وضع داكن
28-03-2024
Logo
موضوعات متنوعة - السيرة الذاتية : 02 - مقابلة إذاعية مع الدكتور راتب.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة:

لقاء إذاعة دمشق   ٢٠٠٧/٦/١٧   
المذيع :
الصلاة والسلام على سيدنا محمد على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
قال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام:
 

(( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ))


 

[ رواه الترمذي عن أبي هريرة ]


 ضيفنا في هذه الحلقة تميز في تنوع وغزارة معلوماته، عالم من علماء دمشق مدرس، ومحاضر من الطراز الأول، ألفته أذن المستمع من خلال دروسه ومحاضراته القيمة، جال على مختلف نواحي المجتمع وأرشد، بدأ بتعليم الزوج كيف يختار زوجته، ثم تربية الأبناء في الإسلام.
تحدث عن المعاني السامية فأبدع، الإخلاص، الصدق، الإيمان، الأمانة الاستقامة، فكانت سلسلة مدارج السالكين، كما تكلم عن أسماء الله الحسنى، وعن الشمائل النبوية.
هناك الكثير والكثير من الدروس المفيدة والقيمة، ومن الصعب أن تحصر إلا أننا نرى في كل درس بحثاً في حد ذاته.
اليوم نحاور في سيرته، وعن سيرته، أهلاً وسهلاً بالدكتور محمد راتب النابلسي.
 
الدكتور راتب :
 أهلاً بكم يا سيدي .
 
 
المذيع :
 تخرج الدكتور محمد راتب النابلسي من معهد إعداد المعلمين عام 1956، تخرج عام 1964 من جامعة دمشق بعد أن حصل على اللسانس في آداب اللغة وعلومها، تابع دراسته العليا، ونال دبلوم التأهيل التربوي بتفوق عام 1966، بعدها التحق بجامعة ليون وقدم أطروحة عن " توفيق الحكيم ".
نرحب به مجدداً، ونبدأ دائماً عن النشأة وعن الأهل.
 من هو محمد راتب النابلسي دون ألقاب ؟ في البداية من هم الأهل ؟ وأين نشأت ؟
 
 

من هو الدكتور محمد راتب النابلسي :


 
الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 

1- فائدة بين يدي الجواب :


 ينبغي أن نستفيد من هذا السؤال ، الإنسان في أصل تكليفه مخير، لكنه مسير في أمه وأبيه ، وفي مكان ولادته ، وزمان ولادته ، وفي إمكاناته العامة ، وقال العلماء : " إن الذي لم تكن مخيراً فيه هو أبدع ما يكون لك "، عبّر عن هذا المعنى الإمام الغزالي فقال : " ليس في الإمكان أبدع مما كان "، ثم شرحها فقال :  ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني 
 فقد ينشأ الإنسان في بيئة متواضعة ، وقد ينشأ في بيئة فقيرة ، فيكون هذا الفقر سبب تفوقه ، فلذلك الإنسان حينما يستقبل قضاء الله بالرضا يكون من الناجحين .
 
 

2- الحياة الشخصية للدكتور محمد راتب النابلسي :


 

1 – نشأة الدكتور راتب النابلسي :


 الحقيقة نشأت في أسرة حظها من المال قليل ، لكن حظها من العلم كثير، كان والدي عالماً من علماء دمشق ، لا أعرفه ، توفي قبل أن أدرك المعاني الدقيقة في الحياة ، لكن لنا سمعة طيبة بفضل الله عز وجل ، وهذا الوضع كان باعثاً للدراسة ، ولمتابعة العلم لأنه الطريق الوحيد لما يسمى عند العلماء عصامياً، وقد قيل : كن عصامياً، ولا تكن عظامياً.
 
المذيع :
 كم كنتم من الإخوة والأخوات آنذاك ؟
 
 

2 – الوضع العائلي :


 
الدكتور راتب :
نحن ثلاث إخوة فقط ، ذكور، أنا اصغر إخوتي ، لي أخ أكبر توفي رحمه الله وأخ بيني وبين الكبير لا زال على قيد الحياة ، وأنا أصغر الإخوة.
فنشأت في أسرة فيها انضباط اجتماعي شديد، فيها تدين بحسب البيئة التي نشأت بها، لكنني التحقت بالتعليم الابتدائي والإعدادي ، ثم التحقت بمعهد إعداد المعلمين ، وتخرجت من معهد إعداد المعلمين ، وعُينت معلماً في ريف دمشق 
 الحقيقة هذا الريف جعلني أتفكر في خلق السماوات والأرض ، شاب في ريعان شبابه ، يسكن وحده في غرفة بسيطة ، هذه البيئة البسيطة المتواضعة كانت سبب تأملي في الكون ، وسبب انكبابي على المطالعة ، وأنا لا أنسى أن هذه السنوات التي أمضيتها وحدي في غرفة متواضعة في ريف دمشق ، كنت معلماً، كانت سبب التألق الديني ، إن كان هناك تألق كما أرجو.
المذيع :
هناك تألق، والتأثير يبدو في السماع والإقبال على دروسكم ومحاضراتكم .
 فضيلة الدكتور، من المعروف ، وكما ذكرتم أن للبيئة تأثيراً على نشأة الإنسان، وذكرتم أن الوالد توفي وأنتم في حداثة سنكم ، من كان المؤثر والباعث على الدراسة غير الظروف التي تحدثنا عنها ؟.

3- الحياة العلمية للدكتور محمد راتب النابلسي :


 

1 – الباعث على انكباب الدكتور راتب على الدراسة والعلم :


الدكتور راتب :
 الحقيقة أن أخي الأكبر كان معلماً يعمل في حقل التعليم ، وله فضلٌ فضل كبير في توجيهي التوجيه الصحيح ، وكان أحد المدرسين في التعليم الإعدادي ، مدرس له دعوة إلى الله ، وكان مؤثراً تأثيراً بالغاً، حينما يقول عليه الصلاة والسلام:
 

(( وإنما بعثت معلما ))


 

[ أخرجه ابن ماجه عن ابن عمرو ]

 

(( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))

 

[ رواه أحمد والبيهقي عن أبي هريرة ]


 لعلي أعتقد أنه ما من عمل على وجه الأرض أفضل من الدعوة إلى الله عز وجل ، لأنه :
 

﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ﴾


 

( سورة المائدة الآية: 32 )


 فتأثرت من بيئتي أولاً ، ومن هذا التوجيه الذي تلقيته من أستاذٍ للتاريخ في المرحلة الإعدادية.
 
المذيع :
 وأعتقد أن دمشق وأهل دمشق هناك تأثير كبير في الوسط الديني .
 
 

2 – أثرُ مدينة دمشق وأهلها على الجانب العلمي للدكتور راتب :


 
الدكتور راتب :
 الحمد لله ، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
 
 

(( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ ))


 

[ أحمد ]


 طبعاً الشام بلد نامٍ ، يعاني من مشكلات كثيرة ، ولكنه متفوق في الدعوة إلى الله ، وفي طلب العلم ، وفيه علماء أفاضل ، أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بعلمهم.
 
المذيع :
 إذاً بدأت بمرحلة التعليم الابتدائي ، والإعدادي .
 
 

3 – المراحل التعليمية عند محمد راتب النابلسي :


 
الدكتور راتب :
 بعد أن تخرجت من معهد إعداد المعلمين التحقت بجامعة دمشق، واخترت فرع آداب اللغة العربية وعلومها.
 
المذيع :
 لماذا هذا الاختيار ؟
 
 

4 – لأجل هذا اخترتُ قسم اللغة العربية وعلومها :


 
الدكتور راتب :
 والله أنا أحب التدريس في الأساس ، وأنا أعتقد أن الدعوة إلى الله لا بد لها من قالب ، لا أدري ما السبب ؟ أنا أحب أن أكون في الدعوة في سن مبكرة في حياتي.
 
المذيع :
 كان التصور للدعوة إلى الله منذ هذه السن ؟
 
 

5 – لأجل هذا اخترتُ قسم اللغة العربية وعلومها:


 
الدكتور راتب :
 الحقيقة أن علماء النفس قالوا : " في حياة كل إنسان شخصية تتمنى أن تكونها ، وشخصية تكونها، وشخصية تكره أن تكونها، التعليم في الخمسينات، المدرس شخصية لامعة جداً، ومتألقة، وله مظهر راقٍ، فأنا كنت أُعجب بأساتذتي، فكان طموحي أن أكون مدرساً في الأساس، وهذا التدريس هي صنعة الأنبياء في الحقيقة ، ومن أرقى الأعمال ، بل إن نقل المعرفة عمل مقدس، والعلاقة بين المعلم والمتعلم ليست علاقة مادية ، كما هي بين الشاري والتاجر، إنها علاقة مقدسة مبرأة من كل مصلحة مادية .
فما كنت أرى شيئاً أعظم من أن أكون مسخراً لنشر الحق ، بل إنني أقول دائماً الآن : لا تقلق على هذا الدين، إنه دين الله، ولكن اقلق إذا ما سمح الله لك أو لم يسمح أن تكون في خدمة أهل الحق .
هذه المعاني التي نشأت عندي من بيئتي المتواضعة ، لكنها تؤمن بالعلم ، ونشأ من هذا التوجيه الذي تلقيته من بعض الأساتذة ، فاتجهت إلى طلب العلم لأكون مدرساً وداعية ، هذا ما كنت أطمح إليه .
 
المذيع :
 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، كما نعلم عن الشام ودمشق ، وكما ذكرتم أن التعليم الديني متوفر في المساجد، فهل كنت تتردد على المساجد ؟
 
 

6 – مرحلة التعلُّم في المساجد والجامعة على يد العلماء والمشايخ :


 
الدكتور راتب :
 الحقيقة أنني التحقت بعدة مساجد، وتلقيت العلم عند بعض الشيوخ في دمشق، تلقيت التفسير، وعلم الفرائض، والحديث، لكن كان لنا أستاذ كبير هو الدكتور " صبحي الصالح "، كان أستاذنا في جامعة دمشق، علمنا فقه اللغة، وعلمنا علوم القرآن، وعلمنا علوم الحديث ، وله في هذه الأبواب مؤلفات قيمة جداً، أعطانا درساً إسلامياً عاماً في جامعة دمشق فيه من كل الكليات، وعندي في البيت إجازة منه ، وهذه الإجازة ـ رحمه الله تعالى ـ مبنية على إجازة من شيوخه في طرابلس، أنا أعتز بهذه الشهادة .
فتلقيت العلم عن بعض علماء دمشق ، تعلمت التفسير، والفرائض، والفقه، وأنا أضفت إلى هذه العلوم أصول الدعوة إلى الله، وبعض فروع الدين التي أحرص على تعليمها.
 
المذيع :
 عادةً ما أسمع فضيلة الدكتور، وهذه معلومة واقعية، أن مشايخ لبنان، وعلماء لبنان، يذهبون إلى دمشق ليتعلموا، ولكن أنتم اليوم ذكرتم عن شيخ لبناني يعلم في دمشق .
 
 

7 – مع الشيخ العلاّمة صبحي الصالح : العلم ليس له وطن :


 
الدكتور راتب :
 كان موسوعة رحمه الله ، العلم ليس له وطن ، العلم موضوعي .
 
المذيع :
 فضيلة الدكتور، التحقت بعد ذلك بجامعة ليون، وقدمت أطروحة عن " توفيق الحكيم ".
 
 

8 – لهذا السبب كان موضوع الأطروحة : " توفيق الحكيم ":


 
الدكتور راتب :
الحقيقة أنني حينما كنت في التعليم الثانوي كُلفت أن أؤلف كتاباً للشهادة الثانوية ، هذا الكتاب عنوانه : " من أدب الحياة " بقي يُدرس في سورية عشر سنوات للفرعين العلمي والأدبي، هذا الموضوع تعمقت به كثيراً .
 لذلك اخترت موضوع أطروحة " توفيق الحكيم " ناقداً، توفيق الحكيم كاتب مسرحي، لكنني أخذت من كتبه النقدية آراءه النقدية، وجمعتها في كتاب، وبوبتها وفق قواعد النقد، هذا الكتاب طلبت مني وزارة الثقافة والإرشاد القومي طبع هذا الكتاب على نفقتها.
المذيع :

9 – إجازة في علم الحديث من العلاّمة صبحي الصالح :


 فضيلة الدكتور، بالنسبة للإجازة في رواية الحديث ، ذكرت لنا السيرة الذاتية أنك حصلت عليها من علماء الشام، ممن حصلت على هذه الإجازة ؟.
 
الدكتور : الإجازة في الحديث من الدكتور " صبحي الصالح ".
 
 
المذيع : فضيلة الدكتور، عُينت خطيباً في جامع معروف بالشام بجامع الشيخ عبد الغني النابلسي .
 
 

الخطابة في أل النابلسي :


 
الدكتور راتب :
 أنا حفيد هذا العالم الجليل ، هذا عالم من علماء دمشق ، وترك مئة وعشرين مؤلفاً، ولو أنه جاء في وقت مبكر لكان في مستوى الإمام الشافعي ، له باع طويل في العلم ، كان عالماً متحققاً، وكان متصوفاً، له مسجد في دمشق من 400 عام، وتتالى على إلقاء الخطب فيه خطباء من آل النابلسي .
 

1 – الدكتور راتب خطيبا ومدرِّسًا ومؤلِّفًا:


 خطبت في هذا المسجد بدءاً من عام 1974، ولا أزال في الخطابة في هذا المسجد .
 
 
المذيع :
 إذاً: يعتز الإنسان بهذه السلسلة من العائلة ، ويعتز أيضاً بأن يكون خطيباً في المسجد نفسه.
 
 
الدكتور راتب :
 لي درس تفسير فيه ، هذا الدرس عمره 26 سنة ، فسرت فيه معظم القرآن الكريم، ودرس يوم الأحد متعلق بالفقه، أو السيرة، وفي درس يوم السبت درس حوار وحلقة بحث ، ودروس بجوامع أخرى ، كجامع الطاووسية ، وجامع الأحمدية ، أعطي في جوامع عديدة في دمشق.
 
 
المذيع :
 فضيلة الدكتور، هنا السؤال ، أرجو أن تسمح لي به، الكثير ممن يخطبون الجمعة ، ويؤلفون ويكتبون كتباً ومحاضرات ، يأخذ ذلك وقتًا كبيرًا وكثيرًا، يأخذون وقتًا كبير لتأليف محاضرتهم، نرى أن الدكتور محمد راتب النابلسي يتمتع بغزارة من المعلومات، هل هذه الغزارة أتت من القراءة ؟ أم هناك موهبة معينة في ذلك ؟
 
 

2 – المطالعة والتأمل والملاحظة سبب لغزارة المعلومات :


 
الدكتور راتب :
 أنا أقرأ كثيراً، لكن هناك شيء في الحياة هو التأمل ، والملاحظة ، فقد يستنبط الإنسان حقائق من تأملاته ، والله عز وجل يأمرنا أن نتفكر في خلق السماوات والأرض ، هناك شيء من محصلة تأملاتي، وشيء من محصلة دراساتي ، فالذي ألقيه على الإخوة الكرام لعله يلقى قبولاً حسناً هو محصلة تأملات شخصية ، لكنها منضبطة بقواعد الشرع ، التفكر في القرآن الكريم أمر إلهي ، والحقيقة أن كل أمر في كتاب الله يقتضي الوجوب ، قال تعالى :
 

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾


 

( سورة آل عمران )

مثال عن أية كونية يلزم منها التأمل والتفكر والتدبر : البعوضة :


 وكأن الله سبحانه وتعالى حينما يعطي أمراً في القرآن هذا الأمر يقتضي الطاعة، وحينما يأتي نهي في القرآن هذا النهي يقتضي الترك ، فإذا جاءت آية كونية ، هذه الآية ماذا تقتضي ؟ التفكر، لا يعقل أن يقول الله كلاماً لا معنى له، 1300 آية في كتاب الله تتحدث عن خلق الله.
أضرب لك مثلا بسيطًا : الله عز وجل قال :
 

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾


 

( سورة البقرة الآية: 26 )


من منا يصدق أن في البعوضة مئة عين في رأسها، و48 سناً في فمها ، وثلاثة قلوب في صدرها، لكل قلب أذينان ، وبطينان، ودسامان .
 من منا يصدق أن في البعوضة جهاز استقبال حراريًا لا تملكه الطائرات، إنها ترى الأشياء بحرارتها، لا بلونها، ولا بحجمها، ولا بشكلها، وحساسية هذا الجهاز واحد على ألف من الدرجة المؤوية ، وعندها جهاز تحليل للدم، وجهاز تميع، وجهاز تخدير، وفي خرطومها ست سكاكين ، أربع سكاكين تحدث جرحًا مربعًا، وسكينان تصبحان أنبوبين لامتصاص الدم .
هذه آية في القرآن الكريم .
إذاً: حينما نقرأ آية كونية هذا يقتضي أن نتفكر في خلق السماوات والأرض .
 علمونا في الجامعة أن هناك أدب حياة ، وأدب كتب ، أدب الكتب ينبع في كتب ، ويصب في كتب ، لكن أدب الحياة ينبع من حياة، ويصب في حياة .
هذا جانب التفكر في الدين قلما ينتبه له الدعاة ، إنه يعطي الإنسان طاقة كبيرة جداً.

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)﴾

 

( سورة عبس )


 مم خلق ؟
 

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾


 

( سورة يونس الآية: 101 )


 فكثير من دروس أسماء الله الحسنى جولات تأملية في الكون ، هذا شيء مطلوب ، بل إنك حينما تتفكر في خلق السماوات والأرض تتعرف إلى الله ، أنت بالكون تعرفه ، وبالشرع تعبده ، إنك إن عرفت الآمر، ثم عرف الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر، ولم تعرف الآمر كما هي حال المسلمين تفننت في التفلّت من الآمر.
فهذا الجانب التفكري في الدين قلما يلتفت له الدعاة، وأنا أعلق أهمية كبيرة على التفكر في خلق السماوات والأرض.
 
المذيع :
 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بعد الدراسة، بدأت برحلة التعليم هنا أين درست في البداية ؟
 
 

مرحلة التعليم والتدريس في حياة الدكتور محمد راتب النابلسي :


 
الدكتور راتب :
 أنا درست كما قلت قبل قليل في محافظتي درعا والسويداء والجولان، ثم انتقلت إلى دمشق كمدرس في التعليم الثانوي ، وفي أثناء تدريسي في التعليم الثانوي كنت أستاذاً محاضراً في جامعة دمشق، علمت أصول تدريس اللغة العربية 26 عاماً، فالتعليم جزء من كياني، ولا أرى أن هناك من عمل أقدس عند الله من أن تكون معلماً، بل إن الله عز وجل حينما يقول :
 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾


 

( سورة فصلت )


 ذكرت لك قبل قليل أنني أطمح أن أكون داعية إلى الله عز وجل ، وهذا من فضل الله علي أنه أكرمني به .
 
المذيع :
 فضيلة الدكتور، مثلت سورية في مؤتمرات عديدة ، نريد أن تعطينا لمحات عن هذه المؤتمرات ، وبماذا قدمت ؟
 
 

الدكتور النابلسي ممثلا لسورية في المؤتمرات العالمية :


 
الدكتور راتب :
في مؤتمر عُقد في الرباط ، مؤتمر نظمته الأسسكو، هذه منظمة تشبه اليونسكو تماماً، لكنها إسلامية.
 مثلتُ سورية في مؤتمر القدس الذي عقد في الرباط، وكانت كلمتي حول " صلاح الدين "، وكيف فتح القدس، اخترت هذا الموضوع لسبب وجيه، وقتها وقت احتلال البوسنة والهرسك، وقد سمع المسلمون ما يجري هناك ، من اغتصاب للنساء، ومن قتل ، الموقف كان مؤلم جداً، أردت أن أبين لهم ، ما الإسلام ؟ حينما فتح " صلاح الدين الأيوبي " القدس لم يقتل إنساناً، ولم يسفك دماً، ولم ينهب شيئاً، هذا هو الإسلام، المؤمن منضبط، لا بد من أن يكون هناك فرق كبير جداً بين الملتزم وبين غير الملتزم ، ولاقت كلمتي في هذا المؤتمر صداً طيباً ، وقد نُشرت في مجلات الأسسكو.
المذيع :
 لبيت دعوات لحضور أو لإلقاء محاضرات دينية في الولايات المتحدة الأمريكية .
 

جولات دعوية وتجارب ناجحة ومحاضرات وندوات في الولايات المتحدة الأمريكية :


 
الدكتور راتب :
 ذهبت إلى هناك أربع سنوات ، ألقيت محاضرات في : فرانكلن، وفي أناربر ، وفلند، وفي دربون ، ثم في واشنطن، ثم في نيوجرسي، وفي ميامي، وفي سان فرانسيسكو وفي لوس أنجلوس، وفي استاكتن، وفي سكرامنتو.
 
المذيع :
 إذاً: كانت هناك تجربة مباشرة في الولايات المتحدة في إلقاء المحاضرات كيف كانت هذه التجربة ؟.
 
 
الدكتور :
 الحقيقة أنا ألقيت محضرات على الجاليات الإسلامية ، وكنت ألتقي بالجانب الآخر، ولكن لم يتح لي ذلك ، إذا كان هناك من يقول : نجحت بإلقاء هذه المحاضرات ، لأنني أكثرت من الدليل العلمي، وقللت من النصوص، وراعيت ظروف هؤلاء الذين عاشوا الحياة الأمريكية ، عاشوا أنماط التعليم ، وأنماط التدريس ، وأنماط التوجيه ، وكنت كأنني واحدٌ منهم .
 في التعليم تواضع المعلم للمتعلم جزء كبير من نجاح العملية التعليمية ، فكنت صديقاً لهم ، وقدمت لهم أثمن ما أملك من علم ومعرفة ، واستخدمت الأسلوب التربوي والدليل العقلي ، فكان هذا أحد أسباب نجاح هذه المحاضرات ، والحقيقة أنا لي جمهور في أمريكا كبير جداً يستمع إلى أشرطتي، وفي عدة مؤتمرات عقدت في أمريكا توزع أشرطتي ، وهذا فضل لله عز وجل .
 
 
المذيع :
 هل تزور الولايات المتحدة من حين إلى آخر ؟
 
 
الدكتور راتب :
 كان ابني هناك يدرس في فلوريدا، فكنت أزوره من حين لآخر، وقد زرت أمريكا أربع مرات تقريباً .
 
 
المذيع :
 إذاً: كانت هناك محاضرات ، وكان هناك تعطش لسماع الحقيقة الدينية على ما أعتقد .
 
 
الدكتور راتب :
 ألقيت محاضرة في مؤتمر في لوس أنجلوس، وكانت الأولى والفضل لله عز وجل ، وفي إعجاز القرآن ، في التقييم كانت الأولى .
 
 
المذيع :
 وتذكر آنذاك كيف كان المتلقي والمستمع .
 
 
الدكتور راتب :
 هذا مؤتمر كبير جداً، يعقد في العام مرة في عيد الشكر، يأتيه من كل ولايات أمريكا، وألقيت عدة محاضرات في إذاعة أنا، هذه إذاعة تغطي كل الولايات المتحدة ، ألقيت عدة محاضرات، وفي عدة ندوات أجريتها في هذه الإذاعة.
 
 
المذيع :
 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، طبعاً بعد هذا التعليم ، وبعد التدريس هذه الرحلة الطويلة طبعاً كانت لك مؤلفات كثيرة، نريد أن نتحدث عن هذه المؤلفات ، وأن تعطينا ولو نبذة عن كل مؤلف .
 
 

الدكتور راتب مؤلفا :


 
الدكتور راتب :
 من خلال تدريسي في جامع النابلسي اخترت من آلاف المحاضرات أنجحها، وما من إنسان يعمل في التعليم إلا ويشعر من حين لآخر أن هذه المحاضرة متميزة ، وأنها تحتل المرتبة الأولى .
 

1 ـ " النظرات في الإسلام " :


 اخترت من محاضراتي في الجامع عددًا كبيرًا من المحاضرات التي أظن أنها ناجحة جداً، وجمعتها في كتاب هو
 " النظرات في الإسلام ".
 
 

2 ـ " التأمّلات في الإسلام ":


 وتابعت هذا العمل في كتاب آخر سميته " تأملات في الإسلام ".
  

3 ـ " الومضات  في الإسلام " :


والآن أعد مجموعة ثالثة سأسميها إن شاء الله : " ومضات في الإسلام ". [ وقد صدرت ]
 فكتاب نظرات في الإسلام ، وتأملات في الإسلام ، عبارة عن محاضرات ألقيتها في جامع النابلسي ، متميزة في موضوعها، وفي أسلوبها، فجمعتها في كتاب أول { نظرات في الإسلام }، وفي كتاب ثانٍ{ تأملات في الإسلام.}
 
 

4 ـ " أسماء الله الحسنى ":


 أما كتاب " الأسماء الحسنى " فألقيت في جامع العثمان في دمشق مئة درس حول أسماء الله الحسنى ، هذه الدروس تتميز بشيء، أنني بادئ ذي بدء اعتمدت على ما في الكتب من تعريفات واصطلاحات ، هذه لم أغفلها لأنها من علماء كبار، ثم شرحت أسماء الله الحسنى بطريقة جديدة ، هذه الطريقة أنني أردت أن أُعرف الناس ، أو طلاب العلم باسم " اللطيف "، مثلاً، فآتي بحوادث، بآيات كونية، بآيات تكوينية، بآيات قرآنية، اعتمدتُ الآيات الكونية، لشرح اسم الله " اللطيف " مثلاً، والآيات التكوينية أفعاله، الآيات الكونية خلقه، والآيات التكوينية أفعاله، والآيات القرآنية كلامه فكان شرح " الأسماء الحسنى " من هذه الزاوية، من الآيات الكونية، والتكوينية، والقرآنية ومن تجارب شخصية، ومن قصص سمعتها مؤثرة جداً، لم يكن الاسم يشرح بصفحة أو نصف صفحة، الاسم يشرح في عشرين أو ثلاثين صفحة، فلذلك الكتاب اسمه موسوعة أسماء الله الحسنى، والفضل لله لاقى هذا الكتاب نجاحًا كبيرًا جداً، واعتمد في بعض البلاد الإسلامية ككتاب الأول في بابه.
 ذهبت إلى القاهرة، والتقيت بفضيلة الشيخ متولي شعراوي، وجلست معه جلسات طويلة، كان اللقاء مسجلاً، فهذا الشريط في اللقاءين أفرغته ونقحته وجعلته كتاباً وكتاب لطيف جداً لعلي آتيكم به إن شاء الله .
 
 

5 ـ " الإسراء والمعراج ":


 في موضوع " الإسراء والمعراج "، هذه الحقيقة كتيبات.
 
 

6 ـ " الله أكبر ":


هذه عن الإسراء والمعراج، وتلك عن الحج، وهذه عن الهجرة.
 في أثناء تدريسي في عدة موضوعات متكاملة عن الحج ، حكم الحج ، أحكام الحج ، مشكلات المسلمين في الحج مثلاً، المقترحات، فجمعت خطب الحج كلها في كتيب سميتها " الله أكبر ".
 
 

7 ـ " موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة " :


 لكن الكتاب الذي سيصدر بعد شهرين إن شاء الله هو كتاب " موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة "، 800 صفحة هذا الكتاب.
 
 

8 ـ " تفسير سورة النور، وجزء عم ":


 ومعه كتاب سورة " النور " وتفسير " جزء عمّ " إن شاء الله، هو تحت الطبع هذه الكتب.
 
 
المذيع :
 هل هذه الكتب متوفرة في أسواق دمشق ؟.
 
 
الدكتور راتب :
 طبعاً تباع بكل المكتبات ، تباع بمعظم الدول العربية ، في الخليج، وفي السعودية ، وفي مصر، وفي شمال إفريقيا.
 
 
المذيع :
 إذاً: غزارة ما شاء الله في المعلومات ، وغزارة حتى في الكتب التي تؤلفونها ، هل المحاضرة تأخذ منك وقت لإعدادها ؟.
 
 

كيف أحضر الدروس والمحاضرات :


 
الدكتور راتب :
 والله أنا أحترم الذي يأتي من بيته ، هذا الذي ترك زوجته وأهله وأتى إلى المسجد، ينبغي أن أحترمه، أنا أحترم الذي يُعد درسه ، لأنه هذا احترام للمستمع ، من الصعب أن تشد إنسانًا بكلام عام ، بكلام ما فيه تفاصيل ، ما فيه أدلة، الذي يأتي على خاطرك تأتي به ، درس فوضوي ، عشوائي، غير محضر، أما حينما تختار موضوعًا واحدًا ، وحينما تأتي بأدلة، بعضها واقعي، بعضها فطري، بعضها أصولي، بعضها نصي ، وحينما تأتي بأمثلة، وتأتي بشواهد، وتأتي بقصص، وتأتي بتحقيقات علمية حول الموضوع الواحد، هذه الطريقة في التدريس تشد الناس إلى الدرس .
مثلاً : أنا حينما أخطب ، وهناك من المستمعين من يحب العمق الفكري فلابد من فقرة في الخطبة نسميها العقائدية ، فيها تفسير عميق لما في الحياة ، ولا بد من فقرة نصية ، نص صحيح تسهم في شرحه شرحاً عميقاً جداً، ولا بد من فقرة علمية، توائم بين العصر الحديث وهذا الدين القويم، لأنه هناك طلاقاً بين العلم والدين، في الأوساط الجاهلة لابد من أن يشعر هذا المستمع أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن، ولا بد من فقرة قصصية، القصة تشد كل الناس، تشد الصغير والكبير، فإذا كان في موضوع واحد فكرة نصية، وفقرة عقائدية، وفقرة قصصية، وفقرة علمية، تكون قد جمعت أسباب النجاح من أطرافها كلها.
 هذا الذي يسبب إقبال الناس على الدرس، الدرس منظم، والدرس ما في كلمة لا دليل لها، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، أنا أعتمد الإعداد المطول ، وتنظيم الأفكار ودعمها بالشواهد ، لا يمكن أن يقول أحد في الدين برأيه ، من أنت ؟.
 

(( ابن عمر، دينك دِينك ، إنما هو لحمك ودمك ، فانظر عمن تأخذ ، خذ الدين عن الذين استقاموا ـ في عقيدتهم ـ ولا تأخذ عن الذين مالوا ))


 

[ عن ابن عمر ]

 

(( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ))

 

[ رواه عن أنس، السجزي عن أبي هريرة ]


 المثقف لا يقبل العرض الخرافي، لا يقبل الكرامات إذا توسعنا فيها، مع أنني أؤمن بها، ولا أنطق بها أبداً، لا يقبل المنامات، لا بد من طرح علمي يحترم المثقف، المثقف إذا شُد إلى الدرس هذا يكون داعية في المستقبل .
هذا والله أعلم سبب نجاح الدروس في دمشق.
 
المذيع :
 فضيلة الدكتور، قبل أن ننطلق، وما دمنا تحدثنا عن المحاضرة ، لا نرى ورقة في يدكم عندما تلقون المحاضرة ، لا نرى أفكارًا معينة تدونها قبل ذلك ، وتحضرون للمحاضرة ، فكيف ذلك ؟ هل تعتمد على الذاكرة ؟.
 
 
الدكتور راتب :
 والله أنا أعتمد على ذاكرتي .
 
 
المذيع :
 فضيلة الدكتور، طبعاً بعد هذه الرحلة العلمية ، هناك أيضاً دروس وندوات تلفزيونية .
 
 

الدروس والندوات التلفزيونية :


 
الدكتور راتب :
 شيء لطيف ، تلفزيون الشارقة جاء إلى دمشق ، وسجلت ثلاث ندوات ، هل تصدق أنها أعيدت 14 مرة ، كان فيها توفيق كبير، واحدة عن آية الله في السماوات والأرض، وواحدة عن آيات في خلق الإنسان ، واحدة عن أصول الدعوة ، هذه الدروس أُعيدت مرات ومرات، في تلفزيون أبو ظبي سجلت ، وفي تلفزيون الشارقة سجلت.
لي في الفضائية السورية دروس دورية كل أسبوعين، في برنامج اسمه الفقه الحضاري ، وبرنامج الإسلام هو الحياة ، في القناة الثانية لي في كل مناسبة ندوة .
 
المذيع :
 رأيت مرة أن هناك دروسًا حتى قديمة عبر التلفزيون .
 
 
الدكتور راتب :
 نحن دروس في رمضان، كل رمضان لي دروس ، هذه قديمة جداً، من عشرين سنة تقريباً.
 
 
المذيع :
 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، الوقت ممتع حينما نتحدث عنكم، وعن هذه المحاضرات، وكيفية الاستماع إليها، ولكن بعد هذه الرحلة الطويلة، طبعاً ذكرت أنك كنت تتأمل كثيراً، فمن الممكن أن تكون نصيحة ، أو حكمة ، أو فائدة ، بعد هذه الحياة ، أمد الله لكم بالعمر، طبعاً كي نستفيد من علمكم ، وخبرتكم ، فما هي الحكمة التي وصلتم إليها ؟
 
 

نصائح مستخلصة من حياة الدكتور محمد راتب النابلسي :


 
الدكتور راتب :

1: عليك بالعلم :


 ما من صفة في الإنسان مادية إلا وفي الحيوانات ما يفوقه بها، إلا صفة العلم والإيمان، فالإنسان حينما يتخلى عن طلب الحقيقة ، ويتخلى عن طلب العلم ، ويقنع أن يعيش ليومه ، ولوقته ، يهبط من مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به أبداً.
لذلك قالوا: إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل .
طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، والجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً، الحقيقة الجاهل عدو نفسه، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، وهناك أخطاء مدمرة  يرتكبها الإنسان لجهله .
 حينما ينطلق الإنسان من حبه لذاته، حينما ينطلق من أنانيةٍ مفرطة يطلب العلم ، الحقيقة أن هذا الدين هو لسعادة الإنسان، ولو شققت على صدر 6000 مليون إنسان على وجه الأرض لا تجد واحداً لا يتمنى السلامة والسعادة، ولكن لماذا الشقاء ؟ ولماذا القهر ؟ ولماذا الفقر ؟ ولماذا الحروب ؟ لأن هذا الإنسان خرج عن منهج الله، فما من مشكلة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب خروج عن منهج الله، عن تعليمات الصانع، وما من خروج عن تعليمات الصانع إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان ، لذلك أزمة أهل النار واحدة :
 

﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)﴾


 
 

( سورة الملك )

2 ـ الدين ضمانٌ لسلامة الإنسان وليس قيدا لحريته :


 حينما يرى الإنسان أن الدين قيود يكون شارداً، أنت تمشي في طريق، أو تمشي في حقل، فإذا به لوحة كتب عليها، منطقة ألغام ممنوع التجاوز، هي ضمان لسلامتك حينما أفهم أوامر الدين ضمان لسلامتي لا يمكن أن أخالفها، وحينما الإنسان ينطلق من معرفة الله عز وجل، ومعرفة سر وجوده وغاية وجوده يصح عمله.
 

3 ـ لابد أن تعرف الهدف من حياتك :


 أنا أقول لك كلمة: لو أنك ذهبت إلى بلد غربي، ونزلت في أحد الفنادق، واستيقظت صبيحة اليوم الأول، وسألت: إلى أين أذهب ؟ سؤال غريب، أسألك أنا: لماذا جئت إلى هنا ؟ إن كنت جئت طالب علم فاذهب إلى المعاهد والجامعات، وإن جئت تاجراً فاذهب إلى المعامل والمؤسسات، وإن جئت سائحاً فاذهب إلى المقاصف والمتنزهات.
معنى ذلك أن حركة الإنسان في الحياة لا تصح إلا إذا عرف سر وجوده
 
 

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾


 

( سورة الذاريات )


 العبادة طاعة طوعية، تسبقها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، المعرفة سبب، والسلوك أصل، والقضية الجمالية هدف، وقصد:
 

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾


 

( سورة هود الآية: 119 )


 ما من إنسان يفكر في مصيره إلا يقبل على ربه، لكن مشكلة الناس أنهم يعيشون لحظتهم، يعيشون لحظتهم فقط، لذلك يقعون في شر كبير.
 
المذيع :
 فضيلة الدكتور، الدعوة إلى الله عنوان كبير، بدأت به منذ سنوات، وها قد وصلتم إلى هذه المرحلة، وإن شاء الله في تقدم مستمر، رأينا من خلال السنوات الأخيرة أن هناك على ( ويب سايت )، الانترنيت موقع خاص بالدكتور محمد راتب النابلسي، حبذا لو نتحدث عن هذا الموقع .
 
 

استخدام الانترنت :


 
الدكتور راتب :

1ـ الإنترنت لغةُ العصر:


 العلماء حينما قرؤوا قوله تعالى :
 

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾


 

( سورة إبراهيم الآية: 4 )


ما معنى

﴿ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾


 قد يفهم الإنسان هذه الآية على أنه جاء لقوم عرب، فلغته عربية، لا، هناك أساليب النشر، الإنترنت أوسع أداة للنشر، أداة عالمية، إذا كان مستخدمو الانترنيت يزيدون على مئتي مليون، فأنت إذا أحدثت موقعاً في الإنترنت، وكان ناجحاً في تجديد يومي، وأسبوعي، وفي قضايا تمس حاجة الإنسان تكون داعية من الطراز الأول .
 

2 ـ مواقع النابلسي على شبكات الإنترنت:


 والفضل لله عز وجل لي موقعان: الموقع الأول زواره يزيدون على عشرة آلاف زائر في الأسبوع ، بسبب الكم الكبير في هذا الموقع ، حوالي ستون ألف صفحة .
 
 

3ـ الفتاوى عبر الإنترنت :


 شيء آخر، أنا هذا الموقع وضعته في خدمة موقع إحصائي ، هذا الموقع يقول لي:  علامَ يقبل الناس على هذا الموقع، فأنا أهتدي بالإقبال الناس فأجدد في المواقع التي عليها طلب شديد، فيها فتاوى، وفيها كل شيء.
 
 
المذيع :
 هناك من يرسل لك فتوى ؟
 
 
الدكتور راتب :
 نعم أسبوعياً تقريباً.
 
 
المذيع:
لمن أراد أن يتابع هذا الموقع: www.nabulsi.com
 فضيلة الدكتور، طبعاً من خلال هذه السنوات، والدعوة إلى الله، كيف ترى الدعوة إلى الله الآن في هذه السنوات الأخيرة، هل هي في تقدم، هل الدعاة على المستوى الفكري كي يقدمون ما هو جديد ؟
 
 

كلمة من الدعوة :


 
الدكتور راتب :
 ما من عمل يتذبذب بين أن يكون عملاً خطيراً جداً يرقى إلى مستوى صنعة الأنبياء كالدعوة إلى الله، والدعوة إلى الله نفسها تهبط إلى مستوى أن تكون عملاً لا يستأهل إلا ابتسامة ساخرة، حينما تعيش للدعوة، وحينما تموت من أجلها، تكون بمستوى صنعة الأنبياء، أما حينما ترتزق بها تكون في مستوى لا يليق بالداعية إطلاقاً.
 
المذيع :
 بارك الله بكم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، طبعاً مسيرة غنية بالمعلومات، وإن أردنا الاستفاضة طبعاً قد نكون بحاجة لحلقات وحلقات، ولكن الآن ما هي الكلمة الأخيرة في هذا اللقاء ؟
 
 

كلمة أخيرة ختامية :


 
الدكتور راتب:

1 ـ لا ينبغي للداعية أن يكون محسوبا على جهة أرضية :


مرة ذهب الشعراوي رحمه الله إلى لندن، فجاءت رسائل لا تعد ولا تحصى، شيء يلفت النظر، فأجري معه مقابلة في البي بي سي، سأله المذيع : ما هذه المكانة التي حباك الله بها ؟ والله قال إجابة رائعة جداً، قال: لأنني محسوب على الله.
 لا يليق بالداعية أن يكون محسوباً على جهة أرضية، إنه أكبر من هذا بكثير، لا يليق بالداعية أن يحسب على أحد، ولا أن ينتمي إلى أحد، إنه يمثل دعوة السماء إلى الأرض، فحينما يترفع الداعية على أن يكون منحازاً إلى جهة أرضية تكون دعوته مستمرة ، أما إذا ألصق نفسه بجهة أرضية، وانهارت هذه الجهة انهار معها، فهذه الكلمة أتمنى على كل داعية أن يتمثلها.

2 ـ لا يحترم دينُ الإنسان إلا إذا تفوق في دنياه :


شيء آخر: لا يحترم دينه إلا إذا تفوق في دنياه، حالة استثنائية، لا يمكن أن يحترم دين الإنسان إلا إذا تفوق في دنياه، طبعاً وفق المنهج الإلهي.
 مثلاً: لو رأيت إنساناً له دين وضعي، دين أرضي، قذر، يتسول، هل تفكر ثانية أن تقرأ عن دينه شيئاً ؟ هو حجبك عن دينه، بهيئته المزرية، والمسلم حينما لا يستقيم، ولا يتقن عمله، ولا يكون إنساناً حضارياً يحجب الناس عن إسلامه، لذلك أدق آية:

﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾

 

( سورة الممتحنة الآية: 4 )


 حينما المؤمن ينحرف، حينما لا يصدق، حينما لا يتقن عمله، حينما لا يتأكد من صلاح عمله، يأتي الطرف الآخر فيعتد بكفره، أما إن رأى منك علماً، وخلقاً وانضباطاً، ووفاء، عندئذٍ يعظم دينك، فلا يمكن أن ينتشر هذا الدين بالكتب، لا ينتشر إلا بمسلم متحرك.
قال بعض العلماء: " الكون قرآن صامت، وأن القرآن كون ناطق، وأن النبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي "، نحن نريد مسلما يمشي، ليكون قدوة، والناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم.
 

خاتمة وتوديع :


 
المذيع :
 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، في نهاية هذا الحديث لا يسعنا إلا أن نذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم :
 


(( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ))


 

[ متفق عليه ]


 نتمنى لكم الصحة والعافية، كي تمدونا بهذا العلم، والحكمة نشكركم على هذه السعة.
 

اللهم لا تؤأخذني بما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون :


 
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم ، الحقيقة ما سبق لي أن تحدثت عن نفسي إطلاقاً، وأنا أرى أن الإنسان لا ينجح في دعوته إلا إذا وضع نفسه في التعتيم الكامل، الداعية الناجح هو بلّور شفاف، يشف عما وراءه، فأرجو المعذرة .
 
المذيع :
 والله نستفيد من كل جواب سألناك عنه، ونستفيد من سيرتكم ومسيرة العلماء كي نتعلم، وندرس كيف تعلموا، كيف وصلوا إلى هذه المكانة.
 
 
الدكتور:
 لكن لسيدنا الصديق كلمة رائعة، حينما مُدح، قال: << اللهم إنك أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيراً مما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون >>.
 
 
المذيع :
 وهنا الآن نقول الواقع ، ولسنا في موضع المديح ، نشكركم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي لسعة صدركم ، ولإتاحة الفرصة لنا لكي نتحدث عن هذه السيرة، ونستفيد إن شاء الله منها .
أيها الإخوة والأخوات إلى حلقة قادمة، ومع شخصية جديدة نستودعكم الله .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور