تسأله الحكمة، ثم لا يرشدك، هذا كله من ثمرات الذكر، لأن الله عز وجل قال:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41)﴾

 

 قَالَ مُعَاذٌ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ تَعَاطِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ غَدًا، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))

(مسند الإمام أحمد)

 الذكر أوسع نشاط يقوم به المؤمن، الدعاء ذكر، الاستغفار ذكر، المناجاة والابتهال والدعوة إلى الله والتلاوة ذكر، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذكر.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42)﴾

 الذكر من صفات قوة الإيمان.
 المذيع:
 ومن ثمراته الطمأنينة في القلب.

 

 

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾

 

(سورة الرعد)

 الأستاذ:
 لو أن الله قال في هذه الآية: تطمئن القلوب بذكر الله، معنى ذلك أنها تطمئن بذكر الله وبغير ذكر الله، أما حينما قال الله عز وجل:

 

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾

 هذا التركيب اسمه قصري حصري، أي لن تطمئن إلا بذكر الله، ذكر الله وحده يملأ قلبه طمأنينة، هكذا معنى الآية.
 المذيع:

 

 

﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)﴾

 

(سورة البقرة)

 هنا وعد بأننا إن ذكرنا الله سيذكرنا.
 الأستاذ:
 لقول النبي الكريم منبئاً عن ربه الجليل، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:

(( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ))

(صحيح البخاري)

 وفي رواية: ما ذكرني عبدي في نفسه إلا ذكرته في ملأ من ملائكته، وما ذكرني عبدي في ملأ من خلقي إلا ذكرته في ملأ خيراً منهم.
 المؤمن حريص على ذكر الله، غير المؤمن حريص على ذكر نفسه، أينما جلس يمدح نفسه، أنا فعلت، وتركت، وسافرت، وأقمت في الفندق الفلاني، وأنفقت المال الكثير، وهذه زوجتي، وهذه مقتنياتي، وهذه مركبتي، حديثه كله عن ذاته، أما المؤمن فحديثه عن ربه، لذلك يلقي الله حبه في قلوب الخلق، وألقيت عليك محبة مني، أي ألقيت محبتك في قلوب الخلق.
 المذيع:
 فضيلة الشيخ، الدكتور محمد راتب النابلسي، من مظاهر ضعف الإيمان الغفلة عن ذكر الله تعالى، ومنها أيضاً عدم الغضب إذا انتهكت محارم الله.
 الأستاذ:
 الحقيقة من علامات الإيمان أن يغضب المرء المؤمن إذا انتهكت حرمات الله، لأن الله عز وجل يقول:

 

﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)﴾

 

(سورة الحج)

 قلت لكم قبل حلقتين تقريباً: إنه حينما هان أمر الله على الناس، أو على المسلمين هانوا على الله، فحينما نعظم شعائر الله، ونعظم هذا الكتاب، وحينما نعظم الصلاة، ونؤديها في أوقاتها فهذا تعظيم لحرمات الله، حينما نتقن صيام رمضان، ونؤدي زكاة مالنا بالتمام والكمال، هذا من تعظيم شعائر الله، العلماء فرقوا بين أداء الشعيرة وبين تعظيمها، قد تؤدي هذه الشعيرة دون أن تعظمها، وقد تؤديها دون أن تعظم الله، وشتان بين الحالتين، فحينما يدخل وقت الصلاة فأصلي، وأنا ساهٍ ولاهٍ، أما حينما أتوضأ فأحسن الوضوء، وأصلي السنة القبلية، وأقيم الصلاة، وأجهد أن أكون خاشعاً في صلاتي، أنا الآن أؤدي الصلاة، وأعظمها، أما حينما أؤديها ساهياً أو لاهياً هذه لا ترقى إلى مستوى التعظيم، أو حينما أرى معصية منكرة فلا أبالي لا أتأثر، ورد في بعض الأحاديث أن الله أمر ملائكته في إهلاك قرية، فقالوا: يا رب، إن فيها رجلاً صالحاً قال: به فابدؤوا، قالوا: ولمَ ؟ قال: لأنه لا يتمعّر وجهه إذا رأى منكراً.
 هذا الذي يقول: لا يعنيني ذلك علي من نفسي أنا مهتدٍ وحدي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ))

[مسلم]

 أو هو الذي أهلكهم، فهم ليسوا كذلك.
 فمن قوة الإيمان أن تعظم شعائر الله وأمره، ذنب المنافق كأنه ذبابة، بينما ذنب المؤمن كأنه جبل رابض على صدره، فكلما رأيت لا سمح الله معصية، ولم تهتم بها فهذا من علامات ضعف الإيمان، بل إنه من شهد معصية فأنكرها، كان كمن غاب عنها، ومن غاب عن معصية فأقرها كان كمن شهدها، كلام قد تجده غريباً: لو أنك سمعت بمعصية بأقصى الدنيا بأمريكة، وقلت: والله فعل ما يطيب لي، وهذه معصية، كأنك شهدت هذه المعصية، ولك سهم ووزر، لذلك ورد عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام:

(( الذنب شؤم على غير صاحبه، إن ذكره فقد اغتابه، وإن رضي به فقد شاركه في الإثم، وإن عيّره ابتلي به ))

(ورد في الأثر)

 أنا حينما أنكر معصية بقلبي، وهذا أضعف الإيمان، أو أنكرها بلساني، وهذا أقوى منه، أو أنكرها بيدي، حينما تخطئ ابنتي أو ابني، وأنا مكلف بتربيتهم، يجب أن أنكر هذا المنكر بيدي، أما أقول: ليس لي علاقة، أنا لا أتدخل في شؤون أولادي، هم أولادك، من لهم غيرك ؟ إن لم تربِّهم أنت فمن يربيهم ؟ أما حينما أجد معصية من إنسان لا أقوى أن أعنفه بيدي، أنصحه بلساني، فإن لم أستطع فبقلبي، وهذا أضعف الإيمان، على كل لابد من إنكار المنكر، فما لم تغضب إذا انتهكت حرمات الله عز وجل فلا يكون إيمانك قوياً، يجب أن تغضب لحرمة انتهكت، لمعصية شاعت، ولذنب فشا بين الناس، لكسب مال حرام أصبح مألوفاً عند الناس، لعمل فني ساقط، لقصة ماجنة، يجب أن تغضب لا أن ترضى، فمن علامات ضعف الإيمان ألا تتحرك فيك شعرة إذا رأيت معصية صارخة، أو انتهاكاً لحرمات الله، أو تجاوزاً لحدود الله.
 المذيع:
 هل من مظهر آخر لمظاهر ضعف الإيمان ؟ وهي كثيرة ـ والعياذ بالله ـ ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يزيننا بالإيمان، وأن يهدي قلوبنا إلى أحسن الخلاق والأفعال، ربما يكون من أقوى مظاهر ضعف الإيمان الرياء، وهو خلق ذميم حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف نتجنب هذا الخلق ؟
 الأستاذ:
 الحقيقة لابد من تمهيد: رُكّب في الإنسان شهوات كثيرة، قال تعالى:

 

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

 

(سورة آل عمران)

 في أصل تركيب الإنسان أودعت فيه الشهوات، يمكن أن نلخص هذه الشهوات، شهوة الطعام والشراب للحفاظ على الفرد، وشهوة النساء للحفاظ على النوع، وشهوة تأكيد الذات، كل إنسان عنده رغبة أن يكون عظيماً، أن يكون مهمًّا، أن يكون خطيراً.
 المذيع:
 وهذه كما ذكرنا في حلقات سابقة شهوات حيادية.
 الأستاذ:
 هي سلم نرقى بها، أو دركات نهوي بها، فلو أخذنا هذا الجانب الوحيد، وهو حب الظهور، تأكيد الذات، التفوق، النجاح، الفلاح، هذا الجانب قد يروى بطريق مشروع، أنت حينما تستقيم على أمر الله، وحينما تفعل الخير يرفعك الله عز وجل، ألم يقل الله عز وجل:

 

﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾

 

(سورة الشرح)

 والمؤمن له من هذه الآية نصيب، فإذا اصطلح مع الله، وأحسن إلى خلقه، وأقبل عليه يرفع الله شأنه، ويعلي قدره، ويجعله عزيزاً مكرماً، فحب الظهور والعلو في الأرض وتأكيد الذات والتفوق قد يأتي من طريق الخير، الصحابة الكبار الذين أعانوا النبي صلى الله عليه وسلم في دعوتهم هم قمم في المجد، نذهب إلى المدينة المنورة بعد ألف وخمسمئة عام، ونقف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم خاشعين، نبكي، نخاطبه، نسلم عليه، نقف أمام الصديق، نقف أمام عمر عملاق الإسلام، أما هؤلاء الذين كذبوه، وخاصموه، وحاربوه فهم في مزبلة التاريخ، فالعلو في الأرض طريقه الوحيد أن تكون مع الله لذلك: سبحانك، لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت.
 فيمكن أن تكون في أعلى مقام، وفي أعلى رتبة، أو مكانة حينما تطيع الله عز وجل.
 سيدنا يوسف عبد من عبيد القصر، رأته جارية عبداً يدخل السجن، ورأته عزيز مصر، فماذا قالت ؟ قالت: سبحان من جعل العبيد ملوكاً لطاعته، وجعل الملوك عبيداً بمعصيته، الآية الكريمة:

 

﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾

 

(سورة البقرة)

 على تفيد الاستعلاء، أنت حينما تهتدي إلى الله يرتفع مقامك، ويعلو شأنك، ويلمع اسمك، ويعظم ذكرك، أما أولئك المنافقون فهم في ضلال مبين، أما في فهي تفيد أن شيئاً ضمن شيء، في كآبة، في سجن، في قهر، في جحيم، في بُعد، في جفاء، فبين ( على ) و ( في ) بون شاسع، لذلك حينما يكون الإنسان ضعيف الإيمان يحب الاستعلاء والسيطرة إرواءً لغروره، يحب أن يقهر الآخرين، ويستبد بهم، ويبني مجده على أنقاضهم، هذا من علامات ضعف الإيمان.
 يروى أن سيدنا الصديق رضي الله عنه قال لعمر: " مد يدك لأبايعك، سيدنا الصديق أول رجل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيّ أرض تقلّني، وأي سماء تظلّني إذا كنت أميراً على قوم فيهم أبو بكر ؟ هذا شيء لا أحتمله، قال: أنت أقوى مني يا عمر، قال: أنت أفضل مني، قال: إذاً قوتي إلى فضلك " !.
 أرأيت إلى هذا التواضع والتعاون ؟ أما الإنسان حينما يبتعد عن الله يجب أن يكون مسيطراً، ويحقق وجوده على أنقاض الناس، يجب أن يبني عزه على إذلالهم، يجب أن يبني غناه على فقرهم، هذا من ضعف الإيمان، أما قوة الإيمان فتعني التواضع.
 دخل أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فما عرفه ! قال: أيّكم محمد ؟
 كان عليه الصلاة والسلام مع أصحابه في سفر، أرادوا أن يعالجوا شاة، فقال أحدهم: عليّ ذبحها، وقال الثاني: عليّ سلخها، وقال الثالث: عليّ طبخها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليّ جمع الحطب، قالوا: نكفيك هذا يا رسول الله، قال: أعلم أنكم تكفونني، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه.
 من علامات ضعف الإيمان حب السيطرة، وحب العلو في الأرض، والعنجهية، والغطرسة، وهذا نراه في أعدائنا بشكل صارخ.
 المذيع:
 نتابع هذا الحديث عن حب السيطرة والغطرسة والظهور، ومن ذلك الرياء، ذلك الخلق الذميم، نتابع الحديث عن هذا المظهر من مظاهر ضعف الإيمان بإذن الله تعالى، شكراً لكم فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، وأشكر الإخوة المستمعين لحسن إصغائهم، وحسن متابعتهم لبرنامجنا طريق الهدى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور